تعا تفرج
الحرية التي صارت عندنا
خطيب بدلة
حرية دون حدود.. كانت هذه رغبة صديقي، وأستاذي، اللواء المتقاعد غازي أبو عقل، كبير المحررين في صحيفة الكلب (وهم، على فكرة، محرر واحد)! قلت له: يا عمي أبو صبحي، عم يسبونا. فقال لي: خليهم يسبونا، المهم يصير عندنا حرية.
الحرية رائعة، طبعًا، وهل يرفضها، أو يتحفظ عليها عاقل؟ أبدًا، ولكن الحرية التي صارت عندنا غير مضبوطة، ولا مقوننة، ولا مدسترة، صار بإمكان أي سوري، اليوم، حتى ولو كان لاجئًا في تركيا، أو في السويد، أو النمسا، أن يتحدث باسم محافظة سورية كاملة، عدد سكانها يزيد على مليوني إنسان، ويخاطب إنسانًا سوريًا من أبناء تلك المحافظة، قائلًا له: أهل بلدك لا يريدونك، إياك أن ترجع. لماذا يفعل ذلك؟ لأنه حر، أحب أن يعبر عن رأيه! وأصبح بإمكان سيدة تقيم في دولة أجنبية، ذات نظام علماني ديمقراطي، أن تصرح بأن شعبنا، يريد إقامة دولة إسلامية! ويحق لشخص، التحق بالثورة يوم 8 من كانون الأول 2024، أن يسأل رجلًا أمضى عمره في معارضة نظام الأسدين: وين كنت من 14 سنة؟
هذا النوع من الحرية الفوضوية، ينتج أسئلة مضحكة مبكية، تذكرنا بأيام كان عنصر الأمن الجنائي، يسأل المتهم الذي لا يعرف شيئًا عن سبب اعتقاله: يوم الأربعاء قبل الماضي، الساعة 4:13 بعد الظهر، وين كنت؟ أو: يوم الاثنين، الساعة ثلاثة وجه الصبح، كانت لمبة البرندا الشرقية في دارك مضاءة، ليش كانت مضاءة؟
قبل يومين، اتصل بي أحد أصدقائي، من محافظة إدلب، وقال لي: تعا تفرج الناس شلون عايشين ومبسوطين، والسيارات والموتوسيكلات، من إدلب إلى اللاذقية، متل القش والتراب، وشواطئ البحر مكتظة بالناس، وكل شيء تمام التمام.
المنظر الذي وصفه صديقي، بلا شك، سار، ويعبر عن “بعض” تجليات الحرية، ولكن، لا بد من السؤال: قبل أن تدفع سوريا كل هذه التكاليف البشرية والاقتصادية الباهظة، ألم يكن أهالي حلب وإدلب وحمص وحماة ودمشق ودير الزور والرقة، يذهبون إلى شاطئ البحر، في الصيف، بكثافة، ويسبحون، ويروحون عن أنفسهم؟ سؤال آخر: هل سيأتي يوم، تصبح فيه حرية المواطن السوري الشخصية مكفولة، لا يحق لأحد أن يتجاوز عليها إلا بموجب قوانين واضحة؟
هنا، أصل إلى ما يسمونه، في عالم الشعر، بيت القصيد، الذي يمكن تلخيصه بكلمتين هما “قوانين الحرية”. فإذا عدنا إلى الوصف الذي قدمه لي صديقي الإدلبي، نتساءل: ماذا عن قانونية هذا المشهد الصيفي الجميل؟ هل يطبق قانون السير على الآليات الذاهبة للاصطياف على البحر؟ هل تعرضت المركبات، التي تنقل المصطافين، لفحص الميكانيك، ولا يوجد بينها واحدة تطلق الدخان السام في الهواء؟ ما التعليمات التي أصدرتها وزارة السياحة لحماية الحرية الشخصية للذين يسبحون في الشاطئ؟ والأماكن المخصصة للسباحة، هل هي صالحة، خالية من المخاطر؟
يمكن لك، الآن، أن تنظر إلى كلامي على أنه مثالي، غير قابل للتطبيق، وأجيبك، بكل بساطة: ما معنى أن يكون تطبيق القوانين في معظم دول العالم ممكنًا، ولا تجد عندنا غير الفوضى؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :