
الرئيس السوري برفقة وزير الإعلام ومدير شركة "المها" محمد العنزي خلال توقيع مذكرة تفاهم للمدينة الإعلامية في قصر الشعب - 30 حزيران 2025 (سانا)
الرئيس السوري برفقة وزير الإعلام ومدير شركة "المها" محمد العنزي خلال توقيع مذكرة تفاهم للمدينة الإعلامية في قصر الشعب - 30 حزيران 2025 (سانا)
عنب بلدي – سدرة الحريري
أثار توقيع وزارة الإعلام السورية مذكرة تفاهم مع شركة “المها” الكويتية لإنشاء مدينة إعلامية تحمل اسم “بوابة دمشق” موجة من التفاعلات المتباينة، بين من رحب بالمبادرة كمؤشر انفتاح استثماري في قطاع الإعلام، ومن شكّك بجدواها لغموض تفاصيلها.
وجاءت مراسم التوقيع في القصر الجمهوري، ما أضفى على الحدث طابعًا رمزيًا لافتًا، لكنه في المقابل أثار تساؤلات حول أسباب تقديم مشروع غير نهائي بهذا الحجم ضمن أجواء رسمية عالية المستوى.
أعلنت وزارة الإعلام السورية، في 1 من تموز، من داخل القصر الجمهوري في دمشق، توقيع مذكرة تفاهم مع شركة “المها” الكويتية، بهدف إنشاء أول مدينة إعلامية في البلاد تحت اسم “بوابة دمشق”، وذلك بحضور الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، ووزير الإعلام، حمزة المصطفى، والرئيس التنفيذي لشركة المها، محمد العنيزي، وبحسب الإعلان، تُقدّر تكلفة المشروع الاستثمارية بنحو 1.5 مليار دولار.
ووفق ما صرّح به الوزير المصطفى، من المخطط أن تُقام المدينة على مساحة تقارب مليونَي متر مربع في العاصمة دمشق، وتضم استوديوهات خارجية تستوحي طرازها من العمارة التاريخية العربية والإسلامية، إلى جانب استوديوهات داخلية مجهزة بأحدث تقنيات البث والإنتاج.
وأضاف أن المشروع يتوقع أن يوفر نحو 4000 فرصة عمل مباشرة، إلى جانب 9000 فرصة موسمية، مشددًا على سعي الوزارة إلى جعل الإعلام شريكًا فاعلًا في التنمية، وتجسيد رؤية “سوريا الجديدة” من خلال ما وصفه بـ”مشروع طموح يعيد للإعلام مكانته”.
تعد شركة “المها للإنتاج الفني” واحدة من أبرز شركات الإنتاج الدرامي في المنطقة العربية، حيث تمتد فروعها في كل من الكويت والسعودية ولبنان. تتخصص الشركة في الإنتاجات الدرامية التاريخية، وقد رسّخت حضورها من خلال أعمال كبيرة تناولت شخصيات وأحداثًا مفصلية في التاريخ الإسلامي والمسيحي.
من أبرز إنتاجاتها مسلسل “فتح الأندلس” (طارق بن زياد) الذي أُنجز عام 2021 ويُعد أضخم عمل درامي في مسيرتها، إلى جانب أعمال مثل “خالد بن الوليد”، و”الحسن والحسين”، و”الإمام أحمد بن حنبل”، و”العذراء والمسيح”، التي تميزت بالإنتاج الضخم والطرح التاريخي الدقيق.
ويشغل محمد سامي العنزي، المخرج والمنتج الكويتي، منصب الرئيس التنفيذي للشركة، حيث يقود توجهاتها الفنية والإنتاجية، ويُعرف بدوره المؤثر في تعزيز حضور الدراما التاريخية في الساحة العربية.
أثار الإعلان عن توقيع مذكرة تفاهم في المرحلة الانتقالية جدلًا واسعًا بين من رحّب بها بوصفها خطوة نحو استثمار اقتصادي إعلامي، ومن شكك في جدواها القانونية، متهمين الحكومة بأنها تروج لمجرد “نوايا” على أنها التزامات ملزمة.
وبرز تساؤل رئيس في هذا السياق، هل تُعد مذكرة التفاهم ملزمة قانونيًا؟
في حديث إلى عنب بلدي، أوضح المحامي أحمد جهاد نجيب أن مذكرات التفاهم لا تُعد عقودًا قانونية ملزمة، لا من فئة العقود المسماة ولا غير المسماة، إذ إنها لا تتضمن التزامات أو مطالب قانونية يمكن عرضها أمام القضاء.
وأشار إلى أن “مذكرة التفاهم، كما يدل اسمها، تعكس تفاهمًا أوليًا ونيات مشتركة بين الأطراف، لكنها لا ترقى إلى مستوى العقد الملزم إلا في حال تضمّنت بندًا صريحًا يربط التفاهم بتحوّله لاحقًا إلى عقد في حال تحقق الإيجاب والقبول”.
وأكد نجيب أن الإرادة الظاهرة في مذكرات التفاهم غالبًا ما تكون تمهيدية وغير ذات أثر قانوني مباشر، إذ تهدف إلى التعبير عن رغبة الأطراف بالتعاون أو التفاوض المستقبلي.
وأضاف أن هذه المذكرات “ليست ذات جدوى قانونية”، ما لم تُترجم إلى عقود تحتوي على التزامات صريحة ومحددة يمكن التقاضي بشأنها.
المدن الإعلامية ليست مجرد مجمعات إنتاج تلفزيوني، بل تُعد منصات اقتصادية واستثمارية متكاملة تسهم في تحفيز النمو، واستقطاب رؤوس الأموال، وتعزيز دور الإعلام في الاقتصاد الوطني.
وتُظهر تجارب إقليمية ناجحة مدى قدرة هذه المشاريع على تحقيق عوائد ملموسة:
هذه الأرقام تؤكد أن المدن الإعلامية يمكن أن تتحول إلى روافع اقتصادية حقيقية، متى ما توفرت لها بيئة قانونية واستثمارية جاذبة ومستقرة.
وفي ظل الضبابية القانونية التي تحيط بمذكرة التفاهم، يبقى مشروع “بوابة دمشق” بين تطلعات إعلامية كبيرة وشكوك قانونية واقتصادية لم تبددها التصريحات الرسمية.
وبينما يرى البعض فيها خطوة أولى نحو إعادة سوريا إلى خارطة الإنتاج الإعلامي الإقليمي واستثمارًا في المحتوى والاقتصاد الإعلامي، يعتبرها آخرون مجرد إعلان رمزي غير قابل للتحقق في غياب ضمانات تنفيذ واضحة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى