
لحظة وصول الرئيس أحمد الشرع إلى الإمارات تزامنًا مع إعلان توماس باراك بدء المحادثات بين سوريا وإسرائيل- 7 تموز 2025(رئاسة الجمهورية العربية السورية/فيس بوك)
لحظة وصول الرئيس أحمد الشرع إلى الإمارات تزامنًا مع إعلان توماس باراك بدء المحادثات بين سوريا وإسرائيل- 7 تموز 2025(رئاسة الجمهورية العربية السورية/فيس بوك)
عنب بلدي – كريستينا الشماس
عززت تصريحات المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توماس براك، وبعض التسريبات في الصحافة الغربية والإسرائيلية، التكهنات حول وجود محادثات جادة بين سوريا وإسرائيل بوساطة من أمريكا ودول الخليج، للوصول إلى اتفاقيات بين الطرفين غير محددة المسار، وانضمام سوريا إلى اتفاقيات “أبراهام”، أو العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك التي وقعت مع الجانب الإسرائيلي عام 1974.
وصرح المبعوث براك أن الحوار بين سوريا وإسرائيل قد بدأ، تزامنًا مع وصول الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، إلى دولة الإمارات، في 7 من تموز الحالي.
وقال براك في مؤتمر صحفي عقده في بيروت، إن الحكومة السورية الجديدة التي تولت السلطة العام الماضي بعد سقوط “حليف إيران” بشار الأسد، تفتح الآن حوارًا مع إسرائيل.
ونقلت وكالة الأنباء السورية (سانا) أن الرئيس الشرع في زيارة رسمية إلى الإمارات دون توضيح مبررات الزيارة والجوانب التي ستناقش.
نقلت قناة “i24” الإسرائيلية عن مصدر سوري وصفته بأنه مقرب من الرئيس السوري، أحمد الشرع، قوله، إن من المتوقع أن يلتقي الشرع برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في أيلول المقبل.
وسيكون الاجتماع في العاصمة الأمريكية واشنطن، قبل اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، بحسب ما نقلته القناة الإسرائيلية عن مصدرها السوري الذي لم تكشف عن اسمه، في 8 من تموز.
الباحث والمحلل السياسي حسن النيفي، قال لعنب بلدي، إن الحديث عن شروع سوريا بدخول مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، كثر منذ لقاء الرئيس الشرع بالرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالسعودية، في 14 من أيار الماضي.
وأوضح النيفي أن الغاية من هذه المفاوضات هي الوصول للانضمام إلى اتفاقيات “أبراهام”، أو الوصول إلى التطبيع مع إسرائيل، والذي عزز من هذه الأخبار، ما ذكره الرئيس ترامب عندما عرض على الرئيس الشرع حينها انضمام سوريا إلى تفاهمات مع إسرائيل، لكن هذا العرض لم يكن شرطًا ملزمًا لسوريا.
ويعتقد النيفي أن الحكومة السورية لا تستطيع الذهاب إلى اتفاقيات في الوقت الحالي، بل تسعى لإبرام اتفاقيات أمنية وليست استراتيجية، الغاية منها تجنيب سوريا العدوان الإسرائيلي المتكرر، الذي لم يتوقف منذ سقوط النظام السابق، سواء عبر التوغلات اليومية أو عبر الاستهداف بالطيران، وهذا يقلق الحكومة السورية فضلًا عن أنه يعد عامل تقويض لأي استقرار مستقبلي في سوريا.
بالمقابل، يرى الباحث السياسي نادر الخليل، أن من المبكر الحديث عن اتفاقية قريبة، إذ إن المحادثات لا تزال في مراحلها الأولى، ومع ذلك فإن زيارة الشرع إلى الإمارات وتصريحات توماس براك غالبًا تشير إلى وجود تقدم في التفاهمات، وقد تكون الاتفاقية مرتبطة بملفات محددة مثل الحدود “خاصة منطقة القنيطرة”.
أشار الخليل إلى أن سوريا أمام سيناريو العودة لاتفاق فض الاشتباك لعام 1974، ما يعني ترسيم الحدود وإنشاء منطقة عازلة، وهذا السيناريو أقل طموحًا، ولكنه أكثر واقعية في المدى القصير، أو قد تدرس سوريا الانضمام إلى اتفاقيات “أبراهام”، وهذا السيناريو أكثر تعقيدًا، ويتطلب تغييرات جذرية في السياسة السورية.
وأوضح المحلل السياسي حسن النيفي، أن هناك الكثير من الموانع التي لا تتيح للحكومة السورية الذهاب إلى أبعد من الاتفاقات الأمنية.
وما تريده سوريا هو الرجوع إلى اتفاقية فض الاشتباك، وهذا ما صرح به الرئيس الشرع منذ وصوله إلى السلطة، ويريد من إسرائيل الالتزام بوقف إطلاق النار وعدم تجاوز الحدود المتفق عليها دوليًا، ولكن إسرائيل لا تلتزم بهذه المسألة، وربما تستخدم العدوان اليومي كورقة ضغط على الحكومة السورية لإجبارها على الدخول في اتفاقيات مباشرة أو اتفاقات بعيدة المدى أو تطبيع، خاصة أن أمريكا أيضًا تدفع بهذا الاتجاه.
ما اتفاقية 1974
وُقعت اتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل عام 1974، بعد حرب 6 من تشرين الأول، بهدف الفصل بين القوات المتحاربة من الجانبين وفك الاشتباك بينهما.
وتضمنت الاتفاقية ترتيبات لفصل القوات، وحددت خطين رئيسين عرفا بـ”أ” و”ب”، يفصلان بين المواقع العسكرية السورية والإسرائيلية.
كما وافقت سوريا وإسرائيل على عمل قوة مراقبي فصل القوات التابعة للأمم المتحدة (أندوف)، للمحافظة على وقف إطلاق النار، والإشراف على الاتفاقية والبروتوكول الملحق بها بشأن مناطق الفصل والتحديد.
وستكون قوة مراقبي فصل القوات التابعة للأمم المتحدة تحت قيادة الأمم المتحدة المسندة إلى الأمين العام، تحت سلطة مجلس الأمن.
لفت النيفي إلى أن هناك موانع كثيرة تواجهها الحكومة السورية للدخول في اتفاقيات مباشرة مع إسرائيل، أولها أن الحكومة الحالية تفتقد إلى الركن التشريعي، بمعنى إبرام اتفاق صلح دائم مع إسرائيل بحاجة إلى قرار من برلمان منتخب، وهذا غير متوفر في سوريا حاليًا.
والسبب الآخر هو أن الذهاب إلى اتفاقيات مع إسرائيل الآن سيجعل من سوريا تذهب إلى مفاوضات دون أي أوراق قوة، فهي لا تملك شيئًا، والذهاب بشكل منفرد هو كالتسليم لإسرائيل بما تريد بالمطلق، بحسب النيفي.
ويعتقد أن الحكومة السورية تفكر في مسار مغاير، فهي لا تمانع عقد اتفاقيات دائمة مع إسرائيل، ولكن لا تريد أن تذهب إلى صلح منفرد دون أي أوراق قوة.
ونوه المحلل السياسي، النيفي، إلى أن سوريا تريد أولًا أن يكون هذا القرار منبثقًا من إرادة الشعب السوري حينما يكون هناك برلمان سوري، وأيضًا تريد أن تستعيد قسمًا من أراضي الجولان، ليس فقط الذهاب لمصالحة إسرائيل وفقا لشعار “السلام مقابل السلام”.
ومن وجهة نظر الباحث السياسي نادر الخليل، هناك بنود على الجانب السوري التمسك بها، فيجب أن تؤكد سوريا على سيادتها الكاملة على محافظة القنيطرة، خاصة بعد التوغل الإسرائيلي الأخير.
كما أن أي اتفاقية يجب أن تشمل بنودًا واضحة حول حقوق السوريين من سكان الجولان، الذين نزحوا بسبب الاحتلال الإسرائيلي، والاتفاق على ترسيم الحدود بشكل واضح وإنشاء مناطق عازلة لمنع التصعيد، وفقًا للخليل.
قال الباحث نادر الخليل، إن الإمارات تلعب دورًا محوريًا في تسهيل وساطة الحوار بين سوريا وإسرائيل، مستفيدة من علاقاتها القوية مع الطرفين، كما تعمل على تعزيز مكانتها كوسيط إقليمي، وتعزيز دورها السياسي والاقتصادي في المنطقة.
بدوره، أشار المحلل السياسي حسن النيفي، إلى أن الدور الريادي للإمارات لا يقتصر على سوريا وإسرائيل، وإنما بين أكثر من دولة عربية، إذ تعد نفسها عرابة العلاقات الإسرائيلية- العربية في هذه المرحلة.
ولا شك أنها تستفيد من ذلك، لأن سوريا تملك موقعًا جغرافيًا استراتيجيًا، كما تعد نواة للأمن والاستقرار في المنطقة، فلذلك يتسابق الجميع لوضع موقع قدم لهم، سواء من جهة مصالح جيوستراتيجية مستقبلية، أو من جهة مصالح اقتصادية، نظرًا إلى مشاريع الاستثمار المقبلة في سوريا بمرحلة إعادة الإعمار في المستقبل القريب.
بعد هزيمة إيران وخروجها من سوريا و”قصقصة” أذرعها في المنطقة وخاصة “حزب الله” في لبنان، باتت أمريكا تتطلع إلى أن تكون سوريا نواة لتنفيذ السياسات الشرق أوسطية المستقبلية، بحسب ما يعتقده المحلل حسن النيفي.
ولفت إلى أن الدعم الأمريكي لسوريا والانفتاح الأمريكي والأوروبي الاقتصادي عليها، ينطلق من زاوية انتقال سوريا من محور ممانع ومناهض لأمريكا وإسرائيل، إلى محور آخر نقيض بهزيمة إيران، وبالتالي تريد أمريكا أن تعزز هذا المحور بجعل سوريا نواة باعثة للأمن والاستقرار الخادم للمصالح الإسرائيلية بالدرجة الأولى.
ويرى الباحث السياسي نادر الخليل، أن أي اتفاقية بين سوريا وإسرائيل ستؤدي إلى تغييرات في التحالفات الإقليمية، خاصة مع دول مثل إيران وتركيا، وقد تستفيد دول مثل الأردن ولبنان من الاستقرار الناتج عن الاتفاقية.
“إذا كنا باتجاه اتفاق سلام يتضمن التخلي عن مرتفعات الجولان تمامًا، وفق ما تريده إسرائيل، فدون شك، سيتحول الاتفاق إلى نقطة ضعف كبيرة للسلطة الحالية أمام قاعدتها الشعبية، وقاعدتها الضيقة ذات الخلفية الجهادية الإسلامية”، وفق ما قاله الباحث السياسي نادر الخليل.
واعتبر أن هذا النوع من الاتفاقيات سيؤدي لاتساع نطاق المعارضين لهذه السلطة، بمن فيهم اليساريون والعلمانيون، لكن في حال كنا باتجاه اتفاق مرحلي شبيه باتفاق فض الاشتباك لعام 1974، ينهي التوتر العسكري والأمني مع إسرائيل في المنطقة العازلة، مع منح ضمانات أمنية لإسرائيل من الجانب السوري، وبصورة توفر استقرارًا أمنيًا للجنوب السوري على المدى الطويل، فلن نكون أمام معارضة، وسيلقى الاتفاق قبولًا واسعًا في الداخل السوري.
ويتفق المحلل السياسي حسن النيفي مع الخليل، في أن المصالحة المجانية مع إسرائيل (السلام مقابل السلام) بالتأكيد مرفوضة عند الشعب السوري، ولكن فيما لو عادت أراضي الجولان إلى سوريا ربما يتحقق هذا الأمر، ويكون بمثابة كسر للقاعدة السابقة.
ويعتقد النيفي أن رفض السوريين المطلق للمصالحة مع إسرائيل تراجع في هذه المسألة نظرًا إلى تجربتهم مع النظام السابق ومحور الممانعة، التي كانت تجربة خاذلة للسوريين.
وبات هناك جزء من القناعة بدأت تتسرب إلى الوجدان الشعبي، أنه لا بد من الخروج من نفق الحروب ونفق الأكاذيب للأنظمة البائدة، والذهاب إن أمكن إلى استعادة الحقوق.
وهذه القناعة لا تعني التفريط بالحقوق، وإنما القبول بمبدأ التعايش ربما مع الكيان الإسرائيلي، ولكن بعد استعادة الأراضي السورية على الأقل، بحسب النيفي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى