الدراما السورية..  من الذاكرة الذهبية إلى فقدان الأثر

أعمال درامية سورية تركت بصمتها عند الجمهور رغم مرورو أكثر من عشر سنوات على عرضها (تعديل عنب بلدي)

camera iconأعمال درامية سورية تركت بصمتها عند الجمهور رغم مرورو أكثر من عشر سنوات على عرضها (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – كريستينا الشماس

تحتل الدراما السورية مكانة خاصة في ذاكرة كل سوري، تعكس الأثر الإيجابي التي استطاعت أن تتركه عند المشاهد، فهناك أعمال مثل “الفصول الأربعة” الذي قدم الواقع العائلي السوري ببساطة وصدق، و”أهل الغرام” الذي لامس قلوب المشاهدين بقصص حبه الواقعية، هذه الأعمال كانت أكثر من مجرد مسلسلات، إذ جسدت انعكاسات حية لما يعيشه الناس في يومياتهم.

أما الكوميديا السورية فكانت لها نكهة خاصة، مثل “ضيعة ضايعة” و”عيلة سبع نجوم”، اللذين لا يزالان حيّين في ذاكرة وبيوت السوريين رغم مرور أكثر من عقدين على عرضهما.

واستطاعت الأعمال الدرامية السورية القديمة أن تشكل حالة وجدانية بقيت حاضرة في الثقافة البصرية السورية، إلا أن المشهد تغير مع الأعمال الدرامية الجديدة، فلم تعد تترك الأثر المطلوب عند المشاهد رغم الأصداء الإيجابية لبعض الأعمال في عرضها الأول، إذ يكتفي الجمهور بمشاهدتها لمرة واحدة.

ضياع الأثر الدرامي

تحدث الناقد الفني جوان الملا، لعنب بلدي، عن الأسباب التي أدت إلى فقدان الأثر للأعمال السورية الجديدة وهو ما يعود لأمرين، أولهما أن المشهد الفني تغير جذريًا بفعل الرقمنة التي تتسم بالسرعة، وكثرة “التريندات” التي باتت شبه يومية، وكثرة الأحداث المتلاحقة لا تتيح للمتابع أن يعيد مشاهدة مسلسل ما أو حتى أن يترك فيه أي أثر عاطفي.

وأوضح الملا أن تسارع الأحداث وانتقال الاهتمام الجماهيري من موضوع إلى آخر، جعل من الصعب على الأعمال الفنية أن تحفر مكانتها عند المشاهد كما كان يحدث في السابق.

كما انتقد الملا توجه بعض الأعمال الجديدة نحو التشبه بالإيقاع السريع الذي تقدمه منصات مثل “نتفليكس”، فهذه الأعمال فقدت الحميمية، والحوارات الطبيعية، والجلسات العائلية التي كنا نراها في الدراما القديمة، لذلك لم تعد هذه الأعمال تلامس وجدان الجمهور السوري مثل قبل.

أما عن القيمة التي فقدتها الدراما السورية، فيرى الملا أن ما غاب هو الحميمية والعفوية والصدق في الطرح، حتى وإن وُجدت بعض الأعمال الجديدة الجيدة.

 

هناك أعمال جديدة جميلة، لكنها تفتقر إلى الصدق أو بعيدة عن الواقع، وهذا يؤثر سلبًا على قيمتها، فكلما كانت الأعمال صادقة وقريبة من الشارع السوري، لامست الناس بشكل أعمق.

جوان الملا

ناقد فني

 

وأشار الملا إلى أن غياب الواقعية في الأعمال الجديدة أضعف التأثير العاطفي وأفقد الجمهور الرابط الإنساني مع الشخصيات، وهو ما كانت تتقنه الأعمال القديمة بشكل لافت.

بين الانقسام والصدق

طغت الأحداث الأمنية والظروف الصعبة بعد الثورة السورية على أعمال الدراما السورية التي عرضت على مدار 14 عامًا، فلم يكن هناك موسم رمضاني تتغيب عنه أعمال تعالج الثورة حتى وإن اختلفت زاوية المعالجة، ما أدى إلى انقسام الجمهور في تقييمه لهذه الأعمال.

أوضح الناقد الفني جوان الملا، أن هذه الأعمال انقسمت بين إنتاجات خاضعة لرقابة النظام السابق وأخرى من إنتاج المعارضة السورية.

ويرى الملا أن الأعمال التي قُدمت تحت إشراف النظام السابق لم تكن جميعها سيئة أو كاذبة، بل احتوت في بعض المواضع على قصص صادقة ومؤثرة، كذلك الأعمال التي قدمت من جانب المعارضة، فهي عالجت القضايا بطريقة راقية وصادقة.

وأشار الملا إلى أن بعض الأعمال التي تناولت الحرب، مثل “ضبوا الشناتي” و”الندم” و”قلم حمرة” و”غدًا نلتقي” و”كسر عضم”، استطاعت رغم الظروف أن تقدم محتوى مقنعًا وقريبًا من الواقع، دون أن تقع فريسة للتجاذبات السياسية.

فقدان الهوية المحلية

تحولت العديد من الأعمال السورية في السنوات الأخيرة إلى أعمال دراما مشتركة مع ممثلين من دول أخرى كلبنان ومصر، ما أثار حفيظة شريحة واسعة من الجمهور، ورافق هذا التحول قلة في الأعمال السورية المحلية (أي ذات أبطال سوريين دون مشاركة من جنسيات أخرى).

قال الناقد الفني جوان الملا، إن الأعمال المشتركة أسهمت في ضياع الهوية، فالجمهور يفضل الأعمال المحلية، لأن الدراما يجب أن تعكس واقع المجتمع الذي تنتمي إليه، وبالتالي الأعمال ذات الطابع المحلي أكثر تأثيرًا ومصداقية.

وأضاف الملا أنه حين يكون البطل سوريًا يتحدث بلسان حال الناس، يصبح أكثر قربًا للمشاهد السوري، أما الأعمال المشتركة فهي تفقد التماسك وتبتعد عن القاعدة الجماهيرية التي تشكلت عبر عقود من الدراما الأصيلة.

 

في خضم التغيرات السريعة التي يشهدها العالم، يبدو أن الدراما السورية بحاجة لإعادة اكتشاف نفسها، عبر العودة إلى جذورها، والإنصات لما يريده الجمهور فعلًا.

جوان الملا

ناقد فني

 

تفاعل مشروط

لفت الناقد الفني، الملا، إلى أن الجمهور السوري بات أكثر انتقائية في تفاعله مع الأعمال الجديدة، موضحًا أن هناك قسمًا يتفاعل بإيجابية، وآخر لا يحبذ هذه الأعمال، وبالتالي لا يمكننا التعميم لأن ذلك يتوقف على نوعية العمل المطروح.

وأشار إلى أن الجمهور السوري ينتظر أعمالًا تحترم عقله وذوقه، لكن من الصعب الآن رصد تفاعله بشكل دقيق لأن المستقبل الدرامي ما زال ضبابيًا في ظل المرحلة الانتقالية الحالية، ورغم ذلك فإن الجمهور لا يزال يطالب بأعمال راقية وعفوية وحميمية وصادقة.

وعن المطلوب اليوم لاستعادة أثر الدراما السورية، يرى الملا أن الحل يبدأ من النص، ومن ضرورة أن تعكس الحوارات الواقع كما هو، لا كما يُراد له أن يظهر.

ويجب أن تكون الأعمال الجديدة صادقة، تلامس الناس، عفوية بلا تصنّع، وعدم التملق، وأن تتضمن الحوار الطبيعي وألا تكون الأحداث أهم من الحوارات، وأضاف الملا، “في بعض الأحيان الحوار هو ما يخلق الأثر ويكشف العمق، وهذا ما يجعل العمل ذا قيمة وجدانية تبقى في الذاكرة”.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة