
المحلل السياسي حسام طالب: مزارع شبعا ربما سورية وربما لبنانية لا أحد يعرف (AP)
المحلل السياسي حسام طالب: مزارع شبعا ربما سورية وربما لبنانية لا أحد يعرف (AP)
عنب بلدي – عمر علاء الدين
يتجدد الجدل والتكرار حول هوية مزارع شبعا المحتلة منذ عام 1967، وما إذا ما كانت سورية أم لبنانية، في ظل المفاوضات التي تجري بين سوريا وإسرائيل، ومفاوضات ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان.
رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق في لبنان، قال خلال مؤتمر صحفي، في 26 من حزيران الماضي، إن “مزارع شبعا كانت وستبقى سورية، وهي تحت القرار 242 الصادر عن الأمم المتحدة”.
وتحتفظ عائلات لبنانية بسندات ملكية ووثائق تؤكد انتساب أراضي مزارع شبعا وكفرشوبا إلى لبنان، بينما تقول الأمم المتحدة إنها سورية تحتلها إسرائيل.
لكن لا تزال المسألة خاضعة لجدل سياسي وقانوني، في ظل غياب اعتراف رسمي سوري بلبنانية المزارع، وهو شرط تضعه الأمم المتحدة للنظر في إعادة ترسيم الحدود.
تحاول عنب بلدي في هذا التقرير، تسليط الضوء على مشكلة مزارع شبعا، وجذورها ومحاولة بحث ما إذا كانت سورية أم لبنانية.
في 5 من حزيران 1967، احتلت إسرائيل أراضي في عدة دول عربية، منها مزارع شبعا، وتبلغ مساحتها الكلّية 250 كيلومترًا، بطول 24 كيلومترًا وعمق 15 كيلومترًا.
وتابعت إسرائيل على مدى أعوام احتلالها للمزارع، خاصة بعد اجتياحاتها المتكررة للبنان إبان الحرب الأهلية اللبنانية، وصولًا إلى اجتياحها لبيروت، ونهاية باحتلالها قسمًا من المزارع في عام 1989.
تقع المزارع في منطقة حدودية بين سوريا ولبنان وفلسطين المحتلة، على سفوح جبل الشيخ الغربية، ولهذا السبب أقامت إسرائيل عليها العديد من المراصد الضخمة، إضافة إلى العديد من محطات الإنذار.
قال مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات، حسان قطب، في حديث إلى عنب بلدي، إن مزارع شبعا هي فعليا أراضٍ تابعة للأوقاف الإسلامية السنية في لبنان، ووثائقها موجودة لدى الأوقاف ودار الفتوى اللبنانية.
ولكنه يرى أن الملكية شيء والسيادة شيء آخر، متسائلًا “لمن السيادة للبنان أم لسوريا؟”.
ويعتقد قطب أنه إذا كانت المزارع للبنان ينطبق عليها القرار الأممي رقم “425”، ولاحقا القرار “1701”، أي أن القوات الدولية (اليونيفيل) تتسلّم إدارة تلك المزارع وتتمركز فيها، وإذا كانت سوريا هي المالك لهذه المنطقة الجغرافية، تكون خاضعة للقرار الأممي “338”، وبالتالي تتسلم إدارة تلك المزارع قوات الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (الأندوف).
ومن هنا، بحسب قطب، بدأ النقاش حول ما إذا كانت السيادة على المزارع لبنانية أو سورية، وامتنع نظام الأسد السابق عن الموافقة على ترسيم الحدود، حتى يبقى سلاح “حزب الله” و”حركة أمل” مبررًا، معتبرًا أنه “بعد سقوط النظام لا بد من حل هذه الإشكالية لتحديد السيادة وليس الملكية”.
وتابع قطب أن اتفاق “الطائف” ربط الوجود السوري في لبنان بالانسحاب الإسرائيلي منه، ونظام الأسد لم تكن له مصلحة بانسحاب إسرائيل من لبنان حتى لا يضطر للمغادرة عام 1998.
وعندما انسحبت إسرائيل من منطقة جزين شرق مدينة صيدا، رفض الأسد الأب هذا الانسحاب ومنع الجيش اللبناني من دخول المنطقة لتبقى دون قوات شرعية لبنانية، بالتنسيق مع نبيه بري، رئيس المجلس النيابي وزعيم “حركة أمل” الشيعية، كما أشار سفير لبنان في واشنطن حينها، سيمون كرم، في إحدى مقابلاته.
وجاء بعدها الانسحاب الإسرائيلي الكامل من لبنان عام 2000 ليحرج نظام الأسد وحلفاءه في لبنان، إذ إن اتفاق “الطائف” ينص على تجريد الميليشيات كلها من السلاح، وربط نظام الأسد تجريد الثنائي الشيعي من السلاح بانسحاب إسرائيل من جنوبي لبنان وبما ينهي دور “المقاومة”، التي لم يعد لها مبرر، وفق قطب.
عند ترسيم “الخط الأزرق” بين لبنان وإسرائيل، تم وضع مقولة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وبلدة الغجر السورية المحتلة، ضمن الإشكالات التي لم يتم حلها لإبقاء سلاح الثنائي (حزب الله وحركة أمل) مبررًا وضروريًا لتحرير كل التراب اللبناني.
حسان قطب
مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات
المحلل السياسي والكاتب السوري حسام طالب، اعتبر أنه خلال 50 عامًا، لا يوجد لسوريا ترسيم حدود مع دول الجوار.
وقال طالب، في حديث إلى عنب بلدي، إن نظام “البعث” كان قائمًا على فكرة “بقاء المشكلات مشتعلة”، لذلك كانت مزارع شبعا عبر الإعلام لبنانية وتحت الطاولة سورية أو العكس، مشيرًا إلى أن الأسد كان يسعى دائمًا لإبقاء حالة من الصراعات والأزمات المستدامة، ويخرجها حال تعرضه لضغوط إقليمية.
جريدة “الأخبار” اللبنانية نقلت، في 8 من تموز الحالي، أنه وخلال زيارة مفتي الجمهورية في لبنان، عبد اللطيف دريان، إلى سوريا، في 5 من تموز، ولقائه بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تطرق مفتي حاصبيا ومرجعيون، الشيخ حسن دلي، إلى ملف مزارع شبعا، وأكد أنها أرض لبنانية، وتحدث عن امتلاك الأوقاف اللبنانية نحو 30 مليون متر مربع داخل هذه المزارع.
وكان رد الشرع بأنه “في الوقت الحالي لا يمكننا الحديث عما إذا كانت هذه المزارع لبنانية أو سورية طالما أنها لم تتحرر من إسرائيل، وبعد التحرير سنناقش الأمر، ولكن لن تكون هناك مشكلة بيننا، فإذا ثبتت ملكيتها لنا فهي لكم، والعكس بالعكس”.
يرى المحلل السياسي حسام طالب، أن مقاربة الشرع تجاه هذا الملف، “موضوعية وحكيمة”، قائلًا، “هذه المقاربة يجيب أن يعطيها كل سياسي. أرض مسروقة محتلة كيف نُرِّسمها؟”.
ويعتقد طالب أن مزارع شبعا ليست سورية أو لبنانية في الوقت الحالي، مشيرًا إلى إمكانية ترسيم كل الحدود، وعندما تتحرر مزارع شبعا يجري ترسيمها وفق الخرائط والبيانات الدولية.
سوريا لن تشعل صراعًا على أي شيء في المنطقة، بحسب المحلل السياسي السوري، الذي اعتبر أن دمشق تسعى إلى السلام وبناء نفسها رغم التصعيد الإسرائيلي تجاهها، لكنها في ذات الوقت تتجه للاستقرار والأمن، وهو ما جعلها محط احترام كل الأطراف الدولية والإقليمية.
ويرى الكاتب حسام طالب، أن من يشعل فتيل هذا الصراع مع سوريا تحديدًا ويتلقف أي تسريب، أو أي “كلام فارغ إسرائيلي”، ويريد أن يجعل من قضية مزارع شبعا أزمة، هو “حزب الله”، لأنه يريد أن يبقي لبنان في حالة حرب وصراع وصدام، وأن يجعل لبنان مهددًا من كل الأطراف، كي لا يسلم سلاحه.
“مزارع شبعا ربما سورية وربما لبنانية لا أحد يعرف”، قال المحلل طالب، مضيفًا، يريد “حزب الله” أن يجعل هذه القضية قضية “صراع وخلاف كبيرة” على الرغم من أنها قضية حدودية بين بلدين جارين ولم يتطور الأمر بينهما إلى خلاف مسلح، كما جرى في دول أخرى.
وخلال لقائه بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في 14 من نيسان الماضي، ناقش رئيس الوزراء اللبناني، نواف سلام، ملف الحدود الشرقية اللبنانية.
وقال المحلل السياسي حسام طالب، تعقيبًا على هذه الزيارة، إنه لا يوجد خلاف بين الدولتين على ترسيم الحدود، لكن الأحداث في سوريا ولبنان أجّلت هذا الموضوع.
في 30 من حزيران الماضي، قالت القناة “12” الإسرائيلية، إنه في سياق المفاوضات بين سوريا وإسرائيل، وإضافة إلى جانب التعاون الأمني، من المتوقع أيضًا اعتراف إسرائيل بمزارع شبعا كأرض سورية، وهي خطوة قد تُثير غضب “منظمة حزب الله الإرهابية”، التي يُشكّل صراعها على هذه الأراضي أحد مبرراتها للحرب على إسرائيل، وفق ما قالت القناة.
في أيار من عام 2000، انسحبت إسرائيل أحاديًا من جنوبي لبنان وبلدة شبعا، وأبقت على احتلالها للمزارع.
وعقب الانسحاب، رسم فريق أممي خط الانسحاب (الخط الأزرق)، وأعلن أن إسرائيل أتمت انسحابها من الأراضي اللبنانية، وفقا للقرار الدولي رقم “425”.
وبهذا الإعلان، اعتبرت الأمم المتحدة أن مزارع شبعا سورية، وخاضعة لقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بهضبة الجولان السورية المحتلة من قبل إسرائيل.
على الجانب الآخر، تقول إسرائيل إن القرار الدولي رقم “425” لا يشمل الانسحاب من مزارع شبعا، وإنها كانت تحت السيطرة السورية عندما احتلتها في حرب 1967.
عقب خلاف حدودي في عام 2021 بين سوريا ولبنان، خلال حكم رئيس النظام السوري المخلوع، بشار الأسد، عاد الحديث عن ملكية المزارع سورية، كانت أم لبنانية.
وحينها، كشف المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، فريدريك هوف، عن اجتماع أجراه مع الأسد، في 28 من شباط 2011، في قصر “تشرين” بدمشق، تمسك الأسد خلاله بأن مزارع شبعا وتلال كفر شوبا على المثلث الحدودي السوري- اللبناني- الإسرائيلي أرض سورية.
وقال هوف، “صدمتني صراحة الأسد وعدم تردده في إخبار دبلوماسي أمريكي بصراحة أن الأرض المعنية التي تعتبر الأساس في مكانة (حزب الله) المزعومة كحركة (مقاومة لبنانية) هي أرض سورية، وليست لبنانية”.
وأبدى بشار الأسد، وفقًا لما نقله هوف، استعداده لحل علاقة سوريا العسكرية مع إيران، وإلزام لبنان بالتوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل وإخراج “حزب الله” من نشاطات المقاومة برمته، مقابل معاهدة سلام بين سوريا وإسرائيل تستعيد سوريا بموجبها جميع الأراضي التي خسرتها في حرب حزيران 1967.
يعلق مدير مركز الأبحاث والدراسات اللبنانية على لقاء الأسد بهوف، بأن الأسد حين أشار إلى أن المزارع سورية عام 2011، لم يكن يحسم الأمر بقدر ما كان يقدم ورقة تنازلات لإسرائيل والولايات المتحدة لـ”وقف الثورة السورية، والسماح له بقمعها”، ولكن الأسد، لم يعالج الخلاف بطريقة قانونية، أي ترسيم حقيقي وتحديد الملكية والسيادة، سواء كانت لبنانية أو سورية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى