وزير الخارجية السوري يلتقي نظيره المغربي ناصر بوريطة في مكة - 6 تموز 2025 (الخارجية المغربية)
دمشق والرباط.. إعادة للعلاقات من بوابة “البوليساريو”
عنب بلدي – أمير حقوق
في ظل الانفتاح السياسي الذي تشهده البلاد منذ سقوط النظام السابق، تسعى حكومة الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، لاستئناف علاقاتها مع الدول، خاصة العربية.
وفي أحدث التحركات السياسية العربية حيال سوريا، استأنفت المملكة المغربية فتح سفارتها بدمشق في 9 من تموز، بعد إغلاق دام 13 عامًا، وذلك بعد إعلان وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، في 17 من أيار الماضي، إعادة افتتاح السفارة، آملًا تعزيز العلاقات “الأخوية والثنائية” بين البلدين.
تموضع استراتيجي من الطرفين
المحادثات السورية- المغربية عكست رغبة الطرفين باستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، بينما رأت الأوساط السياسية أن كل جانب له مصالح سياسية، تبرر تقاربهما.
الباحث في الشؤون العربية والإفريقية علي فوزي، قال لعنب بلدي، إن إعادة افتتاح السفارة المغربية في دمشق لا يمكن النظر إليها كمجرد مصافحة دبلوماسية بروتوكولية، بل تمثل إعادة تموضع استراتيجي من الطرفين في ضوء تحولات إقليمية متسارعة.
ويرى أن الرباط تسعى من خلال هذه الخطوة إلى تعزيز حضورها السياسي والاقتصادي في المشرق العربي، وتوسيع هامش المناورة في علاقاتها مع دول كانت أقرب تقليديًا إلى المحور الإيراني- الجزائري، إضافة إلى فتح قنوات استثمارية في سوريا، لا سيما في مجالات إعادة الإعمار والسياحة والعقارات.
وفي المقابل، سوريا تهدف إلى كسر عزلتها الإقليمية والدولية، واستقطاب رؤوس الأموال الخليجية والمغاربية، وتقديم نفسها كطرف سياسي مرن قادر على إعادة ترتيب تحالفاته بما يخدم عملية التعافي بعد سقوط النظام السابق، وصعود سلطة جديدة تتسم ببراغماتية أكبر.
سوريا تهدف في علاقتها مع المغرب لكسر عزلتها الإقليمية، وتقديم نفسها كطرف سياسي مرن، أما الرباط فتسعى لتعزيز حضورها في المشرق العربي، وتوسيع هامش المناورة في علاقاتها مع دول كانت أقرب للمحور الإيراني- الجزائري.
علي فوزي
باحث في الشؤون العربية والإفريقية
حاجة سوريا لحاضنتها العربية
أما المحلل السياسي حسن النيفي، فقال إنه منذ سقوط نظام الأسد، ووصول السلطة الجديدة، كانت دول المغرب العربي تتخذ موقفًا حذرًا بسبب “البروباغندا” التي أنشأها النظام السابق، على أنه يواجه معارضة “متطرفة”، لذلك لم تبادر تلك الدول إلى التواصل مع حكومة دمشق، وكانت حذرة، ولكن سرعان ما تجاوزت المملكة المغربية الحذر، وفتحت سفارتها دون أي علاقات مباشرة.
وأوضح، خلال حديث إلى عنب بلدي، أنه ليس بالضرورة أن تكون هناك علاقات مباشرة وآنية في الوقت الراهن بين المملكة المغربية وسوريا، ولكن سوريا ببداية انطلاقة جديدة، نتيجة تحولها من طور إلى آخر، ومن الضروري أن تؤسس لعلاقات جيدة وسليمة مع كل دول المحيط الإقليمي أو العربي أو العالمي، وليس شرطًا أن يكون لهذه العلاقات انعكاس مباشر.
واعتبر تأسيس العلاقة بين الجانبين أمرًا ضروريًا جدًا، من باب حاجة سوريا الملحة لحاضنتها العربية، وأنها استطاعت أن تمد جسورًا جيدة مع دول المشرق، وعلى وجه التحديد دول الخليج العربي، وهذه الجسور يجب أن تكون مماثلة مع دول المغرب العربي بنفس القوة.
مبادرة واضحة الملامح
وكانت السطات السورية أكدت إغلاق المقار التي كان يشغلها انفصاليو “البوليساريو” بدمشق، بحضور ممثلين عن المغرب، في 27 من أيار الماضي، ورأت المملكة المغربية أنه من خلال هذه الخطوة، تبدي سوريا التزامها باحترام السيادة الوطنية والوحدة الترابية للمملكة.
الباحث في الشؤون العربية والإفريقية علي فوزي، يرجح أن القرار السوري بإغلاق مكاتب جبهة “البوليساريو” يتجاوز البعد الإداري، ويعد رسالة سياسية واضحة موجهة إلى الجزائر، مفادها أن دمشق لا ترغب في أن تكون منصة لصراعات الوكالة، أو الحسابات الأيديولوجية القديمة.
واعتبر أن هذا التغيير يعكس مراجعة سوريا لموقفها التقليدي من قضية الصحراء الغربية، ما يمنح المغرب دعمًا جديدًا في المحافل الإقليمية والدولية، ويعزز موقعه داخل الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي.
المحلل السياسي حسن النيفي، يرى أن علاقة البلدين بحاجة لما يدفع بها للأمام، فبادرت حكومة دمشق بإغلاق مكاتب “البوليساريو”، التي تعتبر جبهة انفصالية في المغرب كان يدعمها النظام السابق، وهذه المبادرة كان لها انعكاس إيجابي، وهي رسالة واضحة الملامح إلى المغرب بأن الحكومة السورية ترغب بإقامة علاقة متبادلة، على أساس المصالح المتبادلة ومصالح أمن البلدين.
حكومة دمشق بادرت بإغلاق مكاتب “البوليساريو”، لدفع علاقاتها مع المغرب إلى الأمام، وهي رسالة واضحة الملامح بأن سوريا ترغب بإقامة علاقة متبادلة بين البلدين.
حسن النيفي
محلل سياسي
تأسست جبهة “البوليساريو” عام 1973، وتعتبر نفسها ممثلة للصحراويين الذين يعيشون في منطقة الصحراء الغربية.
ويعود الصراع على الصحراء بين المغرب وجبهة “البوليساريو” إلى فترة ما بعد الاحتلال الإسباني، وتحديدًا في عام 1975، وتحول هذا الصراع إلى شكل مسلح توقف بتوقيع قرار وقف إطلاق النار في عام 1991، بناء على اقتراحات الأمين العام المقدمة للأمم المتحدة عام 1988.
وفي أيلول من عام 1991، حددت الأمم المتحدة منطقة الكرارات (منطقة جغرافية صغيرة في الصحراء الغربية المتنازع عليها، تقع على بعد 11 كيلومترًا من الحدود مع موريتانيا، وخمسة كيلومترات من المحيط الأطلسي، وتقع تحت سيطرة المغرب) كمنطقة عازلة فاصلة بين “البوليساريو” والقوات المغربية.
سوريا وباقي دول المغرب
مقابل التحرك السياسي المغربي تجاه سوريا، ما زالت دول المغرب العربي الأخرى كالجزائر وليبيا تتمهل بإعادة العلاقات السياسية مع سوريا، رغم تبادل اللقاءات والرسائل.
بالمقابل، لم تشهد العلاقة بين سوريا وتونس أي تحرك منذ سقوط النظام، خاصة أنها كانت مقربة منه وداعمة له.
المحلل السياسي حسن النيفي، قال إن تونس ربما لها وضع خاص في العلاقة مع سوريا، لأنها شهدت ثورة مضادة، والقوى التي تصدرت المشهد في الثورة تقهقرت وحلت محلها قوى أخرى تنتهج “نهجًا استبداديًا” يسيطر على السلطة، وبالتأكيد لها موقف من بقية الثورات وخاصة سوريا.
وبيّن أن هذه الأنظمة يكون نهجها منغلقًا على ذاته، ولا يبدي أي تعاون مع الثورات الأخرى، خاصة أن علاقة تونس كانت متميزة مع النظام السوري السابق، وكانت في مسار تعزيز العلاقات معه، متوقعًا أن تكون لها علاقات في المستقبل مع سوريا.
من جهته، الباحث علي فوزي، يرى أن التقارب السوري- المغربي كشف تباينًا واضحًا في مواقف دول المغرب العربي من دمشق، فالجزائر لا تزال متمسكة بدعمها التقليدي لـ”البوليساريو”، ما يجعلها في مسار تصادمي مع الاتجاه السوري الجديد.
أما ليبيا فهي غائبة عن التفاعل الموحد في ظل الانقسام السياسي الحاد، بينما تلتزم تونس الصمت، ولم تصدر موقفًا رسميًا تجاه السلطة السورية الجديدة، ما يعكس حالة تحفظ في ظل غياب مصالح مباشرة وقلق داخلي من تداعيات أي تحولات كبرى في الإقليم.
وتوقع أنه ما يجري بين الرباط ودمشق، يشكّل لحظة مفصلية في إعادة تشكيل خريطة التحالفات الإقليمية في العالم العربي، ويؤشر إلى تصاعد منطق المصالح على حساب الاعتبارات الأيديولوجية.
خلفية العلاقات بين سوريا والمغرب
توقفت العلاقات بشكل نهائي بين النظام السابق والمغرب منذ تموز عام 2012، حين تبادل الطرفان طرد السفراء، وعللت الخارجية المغربية، حينها، هذه الخطوة، بفشل الجهود التي بذلتها للتسوية في سوريا، بينما جاءت خطوة النظام السوري السابق على مبدأ “المعاملة بالمثل”.
وقبل عام 2012، شاب التوتر العلاقات بين المغرب والنظام السابق، بسبب دعم الأخير لجبهة “البوليساريو”، واعترافه، في 15 من نيسان 1980، بـ”الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، التي تعدها المغرب “حركة انفصالية تسعى لزعزعة أمن المملكة”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :