
الرئيس السوري أحمد الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (تعديل عنب بلدي)
الرئيس السوري أحمد الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (تعديل عنب بلدي)
عنب بلدي – عمر علاء الدين
يوم 16 من تموز الحالي، لم يكن يومًا عاديًا على كثير من السوريين، حيث أخذت أحداث السويداء التي بدأت في 12 من تموز الحالي، منحى أدى لتدخل إسرائيل في الاشتباكات واستهدافها ما يمثل الدولة السورية، بدءًا من عناصر وقوات حكومية وصولًا إلى مبنى الأركان العامة في دمشق والقصر الرئاسي، ما أدى في النهاية إلى انسحاب القوات الحكومية وتكليف فصائل محلية ضبط أمن المحافظة.
وعمد الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع إلى إلقاء خطاب يشرح فيه أسباب هذا القرار وتوضيحات حول الوضع بالسويداء في 17 من تموز الحالي.
أحداث السويداء، بدأت عقب نزاع مسلح بين مجموعات محلية، اندلع بعد تعرض مدنيين لحوادث سلب واعتداء في محيط السويداء، استدعى فيما بعد تدخل وزارتي الدفاع والداخلية.
وفي 19 من تموز، خرج الشرع بخطاب آخر جاء فيه أن الأحداث الأخيرة التي شهدتها محافظة السويداء شكّلت “منعطفًا خطيرًا”، معتبرًا أن الاشتباكات العنيفة بين هذه المجموعات كادت تخرج عن السيطرة لولا تدخل الدولة السورية لتهدئة الأوضاع.
فصائل محلية موالية لشيخ عقل الطائفة الدرزية، حكمت الهجري، دخلت على الخط، واشتبكت بشكل مباشر مع قوات وزارة الدفاع والداخلية، كما تخلل الاشتباكات انتهاكات ارتكبها عناصر من القوات الحكومية بحق المدنيين، وانتهاكات ارتكبتها تلك الفصائل، أدت لانفجار الوضع أكثر وتصاعد حدة المعارك، وزاد في الاحتقان وتغيير مجرى الأحداث تدخل إسرائيل عبر قصف عناصر تابعة لقوات الأمن العام في محيط المنطقة.
ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل ما لا يقل عن 321 سوريًا، بينهم 6 أطفال و9 سيدات (إحداهن توفيت إثر أزمة قلبية بعد تلقيها نبأ وفاة حفيدها)، وإصابة ما يزيد على 436 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة في محافظة السويداء، وذلك خلال الفترة الممتدة من 13 تموز الحالي وحتى 18 من الشهر نفسه.
في 16 من تموز، توصلت الحكومة السورية ورئاسة طائفة الموحدين الدروز إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار، وتفويض فصائل محلية بإدارة الوضع الأمني في السويداء، إلا أن الشيخ الهجري رفض هذا الاتفاق، داعيًا “الشباب المدافعين عن الأرض والعرض”، إلى مواصلة القتال ضد من وصفها بـ”العصابات الإرهابية المسلحة”.
عقب الانسحاب الحكومي، شنت فصائل محلية هجومًا انتقاميًا ضد عشائر البدو في السويداء، ما أدى إلى تعبئة عشائرية من أبناء القبائل في أغلب المناطق السورية، توجهوا إلى السويداء، وبدؤوا معارك مسلحة ضد الفصائل المحلية.
ورصدت عنب بلدي انتهاكات على نطاق واسع، من قبل الفصائل المحلية والقوات الحكومية ومقاتلي العشائر، خلال أيام المواجهات.
طلب كل من شيخ الطائفة الدرزية في إسرائيل موفق طريف، وشيخ عقل طائفة الدروز حكمت الهجري التدخل الإسرائيلي ضد القوات الحكومية، حيث توجه الهجري في بيانه إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، طالبًا منهما إنقاذ السويداء، ممن وصفها بـ”الطغمة الحاكمة الظالمة المستبدة”، قائلًا، “لم نعد قادرين على التعايش مع نظام لا يعرف من الحكم إلا الحديد والنار، ومن السلطة إلا البطش والتنكيل”.
وعقب بيان طريف، استهدفت إسرائيل مبنى الأركان العامة في ساحة الأمويين بدمشق، وقرب القصر الرئاسي، ما أدى لسقوط ضحايا مدنيين، بحسب وزارة الصحة السورية.
الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، قال في كلمته المتلفزة، في 17 من أيار الحالي، إن “الكيان الإسرائيلي الذي عودنا دائمًا على استهداف استقرارنا وخلق الفتن بيننا منذ إسقاط النظام البائد”.
وأشار الشرع إلى أن هذا “الكيان” يسعى مجددًا إلى تحويل “أرضنا الطاهرة إلى ساحة فوضى غير منتهية، يسعى من خلالها إلى تفكيك وحدة شعبنا وإضعاف قدراتنا على المضي قدمًا في مسيرة إعادة البناء والنهوض”.
الشرع اعتبر أن “الكيان” (إسرائيل) لا يكفّ عن استخدام كل الأساليب لزرع النزاعات والصراعات، غافلًا عن حقيقة أن “السوريين بتاريخهم الطويل رفضوا كل انفصال وتقسيم”.
قال الباحث والكاتب السوري سلام الكواكبي، إن إشارة الرئيس السوري، أحمد الشرع، إلى إسرائيل بـ”الكيان”، هي مؤشر مطمئن إلى أن الحديث عن تطبيع مجاني مع دولة الاحتلال غير دقيق.
وأضاف كواكبي، في حديث لعنب بلدي، أنه على الرغم من واقعية السياسة السورية الجديدة، فإن الوعي لمآرب اسرائيل ما زال راسخًا، وسعيها (إسرائيل) إلى “تقسيم الوطن السوري وتأجيج الانقسام الداخلي قد بات واضحًا ولا تنفع معه أي ميول سلمية بسيطة أو معقدة”.
بينما اعتبر الصحفي والكاتب السياسي السوري درويش خليفة، أن استخدام لفظة “كيان” فيها “تلويح واضح” بإمكانية تجميد أي مسار تفاوضي مع إسرائيل، إذا ما استمرت تل أبيب في هجماتها العدائية، وآخرها استهداف مبنى قيادة الأركان ومحيط القصر الجمهوري في دمشق”.
في خطابه المتلفز، قال الشرع، “إن امتلاك القوة العظيمة لا يعني بالضرورة تحقيق النصر، كما أن الانتصار في ساحة معينة لا يضمن النجاح في ساحة أخرى، قد تكون قادرًا على بدء الحرب ولكن ليس من السهل أن تتحكم بنتائجها”.
ويرى الباحث سلام الكواكبي، أن هذه الجملة تعني “إسرائيل التي تمتلك القوة العظيمة والتي انتصرت في ساحات أخرى”.
وما ورد في نهاية الجملة بخصوص اختيار توقيت بداية الحرب، فيه تهديد مبطن إلى قدرة قواته (أي أحمد الشرع) على منع إمكانية تحديد توقيت نهايتها.
وبالنسبة للمفاوضات مع إسرائيل، فعلى الرغم من الضغوط التي يتعرض لها الحكم الجديد من قبل قوى عربية والإدارة الأمريكية، فإن الباحث السوري سلام الكواكبي يعتقد بأن الأمر سيأخذ وقتًا طويلًا، خصوصا في ظل وجود “يمين متطرف توسعي لن يعيد مترًا واحدا من الجولان السوري المحتل”.
المحلل السياسي حسن النيفي، اعتبر أن إسرائيل، أرادت من الاستثمار ما حصل في السويداء، لتوجيه رسالة للقيادة السورية الجديدة، عبر استهداف مبنى الأركان العامة بدمشق، مفادها، أن إسرائيل تستطيع أن تمنع قيام دولة في سوريا، وتقويض أي مشروع نحو التعافي والإعمار فيها.
وبحسب النيفي، فإن تل أبيب تريد إبلاغ الشرع بأن يسلم بشروطها كاملة.
وأضاف، كأن إسرائيل تقول للشرع، لا يكفي ألا تطالب بالجولان، بل عليك أن تعترف أن مناطق الجنوب بما فيها السويداء ودرعا والقنيطرة، يجب أن تكون منطقة منزوعة السلاح، يكون فيها سكان هذه المناطق “حرس حدود” لإسرائيل.
وكان وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، اشترط الاحتفاظ بالجولان مقابل تطبيع العلاقات مع سوريا، إلا أن مصدرًا رسميًا قال لـ”الإخبارية السورية”، في 2 من تموز الحالي، إن “التصريحات المتعلقة باتفاقيات سلام مع الاحتلال الإسرائيلي في الوقت الراهن سابقة لأوانها”، معتبرًا أنه “لا يمكن الحديث عن احتمالية التفاوض حول اتفاقيات جديدة إلا بعد التزام الاحتلال الكامل باتفاقية فك الاشتباك لعام 1974، وانسحابه من المناطق التي توغل فيها.
وقال الشرع في خطابه، لسنا ممن يخشى الحرب ونحن الذين قضينا أعمارنا في مواجهة التحديات والدفاع عن شعبنا، لكننا قدمنا مصلحة السوريين على الفوضى والدمار، مشيرًا إلى أن تكليف الفصائل المحلية بإدارة الوضع في السويداء، “يجنب انزلاق البلاد إلى حرب واسعة جديدة قد تجرها بعيدا عن أهدافها الكبرى في التعافي من الحرب المدمرة”.
الشرع قال في خطابه، في 17 من تموز، إن وزارتي الدفاع والداخلية بدأتا بتنفيذ انتشار واسع في محافظة السويداء، في إطار جهودهما لضبط الأمن وإنهاء حالة التصعيد التي شهدتها المنطقة، وقد نجحتا في إعادة الاستقرار وطرد الفصائل الخارجة عن القانون، رغم التدخلات الإسرائيلية.
وبحسب الشرع، فإن لجوء إسرائيل لاستهداف المنشآت المدنية والحكومية، أدى لتعقيد الوضع بشكل كبير ودفع الأمور إلى تصعيد واسع النطاق، معتبرًا أنه “لولا التدخل الفعال للوساطة الأمريكية والعربية والتركية التي أنقذت المنطقة من مصير مجهول، لكنا بين خيارين”:
خصّ الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في خطابه الأول الدروز قائلًا إنهم “جزء أصيل من نسيج هذا الوطن”.
وتابع الشرع مخاطبا الدروز، “إن سوريا لن تكون أبدًا مكانًا للتقسيم أو التفتيت أو زرع الفتن بين أبنائها، نؤكد لكم أن حماية حقوقكم وحريتكم هي من أولوياتنا”.
وعبر عن رفضه لأي مسعى يهدف لجر الدروز “إلى طرف خارجي، أو لإحداث انقسام داخل صفوفنا”.
ويرى الباحث السوري سلام الكواكبي، أن التوجه بالكلمة للدروز من الرئيس السوري، “كان ضروريًا وغير كاف”.
وكان من الأجدى، بحسب ما قال الكواكبي لعنب بلدي، توجيه العزاء لذوي الضحايا وإضفاء شيء من لهجة التعاطف مع اهالي الضحايا المدنيين والذين تعرضوا لما وصفها بـ”أبشع الجرائم”.
بينما اعتبر الكاتب السياسي درويش خليفة، أن الشرع حذر في خطابه الأول المكون الدرزي “من التعويل على الدعم الإسرائيلي، وأن هذا الرهان لن يكون في مصلحتهم على الدوام، وأن التحولات الإقليمية قد تقلب موازين العداوات والتحالفات، ما سيضعهم في مواجهة مع المجتمع السوري والشعوب العربية ويعرض سمعتهم للاهتزاز”، على حد تعبير خليفة.
في الخطاب الثاني توجه الشرع أكثر إلى أن الطائفة الدرزية ليست مسؤولة عما قام به الهجري، ومجموعاته المسلحة، بحسب ما أوضحه المحلل السياسي حسن النيفي، لعنب بلدي.
وقال النيفي، أراد الرئيس السوري أن يقول إن هذه الحرب لا تجعلنا نغير موقفنا من أهلنا الدروز الذين هم مكون أساسي من النسيج السوري.
الشرع وفي خطابه الثاني، اعتبر أن “المصالح الضيقة” لبعض الأفراد في السويداء أسهمت في حرف البوصلة حيث ظهرت “طموحات انفصالية” لدى بعض الشخصيات التي استقوت بالخارج، وقادت مجموعات مسلحة تمارس القتل والتنكيل رغم أن الدولة السورية وقفت إلى جانب السويداء وحرصت على دعمها.
“الفزعة العشائرية” التي نتجت عن استهداف فصائل الهجري لعشائر البدو في السويداء، أدت لفوضى كبيرة، أثبتت للجميع أن لا خيار ولا حل إلا بوجود الدولة السورية، وهذا ما هيأ الظروف لعقد الاتفاق الذي أعلن عنه المبعوث الأمريكي في 19 من تموز، نظرًا لامتداد هذه العشائر في الأردن والعراق، بحسب ما قاله المحلل السياسي السوري حسام طالب، لعنب بلدي.
الرئيس السوري، بخطابه الثاني، شكر العشائر على “مواقفها البطولية والنبيلة”، معتبرًا أنها “حائط صدّ ضد التهديدات الخارجية والداخلية، وأداة فاعلة في الحفاظ على وحدة البلاد واستقرارها”.
وقال الشرع، إن “العشائر العربية لطالما كانت في سوريا رمزًا للقيم والمبادئ النبيلة التي تدفعها للنفير ومساعدة المظلومين”، معبرًا عن تفهمه لمحاولة العشائر أن تدافع عن نفسها بشكل منفرد في مواجهة التحديات والتهديدات التي تعرضت له، مشيرًا إلى أن دور العشائر لا يلغي دور الدولة.
إسرائيل ردت على خطاب الرئيس السوري، بشأن العشائر العربية، حيث قال وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، في تغريدة له على منصة “إكس”، في 19 من تموز، إن خطاب الرئيس السوري أحمد الشرع، كان بمثابة إظهار “الدعم للجهاديين المهاجمين”.
وبحسب الوزير الإسرائيلي يأتي ذلك الدعم عبر كلمات الشرع الذي قال إن “القبائل البدوية رمز للقيم والمبادئ النبيلة”، وإلقاء اللوم على الضحايا “الأقلية الدرزية التي تعرضت للهجوم”، معتبرًا أن الشرع أضفى على كل هذا طابع نظريات المؤامرة والاتهامات ضد إسرائيل.
ويرى ساعر، أنه يقع على عاتق المجتمع الدولي واجب “ضمان أمن وحقوق الأقليات في سوريا” و”جعل قبول سوريا مجددًا في الأسرة الدولية مشروطًا بحماية تلك الأقليات.
المحلل السياسي، حسن النيفي، اعتبر أنه على الرغم من أن الشرع أشاد بدور العشائر، إلا أنه أراد أن يؤكد على أن دور العشائر لا يلغي دور الدولة”.
تكرر في الخطابين اللذين ألقاهما الشرع التأكيد على الوساطة الأمريكية والعربية والتركية ودورها في تهدئة الأوضاع بالسويداء.
ويعتقد المحلل السياسي حسن النيفي، أن ما أراد الشرع قوله من خلال إشارته إلى الوساطات العربية والأمريكية والتركية، في خطاب 17 تموز، هو أن “العدوان الإسرائيلي قائم، وأن مسؤولية لجم هذا العدوان هي مسؤولية دولية وإقليمية”.
المحلل السياسي حسن النيفي، اعتبر أن إسرائيل من خلال عدوانها المستمر على سوريا، لا تهدد أمن سوريا فقط، بل تهدد أمن المنطقة برمتها، لأن الأطراف التي ذكرها الشرع في كلامه، كلها ستتأثر إذا ما نشبت حرب إسرائيلية مفتوحة على الجغرافيا السورية.
وربما، بحسب المحلل السياسي، أراد الرئيس السوري، توجيه “شكر غير مباشر” للدول التي أوقفت العدوان الإسرائيلي على سوريا.
أما في خطاب 19 من تموز، فيرى النيفي أن الشرع على الرغم من عدم إشارته لإسرائيل إلا في مواضع قليلة، فإن شكر الرئيس السوري للولايات المتحدة، يفهم ذلك على أن أمريكا هي من قامت بالضغط على إسرائيل للوصول إلى اتفاق.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى