
تغيرات تطرأ على التصريحات الأمريكية الأخيرة حيال سلطة دمشق كمحاولة للضغط عليها - 29 أيار 2025 (الرئاسة السورية)
تغيرات تطرأ على التصريحات الأمريكية الأخيرة حيال سلطة دمشق كمحاولة للضغط عليها - 29 أيار 2025 (الرئاسة السورية)
شهدت العلاقات السورية الأمريكية تحسنًا ملحوظًا بعد سقوط نظام الأسد، وتولي أحمد الشرع، رئيسًا في المرحلة الانتقالية.
أولى خطوات التقارب بين البلدين، كانت عبر إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، رفع العقوبات عن سوريا، خلال زيارته السعودية، في أيار الماضي، ولقائه الرئيس الشرع في الرياض، إذ وصف ترامب اللقاء بأنه كان “عظيمًا”، وأضاف أن “الشرع قائد حقيقي، قاد الثورة وهو مذهل”، مضيفًا أن الرئيس السوري “مقاتل له ماضٍ قوي جدًا، ولديه فرصة حقيقية للحفاظ على وحدة سوريا”.
وبعدها عينت واشنطن توماس براك، المبعوث الخاص إلى سوريا، والذي أسس بدوره بيئة حوار آمنة بين الطرفين، عبر اجتماعاته المستمرة مع الرئيس الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني، إذ تعددت خطاباته وتصريحاته التي تشيد بالسلطة السورية، والتي تعبر عن موقف واشنطن.
بعد الأحداث الأخيرة في محافظة السويداء جنوبي سوريا، والتي احتوت تصعيدًا عنيفًا بين عشائر البدو وفصائل محلية بالسويداء، ومن قوى الأمن ووزارة الدفاع، منذ 13 من تموز، سارعت واشنطن لاحتواء التصعيد، إذ أعلنت عن اتفاق دولي لوقف إطلاق النار في السويداء، في 19 من تموز.
لكن الأوساط السياسية لاحظت تغييرًا بموقف واشنطن حيال سلطة دمشق، التي دعمتها سابقًا، وذلك عبر تصريحات ممثليها الأخيرة، إذ قال المبعوث الأمريكي براك، الاثنين 21 من تموز، إن “هناك حكومة سورية موجودة يجب أن تحاسب، وأن تتحمل مسؤولياتها”، وذلك تعليقًا على الانتهاكات في السويداء.
وجاءت تصريحات براك في إطار مؤتمر صحفي، دافع فيه أيضًا عن موقف الحكومة التي تسلمت زمام الحكم لسبعة أشهر فقط بعد 15 عامًا من الحرب.
بينما ذكر وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، قال الأحد 20 من تموز، إنه يجب على سلطة دمشق إنهاء كارثة الجنوب السوري، إذا أرادت الحفاظ على أي فرصة لتحقيق سوريا موحدة خالية من تنظيم “الدولة الإسلامية” والسيطرة الإيرانية، وذلك عبر استخدام قواتها الأمنية، مطالبًا بمحاسبة وتقديم أي شخص مذنب بارتكاب فظائع إلى العدالة، بمن فيهم من هم في صفوفها.
المستشار السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، حازم الغبرة، قال لعنب بلدي إنه حتى الآن لم يتغير الموقف الأمريكي جذريًا تجاه سوريا، لكن هذا لا يعني أن الموقف قد لا يتغير مستقبلًا، وهناك تخوف كبير في الشارع الأمريكي من انفلات الأمور بشكل أكبر مما حدث، خاصة وأنها المرة الثانية لوقوع أحداث جنوب غربي سوريا، في فترة قصيرة دون حل المشكلة.
التفكير الأمريكي على المدى الطويل ينظر إلى الحكومة السورية بأنها هي المعنية بحل هذه المشكلة في نهاية المطاف، وتقديم أفكار وحلول مناسبة، بحسب المستشار.
وأكد الغبرة أن الحكومة الأمريكية مدركة أنه لا يوجد بديل آخر عن الحكومة السورية الموجودة، أي أنها “الأكثر شرعية” الموجودة في سوريا، والولايات المتحدة ليست في صدد حتى التفكير بتغيير حكومات.
وأشار إلى أن دعم أمريكا لسوريا الواسع النطاق، قد يتغير ويتناقص، خصوصًا أن هناك ضغوطًا داخلية في الولايات المتحدة من قبل مفكرين ومؤثرين من اليمين الأمريكي بدأوا يلومون ترامب على هذا التحرك السريع “الأكثر من اللازم”، كما يقولون حول رفع العقوبات، والاعتراف بالحكومة السورية الجديدة.
هناك دعم أمريكي مستمر للحكومة السورية خصوصًا بغياب بدائل، واهتمام باستقرار الوضع في سوريا، لكن المهمة ملقاة على عاتق الحكومة السورية، أي أن الولايات المتحدة لن تدير البلاد نيابة عن الرئيس السوري، أو عن الحكومة السورية الجديدة، وهناك تخوف كبير في الشارع الأمريكي من انفلات الأمور بشكل أكبر مما حدث.
المستشار السابق في وزارة الخارجية الأمريكية
حازم الغبرة
أما الصحفي والباحث السياسي، فراس علاوي، فيعتقد أن هناك نوعًا من إعادة قراءة للوضع بسوريا من قبل أمريكا، ومحاولة الضغط على الحكومة السورية لدفعها باتجاه حل الأحداث دون تصعيد، أي محاولة فرض استقرار معين من خلال تصعيد اللهجة الامريكية.
وشرح، خلال حديث إلى عنب بلدي، أن ذلك لا يعني بأن هناك تغيرًا جذريًا بالموقف الأمريكي، لأن العلاقة بين دمشق وأمريكا، تذهب باتجاه الرغبة الأمريكية بالاستقرار في سوريا من جهة، وسيطرة الحكومة على جغرافيا سوريا من جهة، وتعامل الحكومة مع المجتمع السوري بما يضمن حقوق الجميع.
وأشار إلى أن الحكومة الأمريكية ذاهبة باتجاه دعم الاستقرار في سوريا، وبنفس الوقت مراعاة التخوفات الإسرائيلية، وبذات الوقت هي تريد أيضًا ضمان حقوق الأقليات في المجتمع السوري، وأيضًا الذهاب باتجاه انفتاح سياسي على المجتمع السوري.
“تصريحات الوزير الأمريكي مجرد للضغط على الحكومة السورية، والهدف منها إنهاء الملفات العالقة بسوريا، بأقل قدر ممكن من استخدام العنف من جميع الأطراف. ربما اللهجة الجديدة تبدو مجدية من ناحية الضغط على الحكومة”، بحسب علاوي.
لكن ربما سيكون لها مفعول عكسي على المجتمع السوري وخاصة المجتمع المؤيد للحكومة السورية، إذ سيرى بأن المواقف الأمريكية متقلبة، وبالتالي يفقد الثقة بالمواقف الأمريكية، وخاصة مع تكرار تصريحات المبعوث براك المتقلبة، والتي تختلف حسب الحدث والموقف.
العلاقة السورية- الأمريكية تعتبر من العلاقات المعقدة والمتغيرة على مدار العقود، إذ يبنى أساسها على معايير الأمن والسياسة الدولية، وأسس وضوابط تتعلق بالمصالح الاستراتيجية، والسياسات الدولية، والأحداث الإقليمية، وحقوق الإنسان، وغيرها مع وجود ضوابط أخلاقية وإنسانية.
وهنا يرجح المستشار السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، حازم الغبرة، أنه لا يوجد ضوابط على الورق في علاقة الطرفين، ولكن التمنيات الأمريكية أن تكون أوضاع سوريا في المستقبل أفضل من الوضع الحالي، ويبرز اهتمامها بنجاح التجربة السورية، والحديث عن ضوابط العلاقة هو تراكمي أكثر ما هو خطوة معينة أو موقف معين.
ومن الضروري حتى لو لم تتحرك أمريكا اليوم ضد الحكومة السورية، أن تدرك الحكومة السورية أن الوضع اليوم أسوأ مما كان عليه الأسبوع الماضي، ولا يمكن الوصول إلى مرحلة تتراكم ضمنها السلبيات والنظرة السلبية تجاه الحكومة السورية، لأنه في مرحلة من المراحل ستأتي الولايات المتحدة، وتقول “خسرنا سياسيًا بسبب دعمنا لهذه الحكومة”، وبالتالي ستوقف الدعم في هذه المرحلة، كونها لا تريد زيادة الخسائر السياسية، فهذا هو التخوف اليوم، من جهة الموقف الأمريكي.
وأكد الغبرة أن مجرد الضغط على الرئيس الشرع هو أمر كبير، ورسالة واضحة أن الولايات المتحدة بدأت تنزعج مما يحصل، وأن دعمها لن يستمر إلى مالا نهاية، فيجب على الحكومة السورية الآن أن تكون متفهمة وأن تحل المشكلة، وهذه مسؤوليتها.
“خطاب الحكومة الأمريكية في هذه المرحلة يشير لتذمرها حول الوضع الراهن بسوريا، وأن تسعى حكومة دمشق لحقن الدم، وأن تلعب دورًا أفضل، وكون الموضوع تراكمي، فإن أمريكا أعطت فرصًا كبيرة للحكومة السورية، فينبغي ألا تهدر عبر سوء التقدير”.
ونوه إلى أنه عندما اجتمع الرئيس الأمريكي ترامب والرئيس الشرع، كان الطرفان الضامنان هم تركيا والسعودية، واليوم لا يلعب الطرفان لا السعودية ولا تركيا دورهما الإيجابي في هذه الأزمة تحديدًا، وهذا يفسر أن الأطراف الضامنة قد لا تكون كافية، ولا يعني الوصول إلى ما تريده الولايات المتحدة، بل توجيهًا للمسار الجديد للحكومة السورية دون انخراط مباشر أمريكي.
الإعلامي والسياسي السوري- الأمريكي أيمن عبد النور، قال لعنب بلدي في وقت سابق، إن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لديه رؤية جديدة في الشرق الأوسط لأنه ليس من الرؤساء التقليديين، حيث يقوم بوضع سياسة خارجية لحل المشكلات بين العديد من بؤر التوتر في العالم، سواء بين إسرائيل و”حماس”، وبين روسيا وأوكرانيا، وحتى في إفريقيا حيث خصص مبعوثًا خاصًا لإنهاء الحروب هناك.
وأضاف عبد النور أن الهدف من سياسة ترامب الجديدة، إنهاء الحروب وإحلال السلام وتحقيق التنمية الاقتصادية في الشرق الأوسط، كي تشارك الولايات المتحدة وشركاتها في عملية التنمية وتحقق المكاسب الاقتصادية، لذلك تحرص الإدارة الأمريكية على دعم الإدارة السورية الجديدة لتحقيق ذلك الهدف.
ويرى أن النموذج الذي يقوم بتنفيذه ترامب في سوريا، قائم على نموذج الإسلام المحافظ، أو ما كان يُعرف بـ”السلفية الجهادية الوطنية”، التي هي ضد السلفية الجهادية الأممية العابرة للحدود، فإذا نجح هذا النموذج فإن ترامب قد يقوم بتطبيقه في مناطق أخرى من العالم.
ووثّقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل ما لا يقل عن 558 شخصًا وإصابة أكثر من 783 آخرين، بجروح متفاوتة الخطورة، في محافظة السويداء جنوبي سوريا، بين 13 و21 من تموز الحالي.
وتشمل حصيلة الضحايا، بحسب التقرير الذي نشرته الشبكة اليوم، الاثنين 21 من تموز، 17 سيدة و11 طفلًا إضافة إلى 6 من الطواقم الطبية بينهم 3 سيدات و2 من الطواقم الإعلامية، خلال سياق اشتباكات عنيفة وأعمال عنف متصاعدة، شملت عمليات قتل خارج إطار القانون، وقصفًا متبادلًا، إلى جانب هجمات جوية نفذها الطيران الإسرائيلي.
كما تضمنت الحصيلة الأولية، مقاتلين من مجموعات عشائرية مسلحة من البدو، وأخرى محلية خارجة عن سيطرة الدولة من أبناء المحافظة، إلى جانب عناصر من قوى الأمن الداخلي ووزارة الدفاع التابعة للحكومة الانتقالية السورية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى