تهجير لا إجلاء.. إجابات قانونية حول مصير بدو السويداء

أبناء عشائر البدو المهجرين من السويداء في مركز إيواء مؤقت بريف درعا- 23 تموز 2025 (عنب بلدي/ محجوب الحشيش)

camera iconأبناء عشائر البدو المهجرين من السويداء في مركز إيواء مؤقت بريف درعا- 23 تموز 2025 (عنب بلدي/ محجوب الحشيش)

tag icon ع ع ع

لا تزال دفعات العائلات المقيمة في السويداء جنوبي سوريا تخرج خارج المدينة منذ أول عملية إجلاء بدأت قبل ثلاثة أيام ضمت آلاف الأشخاص معظمهم من البدو، دون أي تأكيد حول مصير العائلات مستقبلًا، رغم تصريحات الحكومة السورية على أنه خروج “مؤقت”.

في حال عدم عودة العائلات وهو الأمر الذي ترجحه مصادر ميدانية، ستكون هذه أول عملية تهجير قسري بعد سقوط نظام الأسد الذي هجر ملايين السوريين من منازلهم ومدنهم، ممن لم يتسن لهم العودة إلا بعد سقوطه.

حقوقيون سوريون وخبراء عدة نددوا بعملية إجلاء عائلات البدو واعتبروا أنه تهجير قسري، ما لم توضح الحكومة السورية مصيرهم الفعلي بشكل واضح.

أكثر من ألفين شخص

في وقت متأخر مساء الأربعاء، 23 من تموز، تم إجلاء نحو 550 شخصًا معظمهم من النساء والأطفال من عشائر البدو في محافظة السويداء باتجاه محافظة درعا، ضمن القافلة الثالثة بموجب اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء، بعد اشتباكات دامية، بين فصائل محلية ومقاتلي العشائر، وقوات وزارتي الدفاع والداخلية.

فريق “الدفاع المدني السوري” قال إن الأشخاص الذين نقلوا خارج المدينة كانوا محتجزين في منازلهم في قرية الكفر بريف السويداء، وجرى نقلهم لمراكز الإيواء المؤقت بريف درعا.

سبقها بيوم إجلاء عدد من الأشخاص والعائلات المحتجزة في أرياف السويداء، وذلك بعد نقل نحو 1500 مدني جلهم من النساء والأطفال وكبار السن من قرية ولغا بريف السويداء الغربي، ونقل أكثر من 10 مصابين بينهم أطفال إلى المستشفيات.

إجلاء “مؤقت”

مع انطلاق قافلة العائلات الأولى صدّرت الحكومة السورية المسألة على أنها إجلاء “مؤقت” لحين تهدئة الأوضاع في السويداء، الأمر الذي لا وجود لمؤشرات واضحة عليه حتى الآن.

قائد الأمن الداخلي في محافظة السويداء، العميد أحمد الدالاتي، صرح بالتزام الحكومة بتأمين خروج العائلات المحتجزة والراغبين بمغادرة محافظة السويداء من جميع الشرائح، مع توفير إمكانية الدخول إليها للراغبين بذلك، وفق تصريحه.

المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا، أكد بدوره أن خروج العائلات الطارئ من المحافظة “مؤقت” بسبب الظروف الإنسانية والأمنية، وستكون عودتهم قريبة للمدينة بعد تأمين المحافظة وفق قوله.

مجموعات تنتظر عند معبر بصر الحرير المحاذي لمحافظة السويداء أثناء حركة إجلاء المدنيين- 23 تموز 2025 (عنب بلدي/ محجوب الحشيش)

مجموعات تنتظر عند معبر بصر الحرير المحاذي لمحافظة السويداء أثناء حركة إجلاء المدنيين- 23 تموز 2025 (عنب بلدي/ محجوب الحشيش)

تهجير قسري ما لم تتضح الخطط

مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، قال لعنب بلدي، إن عمليات نقل العائلات التي تجري في السويداء لعائلات البدو وفق التوصيف القانوني هي عمليات تهجير قسري كونها تجري باتجاه واحد دون عودة، وذلك ما لم توضح الحكومة عكس ذلك بالأفعال.

وأضاف عبد الغني، أن هؤلاء الأشخاص خرجوا دون إرادتهم وباتجاه واحد وهم سكان يقيمون في المنطقة من مئات السنين لديهم حياتهم وممتلكاتهم وأعمالهم وعلاقاتهم اليومية والتجارية وغيرها، الأمر الذي يتطلب توضيح الحكومة السورية لبنود الاتفاق التي تخرج هذه العائلات وفقًا له.

في حال كان خروجهم مؤقتًا فعلًا وحتى تأمين المنطقة من الناحية الأمنية، فإن هذا مباح وفق القانون الدولي، وفق ما أوضح فضل عبد الغني.

وأشار عبد الغني إلى أنه حتى لو كان الاتفاق مؤقتًا وليس دائمًا فإن الأطراف المتنازعة تتحمل مسؤولية هؤلاء الأشخاص الذين تشردوا، وخططهم المستقبلية لناحية تأمين حياة كريمة لهم، الأمر الذي يقع على عاتق الحكومة السورية بشكل كامل في ظل المعطيات الأخيرة كونها طرف رئيس في هذا الاتفاق.

ومن الأهمية معرفة المقابل، وفق ما أكد فضل عبد الغني، وما طبيعة نص الاتفاق بالتفصيل الذي تشرد آلاف الناس بموجبه ليحال الأمر إلى تحليلات حقوقية صحيحة وليس بناء على المعطيات الشحيحة المتوافرة.

لم تتطرق بنود الاتفاق المتعلقة بوقف إطلاق النار في السويداء المنشورة بشكل رسمي، في 19 من تموز الحالي، إلى مصير هذه العائلات، ففي بيان وزارة الداخلية لم تذكر أي عمليات إجلاء مؤقتة أو تهجير لعائلات البدو.

فيما نص أحد بنود الاتفاق التي نشرتها الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز في سوريا، على أنه سيسمح لمن تبقى في الداخل من أبناء العشائر في مناطق المحافظة بالخروج الآمن والمضمون مع ترفيق مؤمن من الفصائل العاملة على الأرض دون أي اعتراض أو إساءة من أي طرف، على أن تحدد معابر الخروج الآمنة للحالات الطارئة والإنسانية عبر بصر الحرير وبصرى الشام.

أبناء عشائر البدو المهجرين من السويداء في مركز إيواء مؤقت بريف درعا- 23 تموز 2025 (عنب بلدي/ محجوب الحشيش)

أبناء عشائر البدو المهجرين من السويداء في مركز إيواء مؤقت بريف درعا- 23 تموز 2025 (عنب بلدي/ محجوب الحشيش)

جريمة ضد الإنسانية

مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة” الحقوقي، محمد العبد الله، أوضح أن التهجير القسري يُعرّف بصفته جريمة ضد الإنسانية وفقًا لنظام روما الأساسي (نظام المحكمة الجنائية الدولية) بالطرد أو النقل القسري، أي تشريد الأشخاص المعنيين بالطرد أو أي فعل قسري آخر من المناطق التي يعيشون فيها بشكل قانوني، دون مبررات يسمح بها القانون الدولي.

يحصل التهجير القسري عندما يضطر الأفراد إلى الانتقال دون موافقتهم الحقيقية، عن طريق القوة أو الإكراه، من المنطقة التي يتواجدون فيها بشكل قانوني.

والنقل القسري داخل إقليم ما لا يتطلب بالضرورة استخدام القوة الجسدية، فهو يشمل التهديد أو الإكراه أو غيرهما من أشكال الإجبار التي لا تترك للضحايا أي خيار سوى المغادرة.

يُمكن أن يرقى التهجير القسري إلى جريمة ضد الإنسانية عندما يرتكب كجزء من هجوم واسع النطاق ومنهجي “موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين”، ما يعني ارتكاب مثل هذه الجرائم بشكل متكرر وفقًا لسياسة دولة.

بموجب القانون الدولي الإنساني، في الظروف التي تعتزم فيها السلطات السورية نقل البدو، لا يجوز لها فعل ذلك إلا في الحالات التي تستطيع أن تثبت فيها أنه ضروري لأمن المدنيين المعنيين أو “لضرورة عسكرية “، بحسب ما أكد الحقوقي محمد العبد الله.

ويُعرَّف مفهوم الضرورة بشكل ضيق جدًا لمنع إساءة استخدامه، وضمان أن تكون أي من هذه الإجراءات مبررة بضرورات عسكرية عاجلة ولا تتعارض مع مبادئ أخرى من القانون الدولي الإنساني تهدف إلى حماية المدنيين.

لكي تعتبر عمليات تهجير المدنيين قانونية، ينبغي أن تلبي الشروط التالية، بحسب ما أوضح العبد الله:

  1. التأكد من وجود ضمان بحيث يتم نقل المدني الذي يجبر على ترك منزله بشكل آمن، وعدم فصله عن أسرته، وحصوله على الطعام والمياه، والرعاية الصحية، والصرف الصحي، ومراكز الاستقبال أو المأوى.
  2.  ضمان أن يكون الإخلاء مؤقتًا.
  3. تسهيل عودة الشخص النازح إلى منزله بأسرع وقت ممكن بعد انتهاء الأعمال العدائية في المنطقة التي هجر منها.

وفق أحدث إحصائية صادرة عن “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” قتل ما لا يقل عن 814 سوريًا بينهم 34 سيدة و 20 طفلًا، وستة أشخاص من الطواقم الطبية، وشخصين من الطواقم الإعلامية، في محافظة السويداء منذ اندلاع التوترات في 13 من تموز الحالي.

وأصيب ما يزيد عن 903 أشخاص آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، علمًا أن هذه الحصيلة تخضغ لعمليات تحديث مستمرة وهي أولية، كما لا تزال الجهود جارية لتصنيف الضحايا بحسب الجهة المسؤولة عن الانتهاكات وتمييز صفتهم بين مدنيين ومقاتلين، وفق تقرير الشبكة المنشور اليوم 24 من تموز.

قوات العشائر تقف عند معبر بصر الحرير المحاذي لمحافظة السويداء- 20 تموز 2025 (عنب بلدي/ محجوب الحشيش)

قوات العشائر تقف عند معبر بصر الحرير المحاذي لمحافظة السويداء- 20 تموز 2025 (عنب بلدي/ محجوب الحشيش)



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة