
تحقيق: سوريا تعيد هيكلة اقتصادها سرًا.. بقيادة حازم الشرع

كشف تحقيق أجرته وكالة “رويترز“، أن الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في محاولته لإعادة بناء اقتصاد سوريا، استعان بشقيقه حازم الشرع الذي يشرف سرًا على الصفقات الرامية إلى السيطرة على الشركات الكبرى.
وتعيد لجنة “ظل” سرية إعادة تشكيل الاقتصاد السوري من خلال الاستحواذ السري على شركات نظام الأسد بقيادة حازم الشرع، وشخص أسترالي يدعى “أبو مريم”، خاضع للعقوبات الأوروبية.
فك شيفرة الفساد
لكن من أجل فك شيفرة الفساد، فإن اللجنة تعقد صفقات مع رجال أعمال يربطهم العديد من السوريين بسنوات من المكاسب غير المشروعة، في عهد النظام السابق.
ووفقًا لـ”رويترز”، عقب سقوط النظام، تلقى رجل أعمال بارز مكالمة هاتفية من شخص دعاه لمقابلة “الشيخ”، إلى عنوان كان يشهد عمليات ابتزاز دورية لرجال الأعمال في ظل حكم امبراطورية الأسد الاقتصادية، لكن الآن أصبح هناك قادة جدد.
بذقن طويلة ومسدس معلق على خصره عرف “الشيخ” عن نفسه باسم “أبو مريم”، وهو رئيس لجنة تعمل على إعادة تشكيل الاقتصاد.
وقال رجل الأعمال، “سألني عن عملي، وكم نجني من المال، وكنت أنظر إلى المسدس طوال الوقت”.
وكشفت تحقيقات أجرتها “رويترز” أن القيادة الجديدة في سوريا تعمل سرًا على إعادة هيكلة الاقتصاد الذي دمره الفساد وسنوات من العقوبات المفروضة على نظام الأسد، تحت رعاية مجموعة من الرجال الذين ظلت هوياتهم مخفية حتى الآن تحت أسماء مستعارة.
واستند تحقيق “رويترز” إلى مقابلات مع أكثر من 100 رجل أعمال ووسيط وسياسي ودبلوماسي وباحث، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الوثائق بما في ذلك السجلات المالية ورسائل البريد الإلكتروني ومحاضر الاجتماعات وتسجيلات الشركات الجديدة
مهمة اللجنة السرية، بحسب “رويترز”، أن تتلخص في فك شيفرة إرث اقتصاد عهد الأسد، ثم تحديد ما تجب إعادة هيكلته وما يجب الاحتفاظ به. بعيدًا عن أعين الرقابة العامة.
وحصلت اللجنة على أصول تزيد قيمتها عن 1.6 مليار دولار، ويستند هذا الرقم إلى روايات أشخاص مطلعين على صفقات الاستحواذ على حصص في شركات ومصادرة أموال نقدية، بما في ذلك ما لا يقل عن 1.5 مليار دولار من الأصول المصادرة من ثلاثة رجال أعمال.
كما استحوذت على شركات في تكتل كان يسيطر عليه في السابق مقربون من الأسد، مثل شركة الاتصالات الرئيسية والتي تبلغ قيمتها ما لا يقل عن 130 مليون دولار.
حازم الشرع وأبراهام سكرية
الرجل الذي يشرف على إعادة هيكلة الاقتصاد السوري هو حازم الشرع، الأخ الأكبر للرئيس الجديد، أما رئيس اللجنة فاسمه المستعار أبو مريم الأسترالي أو ابراهيم بن مسعود أما اسمه الحقيقي فهو “أبراهام سكرية”، أسترالي من أصل لبناني مدرج على قائمة الأفراد الخاضعين للعقوبات في بلده بتهمة تمويل الإرهاب.
ورغم تفكيك الحكومة السورية الجديدة لأجهزة الأمن والمخابرات المخيفة، وأصبح بإمكان الناس التحدث بحرية أكبر، لكن المزيج بين أفراد العائلة والرجال المعروفين بأسماء حربية فقط والذين يديرون الآن الاقتصاد السوري أثار قلق العديد من رجال الأعمال والدبلوماسيين والمحللين، الذين يقولون إنهم يخشون أن يتم استبدال “أوليغارشية القصر” بأخرى، وفقًا لـ”رويترز”.
لم تعلن الحكومة السورية عن عمل اللجنة بشكل علني، بل لم تعلن عن وجودها أساسًا، وهي غير معروفة بالنسبة لعموم السوريين، ولا يعرف بوجودها ودورها ومسؤولياتها سوى أولئك الذين يتعاملون معها بشكل مباشر، وهو دور من شأنه التأثير على حياة ومعيشة جميع السوريين، في الوقت الذي تحاول فيه سوريا إعادة الاندماج في الاقتصاد العالمي.
أحد أعضاء اللجنة قال لـ”رويترز”، إن حجم الفساد في عهد الأسد، لم يترك سوى خيارات قليلة للإصلاح الاقتصادي، ويمكن للجنة أن تحيل رجال الأعمال المشتبه في حصولهم على مكاسب غير مشروعة إلى المحكمة كما يطالب العديد من السوريين، أو أن تصادر الشركات مباشرة، أو أن تعقد صفقات خاصة مع شخصيات من عهد الأسد ما تزال خاضعة لعقوبات دولية.
وبحسب “رويترز”، ينطوي ذلك على مخاطر زيادة التفرقة بين السوريين، الأغنياء ضد الفقراء، ومن ازدهروا في عهد الأسد ضد من عانوا في عهده، وبدلًا من مقاضاة رجال الأعمال الذين استفادوا من عهد الأسد أو مصادرة شركاتهم، قررت اللجنة التفاوض لاسترداد الأموال التي تشتد الحاجة إليها، وفرض سيطرتها على أدوات الاقتصاد، مما يسمح بالعمل دون انقطاع.
وجهت “رويترز”، أسئلة متعلقة بالتحقيق إلى الحكومة السورية وحازم الشرع وسكرية على الطلبات المتكررة للتعليق أو الرد على الأسئلة المتعلقة بهذا التحقيق، وأحال مكتب الرئيس الأسئلة إلى وزارة الإعلام، وعرضت الوكالة نتائج هذا التحقيق خلال اجتماع شخصي مع وزير الإعلام وعرضت تفاصيله وطرحت أسئلة مكتوبة على الوزارة، لكن الوزارة لم تقدم أية ردود قبل نشر.
استحواذ
وكشفت “رويترز” أن اللجنة مع أغنى رجال الأعمال السوريين، بمن فيهم بعض الذين يخضعون لعقوبات أمريكية بسبب تهريب المخدرات والأسلحة. كما أحرزت اللجنة تقدمًا في الاستحواذ على مجموعة من الشركات التي كانت تدار من قصر الأسد.
كما تفاوضت مع رجل أعمال متهم بجمع وصهر المعادن من المدن السورية التي أفرغها جيش الأسد من سكانها، ببعض الأرباح والمكاسب، ورجال أعمال يتجنبون الملاحقة القضائية من قبل الدولة، ولكن ثمن هذه الصفقات، العفو مقابل مزيج من الأموال والسيطرة على الشركات.
وقال أربعة دبلوماسيين غربيين كبار، لـ”رويترز”، إن تركيز القوة الاقتصادية في أيدي شخصيات غامضة ذات خلفيات مجهولة قد يعيق الاستثمار الأجنبي والمصداقية، في الوقت الذي تحاول فيه سوريا العودة إلى النظام المالي العالمي.
والتقت اللجنة بالعشرات من الأشخاص، أحيانًا برأتهم وأحيانًا أخرى سعت للحصول على جزء من ثرواتهم، حسبما قال مصدر تحدث عن أنشطة اللجنة، وقال في النهاية إن السوريين سيستفيدون عندما تتم خصخصة الشركات أو طرحها في شراكات بين القطاعين العام والخاص أو تأميمها، مع توجيه العائدات إلى صندوق ثروة سيادي.
وأعلن الشرع عن تشكيل صندوق سيادي تابع للرئاسة، وقال ثلاثة أشخاص مطلعون على الصندوق إنه سيخضع لإشراف شقيقه. وفي اليوم نفسه، كشف الشرع عن إنشاء صندوق تنموي برئاسة أحد المقربين من حازم منذ فترة طويلة، كما أصدر الرئيس مؤخرًا تعديلات على قانون الاستثمار بموجب مرسوم، وعلى الرغم من أن حازم وسكرية لم يعلنا عن توليهما مناصب حكومية، فقد اكتشفت رويترز أن الاثنين قاما بتحرير النص النهائي للتعديلات.
البذرة في إدلب
الدور البارز للجنة التي تعمل على فك رموز الاقتصاد السوري يعود لأعضاء منتمين لـ”هيئة تحرير الشام”، كانوا مسؤولين عن إدارة الأموال في إدلب، وهناك طورت “هيئة” هياكل مالية وحكومية، وأنشأت في 2018 شركة “وتد” صحابة الحقوق الحصرية في استيراد مشتقات الوقود من تركيا، إلى جانب بنكها الخاص “بنك شام”.
وكان وراء دخول هيئة تحرير الشام في مجال الأعمال شخص يدعى “أبو عبد الرحمن”، وهو فرّان سابق تحول إلى قائد عسكري رفيع المستوى، حسبما قال عضو في اللجنة واثنان من كبار مسؤولي “هيئة تحرير الشام” لـ”رويترز”.
أنشأ “أبو عبد الرحمن” اللجنة الاقتصادية في إدلب، التي كانت في البداية مجموعة مخصصة تضم عددًا قليلًا من الرجال الموالين لأحمد الشرع، وأشرف على تطور اللجنة لتصبح مؤسسة تضم عشرات الأشخاص، من محاسبين ومحامين إلى مفاوضين ومنفذين، على حد قولهم، وهي موجودة خارج الهياكل الرسمية للدولة.
وقالت المصادر إن اللجنة أنشأت جناحًا اقتصاديًا يركز على جني الأموال، برئاسة “أبو مريم”، وجناحًا ماليًا لإدارة تلك الأموال، بقيادة أبو عبد الرحمن.
اسم “أبو عبد الرحمن” الحقيقي هو مصطفى قديد، وفقًا لثلاثة مصادر من “تحرير الشام”، وقد استقر في الطابق الثاني من البنك المركزي السوري في اليوم التالي لسقوط دمشق، ولم يرد قديد على طلب للتعليق على ما لدى “رويترز” من معلومات.
صار “أبو عبد الرحمن” معروفًا لدى بعض المسؤولين والمصرفيين السوريين بـ “الحاكم الظل”، حيث يتمتع بحق النقض على قرارات الحاكم الرسمي الذي يجلس في مكتب أعلى بطابقين.
وعندما عُرضت عليه نتائج التحقيق حول إعادة الهيكلة الاقتصادية ودور “أبو عبد الرحمن”، كتب عبد القادر حصرية، حاكم البنك المركزي السوري في رد لـ”رويترز”، “هذا غير صحيح”، ولم يرد على طلبات توضيح المزيد من التفاصيل.
وقالت مصادر “رويترز” إن القرارات المهمة تتطلب موافقة من يشار إليه بـ “الشيخ” أبو عبد الرحمن.
وقال أحد المصادر “الوضع الآن كما كان من قبل، عندما كان القصر الجمهوري يقرر كل شيء”.
وأكدت الحكومة الأسترالية أن أبراهيم سكرية ما يزال خاضعًا للعقوبات، لكنها رفضت الإفصاح عما إذا كانت على علم بدوره الحالي، مشيرة إلى سياسة عدم التعليق على الأفراد لأسباب تتعلق بالخصوصية.
ولم يرد “أبو مريم” على طلبات التعليق الموجهة إليه حول دوره في إعادة تشكيل الاقتصاد السوري أو النتائج الأخرى لهذا التحقيق عبر رسالة مباشرة إلى حسابه بموقع “إكس” وإلى مساعده الأول.
اللعب في ملعبهم
ويشرف حازم الشرع الآن على عمل اللجنة الاقتصادية كجزء من سلطته الواسعة على شؤون الأعمال والاستثمار في سوريا الجديدة، ولا يشغل أي منصب حكومي معلن، لكنه ظهر إلى جانب شقيقه في زيارة رسمية إلى السعودية، وكان حازم أول من قدمه شقيقه إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على الرغم من أنه لم يتم تحديد هويته في البيانات الرسمية للاجتماع.
وعند وصولها إلى دمشق في كانون الأول 2024، أقامت اللجنة في البداية في فندق فور سيزونز،وفقًا لموظف في الفندق واثنين من السوريين المطلعين على الأمر.
وحصل أعضاء اللجنة، بالإضافة إلى مسؤولين آخرين في “هيئة تحرير الشام”، على غرف وأجنحة مجانًا، وفقًا لاثنين من الأشخاص المطلعين على الترتيبات.
وأزيل بار في صالة السيجار في فندق “فور سيزونز” لاستيعاب الشيوخ والاجتماعات الخاصة، بما في ذلك محادثات التسوية، وفقًا لموظفي الفندق وعدة أشخاص مطلعين على التغيير.
وقالت الشركة إن الفندق لم يعد يديره فندق “فور سيزونز” منذ عام 2019، وهو نفس العام الذي فرضت فيه الولايات المتحدة عقوبات على مالكه، سامر فوز، ولم يعلق فوز على هذا التقرير.
ثم انتقلت اللجنة تدريجيًا إلى مكاتب كان يستخدمها سابقًا رجال أعمال بارزون، ويد الأسد الاقتصادية اليمنى، مثل يسار ابراهيم، الذي يقيم في الإمارات منذ الإطاحة بالأسد، ولم يرد هو الآخر على طلبات التعليق.
وقرر الأعضاء بسرعة عدم مقاضاة رجال الأعمال المشتبه في حصولهم على مكاسب غير مشروعة “لأن ذلك سيجعلنا نلعب في ملعبهم”، حسبما قال أحد أعضاء اللجنة.
وعلى الرغم من أن بعض القضاة فقدوا وظائفهم بعد سقوط الأسد، ما يزال العديد منهم في مناصبهم، وخشيت الحكومة الجديدة من أن يتفوق عليها رجال الأعمال البارعون في التعامل مع النظام القضائي، أو من عدم وجود أدلة لإدانتهم في قضايا مالية معقدة.
ووفقًا لأحد الأعضاء ومدقق حسابات مطلع على المحادثات، قالوا إن المصادرة الصريحة رُفضت لتجنب إخافة المستثمرين المحتملين، ولم يتبق سوى خيار إبرام صفقات مع رجال الأعمال، وحملهم على التنازل عن أصولهم مقابل السماح لهم بالعودة إلى العمل في سوريا، كما ستستفيد الحكومة الجديدة من خبراتهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :