خلال موجات الحر

“عين العروس”.. ملاذ وحيد لسكان “نبع السلام”

الأهالي يقبلون على نبعة عين العروس في رأس العين شمالي سوريا هربًا من حرّ الصيف - 10 حزيران 2025 (عنب بلدي)

camera iconالأهالي يقبلون على نبعة عين العروس في رأس العين شمالي سوريا هربًا من حرّ الصيف - 10 حزيران 2025 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – رأس العين

وسط موجة حر غير مسبوقة تجاوزت فيها درجات الحرارة 48 درجة مئوية شمالي سوريا، تحولت نبعة “عين العروس” إلى ملاذ صيفي يقصده سكان مدينتي تل أبيض ورأس العين، هربًا من لهيب الصيف، وبحثًا عن برودة المياه وظلال الأشجار التي تخفف وطأة الحر الشديد.

تقع النبعة جنوبي تل أبيض، وتمثل المصدر الرئيس لنهر البليخ في المدينة، وأعيد تأهيلها وترميمها من قبل المجلس المحلي بعد عملية “نبع السلام” العسكرية عام 2019، ما جعلها مكانًا مناسبًا للزوار الباحثين عن البرودة والراحة وسط ارتفاع حرارة المدينة.

المتنفس الوحيد

تُعتبر نبعة “عين العروس” المتنفس الوحيد لسكان تل أبيض ورأس العين، خصوصًا بعد جفاف نهر الخابور والينابيع الأخرى في المنطقة، إضافة إلى الحصار المطبق الذي يعوق الخروج إلى مناطق أخرى، ما جعلها الملاذ الأساسي للهروب من شدة الحرارة وتلبية احتياجات السكان.

تقع مدينتا رأس العين وتل أبيض بمحاذاة الحدود التركية، ويسيطر عليهما “الجيش الوطني السوري” المدعوم تركيًا (انضمت الفصائل إلى وزارة الدفاع)، بينما تحيط بهما جبهات قتال باردة مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وتعتبر الحدود التركية منفذها الوحيد نحو الخارج.

بعد جفاف الخابور

اعتاد عماد الدين (51 عامًا) من مدينة رأس العين، أن يصطحب عائلته كل صيف إلى نبعة “عين العروس” للاستجمام والسباحة في مياهها الباردة، بعد أن غابت عن مدينته أي وجهات طبيعية مماثلة.

وقال إن رأس العين فقدت مواردها المائية، وعلى رأسها نهر الخابور، الذي كان متنفسًا رئيسًا للأهالي، بعدما جف وتحول إلى مجرى ملوث بمياه الصرف الصحي.

وأضاف أن نبعة “عين العروس” أصبحت الملاذ الوحيد المتاح للأهالي، في ظل الحصار المفروض على رأس العين من قبل قوات “قسد”، ما يمنعهم من الوصول إلى مناطق أخرى.

وطالب عماد الجهات المسؤولة بتنظيم عدد الزوار والعناية بالنظافة، لأن الازدحام المتزايد يهدد جودة المياه ويُلقي بآثار سلبية على البيئة والمكان.

من جهتها، تتوجه نهلة العلي (24 عامًا) من مدينة تل أبيض مع صديقاتها إلى النبعة كل يوم عطلة، منذ خمس سنوات، حيث أصبحت هذه الزيارات عادة أسبوعية لهم، فهي المتنفس الوحيد الذي يجدون فيه الراحة وبرودة المياه.

وأوضحت أنهن يحضرن بعض الوجبات الخفيفة ويجلسن في الظل يتحدثن مع بعضهن، ما يساعدهن على قضاء وقت هادئ وبسيط بعيدًا عن ضغوط الحياة اليومية.

وذكرت أنها لاحظت قلة النظافة حول مياه النبعة، مطالبة الجهات المعنية بزيادة جهودها في التنظيف المستمر، خاصة أن النبعة تمثل المصدر الرئيس للمياه والمتنفس الوحيد لسكان تل أبيض ورأس العين.

مصدر دخل

تشكل نبعة “عين العروس” مصدر دخل لعدد من سكان تل أبيض، من خلال أكشاك ومحال صغيرة تبيع المأكولات والمشروبات وألعاب الأطفال، ما أسهم في تنشيط الحركة التجارية وتحسين الظروف المعيشية لعدد من العائلات.

افتتح محمد علاء، من مدينة تل أبيض، كشكًا صغيرًا بجانب نبعة “عين العروس” منذ ثلاث سنوات، حيث وجد فيه مصدر دخل ثابتًا يساعده على تغطية مصاريفه وتحسين وضعه المادي.

وقال إن وجود الكشك بجانب النبعة يوفر له دخلًا يوميًا ثابتًا، ساعده على تحسين وضعه المادي والاعتماد على هذا العمل كمصدر رئيس للرزق.

وأشار إلى أن ما يقارب 15 محلًا تستفيد من نبعة “عين العروس” لأنها المتنفس الوحيد لسكان رأس العين وتل أبيض، مطالبًا بزيادة الاهتمام بالمكان وتوفير مرافق خدمية أساسية، مثل الحمامات، للحفاظ على نظافة المكان.

ترميم ضمن الإمكانيات

تقع عين العروس على بُعد حوالي ثلاثة كيلومترات جنوب مركز مدينة تل أبيض، وتبعد 92 كيلومترًا شمال مدينة الرقة و200 كيلومتر شرق مدينة حلب.

وتتميز المنطقة بتضاريسها السهلية الخصبة وغناها بالينابيع، ما جعلها وجهة مفضلة للزراعة والتجارة عبر العصور.

مدير مكتب الإعلام بالمجلس المحلي في تل أبيض، متعب حسين، قال لعنب بلدي، إن المجلس قام بأعمال ترميم وإعادة تأهيل لمكان النبعة.

وأوضح أنه منذ تشكيل المجلس المحلي وُضعت خطة لترميم النبعة وتأهيلها لتصبح مكانًا رئيسًا لسكان المدينة والزائرين من المناطق الأخرى، لأنها المكان الأساسي الذي يقصده السكان للاستجمام.

وأضاف أن المجلس خصص عمال نظافة وموظفين للإشراف على النبعة وصيانة حديقتها بين كل فترة وأخرى، ضمن الإمكانيات المتاحة.

وأشار إلى أنهم يعملون على وضع خطة تأهيل كاملة للمكان في حال توفرت الإمكانيات اللازمة.

وتعود أهمية عين العروس إلى العصور الإسلامية، حيث ورد ذكرها في معجم “البلدان” لياقوت الحموي، إذ وصفها بأنها “عين الذهبانية” وهي “أعظم عيون نهر البليخ”، كما ذكرها الرحالة ابن جبير، مشيرًا إلى وجود “مشهد مبارك” فيها يُنسب إلى النبي إبراهيم.

وكانت العين محطة استراحة للتجار والمسافرين على طريق القوافل، ولا تزال حتى اليوم تُشكل متنفسًا طبيعيًا لأهالي تل أبيض وزوارها، وتحتفظ بمكانتها كرمز من رموز التراث الطبيعي والتاريخي في المنطقة.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة