مدخل مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سوريا- 25 شباط 2025 (عنب بلدي/بيسان خلف)
بعد توقف دعم "الأونروا"..
فلسطينيو سوريا: تُركنا وحدنا
عنب بلدي – بيسان خلف
في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بدمشق، يمتزج الدمار والخوف من المستقبل، بعدما واجهه فلسطينيو سوريا من تهجير في الداخل والخارج خلال سنوات الحرب في سوريا، وبعد سقوط النظام ما زالوا يدفعون ثمن الحرب، لا سيما في ظل الإهمال المتواصل من قبل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي كانت مساعداتها تسد جزءًا من احتياجاتهم المعيشية.
حسين عموري (33 عامًا) فلسطيني الجنسية، اضطر لتسليم منزله المُستأجر، ليسكن مع عائلة زوجته، بعد أن قطعت “الأونروا” الدعم المالي عن العائلات الفلسطينية في سوريا.
ينتظر حسين دفعة المساعدات المالية التي كانت تُقدم كل ثلاثة أشهر، وتتراوح بين 300,000 و500,000 ليرة سورية (تعادل 40 إلى 50 دولارًا) للفرد الواحد كل ثلاثة أشهر، كي يدفع إيجار بيته في صحنايا.
ومنذ سقوط النظام السابق، في 8 من كانون الأول 2024، لم يتسلم فلسطينيو سوريا أي مساعدات مالية، سوى سلة غذائية واحد، في أواخر الشهر نفسه.
“تُركنا وحدنا”
يعتمد خالد خليفة (44 عامًا) المعيل لأسرة مكونة من خمسة أشخاص، على “الأونروا” في الحصول على المواد التموينية التي تسد حاجاتهم الشهرية، كما يعتمد على المساعدة المالية من أجل توفير علاجات زوجته التي تعاني من اضطرابات في الجهاز العصبي.
منذ طرحت “الأونروا” برنامجها الإغاثي لتقدم الإعانات المالية والغذائية والخدمات الطبية للاجئين الفلسطينيين في سوريا، لم يستفد خالد خليفة منها في شراء احتياجات شخصية لعائلته، بل يجمع المبلغ المقدم كل ثلاثة أشهر ليتمكن من تأمين مصاريف علاج زوجته.
بعد قطع المساعدات المالية، حاول خالد التواصل مع مستوصفات “الأونروا”، لكنها رفضت، بحجة أنها لا تتكفل في علاج الأمراض العصبية باستثناء الأمراض المزمنة، كأمراض سكر الدم، وأمراض الضغط.
“لا أحد يقف إلى جانبنا، لقد تُركنا وحدنا في سوريا، دون مساعدات ودون النظر حتى إلى وضعنا”، هكذا ختم خالد حديثه لعنب بلدي.
ويتنظر كثير من فلسطينيي سوريا دعم “الأونروا” المالي، لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضها الواقع السوري بعد الحرب.
ورغم انقطاع الدعم المالي عن فلسطينيي سوريا، فإن “الأونروا” في لبنان والأردن وضعت برنامجًا لتوزيع المساعدات المالية لصيف 2025، ولم تضع أي برنامج لسوريا.
كما يتلقى الفلسطينيون في لبنان والأردن 100 إلى 150 دولارًا شهريًا، أي ضعف المبلغ الذي يتلقاه فلسطينيو سوريا كل ثلاثة أشهر.
لا خدمات صحية
“نجلس على كراسي مستوصفات (الأونروا) لساعات، الأطباء يتحدثون معنا بطبقية، وفي النهاية نأخذ ربع حصتنا من الأدوية”، قالت صبحة النادر المسنة اللاجئة في مخيم “خان الشيح”.
لا تدري صبحة ومعظم كبار السن الفلسطينيين ما الذي حدث بعد سقوط النظام، ولماذا تمتنع “الأونروا” عن تقديم الدعم الصحي لهم.
كانت صبحة تلجأ في علاج ضغط الدم إلى مستوصف “الأونروا” في بلدة جديدة عرطوز، فقبل سقوط النظام اعتادت أن تجري فحصًا دوريًا هناك، وتتلقى دواء مجانيًا يكفي لمدة شهرين، أما الآن فالأدوية التي توزع من قبل “الأونروا” لا تكفي لمدة شهر، بحسب قولها.
كما تعتذر “الأونروا” أحيانًا عن عدم قبول دعم العمليات الجراحية، إذ كانت في السابق تدفع للمستشفيات الخاصة التي تتعاقد معها 60% من تكاليف عمليات المرضى الذين يحتاجون إلى عمليات جراحية.
أما قسم العلاجات السنية فأغلق أبوابه في كثير من المراكز الصحية.
رغد عشماي، إحدى الموظفات في مستوصف لوكالة “الأونروا” في جديدة عرطوز، قالت لعنب بلدي، إن المستوصف لا تصله أدوية، إذ خفضت “الأونروا” مساعدتها في المجال الصحي.
وبحسب رغد، فإن “الأونروا” دائمًا تتحجج بالعجز المالي الذي تعاني منه، رغم نشاطها في لبنان والأردن، والذي يفوق نشاطها في سوريا (البلد المنكوب) بأضعاف.
أوضاع إنسانية صعبة
يعاني الفلسطينيون في سوريا أوضاعًا إنسانية صعبة، كتدمير المخيمات على يد النظام السوري السابق، ويعيش معظمهم في بيوت مستأجرة، تثقل إيجاراتها كاهلهم.
حاولت عنب بلدي التواصل مع مكتب “الأونروا” الإقليمي في سوريا للسؤال عن برنامج توزيع مساعدتها، ولماذا توقفت عن وضع برامج إغاثية في سوريا، ولم تتلق ردًا حتى لحظة كتابة هذا التقرير.
مسؤول المكتب الإعلامي في “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا”، فايز أبو عيد، قال لعنب بلدي، إنه منذ تصاعد الأزمة السورية، يعاني اللاجئون الفلسطينيون في سوريا من تراجع حاد في المساعدات المقدمة من “الأونروا”، وفي الوقت الذي تواصل فيه الوكالة توزيع المساعدات المالية بلبنان والأردن، يشتكي الفلسطينيون في سوريا من غياب شبه تام لأي دعم مادي.
وأوضح أبو عيد أن ذلك يعود إلى عدة عوامل متداخلة، أهمها الأزمة المالية الخانقة التي تواجهها “الأونروا”، حيث تم تقليص التمويل بشكل كبير من قبل الدول المانحة، ما أجبر الوكالة على تقليص برامجها في جميع مناطق عملها، مع تضرر سوريا بشكل خاص.
وأشار أبو عيد إلى أن “الأونروا” تعلن باستمرار عن معاناتها من عجز مالي حاد، لكن في المقابل، ظهرت اتهامات متكررة من ناشطين ومنظمات حقوقية حول وجود فساد وسوء إدارة داخل مكاتب الوكالة في سوريا.
وشملت الاتهامات:
- شكاوى من توزيع مواد غذائية فاسدة أو عدم تمكن اللاجئين من تسلم منحهم المالية.
- شراء معدات طبية رديئة الجودة.
- توظيف غير مؤهلين بناء على المحسوبية.
- تقارير عن استفادة مقربين من النظام السوري السابق من عقود مع وكالات الأمم المتحدة، ما يثير الشكوك حول نزاهة توزيع المساعدات، بحسب أبو عيد.
وأكد أبو عيد أنه رغم ذلك، يبقى العجز المالي هو السبب المعلن رسميًا لتراجع الخدمات، بينما تظل قضية الفساد بحاجة إلى تحقيقات مستقلة وشفافة.
عجز الدول المانحة
قال فايز أبو عيد، إن تدهور القطاع الصحي بمستوصفات “الأونروا” في سوريا يرجع إلى تدمير أو إغلاق العديد من المراكز الصحية بسبب الحرب، ما قلص عدد المستوصفات العاملة من 23 إلى 15 فقط، ونزوح وهجرة الكوادر الطبية المؤهلة، ما أدى إلى نقص حاد في الأطباء والممرضين، إضافة إلى انخفاض التمويل الدولي المخصص للقطاع الصحي، حيث لم يتم تأمين سوى ربع الاحتياجات المالية للقطاع الصحي في سوريا بالسنوات الأخيرة.
وأكد أنه في ظل هذا الواقع، تبرز أهمية دور “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا” كصوت مستقل وحقوقي للدفاع عن اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، إذ تقوم المجموعة برصد وتوثيق الانتهاكات التي يتعرض لها اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، ونشر تقارير دورية حول أوضاعهم الإنسانية والمعيشية.
وتسهم “مجموعة العمل” بإيصال صوت اللاجئين إلى المجتمع الدولي عبر حملات إعلامية وحقوقية، والضغط على الجهات الأممية والدولية لتحمل مسؤولياتها تجاههم، وفضح حالات الفساد وسوء الإدارة في المؤسسات الدولية والمحلية، والمطالبة بالشفافية والمساءلة في توزيع المساعدات، إضافة إلى تقديم منصة للمتضررين لنقل معاناتهم وشهاداتهم مباشرة من المخيمات والمناطق المنكوبة، ما يسهم في إبقاء قضيتهم حية على أجندة الرأي العام العالمي
“الأونروا” تحذر
في 24 من حزيران الماضي، قال رئيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فيليب لازاريني، إنه قد يضطر لاتخاذ قرار “غير مسبوق” بشأن الخدمات التي تقدمها الوكالة إذا “لم تعثر قريبًا على تمويل” لتخفيف أزمة التدفق النقدي التي تعاني منها.
وبحسب ما نقلته وكالة “رويترز” عن لازاريني، فإن “الأونروا” تواجه عجزًا قدره 200 مليون دولار.
وأضاف، “يتم إدارة التدفق النقدي أسبوعيًا، ودون تمويل إضافي، سأضطر قريبًا إلى اتخاذ قرار غير مسبوق يؤثر على خدماتنا للاجئين الفلسطينيين”.
وتقدم “الأونروا” المساعدات والخدمات الصحية والتعليمية لملايين الأشخاص في الأراضي الفلسطينية وللاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان والأردن.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :