"التعليم العالي" تكشف لعنب بلدي عن خطوات المعالجة

حياة “الخدّج” مهددة في مستشفى الأطفال بدمشق

طفلة في حاضنة بأحد المستفشيات الخاصة في دمشق - 16 حزيران 2025 (عنب بلدي)

camera iconطفلة في حاضنة بأحد المستفشيات الخاصة في دمشق - 16 حزيران 2025 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – سندريلا البلعة

“لم أمنح حتى رفاهية الانهيار”، بهذه العبارة اختصرت والدة الطفلة كاترين سرور، واحدة من أكثر الليالي قسوة في حياتها.

لم تكن غرفة عناية مركزة متكاملة، ولا محاطة بأطباء يتناوبون على رعاية طفلتها، بل كانت تجلس على كرسي بلاستيكي في زاوية مزدحمة في إحدى غرف الإسعاف داخل مستشفى الأطفال بدمشق، تمسك بيدها “منفسة” يدوية صغيرة، تضغط عليها دون توقف لتبقي طفلتها على قيد الحياة.

كاترين التي ولدت قبل أوانها لم تجد مكانًا آمنًا داخل حاضنة طبية كما يفترض، بل وجدت يد أم تحولت إلى جهاز تنفس بشري، يعمل دون انقطاع، لا وقت للبكاء أو الانهيار، أي لحظة تعب تعني أن يتوقف نبض الطفلة، وتفارق الحياة.

قالت والدة الطفلة، “بعد أن أمضينا ليلة كاملة نبحث في مستشفى الأطفال بدمشق عن منفسة وحاضنة، أخبرنا الطبيب المناوب أنه لا توجد منفسة شاغرة، وأن علينا انتظار وفاة طفل آخر لنتمكن من وضع طفلتنا مكانه.

“الأطفال الجامعي” بين الحاجة والإمكانيات

تعد مرحلة ما بعد الولادة من أدق المراحل التي يمر بها الطفل، وتزداد حساسيتها لدى الأطفال “الخدّج” أو المرضى ممن يحتاجون إلى رعاية طبية مكثفة، مثل الحاضنات أو أجهزة التنفس الاصطناعي.

ومع التحديات التي يواجهها القطاع الصحي في سوريا، تزداد معاناة الأهالي في الحصول على خدمات الرعاية اللازمة، خاصة في ظل النقص بالتجهيزات داخل المستشفيات الحكومية، وارتفاع تكاليف العلاج في المستشفيات الخاصة.

ويعد مستشفى الأطفال الجامعي أحد المستشفيات التابعة لوزارة التعليم العالي، يضم حوالي 435 سريرًا، وهو مستشفى تعليمي خدمي للأطفال بمن في ذلك “الخدّج” من جميع المحافظات السورية، ويعتبر مركزًا للتدريب السريري ورفع الخبرات الطبية، ويحتوي على نحو 22 طبيبًا بهيئة التدريس، و25 متخصصًا، وعدد من أطباء الدراسات العليا.

عجز معدات وتكلفة عالية

توفيت طفلة تبلغ من العمر سبع سنوات في مستشفى الأطفال الجامعي بدمشق بعد معاناة حادة مع صعوبة التنفس، وسط عجز عن توفير “منفسة” في الوقت المناسب، وعجز عائلتها عن نقلها إلى مستشفى خاص بسبب أوضاعهم المادية الصعبة.

الطفلة لينا كانت تعاني من أعراض تنفسية شديدة، حيث أسعفها ذووها إلى المستشفى وهي في حالة حرجة، وبعد الفحص أكد الأطباء أنها بحاجة إلى “منفسة” بشكل فوري، لكنها لم تحصل عليها بسبب انشغال جميع الأجهزة بالحالات الحرجة الأخرى.

وبحسب والد الطفلة، وهو عامل بناء بدخل محدود، فقد طُلب منه نقلها إلى أحد المستشفيات الخاصة لمحاولة إنقاذ حياتها، لكن التكاليف العالية حالت دون ذلك.

قال الأب لعنب بلدي، “تكلفة الليلة أرقام لا أستطيع أن أحلم بها، حاولت الاستدانة دون جدوى، لم أكن قادرًا على فعل أي شيء لابنتي”.

رضّع على قوائم الانتظار

رغم أهمية هذه الأجهزة، يُعاني مستشفى الأطفال الجامعي في دمشق من نقص واضح في عدد الحاضنات و”المنافس”، ما يؤدي إلى تحديات كبيرة في استقبال جميع الحالات.

يُقدَّر عدد الحاضنات المتوفرة في المستشفى بأقل من الحاجة الفعلية، في ظل تزايد عدد الولادات الحرجة.

العديد من الحالات يتم تحويلها إلى مستشفيات خاصة أو تُوضع على قائمة الانتظار، ما يعرّض حياة الأطفال للخطر.

ويعاني الكادر الطبي من ضغط كبير في ظل محدودية الموارد التقنية والبشرية، إضافة إلى ضعف القدرة على صيانة الأجهزة القديمة أو استبدال المعطل منها.

في المقابل، تشهد المستشفيات الخاصة في دمشق ارتفاعًا كبيرًا في تكاليف الحاضنات و”المنافس”، إذ وصل أقل أجر حاضنة في مستشفى خاص بدمشق إلى 1,600,000 لليلة واحدة، كما بلغ أجر الحاضنة مع “منفسة” 2,500,000 لليلة واحدة، دون أجور التحاليل والصور حسب احتياجات كل طفل.

هذه التكاليف تُثقل كاهل العائلات ذات الدخل المحدود، وتُجبر الكثيرين على الاقتراض أو بيع ممتلكاتهم في ظل غياب دعم حكومي كافٍ، أو تغطية تأمينية شاملة لهذه الحالات.

وثقت عنب بلدي العديد من الحالات التي اضطر فيها الأهالي لنقل أطفالهم من مستشفيات حكومية مزدحمة إلى خاصة باهظة التكاليف.

في إحدى الحالات، أنفقت عائلة أكثر من ستة ملايين ليرة خلال أسبوع واحد لتأمين العلاج لطفلها حديث الولادة، ما وضعها في أزمة مالية خانقة، كما تشير شهادات الأهالي إلى تفاوت في جودة الخدمات بين القطاعين.

إجراءات جديدة لتطوير المستشفى

مع تزايد الضغط على مستشفى الأطفال وتكرار شكاوى الأهالي والمهتمين بالشأن الصحي، كشفت وزارة التعليم العالي في تصريح خاص لعنب بلدي عن مجموعة من الإجراءات والتوضيحات حول واقع المستشفى، مؤكدة التزامها بتطوير الخدمات الصحية في المستشفيات الجامعية.

أبرز الجوانب التي تطرقت لها الوزارة في حديثها:

نقص التجهيزات (الحاضنات والمنافس)

أشارت إلى أن المستشفى يعمل بكامل طاقته الاستيعابية، حيث يضم حاليًا 60 حاضنة وجهاز تنفس اصطناعي، موضحة أن النقص يعود إلى تراكمات من تقصير الأنظمة السابقة.

وأكدت أنها تعمل حاليًا على تدارك العجز، من خلال الدعم المحلي والدولي بهدف تحسين جودة التجهيزات الطبية.

الميزانية ومصادر التمويل

أوضحت الوزارة أن ميزانية 2025 لمستشفى الأطفال ما زالت قيد الإعداد، مشيرة إلى أن الاحتياجات تُغطى حاليًا جزئيًا من الموارد الذاتية.

كما تم اتخاذ قرار بإلغاء الاستجرار المركزي لتسريع عمليات التوريد، مع تقديم مقترحات لزيادة الدعم الموجه للمستشفيات الجامعية.

الخطط الطارئة لتأمين الأجهزة

أكدت الوزارة أن المستشفى يمكنه استجرار الأجهزة بشكل مباشر من موازنته الخاصة، دون الحاجة للمرور عبر وزارة الصحة، ما يُعد خطوة لتجاوز البيروقراطية.

كما يجري التنسيق مع منظمات أهلية وهيئات داعمة لتلبية الاحتياجات الطارئة وضمان الجاهزية الدائمة.

الرقابة والإشراف

أعلنت الوزارة عن تفعيل دور رقابي فعّال على المستشفيات الجامعية من خلال لجان متخصصة، لضمان الجودة والاستجابة السريعة.

وتم تعيين مدير مستشفيات يتواصل إلكترونيًا مع الوزارة، تحت إشراف معاونة الوزير للشؤون الإدارية وشؤون المستشفيات، الدكتورة عبير قدسي.

الاعتماد على المستشفيات الخاصة

أوضحت الوزارة أنها تعمل على مسارين متوازيين لتخفيف العبء عن الأهالي، الأول تسريع عملية تأمين الأجهزة والتجهيزات، والثاني تحسين جودة الخدمات داخل المستشفيات الجامعية لتقليل الحاجة للمستشفيات الخاصة.

مكافحة “الواسطات” والمحسوبيات

في ردها على شكاوى الأهالي، أكدت الوزارة أنها تُحارب مظاهر المحسوبيات و”الواسطات” التي تعود إلى ممارسات سابقة، مشددة على أنها تبذل جهودًا رقابية مستمرة لترسيخ العدالة والشفافية في تقديم الخدمات الصحية.

كما أعادت وزارة التعليم العالي التأكيد على التزامها بالارتقاء بمستوى الخدمات الصحية في مستشفى الأطفال وغيره من المستشفيات التعليمية، من خلال رؤية استراتيجية واضحة وخطط تنفيذية مدروسة، رغم التحديات المالية والضغوط التشغيلية، ضمانًا لعدالة العلاج وكفاءة الأداء الطبي.

مطالب الأطباء المقيمين

يواجه الأطباء المقيمون في مستشفى الأطفال تحديات متعددة ومعقدة، تنعكس على جودة عملهم اليومية وعلى طبيعة الخدمات المقدمة للأطفال المرضى.

تتنوع مطالب الأطباء بين ما هو متعلق بالظروف المهنية المباشرة، كعدد المناوبات الطويل والإرهاق الشديد، وما هو مرتبط بالروتين الإداري، ومحدودية الإمكانيات التي تعرقل سير العمل الطبي.

الطبيب المختص في مستشفى الأطفال الجامعي محمد العواني، أشار إلى أن التعامل مع ذوي المرضى يشكّل تحديًا إنسانيًا وأخلاقيًا، خاصة في ظل النقص الحاد بعدد الأسرّة في أقسام العناية المشددة والحاضنات.

وتضطر الكوادر الطبية أحيانًا إلى اتخاذ قرارات قاسية تتعلق بأولوية قبول الأطفال استنادًا إلى الحالة الطبية و”أقدمية الانتظار”، في ظل عدم توفر أسرّة كافية.

وأوضح الطبيب أن اتهامات بعض الأهالي بالمحسوبية أو الفساد، رغم أن بعضها كان يُمارس في فترات سابقة بنسبة ضئيلة، تعد مجحفة في كثير من الأحيان، لأن القرارات الطبية محكومة بمعايير علمية صارمة تتعلق بخطورة الحالة الصحية.

وأشار كذلك إلى أن المستشفى المركزي رغم طاقته الكبيرة، لا يمكنه استيعاب جميع الحالات المحالة من مختلف المحافظات، ما يستدعي “تفعيل مستشفيات الأطفال في المحافظات الأخرى”، وتزويدها بكوادر طبية اختصاصية وتجهيزات نوعية قادرة على تخفيف العبء عن المستشفى المركزي.




×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة