
نقل 70 عائلة من مخيمات الشمال السوري إلى بلدة كفرسجنة بريف إدلب الجنوبي لتامين مسكن لهم- 28 أيار 2025 (محافظة إدلب/تلجرام)
نقل 70 عائلة من مخيمات الشمال السوري إلى بلدة كفرسجنة بريف إدلب الجنوبي لتامين مسكن لهم- 28 أيار 2025 (محافظة إدلب/تلجرام)
عنب بلدي – كريستينا الشماس | محمد مصطو
“يواجه أطفالي صعوبات بالتأقلم بسبب تغير بيئة التعليم”، “مدرسة القرية غير مؤهلة لاستقبال أطفالنا في العام الدراسي القادم”، “أطفالي يعيشون حالة عدم استقرار نفسي”، بهذه العبارات عبّر أهالي أطفال عاشوا سنوات من النزوح في مخيمات إدلب عن معاناة أطفالهم بعد عودتهم إلى مناطقهم.
الظروف غير الطبيعية التي عاشها هؤلاء الأطفال في مخيمات إدلب، جعلتهم يواجهون صعوبات في الاندماج بعد عودتهم إلى مناطقهم.
ويعاني بعض الأطفال من فجوات تعليمية واسعة، بسبب انقطاعهم الطويل عن الدراسة خلال فترة إقامتهم في المخيمات، ما جعلهم أمام تحدٍ مضاعف في التأقلم والتعلم.
قال رئيس دائرة الإحصاء في محافظة إدلب، رامز دقسي، لعنب بلدي، إن العدد الإجمالي للمخيمات في إدلب وصل إلى 1137 مخيمًا، وبلغ عدد العوائل العائدة إلى مناطقها 63467 عائلة.
وأوضح دقسي أن عدد المخيمات التي عادت منها العوائل وصل إلى 58 مخيمًا، مشيرًا إلى أن هذه العوائل عادت إلى أرياف إدلب الجنوبية والشرقية وجبل الزاوية ومعرة النعمان، إضافة إلى أرياف حماة الشمالية والغربية والشرقية، وبعضها إلى أرياف حلب الجنوبية والغربية وحلب المدينة.
كما شملت عودة الأهالي مناطق حمص وأريافها الشمالية وريف دمشق وتدمر ودير الزور وريف اللاذقية الشمالي (جبل الأكراد)، بحسب دقسي.
يروي محمد نعيم، لعنب بلدي، قصة تهجيره من بلدة معرة النعمان إلى بلدة كللي بريف إدلب الشمالي، حيث قضى فيها خمس سنوات في المخيم، كانت كفيلة أن تجعل أطفاله يعانون من صعوبات بالتعلم والاندماج في المجتمع.
وواجه أطفال محمد في السنوات الأولى من نزوحهم صعوبات بالتأقلم بسبب تغير واختلاف المنهاج التعليمي بين المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام السابق والمناطق المحررة، إضافة إلى عدم قدرتهم على الالتحاق بالتعليم مباشرة، الأمر الذي جعل محمد يفقد الأمل حيال استكمال أطفاله تعليمهم، “عانى أطفالي لسنوات حالة عدم الاستقرار النفسي”، قال محمد.
“نحن الأهالي نواجه صعوبات في الاندماج، فما بالك بأطفالنا”، هكذا وصف محمد حال أطفاله بعد عودتهم إلى بلدة معرة النعمان، إذ يعانون صعوبات بالتفاعل والاندماج مع المجتمع، فالظروف القاسية التي مرت بها العائلة أثرت بشكل سلبي على الحالة النفسية لأطفاله.
واستمرت رحلة نزوح محمد زيدان، معلم متقاعد من بلدة معرة حرمة في ريف إدلب الجنوبي، قرابة ست سنوات، حيث سكن في منطقة دير حسان القريبة من المخيمات، في منزل بعيد عن المدارس والخدمات، ما اضطره لتسجيل أولاده في مدرسة خاصة إضافة إلى أجور نقل إضافية، فلم تكن هناك مدارس حكومية قريبة من سكنه.
ويواجه محمد تحدي العودة إلى بلدة معرة حرمة المدمرة كليًا، حيث لا توجد مدارس ولا كهرباء ولا خدمات، إضافة إلى خطر الألغام الذي يهدد الطرق والمناطق المحيطة.
وأشار محمد إلى صعوبة الوضع التعليمي غير المستقر لأطفاله، فلن يتمكنوا من متابعة تعليمهم بشكل طبيعي في حال عودتهم إلى بلدتهم المدمرة، في ظل غياب مدارس مؤهلة لاستقبال الأطفال.
أما على الصعيد الاجتماعي فأوضح محمد أن أطفاله يواجهون صعوبة في الاندماج مع المجتمعات الجديدة بسبب اختلاف نمط الحياة والتفكير، ما خلق فجوة نفسية أثرت على سلوكهم واستقرارهم النفسي.
خلّف النظام السابق منظومة تعليمية مدمرة وغيابًا شبه تام للخدمات الأساسية في المناطق التي عاد إليها الأهالي، ليجعلهم أمام تحديات عدة أثقلت كاهلهم.
خالد إبراهيم، معلم صف مهجر من قرية الطلحية بريف إدلب الشرقي، عاش تجربة نزوح استمرت قرابة ست سنوات مع عائلته، وعاد إلى قريته التي تعاني من دمار واسع في البنية التحتية، خاصة في القطاع التعليمي.
تحدث خالد، لعنب بلدي، أنه تم افتتاح مدرسة في القرية بجهود محلية باستخدام معدات بسيطة، ويشرف على المدرسة كادر تربوي من المعلمين المقيمين في القرية، إلا أن المبنى غير مؤهل لاستكمال التعليم ويواجه تصدعات كبيرة، ما يجعل المدرسة في حالة” إسعافية مؤقتة”.
“استكمال التعليم في مدارس مدمرة يجعل الأمر مستحيلًا ويتطلب تدخلًا عاجلًا”، قال خالد حول التحديات التي تواجه متابعة التعليم في القرية، نتيجة الدمار الممنهج الذي طال المدارس، التي تفتقر لمقومات العمل الأساسية، وتحتاج إلى ترميم شامل للبناء والساحة والمرافق.
أما من الناحية الاجتماعية، فأشار إلى أن أطفاله بدؤوا بالاندماج تدريجيًا مع أقرانهم في البيئة الجديدة، وهذا الأمر يتطلب وقتًا، خاصة أن كل شيء لا يزال جديدًا عليهم.
كما أن استقرار عائلة خالد مرهون أيضًا في تحسن الوضع الخدمي شبه المعدوم، فلا تتوفر مياه مجانية، إذ يتم شراؤها، ولا كهرباء، ولا صرف صحي، والبنية التحتية مدمرة بالكامل.
وعن الوضع المعيشي لخالد فهو في غاية الصعوبة، إذ تتم عمليات ترميم منزله بإمكانات محدودة جدًا، دون وجود أبواب أو نوافذ مناسبة لمنزل متهالك، مختتمًا حديثه، “رغم كل التحديات التي أعيشها أنا وأطفالي، أتمنى ألا أكرر تجربة النزوح مجددًا”.
تحدثت مديرية تربية إدلب، لعنب بلدي، عن خطة وزارة التربية لإصلاح البنية التحتية التعليمية وإعادة تأهيلها، بما يسهم بتوفير بيئة تعليمية مناسبة للطلاب والمعلمين.
وأوضحت المديرية أنها تعمل على تأهيل عدة مدارس حاليًا، وتم افتتاح عدة مدارس في ريف إدلب الجنوبي وقرى جبل الزاوية.
وتعمل المديرية على ترميم مدرسة أو مدرستين بالوقت الحالي في كل بلدة وقرية، من أجل تأمين عودة الطلاب إلى مقاعدهم الدراسية كحل إسعافي، كما تسعى المديرية إلى ترميم جميع المدارس في المستقبل.
وشملت أعمال الترميم في مدارس ريف إدلب الجنوبي إصلاح الفصول الدراسية، وصيانة المرافق الصحية، وتحسين البنية التحتية، وتأمين المقاعد الدراسية، بالإضافة إلى إعادة هيكلة المدارس بشكل يواكب التطور ويرتقي بالمستوى التعليمي.
وأشارت مديرية تربية إدلب إلى وجود عدة نقاط تحدد أولوية إعادة ترميم المدارس المدمرة وتحديدًا في ريف إدلب الجنوبي، لتأمين أبسط الحقوق ألا وهو التعليم، لأطفال الأهالي العائدين إلى بلداتهم وقراهم.
وتعمل المديرية على تقييم احتياج كافة المدارس في ريف إدلب الجنوبي، وتحديد المدارس الأشد حاجة لإعادة التأهيل، وتأخذ بعين الاعتبار المناطق أو القرى التي فيها عدد أكبر من السكان.
ونوهت إلى وجود تنسيق مع الجهات الحكومية لرفع أكبر عدد ممكن من المشاريع، إضافة إلى التنسيق مع المنظمات المحلية والعالمية.
تحدثت الدكتورة تغريد مسلم، الأستاذة والمتخصصة في علم الاجتماع بجامعة “دمشق”، لعنب بلدي، أن الأسرة تعتبر الملجأ الآمن للطفل، فالطفل الذي نشأ في أسرة مستقرة تقوم على المحبة والتفاهم والتوازن والاستقرار النفسي، تنشئ أطفالًا أصحاء قادرين على التعامل مع صعوبات الحياة والوصول إلى مستقبل آمن.
والأسر التي نشأت وعاشت في مخيمات اللجوء تعاني من صعوبات اجتماعية ونفسية وصحية واقتصادية، تنعكس على أطفالها، بحسب مسلم.
ووصفت مسلم معاناة أفراد الأسر الذين عاشوا ظروفًا صعبة خلال سنوات نزوحهم في المخيمات، فهذه الأسر فقدت المسكن المستقر والحياة الصحية، إضافة إلى انشغالها بتوفير متطلبات والاحتياجات الأساسية للحياة من مأكل ومشرب ولباس وتدفئة.
أما الحياة الاجتماعية عند أطفالها فهي معدومة، وفقًا لمسلم، وبغياب التعليم للأطفال ولأمهاتهم نكون أمام أطفال ينشؤون في أسر مفككة تعاني من مشكلات في التعليم والتفاعل والتعامل والتعايش مع الآخر، إضافة إلى عدم توفر مهن للآباء يمكن أن يعلموها لأبنائهم بعد سن النضج.
وبعد عودة هذه الأسر مع أطفالها من المخيمات، تجد نفسها أمام واقع ومجتمع جديد تجهل التعامل والتعايش معه، فنجد الأطفال غير قادرين على الخروج والتعامل مع أقرانهم، لذلك الأغلبية منهم منطوون ويعانون صدمة المجتمع المجهول بالنسبة لهم.
ونوهت مسلم إلى أنه كان يجب على المنظمات والجمعيات التي تعمل على الأرض معهم، أن تقوم بتهيئتهم للواقع الجديد قبل أن يجدوا أنفسهم أمام مجهول صعب الاندماج معه.
أوضحت المتخصصة في علم الاجتماع، الدكتورة تغريد مسلم، أن على الأهالي مساعدة أطفالهم في تخطي صعوبات الاندماج، عبر توعية الأهالي بضرورة إرسال أبنائهم إلى المدارس كي يتلقوا التعليم اللازم الذي هو حق لكل طفل.
كما يجب التوجه للأهالي بحملات توعية حول طرق الاندماج والتعايش مع المجتمع وقبول الآخر، وذلك لتهيئتهم لإعادة التأهيل سواء بالاندماج بالمجتمع من جهة وبكيفية التعامل مع أبنائهم وطرق التربية المناسبة لكل مرحلة عمرية من جهة أخرى، وأيضًا توجيه الأطفال وإرشادهم نفسيًا واجتماعيًا، للتخلص من الاضطرابات النفسية والسلوكية التي يعانون منها.
أوضحت مسلم أنه يجب على جميع الجهات والمؤسسات المعنية أن تقوم بدورها أمام أفراد المجتمع، وأولاها وزارة التربية التي يجب أن تعمل على استيعاب هؤلاء الأطفال ووضع خطة لردم كل ما فاتهم من نقص في التعلم، وإلحاقهم بدورات عاجلة في جميع المدارس عبر فئات تعلم تتناسب مع أعمارهم ليتم إلحاقهم بأقرانهم من الأطفال، كما أنه يجب إعادة فتح مراكز محو الأمية لأهالي هؤلاء الأطفال.
أما على المستوى النفسي والاجتماعي، فنوهت مسلم إلى أنه لا بد من فتح مراكز عاجلة للتعامل مع هذه الحالات سواء للآباء والأبناء على حد سواء، ومساعدتها على التخلص من جميع الاضطرابات التي تواجهها.
ويجب أيضًا التوجه لزيادة المراكز المهنية والحرفية للتعليم المهني لضمان إيجاد فرص العمل بما يضمن الحياة الكريمة لهم، وفقًا لمسلم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى