خبراء: غياب الكفاءات يهدد الاستقرار والتنمية في سوريا

الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع في أول اجتماع مع الحكومة السورية الجديدة - 7 نيسان 2025 (سانا)

camera iconالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع خلال اجتماع مع وزراء الحكومة - 7 نيسان 2025 (سانا)

tag icon ع ع ع

تشهد الساحة السورية حراكًا سياسيًا وإداريًا، خاصة بعد تشكيل الحكومة، نهاية آذار الماضي، برئاسة الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، والتي كان تشكيلها قائمًا على أساس “حكومة تكنوقراط”.

وتواجه الحكومة الحالية انتقادات تجاه بعض القرارات في التعيينات، وسط غياب النخب والكفاءات الإدارية التي تحتاج إليها المرحلة الحالية، الأمر الذي اعتبره خبراء أنه يؤثر بشكل مباشر على فعالية الأداء الحكومي، واستدامة جهود إعادة البناء.

شرط لنجاح الاستقرار السياسي

أكاديميون وخبراء اعتبروا أن غياب الكفاءات والمؤهلين أكاديميًا وعلميًا في أماكن صناعة القرار الإداري، يدل على استئثار الحكومة والجهات المعنية المقربة من السلطة بالقرارات، دون الرجوع لتقييم هذه القرارات من قبل أهل الخبرة، مطالبين بدمج النخب بتلك الأماكن، كنوع من التشاركية، والتي تعتبر أولوية قصوى اليوم.

ويرى أستاذ إدارة الأعمال الدولية في جامعة “اللاذقية” الدكتور على ميا، أن مشاركة الكفاءات العلمية والنخب السياسية المؤهلة في عملية صنع القرار الوطني، أمر ضروري ومشروط لنجاح الاستقرار السياسي، وتحقيق التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية المنشودة، لا سيما وأنه سوريا منذ سقوط النظام السابق وحتى تاريخه، تشهد سوريا تحولات سياسية واقتصادية مهمة، خاصة بعد رفع العقوبات الدولية، وانفتاحها الكبير على العالم، وتهافت كبرى الشركات الدولية على توقيع مذكرات تفاهم كبيرة للاستثمار في كافة المشاريع الحيوية.

وانطلاقًا من ذلك، بات الاعتماد على مشاركة الكفاءات والقيادات الإدارية المؤهلة، ضرورة ملحة في صنع القرارات بكل أشكالها، ويتطلب ذلك سرعة التنفيذ، وبالتالي فإن الأمر يقتضي من كافة المؤسسات مواكبة هذه التطورات، لمعالجة كافة القضايا الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية المورثة من عهد النظام السابق، وما يترتب عليها من آثار سلبية كبيرة تهدد أمن واستقرار سوريا بجوانبها كافة.

تأثير على القرارات

الأستاذ في جامعة “دمشق” والخبير في الإدارة العامة والحوكمة، الدكتور زكوان قريط، قال لعنب بلدي، إن تأثير غياب الكفاءات والنخب في سوريا، يبرز بشكل جلي على جودة القرارات المتخذة، وانعكاساتها على الواقع المعاش.

أدى غياب الكفاءات والنخب عن مراكز صنع القرار السوري إلى نتائج سلبية متعددة، منها ضعف التخطيط الاستراتيجي، وعدم القدرة على استشراف المستقبل بشكل علمي ومدروس، لأن القرارات التي تتخذ دون الاستعانة بذوي الخبرة والاختصاص، غالبًا تكون قصيرة المدى، وتفتقر إلى النظرة الشمولية.

التمثيل الشعبي لم يكن أولوية

مدير الأبحاث والسياسات في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، معن طلاع، يرى أن الحكومات المشكّلة في البيئات الخارجة من النزاع، كما هو الحال في سوريا، عادة ما تتكون بهدف إحداث أثر واضح في مجال الخدمات، وليس بناء على تمثيل ناتج عن انتخابات أو تفاهمات محلية.

وقال في وقت سابق لعنب بلدي، إن الفريق الحكومي الحالي جاء في سياق ما يوصف بـ”انتصار الثورة”، وبالتالي فإن مسألة التمثيل الشعبي لم تكن أولوية.

لكن، وفق طلاع، لا يمكن إغفال أن المواطن اليوم يقيّم الأداء الحكومي على أساس “شرعية الإنجاز”، لا على أساس التمثيل السياسي.

فالقضايا الجوهرية التي تشغل السوريين بعد سقوط النظام هي قضايا الخدمات والأمن والطاقة والمعيشة، ومن هنا، يصبح معيار القرب من الناس مرتبطًا بمدى القدرة على الإنجاز في هذه الملفات.

وأكد طلاع أن هذا الإنجاز يمكن أن يتعزز بمؤشرات مثل الشفافية والحوكمة والكفاءة والمساءلة، لكن هذه المؤشرات تحتاج إلى وقت، ويجب أن تظهر آثارها خلال عام على الأقل حتى تكتسب الحكومة قدرًا أكبر من الشرعية الواقعية، غير أن استمرار الفجوة الأمنية يظل سببًا رئيسًا في تعثر أي تقدم ملموس.

التشاركية تحقق العدالة الاجتماعية

اليوم في سوريا، باتت التشاركية أولوية ملحة، وبالتوازي مع طلب غالبية الدول، كالولايات المتحدة الأمريكية، ودول الاتحاد الأوروبي، بإشراك جميع السوريين بأماكن قيادية لصنع القرارات، من أجل تحقيق جو سياسي داخلي آمن.

الدكتور علي ميا، قال إن التشاركية في صنع القرارات، تساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية، والقضاء على التهميش والتمييز، وتزيد فرص نجاح عملية التنمية، وتحقيق أهدافها المنشودة، من خلال تحويل كافة أفراد المجتمع إلى مساهمين حقيقين في عملية التنمية، بدلًا من أن يكونوا مجرد منتفعين منها.

مشاركة الكفاءات تلعب دورًا حاسمًا في نجاح عملية التنمية المستدامة من خلال:

  • مساهمة الكفاءات من خلال خبراتها العلمية والعملية في فهم دقيق التحديات، واحتياجات المجتمع بكافة شرائحه ومكوناته.
  • المساعدة في تحديد أولويات التنمية السياسية والاقتصادية والمجتمعية، وتوجيه الموارد نحو المجالات الأكثر حاجة.
  • مساهمة الكفاءات في تصميم وتطوير حلول مبتكرة ومستدامة لكافة المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وخلق بيئة مناسبة لتشجيع عمليات الإبداع والابتكار وتحقيق التعاون بين كافة الفاعلين في المجتمع.

مدخل لوحدة التنوّع السوري

الكاتب والباحث في الفكر السياسي الدكتور عبد الله تركماني، يرى أنه كان من المفترض أن تكون التشاركية مدخلًا إلى وحدة التنوّع السوري، القومي والطائفي والمذهبي، باعتباره غنى وقيمة مضافة، وذلك من خلال دولة الحق والقانون والمؤسسات، التي تكفل العدالة والمساواة.

واعتبر في حديث سابق إلى عنب بلدي، أن “النجاح في عملية الانتقال إلى دولة الحق والقانون، يقتضي القطيعة مع ثقافة الشعارات، التي أنهكت السوريين طوال ستة عقود”، مشيرًا إلى أولوية التركيز على التعاطي المجدي مع تحديات الحاضر والتخطيط للمستقبل، على أساس الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية، التي تضمنها التوافقات بين جميع التيارات الفكرية والسياسية، التي تعمل تحت سقف الوطنية السورية الجامعة.

ويعتقد أن التشاركية السياسية ليست مطلب المكوّنات الأقلوية فقط، وإنما هي مسألة السوريين جميعًا، في حين أن أغلب التعيينات في مؤسسات الدولة محتكَرة من قبل ما سمي بـ”الأمانة العامة للشؤون السياسية”، التي يشرف عليها وزير الخارجية، وقد أصبحت تتصرف بصفتها حزبًا حاكمًا وحيدًا.

إعادة النظر في الهياكل الإدارية

خبير إدارة الأعمال والحوكمة، الدكتور زكوان قريط، يعتقد أن تعزيز مبدأ التشاركية في المؤسسات السورية، وخاصة بصنع القرار، من شأنه أن يسهم في تحسين جودة القرارات وزيادة فعاليتها، ومن أهم الإيجابيات في التشاركية في صنع القرارات هي:

  • تحقيق الفعالية: الكفاءات تسهم في اتخاذ قرارات مدروسة تستند إلى بيانات وتحليلات دقيقة.
  • تطوير السياسات: النخب المؤهلة تساهم في تطوير سياسات مبتكرة، تلبي احتياجات المجتمع.
  • تعزيز الشفافية: وجود خبراء يمكن أن يعزز من الشفافية والمساءلة في اتخاذ القرارات.

وأوضح أن تطوير آليات صنع القرار في المؤسسات السورية، يتطلب إعادة النظر في الهياكل الإدارية القائمة، وإفساح المجال أمام الكفاءات للمشاركة في صنع القرار، وتبني نهج علمي يستند إلى الدراسات والبحوث. فالقرار الناجح هو نتاج عمل جماعي يجمع بين الخبرة والعلم والمشاركة الفاعلة من جميع الأطراف المعنية.

ووفقًا للخبراء والمهتمين بالشأن الإداري، فإن توظيف النخب والكفاءات بكفاءة ومسؤولية في مراكز اتخاذ القرار، هو خطوة حاسمة لبناء سوريا، كدولة قوية ومستقرة ومتطورة.

“تفعيل التشاركية السياسية في أماكن صنع القرارات، يعزز الشعور بالانتماء للوطن، وتقلل من فرص الصراع والعنف الداخلي، ويزيد من فرص التواصل والتضامن بين جميع أفراد المجتمع، وتحقيق استقراره، وهذا ما يحتاجه الواقع السوري اليوم”

الدكتور علي ميا

أستاذ إدارة الأعمال الدولية في جامعة “اللاذقية”

 

 

 

 

 

آثار سلبية

غياب أصحاب الكفاءات والنخب والمؤهلين عن أماكن صنع القرار الإداري، واعتماد الإقصاء في أماكن التعيين والقرار الإداري، يوّلد نهجًا تخريبيًا للانطلاقة السياسية والاقتصادية السائدة في الفترة الأخيرة.

الدكتور علي ميا، يرى أن إغفال مشاركة الكفاءات والنخب السياسية في صنع القرارات، ينجم عنه آثار سلبية كبيرة تنعكس على كافة مجالات وأوجه التنمية، أهمها فقدان الثروة البشرية نتيجة التهميش، وانعدام مبدأ الكفاءة، وضعف القدرة على مواجهة التحديات الداخلية.

ويرجح أن ذلك يتطلب من الحكومة اليوم توفير بيئة محفزة وجاذبة للكفاءات، من خلال تأمين الأسس الموضوعية، لضمان تشاركية النخب الفعالة في صنع القرار.

وأكد أن تفعيل التشاركية السياسية في أماكن صنع القرارات، يعزز الشعور بالانتماء للوطن، ويقلل من فرص الصراع والعنف الداخلي، ويزيد من فرص التواصل والتضامن بين جميع أفراد المجتمع، وتحقيق استقراره، وهذا ما يحتاجه الواقع السوري اليوم.

وتبقى مسألة استقطاب النخب والكفاءات وتفعيل دورها أحد أبرز التحديات التي تواجه الحكومة السورية الجديدة، والتي تتطلب جهودًا مشتركة من مختلف الفاعلين المحليين والدوليين لضمان استقرار البلاد، وتقدمها في المرحلة المقبلة.

التشاركية السياسية.. ضرورة المرحلة في سوريا




×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة