الملف بيد وزارة التربية

آلاف المعلمين الوكلاء يواجهون مصيرًا مجهولًا بريف حلب

وقفة احتجاجية لعدد من معلمي اعزاز للمطالبة بتثبيتهم- 9 تموز 2025 (سوريا 24)

camera iconوقفة احتجاجية لعدد من معلمي اعزاز للمطالبة بتثبيتهم- 9 تموز 2025 (سوريا 24)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – محمد ديب بظت

يجد آلاف المعلمين أنفسهم اليوم بلا اعتراف رسمي من وزارة التربية، رغم سنوات من العمل في المدارس التي كانت خاضعة لسيطرة “الحكومة السورية المؤقتة” بريف حلب.

وبعد اندماج مؤسسات “الحكومة المؤقتة” مع الدولة السورية عقب سقوط نظام بشار الأسد، يواجه المعلمون الذين عملوا سابقًا تحت إشراف التربية في “المؤقتة” واقعًا وظيفيًا غير مستقر، إذ يعاملون اليوم كوكلاء غير مثبتين، دون وضوح في وضعهم المهني أو أي خطوات رسمية لتسوية أوضاعهم.

في المقابل، يقول بعض المعلمين إن زملاءهم العاملين سابقًا في مناطق سيطرة حكومة “الإنقاذ” بمحافظة إدلب، حصلوا على تثبيت مباشر واعتراف كامل من وزارة التربية.

المعلم بكري العلي، أحد المشرفين على الحراك السلمي المطالب بتثبيت المعلمين، قال لعنب بلدي، إن مطالب المحتجين تتركز حول “ضرورة إصدار قرار واضح وشامل يقضي بتثبيت جميع الفئات التعليمية القائمة على رأس عملها، دون قيد أو شرط.

وأضاف العلي أن المعلمين خضعوا لمسابقتين وظيفيتين في عامي 2015 و2018، وأجروا مقابلات مع لجان مختصة قبل تعيينهم، فضلًا عن مشاركتهم في العديد من الدورات التربوية، وتراكم سنوات طويلة من الخبرة في القطاع التعليمي.

واعتبر أن جميع هذه المؤهلات “تستدعي إنصافهم بقرار إداري عادل يحفظ حقوقهم، ويعترف بجهودهم السابقة في خدمة العملية التعليمية”.

إجراءات متفاوتة

في إدلب، “تم تثبيت الجميع دون استثناء، دون الحاجة لإجراءات معقدة أو مقابلات”، قال أحمد (43 عامًا)، وهو مدرس من مدينة الباب، لعنب بلدي.

واعتبر أن تحويل وضع المعلمين في ريف حلب إلى “وكلاء غير مثبتين” يمثل تجاهلًا لتضحياتهم وجهودهم لسنوات طويلة في العملية التعليمية، مضيفًا أن “النظام السابق نفسه ثبت وكلاء وزوجات وأبناء قتلى دون الحاجة لأي مسابقات أو شروط إضافية”، بحسب تعبيره.

ووفق تقديراته، يبلغ عدد المعلمين المتضررين من القرار نحو 15,000، يواجهون خطر انقطاع مصدر رزقهم الوحيد، خصوصًا بعد توقف الدعم التركي الذي كان يغطي رواتبهم خلال الفترة الماضية.

وأشار إلى أن الرواتب كانت تصرف عبر منسقين أتراك، واستمر ذلك حتى إعلان توحيد حكومات الشمال ضمن كيان إداري موحد بعد سقوط نظام بشار الأسد.

وأوضح أن المعلمين تسلموا آخر راتب لهم مؤخرًا، وفي الوقت الراهن، توقف الدعم نتيجة اعتبار هذه المناطق “محررة بالكامل”، ما أنهى وصاية الجهات المانحة التي كانت تغطي الرواتب سابقًا، الأمر الذي سيترك آلاف العائلات بلا مصدر دخل واضح.

وكان راتب مدير الثانوية سابقًا نحو 155 دولارًا أمريكيًا، بينما يحصل المعلم العادي على 140 دولارًا، وفق ما قاله المدرّس، مشيرًا إلى أن هذه الرواتب كانت تُصرف بانتظام، صيفًا وشتاء، مع زيادات دورية محدودة.

مستقبل غامض

في ظل تصاعد الشعور بالظلم، حذر معلمون من انسحاب جماعي محتمل من العملية التعليمية في حال لم يُنظر بأوضاعهم ويتم إنصافهم.

وقال أحمد، إن أغلب الكوادر ترفض الاستمرار في العمل ضمن وضع “الوكالة” الحالي، مطالبًا وزارة التربية بإيجاد حل عادل يضمن التثبيت والاستقرار المهني للمعلمين.

واعتبر أن حالة الإحباط تسود الكوادر التدريسية، كما تنذر بعزوف جماعي عن التعليم، دون أن تتضح الجهة التي ستتولى تغطية النقص المحتمل في حال استمر تجاهل مطالبهم.

منال الزين، معلمة في إحدى مدارس ريف عفرين، اعتبرت أنها تعاني التهميش الوظيفي رغم تجاوز مدة خدمتها 1350 يومًا، حيث تشير إلى أن معلمي إدلب تم تثبيتهم وأُعطوا أرقامًا وظيفية رسمية، في حين لم يمنح معلمو ريف حلب هذا الاعتراف الرسمي حتى الآن.

منال الزين، الحاصلة على شهادة في إدارة الأعمال والتي شاركت في عدة دورات تأهيل تربوي تحت إشراف مختصين أتراك، أكدت أنها وزملاءها لم يتلقوا المنح المستحقة، رغم استمرارهم في التدريس طوال السنوات الماضية، واصفة وضعهم بأنه “وكالة” بلا استقرار وظيفي.

ونتيجة لهذا الواقع، شهدت مناطق عدة في الشمال، مثل عفرين واعزاز والباب، احتجاجات للمطالبة بحق التثبيت ونقل المعلمين إلى مناطق إقامتهم الأصلية.

وترى منال أن قرارات وزارة التربية تغفل الجهود والتضحيات التي بذلها المعلمون في مناطق الشمال، حيث يطالبون بتثبيت رسمي يعكس سنوات العمل والخبرة، بعيدًا عن إجراءات مسابقات أو تدقيق مستندات قد تؤخر أو تعرقل مصيرهم المهني.

وأشارت إلى أنه في حال استمرار حالة عدم التثبيت وعدم وضوح الوضع المهني للمعلمين في المناطق المحررة، فإن الحل العادل يكمن في إعادة تقييم شامل لجميع المعلمين في سوريا، لا الاقتصار على تقييم جزء منهم فقط.

وترى أن هذا التقييم يجب أن يشمل جميع الكوادر التعليمية بشكل موحد وعادل، حتى لا يبقى أحد منهم في وضع غير مستقر أو مهمش.

ولفتت إلى أن الفوضى التي تحدث عنها المسؤولون ليست حكرًا على المناطق المحررة فحسب، بل تشمل كل سوريا، مما يستدعي معالجة شاملة للأزمة التعليمية.

مصير هؤلاء المعلمين لا يمس حياتهم المعيشية فحسب، بل يلقي بظلاله على مستقبل العملية التعليمية في شمالي سوريا، وسط مخاوف من أن يؤثر هذا التهميش على استقرار الكوادر، وعلى جودة التعليم، خاصة في المناطق التي تعاني أصلًا من نقص في المعلمين والبنية المدرسية.

وعود دون تفاصيل

تواصلت عنب بلدي مع مديرية التربية في محافظة حلب للاستفسار عن وضع المعلمين العاملين سابقًا في مدارس “الحكومة المؤقتة”، والإجراءات المتبعة لتثبيتهم، إلا أن مدير المكتب الصحفي في المديرية، أحمد المصطفى، أفاد بأن الملف بات بيد وزارة التربية بشكل كامل، وأن أي قرارات بهذا الخصوص تتخذ على المستوى الوزاري.

وبناء على ذلك تواصلت عنب بلدي مع مدير التنمية الإدارية في وزارة التربية، عبد الكريم قادري، الذي قال إن “كل معلم لديه خدمة في القطاع التربوي سيكون له تثبيت وفق الشروط المحددة”، دون أن يوضح تفاصيل هذه الشروط أو المدة المطلوبة.

وأضاف أن لجنة من الوزارة التقت مؤخرًا ممثلين عن المجالس المحلية في محافظة حلب، وأن العمل سيُباشر به قريبًا.

كما أوضح أن مديرية التربية والتعليم في حلب تستمر في استقبال طلبات المعلمين الوكلاء، وتجري مقابلات وفق جدول منظم استعدادًا للعام الدراسي المقبل، بهدف سد الشواغر وتأمين الكوادر التعليمية.

ونقلت عنب بلدي عن معلمين محتجين في ريف حلب طرحهم تساؤلات حول ما وصفوه بـ”التمييز الوظيفي” بين الكوادر التعليمية في إدلب وريف حلب، وانتقادهم لغياب العدالة في إجراءات التثبيت، لكن وزارة التربية لم ترد على هذه الجزئية خلال التواصل معها.

وبينما يعتبر المعلمون أن التثبيت في إدلب جرى دون إجراءات تذكر، أفادت المعلمة أماني من مدينة إدلب لعنب بلدي، أن الجهات المعنية في المحافظة لم تثبت حتى الآن المعلمين بشكل رسمي، بل أُعطيت لكل من يعمل في القطاع الخاص “أرقام ذاتية” فقط، مع إرسال رابط إلكتروني لملء طلبات عبر “حساب شام كاش”.

وأوضحت أن منح الرقم الذاتي لا يعني التثبيت الرسمي، إذ لا يصبح المعلم مثبتًا إلا بعد توفر شاغر وظيفي وقيام المعلم بالعمل فعليًا على رأس عمله.

احتجاجات في ريف حلب

شهدت مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، في 9 من تموز الماضي، وقفة احتجاجية لمعلمي المدينة، استجابة لدعوات انتشرت عبر صفحات نقابية، طالبوا خلالها بتثبيت المعلمين الذين عملوا ضمن مدارس “الحكومة المؤقتة”.

وركزت الدعوات، التي أطلقتها “نقابة المعلمين السوريين الأحرار” إلى جانب عدد من الناشطين التربويين، على ضرورة تصحيح مسار السياسات التعليمية، وضمان الاستقرار المهني للكوادر، مؤكدين أن “كرامة المعلم خط أحمر، وتحقيق العدالة له أساس لأي نهوض تعليمي حقيقي”، بحسب ما ورد في البيان الصادر عن النقابة.




×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة