لماذا لا يصمد المنتج السوري أمام “إغراق” السلع الأجنبية

وزير الاقتصاد محمد نضال الشعار يلتقي بعدد من ممثلي غرفة تجارة حلب وغرفة صناعة حلب لبحث سبل تنشيط العمل الاقتصادي في المحافظة - 3 آب 2025 (وزارة الاقتصاد والصناعة السورية/ فيسبوك)

camera iconوزير الاقتصاد محمد نضال الشعار يلتقي بعدد من ممثلي غرفة تجارة حلب وغرفة صناعة حلب لبحث سبل تنشيط العمل الاقتصادي في المحافظة - 3 آب 2025 (وزارة الاقتصاد والصناعة السورية/ فيسبوك)

tag icon ع ع ع

تعيش الصناعة السورية، على وقع ضغوط متزايدة فرضها تدفق البضائع الأوروبية إلى الأسواق المحلية.

البضائع المستوردة، التي باتت اليوم أكثر تنوعًا وجودة وأقل تكلفة في كثير من الأحيان، تُضعف فرص المنتج الوطني في البقاء، خصوصًا مع ارتفاع تكاليف الإنتاج وغياب الدعم المؤسسي الكافي.

هذا التحدي، الذي طالما حذّر منه الصناعيون والتجار، خرج أخيرًا إلى العلن عبر لقاءات رسمية جمعت وزير الاقتصاد مع غرفتي تجارة وصناعة حلب مطلع شهر آب الحالي.

لقاء الوزير في حلب: وعود لمواجهة الإغراق

في 3 من آب، اجتمع وزير الاقتصاد والصناعة، محمد نضال الشعار، مع ممثلي غرفتي تجارة وصناعة حلب لمناقشة سبل تنشيط الاقتصاد المحلي، وتعزيز بيئة الإنتاج.

خلال اللقاء، طرح التجار والصناعيون حزمة مطالب شملت:

  • تفعيل دور الجمارك في ضبط الحدود ومكافحة التهريب.
  • تشديد الرقابة على جودة المنتجات المستوردة وتطبيق المواصفات القياسية.
  • تعديل آلية احتساب الرسوم الجمركية لتكون أكثر عدالة.
  • حماية المنتج المحلي من الإغراق، لا سيما في القطاعات الصناعية الحساسة.

من جهته، أعلن الوزير في 4 من آب، عن إجراءات جديدة تشمل تخفيض أسعار حوامل الطاقة (كالفيول والغاز)، وإلغاء الضريبة المفروضة على الكهرباء.

إلى جانب تسهيلات إدارية مثل إتاحة تسجيل الشركات عن بعد، في محاولة لدعم النشاط الصناعي والتجاري.

وفي حين أن الجدل اليوم يتمحور حول البضائع الأوروبية، شهدت السوق السورية خلال الفترة الماضية موجات من الإغراق السلعي بصور أخرى، أبرزها انتشار الملابس التركية الجاهزة، والبالة (الملابس المستعملة) في معظم المحافظات.

يؤثر ذلك سلبًا على الصناعات النسيجية المحلية، التي عجزت عن مجاراة الأسعار المنخفضة والجودة المقبولة لتلك المنتجات المستوردة أو المستعملة.

أسباب الانكشاف وضعف التنافسية

يرى الخبير الاقتصادي والمصرفي إبراهيم نافع قوشجي، أن الأزمة الحالية لا يمكن فهمها دون العودة إلى طبيعة الاقتصاد السوري خلال العقدين الماضيين، والذي اتسم، بحسب تقديره، بطابع مغلق يعتمد على الحماية والاحتكار، مع غياب أدوات التطوير والإدارة الحديثة.

وأوضح أن النمط الريعي الذي طغى على بنية الإنتاج الوطني خلق منظومة هشة، تعتمد على التجميع والتعبئة، دون استثمار حقيقي في الجودة أو التقنيات الحديثة. هذا ما جعل الصناعات المحلية مكشوفة وضعيفة عند أول احتكاك فعلي مع منتجات خارجية أكثر تطورًا.

وبحسب قوشجي، فإن التحول إلى اقتصاد السوق الحر جرى دون تأمين شروط المنافسة العادلة. لم تُوفر الدولة الحد الأدنى من الحماية للمنتج المحلي. هذا الوضع وضع الصناعات السورية في مواجهة مباشرة مع البضائع الأوروبية.

المنتجات الأوروبية تتفوق من حيث الجودة، كما تُطرح بأسعار أقل نسبيًا، وهذا ما يجعلها الخيار الأفضل للمستهلك السوري، خاصة من أصحاب الدخل المحدود.

يشير الخبير إلى أن بعض القطاعات تأثرت بشكل كبير. قطاع صناعة الأحذية مثال واضح، فهذا القطاع تراجع أمام زخم السلع الأوروبية. في الوقت نفسه، فشلت المصانع السورية في مواكبة التطور في التصميم والتقنيات.

يحذر قوشجي من استمرار النمط الإنتاجي الحالي، ويرى أن غياب الرؤية الواضحة يشكل خطرًا على بقاء المؤسسات الصناعية، فالمشكلة لا تقتصر على الخسارة المالية فقط، بل تشمل أيضًا فقدان القدرة على التكيّف مع السوق وتحولاته.

طريق الإصلاح: ما المطلوب؟

وبما يخص الخروج من الأزمة، أشار الخبير الاقتصادي إلى مجموعة من المقترحات التي من شأنها تحسين تنافسية القطاع الصناعي السوري، أبرزها:

  • تحديث نظم الإنتاج وتبني تقنيات ذكية ومتكاملة.
  • الالتزام بالمواصفات السورية والدولية لضمان جودة المنتج المحلي.
  • اعتماد أساليب علمية في تحليل التكاليف للحد من الهدر دون المساس بالجودة.
  • إعادة النظر في سياسات التسعير عبر هوامش ربح واقعية تدعم الاستدامة.
  • تطوير النماذج الإدارية وتنمية الموارد البشرية والكفاءات.
  • ربط الصناعات بالموارد المحلية بشكل استراتيجي، كالصناعات الغذائية والزراعية، أو الصناعات البلاستيكية ومشتقات النفط، بما يخلق قيمة مضافة داخل السوق.
  • وأخيرًا، ضرورة وجود إطار مؤسسي حديث للحوكمة الصناعية، يُنظّم العلاقة بين مختلف الجهات الفاعلة ويضع سياسات نمو اقتصادية منسقة.

وأسهم إيقاف العمل بكل من “إجازة الاستيراد” و”استمارة الاستيراد” من قبل وزارة الاقتصاد والصناعة بشكل مبدئي، في التخلص من عبء المخالفات التي كانت تترتب على التجار فيما يتعلق بأنظمة القطع الأجنبي (العملات الأجنبية) الصادرة عن مصرف سوريا المركزي، الأمر الذي أعاد الحياة لحرية العمل التجاري في الأسواق.

الإجراءات التي سهلت استيراد التجار من دون التعقيدات السابقة، أسهمت ببعض الصناعات التحويلية التي تحتاج إلى مدخلات مستوردة، خاصة بالوصول إلى موردين وتقنيات ومواد خام دولية كانت غائبة لسنوات.

لكنها في الوقت ذاته، تركت الباب مفتوحًا أمام استيراد الكثير من المنتجات التي تزيد التنافس وترهق المنتج المحلي.

استيراد بلا تعقيد في سوريا.. الغموض لا يزال عائقًا



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة