
بسطة لبيع الألبسة المستعملة في الأسواق الشعبية المتنقلة في ادلب - تموز 2025 (عنب بلدي/ سماح علوش)
بسطة لبيع الألبسة المستعملة في الأسواق الشعبية المتنقلة في ادلب - تموز 2025 (عنب بلدي/ سماح علوش)
عنب بلدي – سماح علوش
بعد أن كانت ملاذًا لذوي الدخل المحدود في إدلب، شمالي سوريا، ومصدر رزق للعديد من الأسر، انخفض عدد محال بيع الألبسة الأوروبية المستعملة أو ما يعرف بـ”البالة”، وتراجع العمل بها في الآونة الأخيرة لعدة أسباب، أبرزها ارتفاع سعر التعرفة الجمركية لاستيرادها والتي فرضت مطلع العام الحالي، عقب سقوط النظام السوري السابق.
فاتن الطه، أرملة وأم لأربعة أطفال من ريف إدلب، تعمل من منزلها في المدينة بتحضير “المونة” وبيعها حسب الطلب، وتشتري من تجار الألبسة المستعملة بين الحين والآخر ما يعرف محليًا بـ”الرصة”، وهي تحتوي على 40 كيلوغرامًا من الألبسة المستعملة.
أعربت فاتن عن معاناتها بعد فرض الرسوم الجمركية على التجار المستوردين، فكانت تشتري “الرصة” الواحدة بـ40 دولارًا أمريكيًا، وبعد ارتفاع الأسعار أصبح سعرها يتراوح بين 100 و125 دولارًا.
وقالت فاتن، لعنب بلدي، إن زبائنها من السيدات انخفض عددهم بسبب ارتفاع الأسعار، ما سبّب كسادًا في البضاعة واضطرها لبيع ما تبقى بـ”رأس المال” وربما أقل لتتلافى الخسائر الكبيرة.
ولم تعد فاتن تعمل ببيع “البالة” واكتفت بعملها في بيع “المونة” من معجون الطماطم والملوخية والخضار المجففة والمربيات وغيرها، لتأمين مصدر دخل لأطفالها.
عبد الملك العمر، تاجر ألبسة مستعملة في ريف إدلب، قال إنه منذ فرض الرسوم الجمركية على الألبسة المستعملة المستوردة والتي بلغت 4000 دولار للطن الواحد، أصبح هناك عبء إضافي وتكاليف ليست بالحسبان، وكأن فرض هذه الرسوم هو تمهيد لمنع استيرادها في المستقبل، بهدف التشجيع على شراء المنتجات الوطنية ودعم الاقتصاد المحلي، وفق ما يرى التاجر.
وبعد جولة لعنب بلدي على محال بيع “البالة” التي كانت منتشرة بكثرة في أسواق وأحياء مدينة إدلب، تبيّن أن معظمها أُغلق، وبعضها الآخر قرر عدم إضاعة الوقت ورأس المال والعمل بمنتجات أخرى.
عثمان، أحد الباعة، عبّر عن رأيه بعد الصعوبات التي واجهها في تأمين بضاعة مستعملة بأسعار مناسبة تُرضي الطبقة المتوسطة والفقيرة، لكن ترتب عليه دفع نفقات إضافية، فقرر أن يؤمّن بضائع محلية من معامل في مدينة حلب لمنتجات شعبية وأسعارها مقبولة تناسب قدرة زبائنه المادية، وبأسعار أرخص من مثيلاتها المستعملة وذلك كي لا يخسرهم ويضطر للبدء من الصفر، فكان خياره مناسبًا وتمكن من تلافي الخسارة والحفاظ على رأس المال.
قرار إغلاق الأكشاك السبب الأبرز لتراجع العمل بالألبسة المستعملة، إذ كانت الأكشاك، أو ما يسمى بـ”البراكيات”، منتشرة بكثرة في أحياء مدينة إدلب حول الحدائق وعلى الأرصفة العامة قبل سقوط النظام، بسبب اكتظاظ المدينة حينها بالمهجرين والنازحين وارتفاع تكاليف إيجار المحال.
وكانت أغلبها عبارة عن أماكن لبيع الألبسة والأحذية والألعاب المستعملة نظرًا إلى رأس مالها القليل ومرابحها الجيدة، وبعد قرار الإدارة المحلية في المدينة إزالتها بشكل نهائي لما تسببه من فوضى وعرقلة لاستخدامها الأرصفة المخصصة للمشاة، بالإضافة إلى غلاء أسعار المستعمل، عزف كثيرون عن العمل بها.
وبعد جولة لعنب بلدي في أحياء المدينة، قال مراد، وهو صاحب أحد تلك الأكشاك، إنه استأجر محلًا في الحي ذاته، لكنه قرر أن يستبدل البضائع المستعملة بمحل لبيع “الإكسسوارات” والمنظفات والعطور المركبة، وكان قراره اختيار منتجات لا تكسد ولا تنتهي صلاحيتها ومطلوبة بنفس الوقت كي لا يعرّض نفسه للخسارة.
ورغم أن المحل الذي استأجره صغير وفي منطقة غير مكتظة بالسكان، فإنه يدفع شهريًا 150 دولارًا، قابلًا للزيادة، بعد انتهاء العقد الذي أبرمه مع صاحبه لمدة ثلاثة أشهر.
ويعد ذلك من أكبر المشكلات التي تواجه البائعين، إذ يضطرون لرفع المرابح والأسعار ليتمكنوا من دفع الإيجار وتأمين مصدر دخل متوسط لعائلاتهم.
بعد قرار إزالة “البراكيات”، كانت الأسواق الشعبية المتنقلة بين أحياء مدينة إدلب خيارًا مناسبًا لبائعي الألبسة المستعملة، وغير القادرين على استئجار محل والبدء من جديد.
وبحسب بعض البائعين، بعد جولة في إحدى تلك الأسواق، فإنهم يقومون بتصفية بضائعهم وبيعها بمرابح قليلة كي لا تكسد ويضطروا إلى بيعها كـ”بالة حرق”، وهي الألبسة أو الأحذية التي يشتريها بعض الأهالي بالكيلو وبسعر زهيد ليقوموا بحرقها في فصل الشتاء كوسيلة للتدفئة إلى جانب الحطب، ويبلغ سعر الكيلو منها بين 30 و40 ليرة تركية (ما يعادل دولارًا واحدًا).
ويعد الدولار الأمريكي والليرة التركية العملات الأكثر تداولًا في إدلب.
ترتاد علياء نعمة سوق حيّها الشعبي (البازار) كل يوم خميس، لتشتري ألبسة مستعملة لأولادها وزوجها الذي يعمل في الدهان ويحتاج إلى ملابس للعمل بشكل دائم.
وأوضحت علياء، لعنب بلدي، أن “بسطات” الألبسة المستعملة لم تعد تلبي احتياجات الأسر الفقيرة، بسبب انحسارها وقلة عددها عما كانت عليه سابقًا، فقد كانت ملاذًا لهم وتُغنيهم عن الجديدة.
ووفقًا لجولة مراسلة عنب بلدي في الأسواق، بلغ أسعار البنطال الرجالي بجودة متوسطة 125 ليرة تركية، ما يعادل تقريبًا ثلاثة دولارات، والقميص بـ60 ليرة تركية ما يعادل دولارًا ونصفًا.
وتتراوح أسعار ألبسة الأطفال بين 50 و100 ليرة تركية، بعد أن كانت تُباع بنصف هذه الأسعار تقريبًا وبجودة أفضل نظرًا إلى كثرتها وكثرة العاملين بها.
وتكاد هذه الأسواق تبدو خالية من “البسطات” بعد أن كانت مكتظة ويتدافع الباعة لحجز مكان مناسب فيها، ويقتصر البيع حاليًا فيها على “بسطات” الخضار والفاكهة والمنظفات وبعض الألبسة المستعملة والجديدة.
وبعد الصعوبات والمعوقات التي يواجهها العاملون بالألبسة المستعملة، ووفقًا لآراء الأغلبية، فقد قرروا البحث عن منتجات بديلة تغنيهم عن تحمل نفقات إضافية.
وقرر بعضهم الآخر من البائعين المهجرين العودة إلى بلداتهم، فقد وجدوا أن البدء من الصفر فيها أفضل من خوض تجارب جديدة قد تكون نقمة عليهم، لا سيما أن موضوع الإيجارات سواء للمنازل أو المحال ما زالت المشكلة الكبرى التي يعاني منها سكان المدينة بسبب ارتفاع الأسعار وتدني المعيشة والدخل.
ويصل معدل الرواتب للموظفين الحكوميين إلى 125 دولارًا، في حين تختلف أجور عمال القطاع الخاص بحسب المهنة ومكان العمل، في حين يعمل الكثير منهم بالمياومة.
وشهدت مدينة إدلب ارتفاعًا في الإيجارات، بالرغم من عودة المهجرين إلى مناطقهم، إذ يصل إيجار بعض المنازل إلى 200 دولار، بينما كان معدل الإيجارات يقدّر بنحو 75 دولارًا بشكل وسطي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى