رغم دعم ترامب للإدارة الجديدة

تياران يؤثران في سياسة واشنطن تجاه دمشق

الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية يلتقي المبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس براك - 6 آب 2025 (وزارة الخارجية السورية)

camera iconالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية يلتقي المبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس براك - 6 آب 2025 (وزارة الخارجية السورية)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – سدرة الحريري

في ظل وضع متقلب في سوريا، تراوحت تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص، توماس براك، بين أقصى الدعم للإدارة في دمشق، وبين لهجة تحذيرية أو نقدية ناعمة.

هذا التفاوت خلّف شكوكًا حول الموقف، لا سيما بعد اشتباكات السويداء وزيارة وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، المفصلية إلى موسكو، في 31 من تموز الماضي.

توماس براك، هو السفير الأمريكي في تركيا، وأسند له الرئيس دونالد ترامب، في 23 من أيار الماضي، مهمة إضافية هي مبعوث أمريكا الخاص إلى سوريا، إضافة إلى تكليفه الحلول مؤقتًا محل نائبة المبعوث الخاص للشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، المتخصصة بلبنان، وتم إلغاء تكليفه بملف لبنان في 1 من آب الحالي.

يعرف عن براك أنه ملياردير ورجل أعمال أمريكي، وهو مستثمر عقاري خاص في الولايات المتحدة الأمريكية، ومؤسس ورئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة “Colony NorthStar”.

وهو من أبرز المؤثرين في سياسات البيت الأبيض، وحليف وصديق مقرب لدونالد ترامب.

أبرز مواقف براك

منذ تعيينه مبعوثًا أمريكيًا خاصًا إلى سوريا في أيار الماضي، بدا توماس براك حاملًا رؤية واضحة لدعم المرحلة الانتقالية، مع وعود برفع العقوبات وتشجيع الحوار بين الأطراف السورية المختلفة، إلا أن هذه الرؤية بدت مترددة في صلابتها بعد أن واجهت سوريا تحديات، خصوصًا في ملفي شمال شرقي سوريا والسويداء.

في البداية، دعا براك إلى المصالحة الوطنية وفتح قنوات تواصل مع جميع القوى السياسية، مؤكدًا أهمية دعم حكومة انتقالية تمثل الجميع، ورأى في الحل السياسي الطريق الوحيد لإنهاء الأزمة.

عارض براك فكرة الفيدرالية التي طرحت في بعض المناطق، ووجه انتقادات لـ”قسد” بسبب تأخرها في الانخراط بالحوار مع دمشق، مشددًا على أن وحدة الدولة المركزية هي الحل الوحيد المقبول.

بعد اشتباكات السويداء، في تموز الماضي، طالب براك بوقف فوري لإطلاق النار، معبرًا عن قلقه من تدهور الأوضاع، ومشددًا على عدم وجود “خطة بديلة” عن استمرار الحكومة الحالية، مطالبًا بمحاسبة الفاعلين.

في الوقت نفسه، لعب براك دور الوسيط في اتفاق وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل، محاولًا الحد من التصعيد الإقليمي، وأعلن عن تقليص الوجود العسكري الأمريكي في سوريا إلى قاعدة واحدة، ما يعكس توجهًا نحو تخفيف التدخل العسكري المباشر.

براغماتية أم تناقض

هل بدا براك متناقضًا أم براغماتيًا في تصريحاته، وهل ترتبط تلك المواقف بالتطورات الميدانية، أم تعكس غياب استراتيجية واضحة ومتسقة في الملف السوري.

المحلل السياسي وعضو الهيئة الوطنية السورية حسن النيفي، يرى أن تصريحات براك المتناقضة تجسد حقيقة أساسية في السياسة، إذ لا توجد مواقف ثابتة، بل تتغير حسب الأحداث، وهذا يعني أن الدعم الأمريكي لسوريا ليس مضمونًا على الدوام، خاصة إذا أخفقت دمشق في الوفاء باستحقاقات أساسية، أبرزها كسب ثقة السوريين كافة، وتوحيد البلاد عبر التوافق، لا بالصراع أو القسر.

وقال النيفي، في حديث إلى عنب بلدي، إن تعيين براك مبعوثًا خاصًا يخضع لمعايير سياسة ترامب في الشرق الأوسط، التي تخلّت عن أساليب السيطرة العسكرية المباشرة، وركزت على النهج الاقتصادي، حيث المال هو أداة السياسة الرئيسة، لذا، يُعتبر براك المرشح المناسب لهذه المهمة، ليس بسبب خبرته الدبلوماسية التقليدية، بل لحنكته في إبرام الصفقات وتحقيق المكاسب الاقتصادية.

سوريا.. بوابة أمريكا نحو شرق أوسط مستقر

تمر السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بمرحلة تحول ملحوظ، ابتعدت فيها واشنطن عن التدخلات العسكرية المباشرة، لتتجه نحو أدوات أكثر ليونة، كالدبلوماسية والضغط الاقتصادي، في محاولة لإعادة صياغة نفوذها بما يتناسب مع أولوياتها الاستراتيجية، بحسب المحلل السياسي حسن النيفي.

وفي هذا الإطار، يرى رئيس المجلس السوري- الأمريكي، فاروق بلال، أن السياسة الأمريكية تجاه سوريا لم تشهد تغيرًا جوهريًا.

واستشهد بلال بالتعيينات والزيارات المتكررة للبعثات الأمريكية إلى مناطق في الداخل السوري، فضلًا عن البيانات الرسمية الصادرة عن البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والخزانة.

وقال رئيس المجلس السوري- الأمريكي، في حديث إلى عنب بلدي، إن واشنطن تسعى إلى انسحاب “منظّم ومشرّف” من الشرق الأوسط، يختلف عن الانسحاب من أفغانستان الذي اعتبره الرئيس، دونالد ترامب، “خسارة كبيرة” للرئيس جو بايدن.

ووفقًا لبلال، فإن الولايات المتحدة تنسق حاليًا مع شركائها الأوروبيين والإقليميين لتأمين بيئة مستقرة تمكّنها من الانسحاب دون ترك فراغ يُستغل من قبل تنظيمات متطرفة كتنظيم “الدولة”، أو من قبل إيران.

كما أشار إلى أن واشنطن لا ترغب بالانخراط ماليًا في ملف الاستقرار السوري، لكنها تدرك أن وجود دولة سورية مستقرة وذات سيادة على كامل أراضيها يخدم مصالحها، لا سيما في ما يتعلق بمحاربة الإرهاب وكبح النفوذ الإيراني، بأقل تكلفة ممكنة.

من جانبه، يرى المحلل السياسي حسن النيفي أن الحافز الأكبر للتقارب الأمريكي مع دمشق يكمن في هزيمة إيران داخل سوريا، بالإضافة إلى إعلان الحكومة السورية التزامها بمكافحة الإرهاب ووقف تصدير التهديدات، بما فيها تجارة المخدرات، وهي شروط تراها الولايات المتحدة متوافقة مع سياستها وتوجهاتها الاقتصادية والسياسية.

وبين الانسحاب المدروس والانخراط غير المباشر، تبقى سوريا محورًا رئيسًا في معادلة الاستقرار التي تسعى واشنطن لإعادة رسمها في الشرق الأوسط، وسط صراع نفوذ مع خصوم إقليميين ودوليين، وتراجع الشهية الأمريكية للدخول في حروب طويلة الأمد.

تياران داخل “الكونجرس” الأمريكي

يشهد “الكونجرس” الأمريكي نقاشًا مستمرًا حول السياسة الواجب اتباعها تجاه سوريا، وسط تباين واضح في المواقف بين من يدعو إلى تخفيف العقوبات كمدخل لتحقيق الاستقرار، وبين من يتمسك بآليات الضغط السياسي والاقتصادي كوسيلة لفرض شروط محددة قبل أي انفتاح.

وأكد رئيس المجلس السوري- الأمريكي، فاروق بلال، في حديثه إلى عنب بلدي، أن الانقسام داخل “الكونجرس” لا يتعلق بسياسة الرئيس دونالد ترامب تجاه سوريا، بل يتركز حول مستقبل العقوبات الأمريكية المفروضة على النظام السوري، خاصة قانون “قيصر”.

وأوضح بلال أن هناك تيارين رئيسين في هذا الملف:

  • الأول: يطالب برفع العقوبات بشكل كامل وغير مشروط، ويتزعمه نواب مثل جو ويلسون، معتبرًا أن العقوبات تعوق جهود إعادة الإعمار وتزيد من معاناة المدنيين.
  • الثاني: يدعم الإبقاء على قانون “قيصر” مع إدخال تعديلات جزئية، كاختصار مدة سريانه أو إصدار رخص عامة تلغي العقوبات القطاعية، بهدف تسهيل مشاريع إعادة الإعمار، دون إعطاء النظام غطاء سياسيًا.

ويرى هذا التيار أن العقوبات يجب أن تبقى وسيلة ضغط لتحقيق عدد من الأهداف السياسية والأمنية، أبرزها:

  • الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
  • مكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية”.
  • تقليص النفوذ الإيراني.
  • إيجاد آلية لتسلم ملف معتقلي تنظيم “الدولة”.
  • تشكيل حكومة تمثل جميع مكونات الشعب السوري.

في المقابل، لا تعتبر القضايا المتعلقة بشكل الحكم الداخلي، كالفيدرالية أو المركزية، من أولويات “الكونجرس” في تعاطيه مع الشأن السوري، بحسب بلال.

من الناحية السياسية، يتمتع “الجمهوريون” حاليًا بسيطرة على مجلسي النواب والشيوخ، ما يمنح توجهات الرئيس دونالد ترامب ثقلًا إضافيًا داخل “الكونجرس”.

وبحسب بلال، فإن الحزب “الجمهوري” لا يسعى إلى الدخول في مواجهة مع ترامب حول الملف السوري، الذي لا يُعد من القضايا الجوهرية في أجندته، خاصة في ظل رغبته المعلنة بالانسحاب من المنطقة.

وتلعب التطورات الميدانية دورًا مهمًا في بلورة موقف “الكونجرس”، حيث أشار بلال إلى أن التدهور الأمني في مناطق مثل الساحل والسويداء عزز من مواقف التيار الداعي إلى الإبقاء على العقوبات، وهو ما ظهر جليًا في تمرير مشروع قرار جديد ضمن اللجنة المالية في “الكونجرس” مدعوم بأحداث السويداء الأخيرة.

ويخلص بلال إلى أن أي تغيير في موقف “الكونجرس” سيتطلب مؤشرات جدية من الداخل السوري، تتعلق بتحسين الوضع الأمني، ومشاركة جميع المكونات المجتمعية في إدارة الحكم، إضافة إلى إصلاحات على مستوى مؤسسات الدولة، كإعادة هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية، بما يعكس نية حقيقية نحو الاستقرار السياسي والاجتماعي.

 وعود معلّقة

الولايات المتحدة، التي تعلن سعيها لتحقيق استقرار في الشرق الأوسط، لا تبدي استعدادًا للعب دور الضامن لأي تسوية سياسية في سوريا، وإدارة الرئيس دونالد ترامب ترى في استقرار سوريا “نصرًا استراتيجيًا”، لكنها تسعى إليه بأقل التكاليف، عبر أدوات سياسية ودبلوماسية دون أي التزام بتمويل إعادة الإعمار أو إعادة هيكلة المؤسسات العسكرية والأمنية، بحسب رئيس المجلس السوري- الأمريكي، فاروق بلال.

وفي هذا السياق، لفت المحلل السياسي حسن النيفي إلى أن ما قدمته الولايات المتحدة لسوريا لا يزال، إلى حد كبير، في إطار الوعود غير المُنفذة، مشددًا على أن تنفيذ هذه الوعود مشروط بقدرة الحكومة السورية على الوفاء باستحقاقاتها السياسية والأمنية، بما يعزز مناخ الثقة بين الطرفين.

وقال إن استمرار الدعم الأمريكي السياسي قد يُحفظ على المدى القريب، لكن بقاءه طويل الأمد رهن بمدى قدرة القيادة السورية على التعامل مع التحديات المقبلة، خاصة في الملفات الأمنية والسياسية الحساسة.

وعلى الضفة المقابلة، تبدو السياسة الخارجية السورية في حالة تحرّك مدروس، إذ أشار فاروق بلال إلى أن الحكومة السورية أدت دورًا فاعلًا في إعادة فتح قنوات التواصل الإقليمي والدولي، بدعم من وزارة الخارجية التي لعبت دورًا محوريًا في الزيارات واللقاءات الأخيرة، وسط توقعات بخطاب مهم للرئيس السوري في مجلس الأمن خلال أيلول المقبل.

مع ذلك، فإن النجاح الخارجي وحده لا يكفي، إذ شدد بلال على أن قيام الدولة لا يتحقق إلا بتوازي سياستين: خارجية قوية، وداخلية متماسكة، فالقوة الدبلوماسية بحاجة إلى ظهير داخلي يعزز شرعيتها ويمنحها القدرة على الصمود، في وقت تبدو فيه التحديات الداخلية عاملًا حاسمًا في رسم شكل العلاقة المستقبلية مع واشنطن، ومع المجتمع الدولي عمومًا.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة