tag icon ع ع ع

عنب بلدي – موفق الخوجة | وسيم العدوي | محمد كاخي

يشكل الملف الأمني أحد أبرز الهواجس لدى السوريين، في الفترة التي أعقبت سقوط النظام السوري السابق، وما رافقها من انفلات أمني تمثل بحالات خطف وسرقة وانتشار للعصابات “المؤدلجة” و”غير المؤدلجة”.

ولطالما ارتبطت سمعة الأجهزة الأمنية، طوال فترة حكم النظام السابق، بالخوف والرعب لدى السوريين، بسبب الممارسات التي كانت توصف بـ”القمعية”، والتي تجلت خلال سنوات الثورة السورية.

وبعد سقوط النظام، تثار تساؤلات حول ما إذا كانت الدولة الوليدة استطاعت ضبط الملف الأمني، ونجحت في قطاعات، أبرزها مكافحة المخدرات، التي انتعشت على يد ماهر الأسد، شقيق الرئيس المخلوع بشار الأسد، إضافة إلى ملاحقة “فلول” الأخير.

وبالرغم من خطوات توصف بأنها إيجابية اتخذتها وزارة الداخلية في إعادة هيكليتها، ما زالت تعاني من ضعف في أدائها، تُرجم إلى انتهاكات وتجاوزات على يد عناصرها بحق مدنيين، يرجعه باحثون إلى ضعف في البنية، وعوامل نفسية من الحرب السورية التي طالت نحو 14 عامًا.

ترصد عنب بلدي، في هذا الملف، أداء وزارة الداخلية السورية، خلال الأشهر الثمانية التي أعقبت سقوط النظام، والدوافع والأسباب حول تكرار الانتهاكات، وتناقش فيه هيكلية الوزارة والخطوات اللازمة لرفع سويتها، مع باحثين وخبراء.

وزير الداخلية السوري أنس خطاب يجتمع مع نقابة المحامين - 6 آب 2025 (وزارة الداخلية السورية)

وزير الداخلية السوري أنس خطاب يجتمع مع نقابة المحامين – 6 آب 2025 (وزارة الداخلية السورية)

الملف الأمني.. إنجازات وانتهاكات

يتراوح أداء وزارة الداخلية بين الأداء المقبول وضبط محدود للملف الأمني، بالرغم من العقبات والفراغ الذي أورثه سقوط النظام السوري المفاجئ، بمقابل انتهاكات ارتكبها عناصر الأمن في سوريا بحق مدنيين.

أبرز تلك الانتهاكات جرت في أحداث السويداء جنوبي سوريا، منتصف تموز الماضي، وقبلها في الساحل السوري، غربي البلاد.

أحداث الساحل بدأت في 6 من آذار الماضي، بعد أن شنت مجموعات ممن تسميها الحكومة السورية بـ”فلول النظام” السابق، هجومًا منظمًا استهدف نقاطًا وحواجز لإدارة الأمن العام، وقطعًا عسكرية تتبع لوزارة الدفاع.

وعلى إثر هذه الهجمات، نفذت إدارة الأمن العام وقوات وزارة الدفاع عمليات تمشيط وتفتيش في قرى الساحل السوري، جرت خلالها انتهاكات بحق مدنيين، مورس بعضها على أيدي القوات الحكومية، بحسب تحقيق أجرته وكالة “رويترز”.

وقتل خلال هذه الأحداث أكثر من 1400 شخص من الطائفة العلوية، على أساس مذهبي، بحسب لجنة تقصي الحقائق، التي شكلتها الحكومة السورية، للتحقيق بأحداث الساحل.

وفي 14 من تموز الماضي، أرسلت الحكومة السورية قوات من وزارتي الدفاع والداخلية إلى محافظة السويداء لإنهاء اقتتال نشب بين فصائل محلية، ومسلحين من البدو.

مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، أعرب عن قلقه إزاء تقارير تلقاها مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تشير إلى انتهاكات وتجاوزات شملت إعدامات وقتلًا تعسفيًا، وعمليات اختطاف، وتدمير الممتلكات الخاصة ونهب المنازل.

وقال إن “من بين الجناة المبلّغ عنهم أفرادًا من قوات الأمن وأفرادًا تابعين للسلطات”.

ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل ما لا يقل عن 814 سوريًا بينهم 34 سيدة و20 طفلًا، وستة أشخاص من الطواقم الطبية، وشخصان من الطواقم الإعلامية، في محافظة السويداء منذ اندلاع التوترات، في 13 من تموز الماضي.

الانتهاكات تتعلق بعملية الدمج

الباحث في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” نوار شعبان، قال لعنب بلدي، إن هذه الانتهاكات تتعلق بعملية الدمج وإعادة تأطير العناصر المنضوية، سواء في وزارة الداخلية، أو وزارة الدفاع، مؤكدًا أن الدمج غير مكتمل، وملفات السلوك الداخلي غير مكتملة، كما أن العقيدة العسكرية غير واضحة.

ويعتقد شعبان أنه يجب العمل، وبشكل أساسي، على الهيكلية الداخلية لوزارة الداخلية، ووزارة الدفاع، من الأسفل إلى الأعلى، وليس فقط على مستوى القيادات، بل يجب العمل على موضوع ضبط العناصر عن طريق إعادة دمجهم وفرزهم، وضبط هيكلية سلسلة الأوامر التي يتلقونها.

مخاوف من عودة رهاب الأمن

تربط الأجهزة الأمنية في ذاكرة السوريين بممارسات للنظام السوري السابق، أسهمت بتدمير سمعتها، عبر القمع والتعذيب والقتل داخل المراكز الأمنية، خلال سنوات حكم الأسدين، الأب والابن.

وبعد تسلم “هيئة تحرير الشام” والفصائل التي رافقتها خلال معارك “ردع العدوان”، تباينت ممارسات العناصر الأمنيين، بين المعاملة الحسنة، التي أشاد بها كثير من السوريين، وانتهاكات طالت آخرين، وصلت إلى القتل تحت التعذيب، بحسب شبكات حقوقية.

أبرز الحوادث في هذا السياق، هو ما جرى مع السوري يوسف اللباد، الذي عاد من ألمانيا إلى سوريا، ثم قتل/ توفي في إحدى غرف الحراسة التابعة لوزارة الداخلية، بمحيط الجامع “الأموي” في دمشق، في 29 من تموز الماضي.

وبالرغم من رواية الداخلية، التي تنفي قتله على أيدي عناصر حراسة الجامع، ما زالت الشكوك تدور حول ممارسات “خشنة” من قبل عناصر الداخلية، أدت إلى وفاته.

كما أن ممارسات، وصفت بـ”العنيفة”، تعرض لها سوريون خلال تنفيذ مهام أمنية، أبرزها ما حدث مع عبد القادر ثلجي، السوري الذي داهم منزله عناصر من الأمن، ما ترافق مع إطلاق للرصاص وتجاوزات بحق سكان المنزل.

وزير الداخلية، أنس خطاب، قدم اعتذاره للعائلة، وأكد توقيف رئيس الدورية والعناصر المرافقين له، إلا أن الأسئلة ما زالت مفتوحة حول إمكانية ضبط هؤلاء العناصر، والحد من تجاوزاتهم.

كما تتهم منظمات حقوقية وزارة الداخلية بعمليات اعتقال تعسفي (دون مذكرة اعتقال) على خلفيات متعددة، بعضها يتعلق بحرية الرأي.

نجاح في محاربة “الفلول” والمخدرات

بالمقابل، نجحت وزارة الداخلية في ملفات أمنية متعددة، منها القبض على عناصر وضباط النظام السوري السابق، ومكافحة المخدرات، بالإضافة إلى الحد من هجمات مجموعات لا تتبع للحكومة لأهداف على خلفيات طائفية.

وتمكنت قوات الأمن العام في مدينة حمص من حماية أحياء وادي الذهب وعكرمة والزهراء والنزهة، ذات الأغلبية العلوية، من هجوم حاولت بعض المجموعات، غير الحكومية، تنفيذه في 8 من آذار الماضي.

وأغلقت على إثره المداخل الفرعية للأحياء، ووضعت حواجز على المداخل الرئيسة، ومنعت دخول الدراجات النارية إلى هذه الأحياء بسبب ارتكاب العديد من ركاب هذه الدراجات حوادث قتل في المدينة.

واستطاع الجهاز، بحسب شهادات سكان من المنطقة تحدثوا إلى عنب بلدي، تأمين وحماية هذه الأحياء وإعادة الأمن والطمأنينة للسكان، واستطاع الأهالي افتتاح محالهم التجارية لوقت متأخر في الليل، بعد أن كانوا يغلقونها قرابة الساعة الخامسة مساء خوفًا من أي تجاوز أو انتهاك.

كما استطاعت وزارة الداخلية أن تضبط الكثير من معامل إنتاج أقراص “الكبتاجون” التي كانت منتشرة على نطاق واسع في سوريا، وضبطت خلال عملها 121 طنًا من المواد الأولية لتصنيع المخدرات، و320 مليون حبة “كبتاجون”، بحسب بيان للوزارة في “فيسبوك”.

على الجانب الآخر، قبضت “الداخلية” على عدد من المتهمين بجرائم حرب المرتبطين بالنظام السوري السابق، أمثال وسيم الأسد وموفق حيدر وميزر صوان ونبيل دريوسي.

الوضع الأمني “مقبول”

يرى الباحث في مركز “حرمون” نوار شعبان، أن الوضع الأمني في سوريا “مقبول إلى حد ما”، بالرغم من وجود الانتهاكات، مشيرًا إلى أن فترة النزاع في سوريا كانت طويلة، وتحتاج إلى جهد “ضخم” لإعادة ضبط عناصر وزارتي الداخلية والدفاع وفق هيكليات وعلوم عسكرية وأمنية لتفادي هذه التجاوزات.

واعتبر شعبان أن هذه الإجراءات تضمن تفادي أي فرصة لخلق البيئة التي تسمح بهذه الانتهاكات.

العناصر الأمنيون، بعد النزاع الطويل، لا تزال لديهم أحقاد شخصية، وبالتالي تحتاج الوزارة إلى عنصر يتحلى بأعلى صفات وميزات الانضباط، بحسب شعبان.

عوائق أمام الانضباط

يرى الباحث أن العوائق التي تمنع هذا الانضباط كثيرة، أهمها الأحقاد السابقة، والمتولدة حديثًا بفعل “نزعة الرعب الطائفية والتخريبية” لدى الأطراف التي يواجهها هؤلاء العناصر، ما يخلق بيئة لهذه الانتهاكات.

وفي هذه الحالة، يتعيّن على الدولة أن تسمو فوق التصرفات الطائفية والتخريبية التي تستهدف عناصرها، وأن تحرص على عدم الانجرار نحو الرد على انتهاكات الخصوم بانتهاكات مماثلة.

وأكد شعبان أن هذا الموضوع يشكّل تحديًا لوزارتي الدفاع والداخلية لضمان انضباط الكوادر الأمنية والعسكرية، ودفعها للانتقال من حالة الثورة إلى مرحلة بناء دولة قوية تقوم على القانون والمؤسسات.

عوامل تؤثر على التقييم

عند الحديث عن تقييم فاعل أمني، يرى الباحث في مركز “عمران للدراسات” معن طلاع، أن هناك عدة نظريات ومداخل لهذا التقييم، ويجب ربطها بمجموعة من المؤشرات.

فمثلًا، مدرسة “باريس للعلاقات الدولية والدراسات الأمنية” تركز على البنى التنظيمية والقانونية ومفهوم العلاقات المدنية الأمنية، وفق ما لفت إليه الباحث.

وأشار إلى أن وزارة الداخلية بدأت تهتم بشكل متزايد في التنظيم المرتبط بإعادة الهيكلة، ومدونة السلوك، وذهنية وفلسفة العمل الأمني الداخلي.

كما لفت إلى تزايد ملحوظ بعودة المنشقين، سواء عودتهم مباشرة إلى مهامهم للاستفادة من خبراتهم أو جعلهم مستشارين، أو توزيعهم على لجان مختلفة تقوم بالتحقيق في قضايا جنائية أو تتعلق بنزاعات أهلية.

بالمقابل، يرى أنه على الرغم من مضي وزارة الداخلية في هذه السلسلة من الإجراءات، فإن السياق المحلي والإقليمي يفرض على وزارة الداخلية أجندة وأولويات عابرة للقضايا التنظيمية والتقنية.

ومن جانبه، أشار وزير الداخلية السوري، أنس خطاب، خلال جلسة عمل مع نقابة المحامين في سوريا، إلى الصعوبات التي واجهتها الوزارة خلال الفترة الماضية، بما في ذلك تحديث الهياكل التنظيمية وتعزيز الكفاءات الأمنية.

وأكد خطاب، خلال الجلسة في 6 من آب الحالي، توجه الوزارة لإشراك النقابة في صياغة وتعديل القوانين المتعلقة بعملها، لضمان مواكبة التطورات ومواءمة التشريعات مع متطلبات المرحلة الراهنة.

الأمن السوري يضبط كمية من المخدرات كانت معدّةّ للتهريب إلى العراق - 30 تموز 2025 (وزارة الداخلية السورية)

الأمن السوري يضبط كمية من المخدرات كانت معدّةّ للتهريب إلى العراق – 30 تموز 2025 (وزارة الداخلية السورية)

15 يومًا فقط.. تدريبات لا تكفي

سارعت وزارة الداخلية بعد سقوط النظام السابق إلى فتح باب الانتساب لجهاز الشرطة، ضمن خطة شاملة تهدف إلى إعادة بناء القطاع الأمني ورفده بعناصر جدد مدربين لتلبية الاحتياجات المتزايدة في الحفاظ على الأمن.

وباشرت بتوزيع المنتسبين الجدد على مختلف المراكز الشرطية، بما يشمل الشرطة المدنية، وشرطة المرور، ووحدات الأمن العام.

وبحسب بيانات طلب الانتساب، حُددت شروط للقبول تتعلق بالعمر والحالة الجسدية والتحصيل الدراسي، وخلو السيرة الجنائية.

ويباشر العنصر عمله بعد خضوعه لدورة مكثفة وسريعة، مدتها 10 إلى 15 يومًا في كليات الشرطة، يتدرب فيها على الجوانب العسكرية والشرطية، وتنمية المهارات الإنسانية والتواصل الفعال مع المواطنين.

وكان وزير الداخلية السابق في حكومة دمشق المؤقتة، علي كدة، قال لعنب بلدي في وقت سابق، إن سوريا بحاجة لأكثر من 50 ألف عنصر أمن، ويجري تخريج 800-1000 عنصر في كل دورة.

الباحث في مركز “عمران للدراسات” معن طلاع، قال لعنب بلدي، إن الجهاز الأمني معني بتقديم خدمة أمنية والتزام بقواعد المهنة والسلوك والحرفية، وهذا يحتاج إلى مجموعة من الدورات والإجراءات التي تطور الموارد البشرية في وزارة الداخلية.

طلاع يرى أن الزج بعناصر الأمن في الساحة السورية بالحد الأدنى من التدريب والمعرفة، أمام الحالة الاستثنائية في سوريا كان مقبولًا إلى حد ما.

بالمقابل، وبعد مضي أكثر ثمانية أشهر على سقوط نظام بشار الأسد، يجب أن تكون الوزارة وضّحت خطة التدريب، على أن تكون موحدة، بحسب طلاع.

وتواصلت عنب بلدي مع وزارة الداخلية، عبر متحدثها الرسمي، نور الدين البابا، ومسؤولها الإعلامي، مصطفى العبدو، للاستفسار عن خطوات وزارة الداخلية، وللسؤال عن وجود تدريبات محتملة مستقبلًا، إلا أنها لم تتلقّ ردًا حتى لحظة تحرير الملف.

أربعة محاور للتدريب المثالي

تأتي التدريبات ضمن ما يعرف بالوظيفة التعليمية والتأهيلية للموارد البشرية في قطاع الأمن والدفاع، وهي بحالتها المثالية يجب أن تحتوي على أربعة محاور رئيسة، بحسب الباحث معن طلاع.

المحور الأول يتعلق بمفهوم الوظيفة الأمنية، بينما المحور الثاني هو العقيدة الأمنية، ويتمثل الثالث بالتدريبات اللازمة أمنيًا والتي يجب أن يتمتع بها كل عنصر، أما المحور الرابع فهو التخصص.

محوران إضافيان

يقترح الباحث في مركز “عمران” إضافة محورين رئيسين إلى جانب المحاور الأربعة السابقة.

يتعلق المحور الأول بحقوق الإنسان والسلوك الأمني والحفاظ على القيم الإنسانية وما تتطلبه من إجراءات وقوانين مع الاطلاع على الإجراءات والقوانين سواء الدولية أو المحلية، ويرتبط المحور الثاني بتعزيز الثقافة العامة لعنصر الشرطة.

ضبط كمية من المخدرات والحشيش في اللاذقية - 28 تموز 2025 (وزارة الداخلية السورية)

ضبط كمية من المخدرات والحشيش في اللاذقية – 28 تموز 2025 (وزارة الداخلية السورية)

السلاح والزي..

خطوات تحتاج إلى إعادة نظر

يستخدم عناصر وزارة الداخلية في سوريا سلاحًا واحدًا في كل مهامهم الأمنية هو “كلاشنكوف”، وفق ما رصدته عنب بلدي، وهو نفس السلاح الذي تستخدمه المؤسسة العسكرية في وزارة الدفاع، على خلاف المتبع عادة من استخدام أسلحة خفيفة مثل المسدسات أو البنادق الخفيفة.

ويرتبط نوع السلاح المستخدم لدى قوى الأمن الداخلي بحسب نوع المهام، وفق ما أوضحه الباحث في مركز “عمران للدراسات” معن طلاع، إذ إن هناك مهام أمنية تحتاج إلى أسلحة متطورة وأجهزة تجسس وكشف وتعقب ومناظير ليلية وغيرها من الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، فيما إذا كانت المهمة مرتبطة بمكافحة الإرهاب.

وبالنسبة للشرطة الجنائية، هناك سلسلة من أنواع الأسلحة يمكن اقتناؤها وأيضًا بالنسبة للشرطة المدنية، لها سلاحها الخفيف.

مرتبط بالميزانية والضبط

ترتبط مسألة التسليح في وزارة الداخلية بعدة عوامل، بحسب طلاع، الأول يتعلق بميزانية الدولة، التي هي اليوم لا تملك صناعات عسكرية، لافتًا إلى أن ما تبقى من مواقع عسكرية من مخازن أسلحة وتسليح ضُربت وأُخرجت عن الخدمة.

كما يعتقد أن ملف التسليح مرتبط بضبط السلاح، مهما كان نوعه، باعتبار أن الشرطة هي قوة تنفيذية لتطبيق القانون، ما يعني أن انفلات السلاح وعدم ضبطه في الدولة يشكل تحديًا أمامها.

الزي الأمني.. قرار اتخذ على عجل

تعتمد وزارة الداخلية لباسًا بلون أسود لعناصرها في الأمن العام، والذي ألحق الأمن الداخلي به، بينما يرتدي عناصر الشرطة اللون الأزرق، إلا أنها لم تحدد لباسًا معروفًا لبقية الأقسام والتخصصات، كما يرتدي بعض العناصر ألبسة عسكرية مموهة.

طلاع، يرى أن هناك استعجالًا في إقرار الزي المعتمد لدى وزارة الداخلية ويحتاج إلى مراجعة، بأن تكون فيه لمسة سورية متضمنًا معايير مرتبطة بالإحساس بالقوة والأمان، مشددًا على ضرورة أن يكون هناك لباس موحد.

وأوضح أن هناك مدارس في اختيار الزي الشرطي، إذ تذهب بعضها باتجاه الألبسة الرشيقة الأقرب إلى الرياضية، وذات ألوان محددة منسجمة مع اللون العسكري، في حين أن هناك مدرسة أخرى ترى بأنها امتداد للمدرسة العسكرية بغض النظر عن اللون.

انتحال صفة أمنية

اللباس الأسود، المنتشر بكثرة، إضافة إلى الألبسة العسكرية والتي تباع بالأسواق، أدى إلى ظهور جماعات تنتحل صفات أمنية، وتنفذ عمليات سلب وخطف، بالرغم من إعلان الحكومة السورية، في 13 من كانون الثاني الماضي، تخصيص بطاقات أمنية، ومهمة اعتقال (إذن رسمي) تحمله أي قوة منفذة لأمر القبض على أي سوري.

أحد سكان ضاحية قدسيا، فضّل عدم نشر اسمه لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي، إن مجموعة حاولت مداهمة وتفتيش منزله، واستخدمت أسلوبًا غير لائق معه، وعند تقديمه شكوى لمخفر منطقة قدسيا، أخبروه بأن الدورية لا تتبع للأمن العام، وأنهم لم يرسلوا أحدًا للمداهمة، وحذروه من المجموعات التي ترتدي زي الأمن العام لمحاولة السرقة والخطف.

وفي 3 من آب الحالي، انتشر مقطع مصور يظهر أشخاصًا انتحلوا صفة أمنية بهدف سرقة أموال سائح برتغالي على طريق حلب- اللاذقية، وتمكنت الداخلية من القبض عليهما لاحقًا، وإحالتهما إلى التحقيق.

ثلاث خطوات لمعالجة الخلل

يمكن معالجة الخلل في موضوعي اللباس والسلاح بثلاث خطوات رئيسة، بحسب الباحث طلاع.

تتمثل الخطوة الأولى بإقرار الاحتياجات اللوجستية لعموم سوريا، وهذا يحتاج إلى سلسلة ورشات لا تقديرات شخصية، وفق طلاع.

وتحتاج هذه الخطوة إلى تفعيل الأجهزة الأمنية في المحافظات وتقدير احتياجاتها اللوجستية، سواء في البنى أو الأجهزة الاستخباراتية والعسكرية وأجهزة التحليل الجنائي.

وتتعلق الخطوة الثانية بضبط السلاح وتنظيمه وأرشفته، بينما ترتبط الخطوة الثالثة بتنظيم الألبسة انطلاقًا من فكرة الطالب ضابط الشرطة والضابط المتخرج وطبيعة الوظيفة الأمنية المسندة إليه سواء كان مكافحة المخدرات أو حرس حدود أو مكافحة الجريمة المنظمة والتهريب.

 

يفترض أن يكون هناك تمييز في الألوان، لأنها جزء من مفهوم العلاقات المدنية الأمنية، إذ يجب أن يعرف المواطن، من لباس الشرطة، تخصصه ووظيفته.

معن طلاع

باحث في مركز “عمران للدراسات”

 

الأمن السوري يعتقل أحد أفراد النظام السوري السابق بعد اشتباكات في اللاذقية - 8 آذار 2025 (محمد دعبول - EPA)

الأمن السوري يعتقل أحد أفراد النظام السوري السابق بعد اشتباكات في اللاذقية – 8 آذار 2025 (محمد دعبول – EPA)

خطوات لإعادة هيكلة المنظومة الأمنية

انطلقت بذرة جهاز الأمن الحالي في سوريا، في 10 من حزيران 2020، حين الإعلان عن تأسيس الأمن العام في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” ومظلتها السياسية حكومة “الإنقاذ”.

وكانت انطلاقة الجهاز من حاجة المجتمع لمنظومة أمنية موحدة لحفظ الأمن، والإسهام في بناء وتنمية المجتمع، بحسب المتحدث باسم الجهاز وقتها، ضياء الدين العمر.

وذكر العمر أن الجهاز لا يتبع لأي فصيل عسكري، ويعمل بشكل مستقل، رغم الجدل الدائم بشأن تبعية الجهاز لـ”تحرير الشام”.

بذرة الشمال تتوسع

تشكل الجهاز حينها من عدد من الوحدات والمكاتب مهمتها جمع البيانات والمعلومات عن المجرمين، والرصد ومتابعة الأحداث، والمراقبة وتنفيذ مهام التوقيف والتحقيق.

واستطاع خلال فترة وجوده في مناطق شمال غربي سوريا أن يحقق نقلة نوعية في ضبط الأمن بالمنطقة من خلال أقسامه المختلفة، ركز خلالها على إظهار حالة عالية من المؤسساتية في إصداراته وتصريحاته، وضبط آليات تحوّل المعلومة إلى مهمة اعتقال بإذن موقع من المدعي العام وصولًا إلى تقديم القضية إلى القاضي وصدور الحكم بحق المتهم.

وعقب السيطرة على محافظة حلب، في6  من كانون الأول 2024، أعلنت وزارة الداخلية بحكومة “الإنقاذ”، فتح باب الانتساب لإدارة الأمن العام عبر الالتحاق بكلية الشرطة، وتبعتها لاحقًا إعلانات انتساب في سائر المحافظات عقب سقوط النظام السوري في 8 من كانون الأول 2024.

وفي 24 من كانون الثاني الماضي، قال المدرب في أكاديمية الشرطة بدمشق هشام هلال، إن أعداد طلبات الانتساب للوزارة تجاوزت 200,000 طلب في كل المحافظات، وذلك لتغطية حاجة “الجهاز” إلى عناصر في الأراضي السورية كافة، بعد أن تم تسريح عناصر شرطة النظام السابق.

وفي 12 من آذار 2024، أسفر اجتماع قائد “هيئة تحرير الشام” سابقًا، “أبو محمد الجولاني” (الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع) مع عسكريين ومدنيين وشخصيات في حكومة “الإنقاذ” و”مجلس الشورى” عن ضم “جهاز الأمن العام” لوزارة الداخلية.

وخلال الأشهر الماضية، عملت الوزارة على إعادة هيكليتها، بعد مشاورات مع حقوقيين وباحثين، إذ أعلن المتحدث باسم الداخلية، نور الدين البابا، خلال مؤتمر صحفي حضرته عنب بلدي، في 25 من أيار الماضي، عن دمج جهازي الشرطة والأمن العام، وتجهيز بطاقات شخصية بهوية بصرية جديدة، وتأسيس مكتب للشكاوى، واستحداث إدارة للسجون والإصلاحيات.

مخاوف من تراجع الثقة بالأمن

في ظل المتغيرات المتسارعة التي تشهدها سوريا، يرى الباحث والمحلل السياسي والأمني فراس علاوي، أهمية الإسراع في عملية إعادة هيكلة المنظومة الأمنية لوزارة الداخلية بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية، لضمان الاستقرار الداخلي وتعزيز ثقة المواطن بالمؤسسات الرسمية.

قد يؤدي التأخر في إعادة الهيكلة، وفقًا لعلاوي، إلى مخاطر متعددة، أبرزها “ضعف الاستجابة للأزمات، وتنامي الجريمة المنظمة، وتراجع الثقة الشعبية بقوى الأمن العام، والعزلة الدولية بسبب عدم التوافق مع المعايير الدولية في حقوق الإنسان والأمن”، وهو ما لا يمكن القبول به في المرحلة المقبلة، في ظل تصاعد الاستهداف لسوريا ومحاولات إثارة القلاقل والفتن فيها، والأخطاء الفردية.

وأي تباطؤ بعملية ضبط أداء العناصر في تراتبية وظيفية محددة وقوانين واضحة وصارمة، يمكن أن يتسبب أيضًا في عدم القدرة على ترسيخ الوضع الأمني نتيجة الخلل الحاصل في الموارد البشرية واللوجستية، ومن المهم أيضًا وجود تراتبية ظاهرة للعيان ومطبقة في وزارة الداخلية.

ومن أبرز القواعد التي ينبغي لجهاز الأمن العام السوري تطبيقها، بحسب ما يراه علاوي: “التصدي للأحداث الأمنية دون توليد نقمة شعبية، وتحقيق الشفافية في الإجراءات لجهة توضيح أسباب التدخل الأمني، واحترام حقوق الإنسان وتجنب الاستخدام المفرط للقوة، وتعزيز التواصل الفعال مع الإعلام لتقديم رواية رسمية واضحة، والاستناد دائمًا إلى الوساطة المجتمعية عبر الوجهاء والقادة المحليين لتخفيف التوتر، وتدريب الأمن على استيعاب الحشود والأزمات بطريقة احترافية وإنسانية، وتوظيف أفراد من خلفيات متنوعة لتمثيل المجتمع بشكل أفضل”.

التواصل الفعال مع المواطنين

في إطار التصدي للأحداث الأمنية، يجب على الوزارة اتباع نهج شفاف وإنساني، يراعي حقوق الإنسان ويعتمد على التشبيك مع المواطنين، بما يضمن معالجة الأزمات، قال علاوي، إضافة إلى السعي للتكيف مع التغيرات الاجتماعية والديموغرافية من خلال تطوير سياسات أمنية مرنة، وتوظيف كوادر مؤهلة، وتحديث برامج التوعية بما يتماشى مع تطلعات المجتمع السوري.

وحذر علاوي من أن التحديات الأمنية المستقبلية ستكون أكثر تعقيدًا، وهي متنوعة مثل الهجرة والنزوح الداخلي، والاحتجاجات الاجتماعية، والكوارث الطبيعية وتغير المناخ، والجرائم العابرة للحدود مثل الاتجار بالبشر، والمخدرات، والهجمات السيبرانية، والتطرف، مما يتطلب استعدادًا استباقيًا وتدريبًا عالي المستوى، ولهذا من المهم مواصلة تطوير مهارات قوى الأمن والشرطة على إدارة الأزمات.

الشراكة مع أجهزة الأمن الصديقة

في السياق ذاته، اعتبر علاوي أن تعزيز الشراكة بين الداخلية وأجهزة الأمن بالدول الصديقة في تقديم الخدمات الأمنية يمكن أن يمثل خطوة تحول استراتيجية في عمل الوزارة، تتيح تبادل الخبرات وتطوير حلول مبتكرة، إلى جانب ضرورة توفير التقنيات الحديثة، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، لتحسين الكفاءة التشغيلية لقوى الأمن واتخاذ القرارات الأمنية المبنية على معلومات دقيقة وغير مضللة.

ويعتبر علاوي أن من أهم ما يجب أن تتصدى له الوزارة مستقبلًا بعد استتباب حالة الأمن والاستقرار، “إنشاء وحدات متخصصة في الأمن السيبراني، وتحليل البيانات، والتواصل المجتمعي، بهدف حماية المواطنين من الجرائم المعلوماتية، وإحداث فرق استجابة تعزز من الجاهزية والتفاعل الإيجابي مع المجتمع”.

ويبقى العنصر الأهم في نجاح وزارة الداخلية بعملها هو تعزيز الثقة مع المواطنين والتعاون معهم في مواكبة التطورات، والمشاركة في بناء منظومة أمنية حديثة، فعالة، ومبنية على الثقة المتبادلة بين المواطن والدولة.

10 خطوات لتأهيل “الداخلية”

اقترح المحلل والباحث الأمني والسياسي فراس علاوي، 10 خطوات لإعادة تأهيل وتدريب عناصر وزارة الداخلية:

تجنيد عناصر الشرطة والأمن العام وفق معايير اختيار دقيقة تشمل السلامة الجسدية والنفسية، والخلفية الأخلاقية، والمستوى التعليمي، ومهارات التواصل، وإقامة دورات لتأهيل الضباط والاهتمام بالتراتبية بينهم.
تحقيق الشفافية في الإعلان عن الرغبة بتجنيد العناصر والتقديم على التطوع عبر بوابة إلكترونية مركزية تتيح التقديم لجميع المواطنين المؤهلين.
إخضاع العناصر لاختبارات متعددة المراحل مثل الفحص النفسي، والاختبارات المعرفية، واختبار اللياقة البدنية.
التأهيل الأخلاقي والقيمي، ويتمثل بإلحاق العناصر بدورات في الأخلاق المهنية، والنزاهة، وأخلاقيات استخدام السلطة، ومشاركتهم في ورشات لتعزيز ثقافة احترام المواطن وحقوق الإنسان.
تعريف العناصر بحقوق المواطنة، وإشراكهم في تدريبات نظرية وتطبيقية على الإعلان الدستوري السوري والقوانين المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، وتدريبهم على سيناريوهات واقعية للتعامل مع المواطنين بمهنية واحترام.
تدريب العناصر الفني واللوجستي على العتاد والمعدات، واستخدام أدوات الاتصال، والأسلحة النارية، ومركبات الأمن، وإطلاعهم عبر مدربين مختصين على إدارة المواقف الأمنية بالاعتماد على تقنيات غير قاتلة وتقليل التصعيد.
تدريب العناصر على التحليل الجنائي والتقني، والاهتمام بالبحث الجنائي وأسس جمع الأدلة والتحقيق، واستخدام نظم المعلومات والأمن السيبراني، وعلى عدد من التخصصات المتقدمة حسب الحاجة مثل: مكافحة المخدرات، الأمن الجنائي، الأمن السيبراني، أمن السير، الشرطة المجتمعية.
إيفاد العناصر أو عدد منهم إلى بعثات تدريبية خارجية، والتعاون مع دول ذات تجارب ناجحة في إصلاح المؤسسات الأمنية، ورصد احتياجات المجتمع التي تحتاج إلى اهتمام من قبل قوى الأمن، وتكليف الخبرات من الضباط بقيادة فروع قوى الأمن العام سواء المركزية بدمشق أو المحافظات.
تقييم العناصر وتطوير أدائهم بشكل مستمر، وتعزيز الرقابة الداخلية والخارجية المستقلة على العناصر، ويمكن أن يتم ذلك من خلال إحداث هيئة مستقلة لمراقبة الأداء والتجاوزات.
إحداث نظام تحفيزي، ومنح مكافآت على الأداء الإيجابي، ووضع آليات واضحة للمساءلة والمحاسبة.

مقالات متعلقة