من يخرجها من دائرة النخبة إلى "البسطاء"

السينما السورية “غير مغرية” ومنفصلة عن الجمهور

مشهد من الفيلم السوري "رحلة يوسف" - 2022 (جود سعيد/إنستجرام)

camera iconمشهد من الفيلم السوري "رحلة يوسف" - 2022 (جود سعيد/إنستجرام)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – أمير حقوق

تعتبر السينما واحدة من أبرز وسائل التعبير الفني التي تعكس تاريخ المجتمعات، وتوثق أحداثها، وتسهم في بناء هويتها الثقافية، كما تلعب دورًا في التأثير على الرأي العام، وتشكيل المواقف تجاه القضايا الاجتماعية والسياسية.

وفي سوريا، يمثل القطاع السينمائي نموذجًا ضعيفًا مقارنة ببقية الدول العربية، كمصر ولبنان، خاصة خلال السنوات الماضية، رغم وجود بعض المحاولات.

غير مغرية تجاريًا

رغم نجاح بعض الأفلام السينمائية، فإن السينما السورية لم تثبت نجاحها وتفرض نفسها في السينما العربية، لغياب العديد من أساسيات الإنتاج، وعوامل التقدم والتطوير.

وهنا، يرى الناقد الفني عامر عامر، أن ذلك يعود لعدة عوامل، أولها الغياب البنيوي لصناعة سينمائية حقيقية، ويتجسد ذلك في غياب القطاع الخاص عن الإنتاج السينمائي، على عكس مصر أو حتى لبنان، فلم تتشكل في سوريا سوق حقيقية للإنتاج السينمائي الخاص، وأيضًا الرقابة الصارمة والتوجه الأيديولوجي، فمعظم الأفلام كانت تمر عبر رقابة مشددة، تقصي الأفكار الجريئة وتفرض سرديات سياسية معينة، مما أفقدها الحرية والتنوع، وهذا جعل كثيرًا من المخرجين الموهوبين يصمتون أو يعملون خارج البلاد.

ويضاف إلى ذلك ندرة دور العرض وتدهورها، الأمر الذي تسبب في انفصال الجمهور عن السينما السورية، التي باتت حكرًا على العروض الرسمية والمهرجانات، بالتوازي مع انعدام التوزيع في العالم العربي، فلا يوجد نظام توزيع عربي مشترك قادر على إيصال الفيلم السوري إلى الجمهور العربي كما يحصل مع السينما المصرية أو حتى المغربية مؤخرًا.
قال الناقد الفني عامر، لعنب بلدي، إن الفيلم السوري ليس ترفيهيًا، إذ إن كثيرًا من الأفلام السورية تحمل طابعًا فلسفيًا سياسيًا، أو حزينًا، وتعالج مواضيع الحرب، أو الألم، وهذا ما يجعلها غير مغرية تجاريًا، لأن الجمهور العربي العام ينجذب أكثر إلى الكوميديا، الدراما الرومانسية، أو “الأكشن”، وهي أنماط لم تنتجها السينما السورية بشكل كافٍ، مع تهميش الدولة سابقًا للاستثمار بجدية في قطاع السينما كفوة ناعمة وطنية، ولهجرة الكثير من الكفاءات السينمائية منذ بدء أحداث الثورة.

استحواذ درامي على السينما

على العكس من ذلك، شهدت الدراما السورية تطورًا ملحوظًا، وأصبحت من أكبر وأبرز الصناعات الثقافية في البلاد، حيث استطاعت أن تصل إلى جمهور واسع، وتُنتج أعمالًا ذات جودة عالية، وتتناول قضايا اجتماعية وسياسية بطريقة فنية مبدعة، الأمر الذي تفتقده السينما.

وفي هذا السياق، عزا الناقد الفني عامر عامر ذلك إلى الدعم المؤسسي والتمويل المتوفر للمسلسلات وخصوصًا من المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي، إضافة إلى تعاون شركات إنتاج خاصة، أما السينما، فكانت تعاني من قلة التمويل، وكانت المؤسسة العامة للسينما الجهة الوحيدة التي تنتج الأفلام، وغالبًا بإنتاج محدود وبطيء، فالمسلسلات تصل إلى الجميع بينما السينما لا.

وتابع أن الموسم الرمضاني فرصة ذهبية للدراما، لأنه أصبح تقليدًا سنويًا لعرض المسلسلات، وهو ما جعل شركات الإنتاج تتسابق لإنتاج أعمال ضخمة في هذا الموسم، الأمر الذي ضاعف من الاهتمام بالدراما، بينما السينما بقيت نخبوية ومحدودة الانتشار، ويتوازى ذلك مع طبيعة المجتمع المحافظ وتأثيره، فكثير من الأسر السورية كانت ترى في السينما شيئًا “غير مناسب”.

وتحدث عن هجرة الكفاءات السينمائية إلى التلفزيون، بسبب قلة الفرص في السينما، فمعظم المخرجين والكتاب والممثلين توجهوا نحو المسلسلات، التي صارت هي الميدان الأساسي للإبداع الفني.

من سينما خاضعة إلى مستقلة

السينما في سوريا لم تصل إلى مستوى النضوج والتفوق الذي حققته ببعض الدول العربية، إذ يتطلب القطاع السينمائي عدة أولويات وأمور، لإعادة إنعاش السينما ورسم ملامح تضعها في خارطة هذا الفن عربيًا.

الناقد عامر يعتقد أن السينما السورية بحاجة إلى التحرر من القبضة الرسمية والرقابة، فحرية التعبير والإبداع لا يمكن أن تكون مع رقابة خانقة، فبذلك يمكن الانتقال من سينما خاضعة “لمزاج المؤسسة” إلى سينما مستقلة تنبع من المجتمع وتخاطبه بصدق، وتوفير الدعم والتمويل خارج القنوات التقليدية من أجل إنتاج حقيقي من داخل الدولة أو من خلال صناديق ثقافية مستقلة، وبناء بنية تحتية حديثة لصناعة سينمائية، إذ لا يمكن لسينما أن تنمو من دون وجود صالات عرض مجهزة، ومدارس للسينما والتقنيات البصرية، ومراكز إنتاج، وسوق توزيع حقيقية.

وتفرض السينما حاجتها إلى تشبيك حقيقي مع العالم العربي والدولي، فتحتاج إلى فرص تعاون عربي مشترك، مع لبنان، مصر، تونس، المغرب، الخليج، وهذا يوجب الاعتراف بالسينما كجزء من الهوية الثقافية السورية، عبر تحولها من اعتبارها “زينة ثقافية” إلى رافعة فكرية وفنية تعكس صوت السوريين وتجاربهم.

كما تحتاج إلى إطلاق برامج تدريب وتأهيل للكفاءات الشابة، فالسينما السورية اليوم تعاني من هجرة الكوادر القديمة، ومن نقص في كوادر الجيل الجديد، وإعادة ربط السينما بالناس عبر إخراجها من دائرة النخبة والمهرجانات، لتخاطب الناس البسطاء أيضًا، فهي بحاجة إلى أن تعود وسيلة للترفيه والتفكير، والنقاش العام، لا أن تبقى محصورة في دوائر مغلقة.

 

السينما السورية بحاجة إلى أن تعود وسيلة للترفيه والتفكير، والنقاش العام، لا أن تبقى محصورة في دوائر مغلقة.

عامر عامر

ناقد فني

 

ولا تزال السينما السورية، من حيث البنية والتأهيل، في مراحلها الأولى نسبيًا مقارنة بالدراما، ولكنها تحمل إمكانيات طموحة ورؤى مستقبلية إذا ما توفر لها الدعم، والحرية، والتقنيات الحديثة، فالنضوج الحقيقي لن يأتي إلا بفتح المجال أمام الإبداع، والتسهيل من إجراءات الإنتاج، وتشجيع الجيل الجديد من السينمائيين، لتتمكن سوريا من تسخير السينما كوسيلة تعبير قوية تعكس تاريخها، وواقعها، وطموحاتها المستقبلية.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة