اتفاقية سوريا وتركيا العسكرية.. مقاربة جديدة تكبحها القيود

اتفاقية التعاون العسكري تشكل استمرارا للإرادة التركية في دعم سوريا بمجال "مكافحة الإرهاب" 14 من آب 2025 (وزارة الدفاع السورية)

camera iconاتفاقية التعاون العسكري تشكل استمرارا للإرادة التركية في دعم سوريا بمجال "مكافحة الإرهاب" 14 من آب 2025 (وزارة الدفاع السورية)

tag icon ع ع ع

وقعت دمشق وأنقرة اتفاقية تدريب واستشارات بين وزارتي الدفاع التركية والسورية، في وقت لوح فيه الجانبان، بالتصعيد في ملف “قسد” في شمال شرقي سوريا بعد تعثر المفاوضات.

الاتفاقية التي جرى توقيعها، الأربعاء 13 من آب، شملت دورات تدريبية وبرامج ومساعدات فنية تهدف لتعزيز وتطوير إمكانيات الجيش السوري.

وتأتي هذه الاتفاقية، وفق وكالة “سانا” الرسمية، في إطار تطوير الجيش السوري من خلال تدريب عناصره بطريقة احترافية ووفق المعايير الدولية، بما يحد من مخاطر الانتهاكات التي قد ترتكبها الفصائل غير المدربة.

وذكرت “سانا” عن مضمون الاتفاقية التي نصت على:

  • التبادل المنتظم للأفراد العسكريين: للمشاركة في دورات تدريبية متخصصة، تهدف إلى رفع الجاهزية العملياتية وتعزيز القدرة على العمل المشترك.
  • تدريب على المهارات المتخصصة: برامج في مجالات مكافحة الإرهاب، وإزالة الألغام، والدفاع السيبراني، والهندسة العسكرية، واللوجستيات، وعمليات حفظ السلام، وفقًا لأفضل الممارسات الدولية.
  • مساعدة فنية: إرسال خبراء مختصين لدعم عملية تحديث الأنظمة العسكرية، والهياكل التنظيمية، وقدرات القيادة.

دلالات

يعكس توقيع الاتفاقية تحوّلًا في مقاربة أنقرة للعلاقة مع دمشق الجديدة، وفق ما يرى الباحث في مركز “عمران” للدراسات الاستراتيجة والمتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية، محسن المصطفى.

وقال المصطفى، في حديث لعنب بلدي، إن مقاربة أنقرة تجاه سوريا الجديدة “تنتقل من دعم بعض فصائل المعارضة سابقًا إلى شراكة مؤسساتية مع الدولة السورية، بما يؤسس لمنحى جديد في العلاقات بين سوريا وتركيا كدولتين”.

ويُتوقّع، بحسب المصطفى، أن تُسهم الاتفاقية في تعزيز موقع الحكومة السورية في ضبط الأمن والتوازنات الداخلية، ضمن رؤية مشتركة لإعادة بناء المؤسسات العسكرية.

وجددت وزارة الدفاع التركية، في 14 من آب، دعمها وحدة سوريا السياسية وسلامة أراضيها، وأكدت أهمية دعوات الحكومة السورية إلى “دولة واحدة وجيش واحد”، وفق ما نقلت وكالة “الأناضول” التركية، عن مصادر بالوزارة.

وقالت المصادر، “منذ البداية ندعم الوحدة السياسية والسلامة الإقليمية لسوريا، وسنواصل ذلك. وفي هذا الإطار، دفعنا بهذه الرغبة خطوة إلى الأمام من خلال مذكرة التفاهم المشتركة للتدريب والاستشارات التي وقعناها أمس”.

وأوضحت أن المذكرة تشكل “استمرارًا للإرادة التركية في دعم سوريا بمجال مكافحة الإرهاب، وتعزيز قدراتها الدفاعية والأمنية”.

احتمالية محدودة لـ “الدفاع المشترك”

يرى المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية محسن المصطفى أن إمكانية التحوّل إلى اتفاق دفاع مشترك بين سوريا وتركيا “محدودة الاحتمال” في المدى المنظور، على الرغم من توافر الإرادة السياسية لدى الطرفين ووجود ما وصفها بـ”تهديدات أمنية مشتركة”.

توقيع اتفاق دفاع مشترك بين سوريا وتركيا، يواجه جملة من العقبات من وجهة نظر المصطفى، أبرزها:

  • هشاشة البنية القانونية للدولة السورية.
  • والتحفّظ الدولي، ولا سيما من بعض الأطراف، تجاه أي شراكة عسكرية طويلة الأمد قد تُفاقم التوتر مع إسرائيل.
  • تُوسّع النفوذ التركي بما يتجاوز التفاهمات السابقة، خاصة أن أنقرة عضو في حلف شمال الأطلسي.

قناة “الشرق” السعودية نقلت، أواخر أيار الماضي، نقلتعن مصادر سورية وصفتها بـ المطلعة، أن نقاشات “متقدمة” جرت بين الرئيس السوري، أحمد الشرع، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال زيارة الشرع إلى أنقرة في 24 من أيار الماضي، “تناولت بنود اتفاقية دفاع مشترك هي الأولى بين البلدين، وذلك في أول تحرك استراتيجي معلن منذ الإطاحة بنظام الأسد في كانون الأول 2024”.

وأشارت المصادر إلى أن الاتفاق المرتقب يأتي لـ “تمهيد الطريق نحو إنشاء قواعد عسكرية تركية، من خلال مراحل متتالية تبدأ بإنشاء بنية عسكرية لتدريب الجيش السوري الجديد”، على أن لا يتم إقامة القواعد التركية عبر إعلان مباشر كما كان يجري الترتيب له سابقًا قبل الضربات الإسرائيلية لمطار “التيفور”، و”الشعيرات”، في 21 من آذار الماضي.

ووفق المصادر، بهدف الاتفاق إلى تخفيف التصعيد، وذلك في إطار تفاهمات جرت حينها مع عدة أطراف، وشملت أيضًا تنسيقًا بين أنقرة وموسكو بهذا الخصوص”.

وعقد الشرع وأردوغان لقاء مغلقًا أمام وسائل الإعلام ولم يصدر أي تصريح حول المحادثات حينها، حيث اكتفت الرئاسة السورية بالقول إن الرئيسين بحثا “عددًا من الملفات المشتركة”.

شكل الدعم

وكالة “رويترز”، نقلت عن مصدر بوزارة الدفاع التركية، اليوم، قوله إن بلاده ستزود سوريا بأنظمة أسلحة ووسائل لوجستية بموجب اتفاق التعاون العسكري وجرى توقيعه أمس، مضيفًا أن أنقرة ستدرب الجيش السوري أيضًا على استخدام هذه المعدات إذا “لزم الأمر”.

وتستهدف المذكرة، بحسب المصدر، “التنسيق والتخطيط للتدريب والتعاون العسكري وتقديم الاستشارات وتبادل المعلومات والخبرات وضمان شراء المعدات العسكرية وأنظمة الأسلحة والمواد اللوجستية والخدمات ذات الصلة”.

ويعتقد الباحث في الشؤون العسكرية والأمنية، محسن المصطفى، أن تشمل الأسلحة والمعدات المتوقع أن تقدمها أنقرة لدمشق: أنظمة دعم لوجستي، مدرعات خفيفة، تقنيات مراقبة واتصال، وربما دعمًا دفاعيًا جويًا محدودًا.

ورغم أنها قد تُسهم في رفع كفاءة الجيش السوري تدريجيًا، لا سيما في مناطق السيطرة المستقرة، لا يعتقد المصطفى أن تُحدث “تغييرًا جذريًا” في موازين القوى الإقليمية، ما “لم تُرفق بتغطية جوية أو بأنظمة نوعية متطورة”، وهو ما لم يُلمّح إليه حتى الآن، وفق الباحث في مركز “عمران”.

وحتى إن تم ذلك (تزويد سوريا بأنظمة دفاع جوي متطورة)، فإن تغيير المعادلات يتجاوز مجرد حيازة الأسلحة، ليشمل السياق السياسي والعملياتي المحيط بها، كما يرى محسن المصطفى.

موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، نقل عن مصادر مطلعة لم يسمها، في نيسان الماضي، أن تركيا تستعد لبناء قاعدة دفاع جوي بمطار “التيفور” العسكري بالقرب من تدمر في حمص وسط سوريا.

وتهدف أنقرة من بناء القاعدة، وفق الموقع، لضرب تنظيم “الدولة الإسلامية” وردع الهجمات الجوية الإسرائيلية على سوريا.

ووفق المصادر، ستنشر منظومة دفاع جوي في مطار “T4” من نوع “حصار” لتوفير الغطاء الجوي للقاعدة، التي ستساعد تركيا على ترسيخ السيطرة الجوية على المنطقة ودعم جهودها في مكافحة تنظيم “الدولة” الذي لا يزال لديه خلايا تنشط في البادية السورية.

كما تهدف أنقرة إلى إنشاء نظام دفاع جوي متعدد الطبقات في القاعدة وحولها، بقدرات دفاع جوي قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى ضد مجموعة متنوعة من التهديدات، من الطائرات النفاثة إلى الطائرات دون طيار إلى الصواريخ.

وأشار الموقع إلى أن وجود أنظمة الدفاع الجوي والطائرات دون طيار التركية من المرجح أن تردع إسرائيل عن شن ضربات جوية في المنطقة. 

لـ “قسد” أم لإسرائيل؟

تلوح دمشق وأنقرة بالتصعيد في ملف “قسد” في شمال شرقي سوريا بعد تعثر المفاوضات.

وسبق توقيع الاتفاقية بين وزارتي الدفاع في سوريا وتركيا، لقاء جمع وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، بنظيره التركي، هاكان فيدان.

وتناول اللقاء مسار العملية السياسية في سوريا، وملفات أمنية أبرزها نشاط حزب “العمال الكردستاني” و”قسد” شمال شرقي سوريا، إلى جانب الأوضاع الميدانية في محافظة السويداء، بحسب وكالة “الأناضول” التركية.

وحذر فيدان، في مؤتمر صحفي مشترك مع الشيباني، من أن غياب تلبية المطالب الأمنية لتركيا في سوريا يجعل “الحفاظ على الهدوء أمرًا مستحيلًا”، داعيًا “قسد” إلى وقف “التهديدات المباشرة لتركيا والمنطقة”.

بينما حذر الشيباني من “محاولات تقسيم البلاد على أسس طائفية وأيديولوجية”، وأكد التزام حكومته بالعمل من أجل الاستقرار عبر الحوار مع مختلف المكونات.

وكان واضحًا في الخطاب التركي، قبل وبعد توقيع الاتفاقية، التوجه لـ”قسد” بشكل مباشر، مابدا أنه تحييد لملف السويداء والتهديدات الإسرائيلية المتكررة.

إلا أن الباحث  في مركز “عمران” محسن المصطفى، يرى أن الخطاب الموجه لـ”قسد” لا يعني تحييد ملف السويداء أو تجاهل التهديدات الإسرائيلية، بل يعكس أولوية تركية تركز على منع “قسد” من فرض واقع سياسي- عسكري منفصل، على حد تعبيره.

وقد بقي ملف السويداء خارج أولويات الاتفاقية، لأسباب ديمغرافية وسياسية، بحسب المصطفى الذي يرى  أن “الجبهة مع إسرائيل” تبقى خاضعة لحسابات إقليمية معقّدة لم يشملها الاتفاق، لا تأييدًا ولا رفضًا، ما يعكس، بحسب اعتقاد المصطفى، “رغبة تركية في تجنّب التصعيد المباشر على تلك الجبهة”.

وبالنسبة لإسرائيل، فهي تشعر بالقلق من ظهور “حكومة إسلامية متطرفة”، ومن “النفوذ التركي المفرط في سوريا”، وفق السفير الإسرائيلي السابق، مايكل هراري.

هواري وفي مقال له على مجلة “المجلة” يرى أنه ومع اعتراف إسرائيل بالدور التركي، وتدخله “الحازم” في شمالي سوريا، ولا سيما في مناطق السيطرة الكردية، فإن تل أبيب قد رسمت كما يبدو “خطًا أحمر” تجاه الوجود العسكري التركي في أجزاء أخرى من البلاد.

وفي المقابل، كما يقول السفير الإسرائيلي، ترى تركيا أن أمامها “فرصة تاريخية لتثبيت استقرار حدودها مع سوريا وبشروطها الخاصة، خصوصًا تجاه قضية الكرد بمن فيهم “حزب العمال الكردستاني”، و”تعزز في الوقت نفسه من اعتماد نظام الشرع عليها”، على حد تعبيره.

ويرى هواري إنه على الرغم مما أظهرته إسرائيل من تفوق عسكري وتقني، لا ترى تركيا “عائقًا” أمامها، وتجد أن اللحظة الراهنة هي فرصتها الذهبية كي تعزز مكانتها الإقليمية.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة