ضغط سياسي أم برود اقتصادي

رفع الرسوم الأمريكية على الواردات السورية يفتح باب التكهنات

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال إعلانه فرض رسوم جمركية إضافية على الواردات من عدة دول - 2 نيسان 2025 (AFP)

camera iconالرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال إعلانه فرض رسوم جمركية إضافية على الواردات من عدة دول - 2 نيسان 2025 (AFP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – أمير حقوق

تصدّرت سوريا قائمة زيادة الرسوم الجمركية التي وقع عليها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 31 من تموز الماضي، وتضمنت عشرات الدول التي تعتبر الولايات المتحدة أن الميزان التجاري معها يميل بقوة لحساب تلك الدول.

وفرض الرئيس الأمريكي نسبة تصل إلى 41% على الرسوم الجمركية للواردات من سوريا، لتكون الدولة الأكثر استهدافًا بالرسوم الأمريكية، ليس في المنطقة العربية، وإنما في العالم كله، خاصة الدول التي تخوض واشنطن معها نزاعات تجارية طويلة مثل الصين وكندا والمكسيك.

وقال البيت الأبيض في بيان له، إن نسبة الرسوم الجمركية الجديدة تتراوح بين 10 و41%، وتطبق هذه على الدول التي لم تتوصل إلى اتفاقات تجارية ثنائية مع الولايات المتحدة، ودخلت الرسوم الجديدة حيز التنفيذ في 7 من آب الحالي.

وسيلة ضغط

خبراء وأكاديميون اقتصاديون استغربوا قرار فرض الرسوم الجمركية على المستوردات السورية في أمريكا، معتبرين أنه يعكس رغبة واشنطن بسياسة “حمائية” تجاه المنتجات السورية، رغم التحولات السياسية الأخيرة في دمشق وتحسن العلاقات، وذلك بعد قرار رفع العقوبات الأمريكية عقب لقاء الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، مع نظيره ترامب، بالرياض في أيار الماضي.

الخبير الاقتصادي ونائب عميد كلية الاقتصاد في جامعة “حماة”، الدكتور عبد الرحمن محمد، قال لعنب بلدي، إن قرار فرض رسوم جمركية بنسبة 41% على الواردات السورية يعد تصعيدًا اقتصاديًا بأبعاد متعددة:

  • اقتصاديًا: يعكس هذا القرار اختلال الميزان التجاري بين سوريا وأمريكا، حيث يسهم بمنع توسع الصادرات السورية، خاصة في ظل محاولات دمشق لإعادة الإعمار والاندماج الاقتصادي العالمي.
  • سياسيًا: رغم تحسن العلاقات بين البلدين ورفع العقوبات الأمريكية، فإن هذه الرسوم قد تكون وسيلة ضغط اقتصادي، أو رد فعل على السياسات الجمركية السورية التي تفرض رسومًا مرتفعة على المنتجات الأمريكية.
  • رمزيًا: باعتبارها الأعلى عالميًا، تُرسل الرسوم رسالة واضحة بأن الولايات المتحدة لا تزال تتبع نهجًا صارمًا تجاه سوريا، رغم التحولات السياسية الأخيرة.

لا رغبة بالتبادل التجاري مع دمشق

رغم قلة الصادرات السورية لأمريكا وحجمها، يفسر القرار بعوامل سياسية واقتصادية، أبرزها عدم رغبة حالية أو مستقبلية بالتبادل التجاري الأمريكي مع سوريا، بحسب الخبير الاقتصادي والأستاذ في جامعة “دمشق” الدكتور مجدي الجاموس.

ويعتقد الجاموس أن هذه الرسوم تهدف إلى تقليل أي منفذ اقتصادي يمكن أن تستفيد منه دمشق، وهي محاولة لمنع أي محاولة مستقبلية لتوسيع التبادل التجاري.

بدوره، اعتبر الدكتور عبد الرحمن محمد أسباب الرسوم الجمركية المرتفعة من منظور اقتصادي، أن فرض سوريا رسومًا مرتفعة على المنتجات الأمريكية قد دفعها للرد بالمثل، رغم أن السوق السوري أقل أهمية بالنسبة لأمريكا مقارنة بالسوق الأمريكي بالنسبة لسوريا، وتلك الرسوم تستخدم كأداة لحماية الصناعات المحلية الأمريكية من المنافسة الخارجية، حتى لو كانت من دول ذات حجم تجارة صغير مثل سوريا.

أما الدكتور مجدي الجاموس، فرجح أن تكون الرسوم ورقة ضغط على الحكومة السورية، لوصول واشنطن إلى مآربها أو رغبتها بالحصول على بعض المكاسب السياسية، أما اقتصاديًا فهي متعلقة بعدم الرغبة بازدياد حجم التبادل التجاري بين واشنطن ودمشق، أي سوريا ليست ضمن مخططها للتبادل التجاري.

زيادة التبادل.. أرقام هزيلة

بلغت صادرات سوريا من الولايات المتحدة في حزيران الماضي 736,000 دولار أمريكي، وبلغت المستوردات 471,000 دولار أمريكي، مما أدى إلى ميزان تجاري إيجابي قدره 265,000 دولار أمريكي، وفق إحصائية مؤسسة “OEC” الأمريكية التي تعنى برصد البيانات التجارية الدولية.

وقارنت المؤسسة بين حزيران 2024 وحزيران 2025، موضحة أن صادرات سوريا إلى الولايات المتحدة ارتفعت بمقدار 459,000 دولار أمريكي (165%)، من 277,000 دولار أمريكي إلى 736,000 دولار أمريكي، بينما ارتفعت الواردات بمقدار 316,000 دولار أمريكي (204%) من 155,000 دولار أمريكي إلى 471,000 دولار أمريكي.

وفي 2023، بلغ إجمالي التبادل التجاري بين سوريا وأمريكا حوالي 13 مليون دولار، حيث صدّرت سوريا لأمريكا بقيمة 11.3 مليون دولار، واستوردت منها بقيمة 1.29 مليون دولار فقط، مما عكس فائضًا تجاريًا لمصلحة سوريا.

وذكر الخبيران الجاموس وعبد الرحمن، أن الواردات السورية من أمريكا تشمل المواد الكيماوية والدوائية والمستلزمات الطبية، والسلع الغذائية المُعلبة مثل أغذية الأطفال والمكملات الغذائية، والمواد البلاستيكية والورقية، والعصائر والمشروبات الجاهزة.

أما الصادرات السورية إلى أمريكا فتتضمن البذور الزراعية أهما التوابل، ومنتجات صناعية صغيرة ومتوسطة، وبعض السلع الزراعية الأخرى مثل الفستق الحلبي، وزيت الزيتون، وحجر البناء، وبعض القطع النحاسية والزخارف.

انعكاسات على الاقتصاد السوري

انعكاس رفع الرسوم الجمركية الأمريكية على المستوردات السورية يحمل تأثيرًا متباينًا يطول الاقتصاد السوري، رغم ضعف العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

الدكتور مجدي الجاموس يرى أن الاقتصاد السوري ضعيف بالوقت الحالي، ويتأثر برفع الرسوم الجمركية الأمريكية من خلال انعكاس القرار على مجموعة من التجار والأفراد القائمين على عمليتي الاستيراد والتصدير بين سوريا وأمريكا، ويدل على عدم الرغبة بأن يكون هناك دور لأمريكا بالاقتصاد السوري وإعادة إعمار الاقتصاد الوطني.

بينما شرح الدكتور عبد الرحمن محمد أن الرسوم الجمركية بنسبة 41% لها تأثيرات سلبية واضحة على الاقتصاد السوري، تتمثل في:

  • تقييد الصادرات: الرسوم تغلق الباب أمام توسع الصادرات السورية إلى السوق الأمريكي، مما يضعف قدرة الصناعات الصغيرة والمتوسطة على تحقيق إيرادات بالدولار.
  • زيادة العزلة الاقتصادية: القرار يعزز عزلة سوريا اقتصاديًا، ويُعرقل جهود إعادة الإعمار، مما يدفعها للبحث عن أسواق بديلة مثل دول الخليج وتركيا.
  • ارتفاع التكاليف: ارتفاع الرسوم يزيد من تكلفة المنتجات السورية في السوق الأمريكي، مما يقلل من تنافسيتها ويضعف الطلب عليها.
  • ضغط على الاقتصاد المحلي: في ظل محاولات سوريا للخروج من آثار الحرب، تضيف هذه الرسوم عبئًا إضافيًا إلى الاقتصاد، مما يعوق النمو الاقتصادي.

وكانت واشنطن فرضت، في 2 من نيسان الماضي، رسومًا جمركية على البضائع التي يتم تصديرها من أمريكا إلى سوريا بنسبة 41%، كما بلغت نسبة الرسوم الجمركية المفروضة على البضائع التي تأتي من سوريا إلى أمريكا 81%.

 



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة