إقبال أهالي دمشق في باب توما على شراء المثلجات تزامنًا مع موجة الحر -12 آب 2025 (عنب بلدي/كريستينا الشماس)
حر خانق ينهك دمشق.. لا كهرباء ولا “أمبيرات” والناس إلى الماء والمثلجات
عنب بلدي – كريستينا الشماس
لم يكن الأسبوع الماضي عاديًا عند السوريين الذين واجهوا موجة حر لاهبة اجتاحت أغلبية المحافظات، ولامست فيها درجات الحرارة 47 درجة، وهي معدلات قياسية غير مألوفة، خاصة عند أهالي دمشق الذين عانوا لهيب الحر في ظل الانقطاع المتكرر للكهرباء، ما يصعب عليهم الاعتماد على أجهزة التبريد.
وكان مشهد العائلات وهي تتجمع أمام محال المثلجات مألوفًا في مناطق دمشق خلال الفترة الأخيرة، وكذلك ارتياد المناطق والمسطحات الخضراء المفتوحة، والتوجه نحو الريف المجاور.
“مشوار المثلجات” للهروب من الحر
بابتسامة ساخرة، قال أحمد المصري، المقيم في منطقة الدويلعة بدمشق وهو أب لثلاثة أطفال، إن محال “المثلجات” أصبحت الملاذ الوحيد له ولعائلته، لإدخال بعض البرودة إلى قلوبهم مع الجو اللاهب.
وتابع أحمد أن “مشوار” الذهاب لتناول “المثلجات”، هو محاولة للهروب من منزله بعد أن أصبح خانقًا مع انقطاع الكهرباء التي لم تتجاوز ساعتي وصل مقابل ست ساعات قطع.
واعتبر خلدون الفارس، صاحب “سوبر ماركت” في منطقة باب شرقي، أن الأهالي يلجؤون لشراء “المثلجات” وألواح الثلج بكثرة، إضافة إلى العصائر كحل وحيد بالنسبة لهم لمواجهة موجة الحر.
“لا يملك أصحاب الدخل المحدود حلولًا أخرى، لأنها قد تكون مكلفة وخارج قدرتهم المادية”، قال خلدون.
ولجأت “أم محمد الشامي”، التي تقيم في حي القيمرية، وهي جدة لثلاثة أحفاد، إلى تحضير العصائر الطبيعية في المنزل، معتبرة أن ذلك أوفر من شراء “المثلجات” يوميًا، ومع ذلك تعترف أن هذا الحل لم يجدِ نفعًا مع منزلها الذي تضربه الشمس من جميع الاتجاهات حتى الساعة الخامسة بعد الظهر.
“الكهرباء جدًا سيئة، لا تتجاوز الساعة والنصف من الوصل مقابل أكثر من خمس ساعات قطع، ولا أملك سوى مروحة تعمل على البطارية، ولكن ينفد شحنها بعد ساعتين من قطع الكهرباء”، قالت “أم محمد”.
استخدام الأقمشة المبللة بالماء
يروي جورج سلمان، الذي يقيم في حي باب شرقي، معاناته مع موجة الحر وانقطاع الكهرباء التي لا تأتي لحيه إلا أربع ساعات في اليوم.
وقال جورج، إن التحدي لم يقتصر فقط على الطقس، بل يشمل النوم دون وسائل تبريد، لذا لجأ إلى بلّ ملابسه وفراش نومه بالماء.
أما لامار الديب، وهي موظفة في أحد البنوك الخاصة، فذكرت أنها تقضي معظم الليل تتنقل بين الغرف بحثًا عن نسمة هواء، إذ لم تكن تستطيع النوم إلا ساعات قليلة قبل أن يوقظها حر الصباح.
واستخدمت والدة لامار قطعًا من القماش مبللة بالماء تقوم بوضعها على النوافذ لخفض درجة حرارة الغرف، إلا أن هذه الحيلة لم تنفع مع لهيب الحر، بحسب قول لامار.
رغم التحذيرات.. لا خيار سوى العمل
رغم تحذيرات المديرية العامة للأرصاد الجوية من التعرض لأشعة الشمس خلال فترات الذروة، فإن السعي وراء لقمة العيش كان أقوى عند بعض الأهالي من حرارة الجو.
تحدى عمار لطفي، وهو شاب يعمل في توصيل الطلبات للمنازل، حرارة النهار التي تجاوزت الـ40 درجة مئوية، قائلًا، “من الساعة الـ12 حتى الـ4 ظهرًا الشوارع نار، وكل مشوار كأنه جولة في فرن”.
يحاول عمار أن يشرب أكبر كمية ممكنة من الماء، لكن التعب يسيطر عليه في نهاية اليوم، خصوصًا مع صعوبة النوم ليلًا بسبب استمرار انقطاع الكهرباء.
ويضطر الخمسيني ناصر محمد، وهو بائع بسكويت على “بسطة” صغيرة في حي الطبالة بدمشق، لتغطية بضاعته بقطع قماش مبللة بالماء، في محاولة منه لحماية البسكويت من التلف السريع والذوبان تحت الشمس الحارقة.
يروي ناصر أن تأمين لقمة العيش أصعب بالنسبة له من تحمل لهيب الشمس، فعائلته المكونة من أربعة أشخاص لديها احتياجات يجب أن يؤمّنها مهما كانت الظروف قاسية عليه.
“الأمبيرات لم تصمد” والكهرباء على حالها
لم يلحظ أهالي دمشق زيادة في ساعات التغذية الكهربائية، رغم بدء توريد الغاز الأذربيجاني لسوريا عبر تركيا، منذ 2 من آب الحالي.
وعلى الرغم من الوعود التي أطلقت بتحسن ساعات التغذية من 8-10 ساعات يوميًا، فإنها لم تتجاوز 5 ساعات وصل في أحسن الأحوال.
يرى كثير من الأهالي أن العامل المشترك بين معاناتهم في فصلي الصيف والشتاء هو انقطاع الكهرباء، وعلى الرغم من تركيب بعضهم ألواح الطاقة الشمسية، والاشتراك في “الأمبيرات”، فإنها لم تصمد أمام موجة الحر.
“بالشتا منبرد وبالصيف منحترق، والمشكلة نفسها، غياب الكهرباء”، هكذا عبر رائد النداف، الذي يعيش في منطقة الدويلعة، عن استيائه من حال الكهرباء.
ورغم تركيب رائد ألواح الطاقة الشمسية، فإنها لا تعمل أكثر من ساعتين في حال قام بتشغيل المكيف.
وظن شادي فريح، الذي يشترك في خط “أمبيرات”، أنه سيكون بعيدًا عن أزمة انقطاع الكهرباء، لكن حتى هذه الخدمة الخاصة والمكلفة لم تصمد أمام ضغط التشغيل.
أوضح شادي أن انقطاع “الأمبيرات” وصل لأكثر من 6 ساعات متواصلة، وعند تواصله مع الشركة لمعرفة أسباب انقطاعه، تبيّن أن المولدات تعطلت لأنها لم تتحمل ضغط التشغيل، وبعد إصلاح العطل أصبحت تأتي كل نصف ساعة مقابل ربع ساعة قطع.
وختم شادي، “لم أستفد من اشتراكي في (الأمبيرات) التي أصبحت تنقطع ليلًا نهارًا كحال الكهرباء، وفي حال الوصل لا تكفي المروحة وحدها لتلطيف حرارة الجو”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :