من نيران الساحل إلى السويداء.. المنقذ المخطوف حمزة العمارين

عائلة المتطوع المختطف في السويداء حمزة العمارين وزملائه واصدقاءه في وقفة للمطالب بالكشف عن مصيره -في درعا 15 آب 2025 (عنب بلدي/ محجوب حشيش)

camera iconعائلة المتطوع المختطف في السويداء حمزة العمارين وزملائه واصدقاءه في وقفة للمطالب بالكشف عن مصيره -في درعا 15 آب 2025 (عنب بلدي/ محجوب حشيش)

tag icon ع ع ع

في اليوم العالمي للعمل الإنساني، يغيب عن صفوف المنقذين شاب اعتاد أن يكون أول الحاضرين عند كل نداء استغاثة، حمزة العمارين.

يجدد اليوم الدفاع المدني، مطالبه من المجتمع الدولي والمؤسسات والمنظمات الحقوقية والإنسانية، للضغط على الفصائل المسيطرة على مدينة السويداء من أجل الإفراج عن حمزة.

وتؤكد على أن استهداف المتطوعين والمنقذين وإعتقالهم وتغييبهم يُهدد مستقبل العمل الإنساني في سوريا.

نداء أم لا ينقطع

“ولاد حمزة اجو من الشمال عم يقولوا بدنا بابا”، هكذا بدأت والدة حمزة العمارين مناشدتها الجهات المعنية لإستعادة ابنها الذي اختفى أثره في السويداء، بعد أن اختطفته مجموعة مسلحة محلية أثناء تأديته واجبًا إنسانيًا، في 16 تموز 2025.

حمزة كان أحد أبرز وجوه العمل التطوعي في الجنوب السوري، ولم يقتصر حضوره على الميدان، بل تولّى قيادة مركز الاستجابة الطارئة في مدينة إزرع بريف درعا، عُرف بانخراطه المباشر في أصعب المهمات.

وُلد حمزة العمارين في مدينة نوى بريف درعا الغربي، وعاش حياته متنقّلًا بين العمل الإنساني في الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء” وبين المخاطر اليومية التي رافقت مهماته.

مهمة لا تعرف الراحة

انضم العمارين منذ سنواته الأولى في العمل العام إلى الدفاع المدني السوري، مشاركًا في إنقاذ المدنيين من تحت الأنقاض وإخماد الحرائق.

وكان واحدًا من المتطوعين الذين شاركوا في مواجهة الحرائق التي اندلعت في ريف اللاذقية، حيث بقي على الجبهة الإنسانية 12 يومًا متواصلة.

عاد إلى درعا منهكًا فجر يوم اثنين، لكن لم يمهله التعب سوى ساعات قليلة، إذ طُلب حضوره العاجل إلى مركز إزرع لمهمة جديدة، فلبّى النداء.

المهمة الاخيرة والاختطاف

في مساء الأربعاء 16 تموز 2025، دخل حمزة إلى السويداء عند الساعة الرابعة والنصف عصرًا، مرتديًا زيه الرسمي المميز بشعار “الخوذ البيضاء”، لتنفيذ عملية إجلاء بطلب من الأمم المتحدة، بهدف نقل فريق أممي عالق في ظروف أمنية مضطربة.
كانت برفقته سيدة من أهالي السويداء، قدّم لها المساعدة في طريقه.

لكن ما إن وصل إلى دوار العمران حتى اعترضت سيارته مجموعة مسلحة محلية، أوقفته وصادرت السيارة المخصصة للعمل الإنساني، قبل أن تقتاده إلى جهة مجهولة، بحسب ما ذكرت السيدة.

في ساعات المساء، طمأن عائلته باتصال حسب ما ذكرت والدته شاه التوبة، لـ عنب بلدي، قائلاً: أنا بخير، انتبهوا على أنفسكم. وفي صباح اليوم التالي، الخميس 17 تموز، أجاب شخص مجهول على هاتفه مؤكدًا أنه “بخير وفي أمان”، لكنه أضاف أن حمزة “سيُعرض على شيخ العقل”، ثم انقطع التواصل نهائيًا.

صوت الدفاع المدني والمنظمات

في ظل غياب أي تواصل مباشر، حمّل الدفاع المدني السوري الفصائل المحلية في السويداء المسؤولية الكاملة عن سلامته، مؤكّدًا أنه حاول الوصول إلى الجهات الخاطفة عبر وسطاء محليين لكن دون جدوى.

كما حذّر من استخدام السيارة المصادرة في أي نشاط خارج إطارها الإنساني.

مع مرور شهر على الحادثة، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان والدفاع المدني السوري بيانًا مشتركًا اعتبرتا فيه أن اختطاف حمزة العمارين “حرمه من حريته ومن دوره الإنساني في إنقاذ حياة الآخرين”، وألحق ضررًا بالغًا بعائلته وزملائه والمجتمع المحلي الذي يخدمه بإخلاص.

البيان شدّد أيضًا على أن استهداف العاملين الإنسانيين يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، وطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عنه، وضمان سلامته الجسدية والنفسية، ومحاسبة المسؤولين عن الجريمة.

تضامن شعبي وإعلامي

شهدت مدينة درعا وإدلب وحلب، وقفة احتجاجية في 14 آب رفع خلالها الأهالي وزملاؤه صوره ولافتات تطالب بالكشف عن مصيره. كما شارك ناشطون وصحفيون في حملات إعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام وسوم خاصة تحمل اسمه، لتذكير الجميع بأن حمزة لم يكن طرفًا في نزاع، بل عاملًا في مهمة إنسانية.

وفي حديث سابق لـ عنب بلدي، أكدت العائلة أنها لم تتلقَّ أي اتصال من الخاطفين، وأنهم يعتمدون على الضغط الشعبي والإعلامي للمطالبة بعودته سالمًا.

“نحنُ كـ عمال انسانيين لسنا هدفًا”، هذا ما صرحت به ضحوك العزة، متطوعة في الدفاع المدني، لـ عنب بلدي، أثناء الوقفة الإحتجاجية في إدلب، موجهة نداء للمجتمع الدولي لمعرفة مصير حمزة العمارين، ومؤكدة تضامنها مع عائلته.

كما طلب زميلها محمد الإبراهيم، من المجتمع الدولي، الضغط على الجهات المتواجدة في السويداء لإخراج حمزة بدون أي شروط، وأكد أن “العمل الإنساني ليس جريمة ولكن تغييب العامل في المجال الانساني هو الجريمة”.

وضع متوتر في السويداء

جاء اختطاف حمزة في لحظة شديدة التعقيد داخل السويداء، التي كانت تشهد آنذاك اشتباكات عنيفة بين فصائل محلية مسلحة وعشائر البدو، تخللها خطف متبادل وقطع للطرق، ما زاد من الفوضى الأمنية وغياب سلطة المؤسسات الرسمية.

ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل ما لا يقل عن 814 شخصًا وإصابة 903 آخرين في أحداث السويداء بين 13 و24 تموز، بينهم مدنيون وكوادر طبية، ما يعكس حجم المخاطر التي واجهها حمزة وهو يؤدي مهمته الأخيرة.

رغم الظروف، واصل الدفاع المدني السوري عمله، إذ أُجلِي نحو 50 عائلة من السويداء وقرى مجاورة إلى مناطق أكثر أمانًا، وشُكّلت غرفة طوارئ بالتعاون مع محافظة درعا لتأمين احتياجات المهجرين. لكن مكان حمزة بقي مجهولًا.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة