عنب بلدي – لمى دياب | بيسان خلف
دخلت سوريا أزمة مائية، لا سيما بعد انخفاض مياه الأنهار والينابيع بشكل خطير، والتغيرات المناخية التي تسببت في ارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار، ما انعكس على قطاع الزراعة في البلاد.
وتواجه سوريا هذا العام أزمة زراعية حادة بفعل موجة جفاف تعتبر الأسوأ منذ أكثر من ستة عقود، ما هدد محاصيل القمح وزاد من احتمالات انعدام الأمن الغذائي لنحو 16 مليون شخص، وفق تقديرات الأمم المتحدة.
وتسبب الجفاف والظروف المناخية القاسية وانخفاض معدلات هطول الأمطار وقصر موسم الشتاء الماضي بتضرر نحو 2.5 مليون هكتار من الأراضي المزروعة بالقمح، وفق ما أفادت به منظمة الأغذية والزراعة (فاو).
وتشير بيانات “فاو” إلى أن 95% من القمح البعلي تضرر بشكل شبه كلّي، بينما من المنتظر أن يكون إنتاج القمح المروي أقل بـ30 إلى 40% من المعتاد، مما يُنذر بفجوة تتراوح بين 2.5 و2.7 مليون طن من الإنتاج المحلي.
وتأثرت الخطة الزراعية في مختلف مناطق سوريا سلبًا، بفعل هذه الحالة غير المسبوقة بشدتها، مع قلة الهطول المطري وانخفاض مناسيب المياه الجوفية وغزارة الينابيع وتخزين السدود، ما يؤدي إلى خسائر اقتصادية للمزارعين، مع امتداد الضرر إلى الثروة الحيوانية بسبب نقص الأعلاف وتدهور المراعي وانتشار الأوبئة في المحاصيل الزراعية.
تراجع النشاط الزراعي المقرون بالجفاف، يفاقم الأزمة المعيشية في بلد يعيش فترة انتقالية ويواجه آثار سنوات من الصراع، إذ تلعب الزراعة دورًا محوريًا في الأمن الغذائي وتأمين مصادر دخل للعديد من العائلات، لا سيما في الأرياف السورية.
تغيرات المناخ في المنطقة.. المشكلات المحلية تفاقم الأزمة
إجهاد في الأحواض المائية
تعاني الأحواض المائية في سوريا (بردى والأعوج، اليرموك، العاصي، الساحل، الفرات) منذ سنوات من إجهادات كبيرة نتيجة الاستثمار غير الرشيد وغير المراقب للمياه في عمليات الري الزراعي، بحسب الخبير بالشؤون الزراعية المهندس عبد الرحمن قرنفلة.
وذكر قرنفلة أن ما تشهده سوريا ينسحب على معظم أقاليم المنطقة العربية، لأنها تقع في المناخات الجافة والأراضي القاحلة، وتشكّل المياه السطحية (الأنهار، البحيرات الطبيعية أو السدود، الينابيع) والمياه الجوفية (الآبار السطحية، الآبار العميقة) المصادر الرئيسة للري الزراعي، والذي يستهلك حوالي 85% من إجمالي الموارد المائية المتجددة.
وتبيّن دراسة علمية حديثة أن احتمال وقوع الجفاف في المنطقة كان قبل ظاهرة التغيّر المناخي مرة كل 250 سنة، وارتفع ليصبح مرة كل عشر سنوات عند ازدياد الحرارة 1.2 درجة مئوية، وقد يصبح احتمال حدوث الجفاف مرة كل خمس سنوات عند وصول ازدياد الحرارة إلى درجتين مئويتين.
من أزمة متقطعة إلى ممتدة
ازدادت في العقود الأخيرة وتيرة حدوث وتكرار موجات الجفاف، ما فاقم من حالة عجز الأحواض المائية، التي ازداد في الوقت نفسه استنزافها نتيجة غياب الرقابة الحكومية على عمليات استجرار المياه، وفق ما قاله خبير الشؤون الزراعية المهندس عبد الرحمن قرنفلة لعنب بلدي.
وذكر أن الاستجرار الناجم عن ري الأراضي المزروعة أكثر من المساحات المخطط لها، ما جعل معظم هذه الأحواض في حالة عجز مائي (المسحوب أكبر من الوارد)، ودفع كثيرًا من المزارعين لزيادة عمق آبار المياه مما زاد من حجم استنزاف تلك الموارد المائية، بحسب ما ذكره قرنفلة لعنب بلدي.
وشهدت سوريا اتجاهًا متزايدًا نحو الجفاف بين عامي 1981 و2021، مع تسجيل أحداث جفاف كبيرة في سنوات 1999، 2010، 2014، 2017، و2021، وصولًا إلى الموجة التي نعيشها هذا العام، مما يشير إلى أن الجفاف يتحول من موسمي متقطع إلى حالة ممتدة ومتزايدة.
وقال مدير الموارد المائية في محافظة طرطوس، محمد محرز، لعنب بلدي، إن التقديرات تشير إلى تراجع غزارة نبع السن على الحدود الإدارية بين محافظتي طرطوس واللاذقية والذي يغذيهما، على سبيل المثال لا الحصر، لأكثر من 70% لغاية 23 من تموز الماضي لمثل هذه الفترة من عام 2024.
هذا التراجع انعكس سلبًا على واقع تزويد المياه من النبع، وبالتالي على المشهد الزراعي في الساحل السوري، كما في باقي مناطق البلاد.
الاستجرار غير المشروع يفاقم الأزمة
يتسبب الاستجرار غير المشروع للمياه بزيادة الأثر السلبي على المياه الجوفية والسطحية، ولا سيما أن البلاد تتعرض لمواسم جفاف متتالية، لعل أشدها موسم عام 2024، بحسب المهندس الزراعي وخبير فيزيولوجيا النبات وتأثيرات المناخ أنس رحمون.
وقال رحمون لعنب بلدي، إن الآبار السطحية أكثر حساسية للمواسم الجافة من الآبار الجوفية، لأنها تتغذى على مياه الأمطار، أما الجوفية فيكون تأثرها أضعف، لكن إذا استمر الجفاف ستُعطي الآبار الجوفية نتائج سلبية أيضًا.
وأشار رحمون إلى أن الحلول البديلة لاستجرار المياه من الآبار يكون بالعمل على خطط متوسطة وبعيدة المدى من قبل الحكومة والمنظمات على تقنية حصاد المياه، أي استغلال كل نقطة مطر تهطل في المناطق الساحلية، وبناء السدود وتجميع المياه في سدود وبحيرات صناعية.
ضعف كفاءة أنظمة الري
صدر قانون إلزامية التحول للري الحديث منذ سنوات، وبالرغم من “الدعم” الذي قدمته الوزارات المعنية لتشجيع الفلاحين نحو تبني طرق الري الحديثة، فإن الاستجابة لا تزال دون الطموح، ولعل المشكلة لا تكمن في طريقة الري بحد ذاتها وإنما بكفاءة استخدامها وصيانتها الدورية، فمهما كانت كفاءة طريقة الري فإنها تخضع للتدهور في حال عدم متابعتها وصيانتها، بحسب قرنفلة.
وأشار قرنفلة إلى انتشار أنظمة ري مختلفة في البلاد تتراوح بين الري التقليدي بالغمر وأنظمة الري الحديث المختلفة (الرذاذ، والتنقيط) وغيرها، وقد أثر الجفاف بشكل حاد على توفر الموارد المائية وشحها مما خفض كفاءة أنظمة الري التقليدية، وتعاني أنظمة الري الحديثة من سوء الصيانة مما أدى أيضًا إلى انخفاض كفاءتها بنسبة تتجاوز 60%.
تعاني أنظمة الري الحديثة من سوء الصيانة مما أدى إلى انخفاض كفاءتها بنسبة تتجاوز 60%.
المهندس عبد الرحمن قرنفلة
خبير في الشؤون الزراعية
وفي حالات الجفاف، من المرجح توقيف طرق الري بالغمر والتحول الحتمي للري الحديث، إضافة إلى ضرورة تركيب عدادات مياه على مآخذ الآبار لضبط كميات المياه المستجرّة وفق الاحتياج الفعلي للمحصول، قال قرنفلة.
والمطلوب تنفيذ صيانات عاجلة لجميع شبكات الري التي تعرضت لأضرار كبيرة خلال سنوات الحرب، كما يجب أن تقوم الوزارات المعنية بإعداد خطط لمعالجة هذا الأمر.
تغييرات في خريطة المحاصيل الزراعية
تراجع الموارد المائية يؤدي إلى تغيير الخطط الزراعية وتبديل في التركيب المحصولي وفق ما هو متاح من المياه، إذ شهدت الخطط الزراعية انحسارًا كبيرًا في المساحة المخططة لزراعة القطن وكذلك الشمندر السكري، بسبب تراجع الموارد المائية، مع التوجه نحو زراعة المحاصيل الأقل احتياجًا للمياه، بحسب الخبير بالشؤون الزراعية المهندس عبد الرحمن قرنفلة.
ويلجأ كثير من المزارعين إلى تأمين مورد مائي مستقر خاصة في حال انخفاض مناسيب مياه الأنهار، إذ يتم التوجه نحو المياه الجوفية وبشكل غير مرخص، وهذا يفاقم حدة مشكلة الجفاف ونتائجها على الأمن المائي والغذائي على المدى القريب والمتوسط.
ولفت قرنفلة إلى أن الخطط الزراعية التي تضعها وزارة الزراعة بالتعاون مع وزارة الطاقة (الموارد المائية سابقًا)، وجميع الجهات العاملة بالقطاع الزراعي، تعتمد على مدى توافر الموارد المائية، إذ إنه يتم تخفيض المساحات المخطط زراعتها بمحصول محدد حال الجفاف أو زراعة محصول آخر تتناسب احتياجاته المائية بما هو متوفر من مياه.
المحاصيل الاستراتيجية المتأثر الأكبر
تعتبر محاصيل الحبوب الرئيسة الشتوية (القمح، الشعير) من أكثر المحاصيل تأثرًا بتغير معدلات الهاطل المطري، إذ تعاني من عدم الإنبات أو توقف النمو أو تراجع الإنتاجية، وفقًا لزمن وكمية الهطول، كما أن العبرة ليست بكمية الأمطار إنما بتوزعها على مدار الموسم، وفق حاجة تطور ونمو النبات، ومن المرجح أن يتم التوجه إلى زراعة نباتات أقل احتياجًا للمياه.
وقال خبير الشؤون الزراعية عبد الرحمن قرنفلة، إنه بالرغم من بدء الموسم الزراعي لعام 2025 بكميات هطول مطري مقبولة في أيلول، فإنها تراجعت بشكل كبير مع بداية كانون الثاني، وانحبست في جميع المحافظات السورية، لتعاود الهطول خلال شباط وتتراجع خلال آذار، بحسب إحصائيات المديرية العامة للأرصاد الجوية.
وانخفضت معدلات الأمطار بنسبة تجاوزت 45% عن السنوات الماضية، ومعظم المساحات التي تمتد عليها مناطق الاستقرار الزراعي في سوريا باتت قاحلة أو شبه قاحلة، وفق بيانات الأرصاد الجوية.
المزارعون اضطروا لبيع محاصيل القمح البعلية لمربي المواشي لتعويض بعض خسائرهم، بينما لم يستطع بعض المزارعين “تضمين” محصولهم بسبب ضعف نموه، فبحسب المدير السابق للإنتاج العضوي ومدير نظام الإنذار المبكر عن الجفاف، محمد بحري، فإن نمو المحاصيل البعلية هذا الموسم ضعيف جدًا في أغلب المحافظات، ولا يمكن “تضمينه” أو الاستفادة منه.
ولا تقتصر معاناة المزارعين على الخسائر في الزراعة البعلية، فحتى الزراعة المروية تواجه صعوبات كبيرة بسبب نقص الموارد المائية وجفاف الآبار، واعتماد المزارعين على الاستجرار أو شراء المياه من الصهاريج.
ولدرء الخسارة، لجأ مزارعون إلى حفر آبار عشوائية أو استجرار الآبار، مما يعد حلًا غير مجدٍ على المدى الطويل، إذ يؤدي إلى استنزاف المياه الجوفية، في ظل تغير مناخي سيصاعد أزمة الجفاف عالميًا مستقبلًا.
أصناف جديدة وخطط حسب المتاح
تراجع الزراعة البعلية ونقص الموارد المائية أجبر العديد من المزارعين على تغيير هوية المحاصيل، إذ زرعوا محاصيل مروية، بالإضافة إلى تقليص الزراعات التي تستهلك كميات كبيرة من المياه في بعض المناطق، وظهور زراعات جديدة تتناسب مع الموارد المتاحة في مناطق أخرى، الأمر الذي منح شكلًا جديدًا للخريطة الزراعية محليًا، وزاد من أزمة المياه، في الوقت نفسه، بحسب المهندس الزراعي وخبير فيزيولوجيا النبات وتأثيرات المناخ أنس رحمون.
تراجع الزراعة البعلية ونقص الموارد المائية أجبر العديد من المزارعين على تغيير هوية المحاصيل، الأمر الذي منح شكلًا جديدًا للخريطة الزراعية محليًا، وزاد من أزمة المياه، في الوقت نفسه.
أنس رحمون
مهندس زراعي وخبير فيزيولوجيا النبات وتأثيرات المناخ
رحمون قال لعنب بلدي، إن الأمر لا يتعلق بالخريطة الزراعية للمناطق بقدر ما يتعلق بالخطط الاستراتيجية التي يجب أن يعمل بها، بحيث تُزرع المحاصيل في المناطق التي تتناسب معها بيئيًا.
تغيير هوية المحاصيل الذي يتم عن طريق أعمال فردية، أو أحيانًا كتجارب، مثل زراعة الأشجار البالونية الاستوائية، تكمن خطورته بإدخال أصناف زراعية غريبة تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه ولا تتوافق مع البيئة السورية، بحسب رحمون.
40% من الأراضي لم تُزرع
الخبير الاقتصادي الدكتور علي محمد، قال لعنب بلدي، إن هناك 40% من الأراضي الصالحة للزراعة والمخطط لزراعتها لم تُزرع هذا الموسم، بحسب تقارير، ما يعني انخفاض الإنتاج الزراعي بجميع أشكاله سواء الزراعية الأساسية (القمح، الشعير، وغيرهما) أو الأشجار المثمرة، والمزروعات الموسمية التي تتطلب كميات كبيرة من المياه.
وتابع محمد أن هذا العام نشهد حرائق، وهي لا تعد جديدة على الواقع السوري، فمنذ عام 2010 هناك حرائق تحصل دوريًا في فصل الصيف، والتهمت هذه السنة مئات الآلاف من الهكتارات، بينها أراضٍ حرجية ومثمرة ومزروعات استهلاكية.
منذ عام 2010 هناك حرائق تحصل دوريًا في فصل الصيف، والتهمت هذه السنة مئات الآلاف من الهكتارات، بينها أراضٍ حرجية ومثمرة ومزروعات استهلاكية.
الدكتور علي محمد
خبير اقتصادي سوري
وأوضح محمد أن “أكثر من مليون شجرة زيتون احترقت”، أي ما يعادل أكثر من 10% من زيتون سوريا، وهذا يؤدي إلى انخفاض في إنتاج زيت المائدة، إضافة إلى انخفاض في شتى أنواع الحمضيات، كل هذه العوامل تؤدي إلى انخفاض الإنتاج الزراعي.
ينفذ الهلال الأحمر السوري مشاريع طارئة مؤقتة بتركيب خزانات مياه لاستيعاب عودة النازحين في قرية الحويجة بريف حماة – 27 نيسان 2025 (الهلال الأحمر/ فيسبوك)
نقص في الإنتاج الزراعي.. ما الحلول؟
شح المياه مع الحرائق التي حدثت أدى إلى انخفاض كمية المياه الموجهة للزراعة، وبالتالي انخفض حجم الإنتاج الزراعي، خاصة الزراعات التي تتطلب السقاية بشكل دائم، بحسب الخبير الاقتصادي الدكتور علي محمد.
ويرى الخبير أن تراجع الإنتاج الزراعي سيؤدي إلى انخفاض العرض من المنتجات الزراعية مقابل الطلب المستقر أو المرتفع، وسينتج عنه ارتفاع بالأسعار، مع وجود ما يقدّر بنحو 16 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الزراعي، وبقاء الوضع الاقتصادي على ما هو عليه، وفي حال تم الاستيراد سيكون بتكلفة أكبر.
الاستيراد “حل مؤقت”
بالنظر إلى الظروف المتشابكة، يكون الاستيراد هو أحد الحلول لمواجهة النقص في المعروض الغذائي، وفق الخبير الاقتصادي الدكتور علي محمد، متمنيًا أن يكون حلًا مؤقتًا ريثما تكون هناك استراتيجية كاملة لدعم الإنتاج الزراعي وقطاع الزراعة بشكل عام، لأنه يمثل نسبة مهمة من الناتج المحلي الإجمالي ويحقق الأمن الغذائي للسوريين.
كما بيّن محمد أن النقص في المعروض الغذائي لا بد أن يُملأ خلال فترة زمنية قصيرة، وتكون هناك سلاسة في الاستيراد لتقليل المدة ووصول المنتجات التي يجب استيرادها في الوقت الملائم، بحيث لا يحدث أي طفرة في الأسواق أو ارتفاع بالأسعار، بل على العكس يبقى السوق في حالة من التوازن.
وبحسب الخبير الاقتصادي، فإن القطاع الزراعي في سوريا يشكل نسبة لا بأس فيها من الناتج المحلي الإجمالي، فمنذ سبعينيات القرن الماضي لغاية اليوم، تتراوح هذه النسبة بين الثلث والربع من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي في بعض الفترات ربما وصلت إلى 30% من الناتج المحلي، أما في التسعينيات فربما وصلت إلى 33%، وتراجعت في عام 2007 إلى 17% فقط.
ويرجع ذلك إلى أزمات الجفاف المتتالية ومن ثم الحرب السورية، إذ كان هناك تراجع في جميع القطاعات المشكّلة للناتج المحلي الإجمالي، مشيرًا إلى أن القطاع الزراعي ربما حافظ على 20-30% من مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، لكن هذا لا يعني أنه مستقر، لكن تراجع القطاعات الأُخرى أسهم بهذا الأمر، وهذا لا يعتبر مؤشرًا مهمًا لأن الناتج الإجمالي مشوّه في الوقت الحالي.
وحول التحديات الزراعية التي تتأثر بها سوريا، قال محمد، إن هناك تحديين أساسيين هما الجفاف والحرائق، إضافة إلى تراجع نسبة العاملين في القطاع الزراعي، وبالتالي تراجع المساحات المزروعة والمخطط لها، ما يؤدي إلى تراجع القطاع بشكل عام.
هناك تحديان أساسيان هما الجفاف والحرائق، إضافة إلى تراجع نسبة العاملين في القطاع الزراعي، وبالتالي تراجع المساحات المزروعة والمخطط لها، ما يؤدي إلى تراجع القطاع بشكل عام.
الدكتور علي محمد
خبير اقتصادي سوري
كما أن التوسع العمراني بالمناطق الزراعية يعد من التحديات أيضًا، للإسكان على حساب المساحات الزراعية، وغياب الخطط المتكاملة للزراعة والإنتاج والتسويق والبيع والتصدير والاستيراد، بحسب محمد.
زراعة مقاومة للجفاف
ملف الزراعات المقاومة للجفاف يجب أن تكون له استراتيجية زراعية متكاملة، تراعي احتياجات السوق المحلية، ويجب أن يكون هناك تركيز على الزراعات الأساسية التي تشكل جزءًا من أمن الغذاء السوري، وفق الخبير الاقتصادي الدكتور علي محمد.
ويجب أن نعلم كم هي حاجاتنا من هذه الزراعات، وربما هناك ما يفوق الحاجة ويدعم التصدير، بحيث نستورد من القيم المصدّرة ما نحتاج إليه من زراعات أخرى أكثر استهلاكًا للمياه بما يحقق التوازن، وهذا ما يستوجب تثقيف المزارعين وتصميم بنى تحتية زراعية تخفف من استهلاك المياه.
مقترحات لإدارة الأزمة
اعتبر الدكتور معن دانيال داود، المفاوض المائي واختصاصي العلوم التقنية والمنشآت المائية، في حديث إلى عنب بلدي، أن العامل الأكبر في أزمة الموارد المائية محليًا يعود إلى سوء مزمن طويل الأمد في إدارة واستخدام المورد المائي الوطني مكانيًا.
سوء الإدارة هذا، بحسب داود، يرتكز على نظرة شعبوية غير علمية وغير منطقية إلى المورد الطبيعي باعتباره ثروة شخصية يمكن التصرف بها دون ضوابط محددة أو قيود تمنع تجاوز قيم بعينها.
ويرى داود أن هذه النظرة الإدارية تنعكس في نتائج بعيدة كل البعد عن أبسط المعايير البيئية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية المحددة للاستخدامات كمًا ونوعًا، إذ تم ويتم تخصيص الموارد المائية ضمن آليات ومنهجيات تبتعد بالموارد عن العائد الأمثل لتخصيصها، ثم لاستخدامها.
وتُستنزف المصادر المائية محليًا، وفق الأكاديمي، لتحقيق أرباح بسيطة ومجحفة آنية الطابع مقابل تكاليف اقتصادية وبيئية تالية ستكون منعكساتها الاجتماعية كارثية لاحقًا.
وعن الخطوات نحو الحلول، اقترح الدكتور المحاضر في المعهد العالي للتخطيط الإقليمي، معن دانيال داود، عددًا من الخطوات بينها:
- اعتماد الهوية الاقتصادية لأقاليم سوريا التنموية ومناطق النشاطات البشرية المختلفة فيها، وهي تُحدد حسب أحواضها المائية الثانوية والصغرى ومكونات النشاطات البشرية الرئيسة فيها، وإشهار العوائد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لتلك النشاطات.
- وضع الموارد المائية المتاحة للاستخدامات المختلفة والتي تتطلبها احتياجات النشاطات المأمولة، والزراعة ضمنها، وفق أولويتها التي تتدنى تدريجيًا مقارنة بأولويات استخدامات أخرى، مثل: توليد الطاقة، تأمين مياه الشرب سقاية المواشي، الخدمات الحضرية، النشاطات الصناعية، وغيرها.
- اعتماد آليات التخطيط الاقتصادي الوطنية، كأحد أهم الحلول للخروج من هذه الأزمات، والتي قد لا تكون مركزية الطابع أو مرتبطة بنمط أيديولوجي اقتصادي بعينه، وأدوات وأولويات تحقيق نتائج اقتصادية مؤهلة للحصول على قيم مضافة وعوائد تحقق متطلبات توفير الغذاء فرديًا ومجتمعيًا، مكانيًا ووطنيًا.
- أهمية التشاركية الفعلية في اتخاذ القرار التخطيطي مع المجتمعات المستهدفة به وفق القانون ساري المفعول، في أثناء طرح البدائل المختلفة بقطاع المياه وتقييم إمكانيات استخدامها، بالإضافة إلى عدم التخطيط لاستخدامات الموارد المائية بعجز تخطيطي أساسًا عند تحديد الموارد المطلوبة لتنفيذ تلك الخطط.
وبيّن داود أن البدائل القابلة للتحقيق تحقق علميًا الإجابة عن مسائل تخطيطية مرتبطة بنشاطات عقلانية مستدامة للمجتمع السوري مكانيًا ضمن المحددات التي تفرزها القضايا السابقة.
وأوضح أنه من حيث المبدأ، يكون لتراجع كميات الموارد المائية المتاحة، على مستوى الحوض المائي، الدور الرئيس في تحديد البدائل سواء تخطيطيًا أو تقانيًا، إذ يُلقي انخفاض الموارد المائية المتاحة الحتمي خلال السنوات المقبلة بظلاله على أولويات تخصيص الموارد التي تتناقص باستمرار، وهذا سينعكس على مفهومنا المستقبلي للزراعة التي اعتمدناها تقليديًا، بحسب داود.
توجه نحو الإنتاج الحيواني الطابع وإعادة التدوير
ستتوجه النشاطات الزراعية، وفق داود، نحو الإنتاج الحيواني الطابع، وتبتعد عن الإنتاج النباتي (مرويًا أو مطريًا)، إذ تزيد العائدات المادية والبيئية للإنتاج الحيواني الكفء بحوالي 8-12 مرة على الإنتاج النباتي بالنسبة لواحدة المورد المائي المستخدم.
وذكر داود أن الإنتاج النباتي (في الزراعة المروية أساسًا) هو النشاط البشري الأولي الرئيس، والمتاح حاليًا لاستيعاب مؤقت للعمالة الفائضة وطنيًا، في مرحلة الخروج من الأزمة الوطنية بعد حرب استمرت لعقود، وهو الذي يمكن فيه باستمرار استخدام نوعيات مختلفة للموارد المائية ضمن شروط ومحددات مرتبطة بالنوع النباتي، وتكرارية استخدام المورد، والبيئة المعنية، ونمط النشاط.
وينصح الخبير داود، لسد جانب من النقص، باستخدام المياه المعالجة الناجمة عن إعادة تدوير وإصحاح المياه الحضرية/المدينية والصناعية، التي استُخدمت سابقًا في تحقيق إنتاج زراعي نباتي لأغراض صناعية أو إنتاجية مقيدة، أو لأغراض الإصحاح البيئي للمياه والمورد الطبيعي.
ويأتي ضمن هذين الهدفين، بحسب داود، إنتاج الأعلاف الأولي لاستخدامها بعد تقييمها ومعالجتها ضمن السلسلة الغذائية للبشر لاحقًا.
أعطى داود مثالًا، بأنه عند تخصيص الموارد المائية في منطقة قليلة الموارد (حوض بردى مثلًا) لمصلحة تأمين مياه الشرب والاستخدامات الحضرية/المدينية، والخدمات لتجمع سكني من 10,000 وحدة سكنية (ما يقارب 47,000 ساكن)، فإن الموارد المائية المطلوبة للشرب والخدمات المدينية تقارب 1.6-1.85 مليون متر مكعب في السنة.
وتابع داود أن حوالي 1.0-1.2 مليون متر مكعب من المياه يعود في شبكات الصرف المدينية، وهي تكفي بعد معالجتها (الأولية والثانوية) لري حوالي 250-400 هكتار من الحراج والمروج وزراعات الأعلاف البقولية، أو حوالي 200-220 هكتارًا من حقول الخضراوات المقيّدة (التي لا تُؤكل نيئة).
ويُمكن لمياه الصرف الزراعي الناتجة، وفق داود، أن تغذي المياه الجوفية في المنطقة بحوالي 200-230 ألف متر مكعب من المياه المنصرفة، وفق مواصفات إطلاق المياه في المجاري المائية العامة.
عامل يرش محصول الرمان بالمبيدات الزراعية في قرية العجمي في ريف درعا-19 نيسان 2025 (عنب بلدي/محجوب الحشيش)
ماذا عن الاستجابة الحكومية للأزمة؟
مدير عام الهيئة العامة للموارد المائية التابعة لوزارة الطاقة في سوريا، المهندس أحمد كوان، كشف لعنب بلدي، أنه يجري العمل على إعادة صياغة قانون التشريع المائي رقم 31 لعام 2005، إذ يتم تعديل بند العقوبات لتتلاءم مع الواقع الحالي من تجاوزات وتعديات على المصادر المائية السطحية والجوفية.
واعتبر كوان أن قانون التشريع المائي الجديد سيكون رادعًا لكل من تسول له نفسه التعدّي على المياه بطرق غير مشروعة ومنها حفر الآبار.
وبيّن كوان أن القطاع الأساسي المستهلك للمياه محليًا هو القطاع الزراعي، إذ يستهلك حوالي 88% من الموارد المائية، وفق ما تُشير إليه المعطيات، بالمقارنة مع 9% للشرب و3% للقطاعات الأُخرى.
القطاع الأساسي المستهلك للمياه محليًا هو القطاع الزراعي، إذ يستهلك حوالي 88% من الموارد المائية، وفق ما تُشير إليه المعطيات، بالمقارنة مع 9% للشرب و3% للقطاعات الأُخرى.
المهندس أحمد كوان
مدير عام الهيئة العامة للموارد المائية في وزارة الطاقة السورية
وفي ردّه بشأن الإجراءات الحكومية للتعاطي مع أزمة الري الحالية وانعكاساتها، قال كوان، إن هيئة الموارد المائية تقوم بالمشاركة في إعداد خطة زراعية، في إطار التوجه الحكومي نحو ترشيد استخدام المياه بالشكل الأمثل، مبينًا أنها مبنية على الموارد المائية المتاحة، وعلى ضوء الهطولات الواردة في الموسم وتخزين السدود.
وذكر المهندس كوان، أنهم يعملون على التوجه بالخطط الزراعية نحو الزراعات الملائمة لظروف وندرة الموارد المائية المتاحة، أي الزراعات التي تحتاج إلى مياه أقل وذات عائد اقتصادي جيد، إضافة إلى التشجيع على الزراعات المطرية (البعلية) ونشر تقنيات حصاد مياه الأمطار.
وبحسب كوان، فإن تأمين مصادر بديلة عن طريق معالجة مياه الصرف الصحي والصناعي قبل صرفها إلى المجاري المائية، وذلك بهدف استخدامها في الري الزراعي كمصدر إضافي وحماية الموارد المائية من التلوث، هو أحد الحلول التي يتم العمل عليها.
كما أن التحول إلى منظومة الري الحديث، الذي يوفر حوالي 50% من مياه الري مقارنة بأساليب الري التقليدي، ويرفع كفاءة الاستخدام إلى حوالي 90%، هو من بين الإجراءات المتخذة للاستجابة لموجات الجفاف، وفق المدير العام.
ولفت كوان إلى أهمية نشر ثقافة الري الجماعي والتشاركية في مجال استخدام المياه، وتشجيع العمل الجماعي عن طريق تشكيل جمعيات مستخدمي المياه، بهدف الاستخدام التشاركي الأمثل للموارد المائية بشكل فعال، بما يضمن رفع كفاءة استخدام المياه ومراقبة كميات المياه المستجرّة وتركيب شبكات الري الحديث، من خلال تفعيل عمل مجالس إدارة الجمعيات بالتنسيق والإشراف من قبل مديريات الموارد المائية.
وأكد كوان أنه يجري التعامل مع الحفر العشوائي، الذي يؤثر سلبًا على مخزون المياه الجوفية، من خلال الضوابط المائية في المحافظات، إذ يتم ردم الآبار المحفورة بشكل مخالف ومصادرة الحفارات المخالفة وتنظيم الضبوط العدلية وإحالة المخالفين إلى القضاء، للحد من حفر الآبار بشكل عشوائي، بالتالي الحد من استثمار الحوامل المائية التي تعاني من استنزاف دائم.
وعن خطط “الموارد المائية” على المدى المتوسط والبعيد لتلافي انعكاسات أزمات الجفاف ومشكلات الري مستقبلًا وتحقيق الاستقرار المائي للمزارعين، قال كوان، إن هناك عددًا من مشاريع حصاد المياه، للاستفادة من كل قطرة تهطل، بحسب قوله، سواء ببناء السدود أو السدات المائية والخزانات.
وتابع أن “الهيئة” تقوم حاليًا بتنفيذ عدد من السدود (برادون باللاذقية، وادي الأبيض بإدلب، السخابة باللاذقية، سدا أفاميا C,B بحماة، خان طومان بحلب، المويلح بإدلب، فاقي حسن باللاذقية، البلوطة بطرطوس)، بالإضافة إلى عدد من السدات المائية والخزانات في كل من طرطوس وحماة وحمص، كما جرى تنفيذ عدد من السدات والخزانات في السويداء.
وأضاف كوان أن هناك دراسات جاهزة لتنفيذ عدد من السدود والسدات المائية والخزانات في مختلف المحافظات.
وأشار المدير العام للموارد المائية إلى أنه يتم العمل على تفعيل الدراسات السابقة حول جر الفائض من مياه الساحل إلى محافظة دمشق وصولًا إلى المحافظات الجنوبية درعا والسويداء، وكذلك جر مياه الفرات إلى تدمر وحسياء وصولًا إلى بحيرة قطينة.
وتحدث كوان، لعنب بلدي، عن عدد من الاتفاقيات مع دول الجوار، كاتفاقية مع الأردن لتقاسم مياه حوض اليرموك، واتفاقية مع لبنان لتقاسم مياه نهر العاصي ونهر الكبير الجنوبي، واتفاقيات أخرى مع العراق وتركيا لتقاسم مياه نهري دجلة والفرات.
وتتابع هذه الاتفاقيات عن طريق اللجان المشتركة بين الدول، وقد جرى مؤخرًا إعادة تشكيل اللجنة السورية- الأردنية المشتركة، وبدأت بزيارة وزير الطاقة السوري إلى الأردن، تبعها تبادل زيارات من قبل اللجنة الفنية، وفق كوان، مؤكدًا متابعة العمل على تفعيل كل اللجان المشتركة للحصول على حصة سوريا العادلة من المياه المشتركة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :