عاملون على دراجات نارية يتجمعون في مدينة رأس العين - 5 آب 2025 (عنب بلدي)
دراجات نارية لنقل الركاب شمالي سوريا.. فرصة عمل وتوفير
لا يخفى على المتجولين في شوارع مدينتي تل أبيض ورأس العين، شمالي سوريا، مشهد الدراجات النارية وهي تتجمع أمام نقاط انطلاقها منذ ساعات الصباح الباكر، حيث يقف سائقوها بانتظار زبون يطلب التوصيل أو نقل بضائع.
ويعتمد السائقون على أجور بسيطة تتفاوت بحسب المسافة، إلا أن ما يجنونه في نهاية اليوم بالكاد يكفي لشراء الخبز وبعض الاحتياجات الضرورية.
مصدر دخل
مع غياب فرص العمل في المدينتين المحاصرتين، وتدهور الوضع الاقتصادي، تحولت الدراجات النارية بالنسبة لكثير من سكان تل أبيض ورأس العين إلى مصدر دخل أساسي لا غنى عنه لتوفير احتياجات الحياة اليومية لأسرهم.
بعد تخرج عماد كرم (25 عامًا) في كلية العلوم السياسية بدمشق، كان يأمل أن يجد وظيفة مناسبة في تل أبيض ليبدأ حياته المهنية.
وبعد بحث طويل استمر لأكثر من سنة ونصف، لم يجد عماد أي فرصة عمل تناسب تخصصه أو تطلعاته.
عماد، كان يعتقد أن شهادته ستفتح له أبواب العمل، لكنه اصطدم بواقع مختلف تمامًا، حيث ارتفعت معدلات البطالة وتضاءلت فرص العمل المناسبة للمتخرجين مثله، ما اضطره إلى العمل على الدراجة النارية لتأمين مصروفه اليومي واحتياجات أسرته، إذ هو العائل الوحيد لأبيه.
وأشار إلى أن العمل على الدراجة النارية، رغم صعوبته ومخاطره، كان الخيار الوحيد المتاح له لتأمين حاجات العائلة.
ويعتمد عرمان العامر، البالغ من العمر 42 عامًا، على العمل بالدراجة النارية بعدما كان يعمل في مجال الزراعة كفلاح.
ترك عرمان الزراعة منذ ثلاث سنوات بسبب دخلها الضعيف الذي لا يغطي المصاريف الأساسية لعائلته المكونة من ستة أفراد.
وذكر أن العمل على الدراجة النارية، رغم صعوبته ومشقته، يوفر له دخلًا يوميًا ثابتًا يعيل به عائلته، عكس الزراعة التي كانت تعتمد على المواسم، ولا تدر دخلًا ثابتًا، مما كان يضعه في مواجهة مستمرة مع الأعباء المالية.
وأشار إلى أن الاعتماد على الدراجة النارية كان الخيار الوحيد المتاح له لتأمين لقمة العيش في ظل تراجع فرص العمل الزراعي وارتفاع تكاليف الحياة.
أعرب عرمان عن أمله في تحسين الظروف الاقتصادية ليتمكن من العودة إلى حياته الطبيعية وتوفير حياة أفضل لأسرته.
أرخص من سيارات الأجرة
لم يستأجر فراس الحمدو، من مدينة رأس العين، سيارة أجرة منذ أكثر من عام، وذلك بسبب الفروقات الكبيرة بين تكاليف السيارة والدراجة النارية، حيث يدفع الشخص نحو 25,000 ليرة (نحو 2.3 دولار)، للتنقل ضمن المدينة باستخدام سيارات الأجرة، بينما تبلغ أجرة الدراجة 10,000 ليرة كحد أقصى.
وأوضح فراس أنه لا يستأجر سيارات الأجرة إلا في حالات الضرورة، مثل المرض أو وجود عائلته معه، لعدم قدرته على تحمل تكاليفها الباهظة، ويعتمد في تنقلاته اليومية على الدراجة، لما توفره من تكلفة أقل وسرعة أكبر في الوصول إلى وجهته.
وذكر أن الاعتماد على الدراجة أصبح ضرورة يومية لكثير من سكان المدينة، خصوصًا في ظل ارتفاع الأسعار وضعف القدرة على تغطية تكاليف سيارات الأجرة، ما يجعل الدراجة الخيار اقتصاديًا لتأمين التنقل اليومي دون أعباء مالية كبيرة.
وبحسب رصد مراسل عنب بلدي، تصل تكلفة النقل بالدراجة النارية بين مدينة رأس العين وبلدة تل حلف التي تبعد عنها نحو أربعة كيلومترات إلى 20,000 ليرة (أقل من دولارين)، بينما تصل تكلفة سيارة “التاكسي” إلى 55,000 ليرة، أي أكثر من خمسة دولارات.
وتبدأ تكلفة النقل عبر الدراجة النارية داخل المدينة من 10,000 ليرة، مقابل 25,000 ليرة للسيارة.
تنافس سيارات الأجرة
في المقابل، يعارض سائقو سيارات الأجرة في تل أبيض ورأس العين اعتماد الدراجات النارية كوسيلة رئيسة للنقل، لأنها تأخذ فرص عملهم وتقلص مصادر رزقهم بشكل كبير، مما دفع العديد منهم إلى فقدان دخلهم الأساسي.
واعتبروا أن انتشار الدراجات النارية يؤدي إلى تدهور النظام المروري وارتفاع احتمالات الحوادث، بالإضافة إلى تقليل فرص عملهم بشكل كبير وسط غياب القوانين التي تنظم عمل العاملين على هذه الدراجات.
صاحب عدة سيارات أجرة في تل أبيض ورأس العين، حمزة الكيلان، قال لعنب بلدي، إن انتشار الدراجات النارية أصبح يشكل “سرقة واضحة” لرزق سائقي سيارات الأجرة، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرون بها.
وأوضح حمزة أن ارتفاع تكاليف الوقود والصيانة، إلى جانب المنافسة غير العادلة من الدراجات النارية، قلّص فرص عمل السائقين بشكل كبير، مما يهدد مصدر دخلهم الأساسي.
وقال إن تفضيل الزبائن للدراجات النارية بسبب سرعتها وانخفاض تكاليفها، إلى جانب غياب القوانين المنظمة، يزيد من معاناتهم ويعمق الأزمة التي يواجهونها.
وأشار إلى أن الوضع أصبح “لا يُحتمل”، مطالبًا الجهات المعنية بوضع ضوابط صارمة تحمي مهنتهم وتحافظ على حقوقهم ومصدر عيشهم.
سعي لتنظيم عملها
تتعامل المجالس المحلية في المنطقتين بحذر مع قضية الدراجات النارية، باعتبارها مصدر دخل لعدد كبير من الأشخاص الذين يعتمدون عليها في معيشتهم اليومية، لذلك تسعى لوضع قواعد تنظم عملها بما يوازن بين حماية الدخل وضمان النظام المروري.
المتحدث الرسمي باسم المجلس المحلي في رأس العين، زياد ملكي، قال لعنب بلدي، إن المجلس يتعامل بجدية مع تراجع فرص العمل لأصحاب سيارات الأجرة بسبب تزايد استخدام الدراجات النارية.
وأوضح أن هذه الظاهرة أثرت بشكل مباشر على دخل العديد من العاملين في قطاع النقل.
وأضاف أن المجلس يسعى لوضع قوانين وتنظيمات تنظم عمل الدراجات النارية، بهدف حماية حقوق جميع العاملين وتحقيق توازن بين مختلف وسائل النقل في المنطقة.
وأوضح أن أي إجراءات صارمة لإيقاف عمل الدراجات النارية قد تؤدي إلى قطع مصدر دخل لعشرات الأشخاص الذين يعتمدون عليها، لذا يتم التعامل مع الموضوع بحذر لتفادي تفاقم الأوضاع الاقتصادية.
وأشار إلى أن المجلس يركز على تحسين الوضع المعيشي للسكان عبر دعم القطاعات المتضررة وتوفير فرص عمل بديلة، مؤكدًا أن تنظيم حركة النقل جزء أساسي من الجهود الرامية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في رأس العين.
تقع مدينتا رأس العين وتل أبيض بمحاذاة الحدود التركية، وتعتبر تركيا منفذهما الوحيد، وتسيطر عليهما الحكومة السورية، بينما تحيط بهما جبهات قتال باردة مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
“موت متنقل”
سجلت مدينتا رأس العين وتل أبيض منذ عام 2019 وقوع 15 عملية قتل استُخدمت الدراجات النارية لتنفيذها، واستهدفت مدنيين وعناصر من المؤسسات العسكرية في المنطقتين، ووصف سكان هذه الحوادث بـ”الموت المتنقل”.
ومكّن استخدام الدراجات النارية المنفذين من التنقل بسرعة والفرار بسهولة، مما صعّب على الجهات الأمنية ضبطهم وملاحقتهم.
وتزايدت المخاوف الأمنية نتيجة هذه الحوادث، حيث طالب السكان بزيادة الإجراءات الأمنية وتشديد الرقابة للحد من استغلال الدراجات النارية في أعمال العنف.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :