تعتبر مواقع التواصل الاجتماعي والمعارف أدوات رئيسة لترويج بيع "الكونكريت" في إدلب - آب 2025 (عنب بلدي/ سماح علوش)
”الكونكريت”.. فرصة لنساء إدلب لمواجهة أعباء المعيشة
إدلب – سماح علوش
وسط تحديات كثيرة تعيشها السيدات في سوريا بين الانخراط في المجتمع المحيط، وتأمين مصدر دخل إضافي لمواجهة الصعوبات المعيشية التي يعاني منها معظم السوريين من إيجارات ومصاريف أخرى، وجدت إيمان الخطيب نفسها في صناعة الأشغال اليدوية وقررت العمل من المنزل بصناعة قطع فنية تُدعى “الكونكريت” لتتمكن من مساعدة زوجها وعائلتها لتأمين متطلبات المعيشة.
واستطاعت نساء سوريات، خلال سنوات الحرب الماضية، النجاح بكثير من الأعمال، رغم الصعوبات التي واجهتهن من تهجير ونزوح وفقدان لممتلكاتهن ومصدر دخلهن، فكان العمل من المنزل مقصدهن في ظل الانفتاح على العالم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، التي كان لها الدور الأبرز بانتشار أعمالهن والترويج لها.
ما “الكونكريت”
أوضحت إيمان لعنب بلدي، أن “الكونكريت” هو قطع فنية تستخدم للزينة بأشكال وأحجام مختلفة، وتصنع بخلط عدة مواد بنسب محددة مع بعضها لتشكل هذه القطع.
ومن المواد المستخدمة “بودرة الخرسانة”، وهي مادة تستخدم لصناعة الديكورات والتحف الفنية، إضافة إلى الأسمنت الأبيض والرمل الناعم ومسحوق الرخام والألوان، ثم يضاف إليه الماء لخلط المزيج، ويسكب ضمن قوالب من “السيليكون” المخصص له.
وبعد تصلب المزيج يصبح جاهزًا لإزالته من القالب ودهنه بـ”الورنيش”، وهي المادة التي تعطي اللمعة للقطعة وتحافظ عليها، بالإضافة إلى “الجهاز الرجاج” الذي يعمل على إفراغ الفقاعات من القطع لتصبح أقسى ولا تتعرض للكسر بسهولة.
إيمان مهجرة من بلدة كفرنبل في ريف إدلب الجنوبي، قررت العمل بـ”الكونكريت” بعد سقوط النظام، إذ وجدت طلبًا عليه في الأسواق، فكان خيارها، باعتباره سهل الصنع والتشكيل، ومواده متوفرة في الأسواق دائمًا.
يعمل زوجها محاسبًا في إحدى الشركات بمدينة إدلب، بأجر لا يتجاوز 250 دولارًا، ومنذ سقوط النظام السوري السابق، ضاعف صاحب البيت الإيجار من 100 إلى 200 دولار، ما شكّل لديها دافعًا للعمل والإصرار على النجاح.
عدلة الحسين، مهجرة أيضًا من مدينة حلب وتقيم في إدلب، كان لها رأي مختلف، فعملها في فن صناعة قطع “الكونكريت” جاء من حبها للحرف والأشغال اليدوية، حيث بدأت بإعادة تدوير أشياء قديمة ليست ذات قيمة لتصنع منها تحفًا فنية بعد تشكيلها وتلوينها.
هدف عدلة ليس جني المال، بل الاستمتاع بالعمل، “لأن ما يُصنع بحب يكون دائمًا أجمل”، وفق تعبيرها، حيث تعلمت صناعة “الكونكريت” من خلال مشاهدتها لمقاطع مصورة تعليمية على منصة “يوتيوب”، وتجربتها لأكثر من مرة لتتعلم النسب اللازمة للخلط، بالإضافة إلى تجنبها الأخطاء الشائعة، “كدهن الورنيش قبل حف القطعة وتمليسها لتكون ذات مظهر أنيق”.
أسعار مقبولة والتسويق أساسي
ترتبط أسعار قطع “الكونكريت” بحجم القطعة و”الإكسسوارات” والرسومات، لكنها بشكل عام تعتبر رخيصة ومناسبة للهدايا.
ورغم أن العمل بـ”الكونكريت” ليس مكلفًا كغيره من الفنون كـ”الريزن”، فإن العمل به يتطلب وجود كمية من القوالب لترضي وتلبي جميع الأذواق، وفق تعبير عدلة، وتعتبر أسعارها مرتفعة مقارنة بأسعار المواد، إذ تبدأ من ثلاثة دولارات للقوالب الصغيرة وقد تصل حتى 25 دولارًا.
هلا عبيد، وهي تعمل بفن “الكونكريت” لتأمين تكاليف جامعتها، قالت إن موسم الصيف تنشط فيه الأفراح والمناسبات من أعراس وولادات بالإضافة إلى النجاح في الشهادتين الإعدادية والثانوية، فيكثر الطلب والتواصي على قطع “الكونكريت”، باعتبارها توثق اللحظات بأشكالها الملائمة لكل مناسبة مع كتابة التاريخ عليها.
ويعتمد التسويق للأشغال اليدوية بالدرجة الأولى على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وبحسب هلا عبيد، فإن تحقيق دخل كافٍ يعتمد على التسويق الجيد، والتصوير الاحترافي الذي يظهر جمال كل قطعة.
بالمقابل، تعتمد عدلة في الترويج على علاقاتها الاجتماعية من أصدقاء ومعارف وجيران، ورغم أنها لم تنشئ صفحة خاصة بأعمالها فإنها تعتبر الإقبال جيدًا.
لا تخلو من صعوبات
تتعرض القوالب في أثناء العمل للتلف أحيانًا، ما يضطرها لشراء قوالب جديدة عن طريق الطلب من تركيا، وقد يتأخر وصولها لأكثر من أسبوعين.
كما تواجه العاملات في “الكونكريت” أيضًا مشكلات أخرى، كتخصيص مكان للعمل به بعيدًا عن الأطفال، كي لا تتعرض القطع للكسر أو التهشيم، وهذا يتطلب مساحة إضافية في المنزل بعضهن يعجز عن تأمينها.
وقالت المدربة فاطمة الزيدان، العاملة في مجال دعم وتمكين المرأة وتطوير الأعمال، إنه لوحظ مؤخرًا توجه كبير من النساء للعمل بـ”الكونكريت”، لأن النساء قادرات على اتخاذها كمهنة منزلية وفيها “فن وإبداع”، فضلًا عن الأرباح الموجودة ضمن هذه المهنة.
ووجهت الزيدان نصائح للنساء ليتمكنّ من الاستمرار، أهمها التركيز على موضوع جودة المنتج والتميز من خلال منتجات فريدة أو لمسة مميزة، بالإضافة إلى حساب التكاليف بدقة كي لا يقعن في الخسارة، وهو أمر يركز عليه مطورو الأعمال بالتدريبات التي يقدمونها للنساء لأنه أساس الاستمرار، والحفاظ على التدفقات النقدية ضمن المشروع.
والملاحظة الأهم، برأي الزيدان، التركيز على التسويق من خلال منصات التواصل الاجتماعي (فيسبوك، واتساب، إنستجرام…) باعتبار أن التسويق من خلال هذه المنصات سهل ولا يستلزم تكاليف إضافية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :