تعا تفرج
الشعب الحلبي العنيد
خطيب بدلة
استخدم الأخَوان الرحباني، في أغنية “بحبك يا لبنان”، مصطلح “الشعب العنيد”. ومع أن العناد صفة سلبية، فإنه، عند الرحابنة، يشير إلى تمسك الشعب بكرامته، وبدولته، وبتلاحمه.
يمكننا، هنا، طرح سؤال: لماذا أصر نظام الأسد، على تسمية فريق كرة القدم الحلبي، “الاتحاد”؟ وهل رضخ شعب حلب للتسمية؟ الجواب: لا، والذين تابعوا مباريات هذا الفريق، لم يسمعوا من جمهوره سوى هتاف: أهلي، أهلي.. ومما هو شائع، عن أهل حلب، أنهم يحولون حرف القاف، إلى همزة، ويخرجونه من الحلق، وعندما يتمازحون يقولون: كلامنا “قَبَا”. وهذه الكلمة، لمن لا يعرف، أصلها تركية (Kaba)، وتعني الخشن، ومنها الكلمة التي نستخدمها في لغتنا الشعبية “قبضاي”، وهي في التركية (Kabadayı)، وتعني الخال الخشن.. المهم، وعلى الرغم من الخشونة المزعومة في لهجة حلب، يلفظون البطاطا “بَتَاتِة”!
ومن طريف اللهجة الحلبية، أنهم يسمون البندورة افرنجي. وقصة التسمية، في إحدى سردياتها، أنها ظهرت، أول مرة، في أيام الحكم العثماني، وعرفت باسم “باتنجان افرنجي”، واليوم، بعد مرور كل تلك السنين، أنت تسمع الحلبي يقول: طبخنا رز وافرنجي، وتسمع امرأة تعلم ابنتها كيف يصنع الـ”دبس افرنجي”..
هذا التباين في اللهجات، والتسميات، يخلق، دون أن نخطط له، قصصًا مسلية، منها أن صديقي الإدلبي “أبو الجود”، والدتُه حلبية.. حينما قدمت للعيش في إدلب، خلال أربعينيات القرن الماضي، صارت تقع في سوء تفاهم لغوي مع أسرة زوجها، فهي تستخدم كلمات حلبية لا يفهمونها، مثل “افرنجي”، ومع الزمن، أهملتها وصارت تترجمها، في أثناء الاستعمال إلى “بندورة”.. وذات يوم، كان أبو الجود عائدًا من دوامه، وقعدت والدته تسرد عليه الأخبار السياسية التي شاهدتها في التلفزيون، أو سمعتها في الراديو، ومن جملة ما قالت له: يَمَا يَيْ، هادا البندوراية إشو جية يعمل عند حافظ الأسد؟ وبالتدقيق، عرف أبو الجود، أنها تقصد بـ”البندوراية”، الرئيس اللبناني سليمان فرنجية!
الشعب العربي مولع بالسجع، والقوافي. تعرفون حكاية الخليفة الذي قال للوالي: أيها الوالي بِقُمْ. قد عزلناك فـ قُمْ. ومما روي عن هذا الموقف، أن الخليفة لم يكن ينوي عزله، ولكنها جاءت على القافية، ففعل! ومن هنا تجد ثلاث، أو أربع كلمات تتردد في الأمثال والأغاني الحلبية، مثل: حلب، الذهب، الكبب، الرتب، علمًا أن الثقافة الشعبية الحلبية أكثر غنى وتنوعًا من هذه المفردات، فإذا أنت دخلت في عالم موسوعة حلب المقارنة، للعلامة خير الدين الأسدي، لقلت إن تراث حلب الحضاري قلعة ليست أقل من قلعة حلب.
تحدثتُ، أنا محسوبكم، أكثر من مرة، عن الغبن الذي لحق بالأسدي، هذا المؤرخ الكبير، وكيف أهمل، إلى درجة أن البلدية أخذت جثمانه للدفن، لأنه لم يكن في تشييعه أحد.
ولكنني، هنا، أريد أن أسجل فكرة أخذتها من الباحث الأمريكي من أصل عراقي، زاك هارفي، أن الشعوب التي لا تاريخ لها، قادرة على التقدم أكثر من الشعوب ذات التاريخ العريق. لماذا؟ لأن الشعب ذا التاريخ العريق، عندما يدخل في سباق حضاري، يُكثر من الالتفات إلى الخلف!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :