
إجراء امتحانات الشهادة الإعدادية في مدرسة الأوائل الخاصة - 25 أيار 2025 (مدارس الأوائل/ فيس بوك)
إجراء امتحانات الشهادة الإعدادية في مدرسة الأوائل الخاصة - 25 أيار 2025 (مدارس الأوائل/ فيس بوك)
عنب بلدي – كريستينا الشماس
مع اقتراب كل عام دراسي جديد، تواجه كثير من الأسر السورية معضلة الاختيار بين المدارس الحكومية ذات التعليم المجاني والازدحام في مقاعدها، والمدارس الخاصة التي تفرض أقساطًا تفوق قدرة معظم الأسر.
الفارق المالي الكبير يمنع أغلبية السوريين من التفكير بالمدارس الخاصة لضيق الحال الاقتصادي، لكن عائلات قابلتها عنب بلدي في دمشق، ترى أن جودة التعليم ومستوى الرعاية في المدارس الخاصة يجعلها الخيار الوحيد المتاح لضمان مستقبل أبنائها، حتى لو استنزف ذلك دخلها الشهري لسنوات.
ارتفعت أقساط المدارس الخاصة في السنوات الأخيرة إلى مستويات غير مسبوقة، إذ تراوحت بين ثلاثة ملايين وعشرة ملايين ليرة سورية سنويًا لمرحلة رياض الأطفال والتعليم الابتدائي، ووصلت إلى ما بين خمسة ملايين و30 مليون ليرة للمرحلتين الإعدادية والثانوية، وفقًا للمنطقة والخدمات الإضافية التي تقدمها المدرسة.
ورغم إقرار الأهالي بأفضلية المدارس الخاصة، فإن التحدي الأكبر يظل ماديًا، فمعظم العائلات في سوريا تعيش على رواتب لا تتجاوز المليون ليرة شهريًا، بينما تصل الأقساط المدرسية في الحد الأدنى إلى أكثر من ستة ملايين ليرة.
يفكر وائل منصور، موظف في بنك خاص بدمشق، مع اقتراب كل عام دراسي جديد، في إعادة ولدَيه إلى المدارس الحكومية بسبب غلاء الأقساط، لكنه يتراجع في اللحظة الأخيرة لأنه “لا يريد أن يضحي بمستقبلهما”، حسب تعبيره.
تصل تكلفة أقساط المدرسة لولدَي وائل في المرحلة الابتدائية إلى ما يقارب 12 مليون ليرة سورية، على الرغم من أن راتبه لا يتجاوز ثلاثة ملايين ليرة في أحسن الأحوال، لذا يضطر إلى أن يعتمد على مساعدات من أقاربه في الخارج لتغطية جزء من التكاليف.
“رغم غلاء الأقساط في المدارس الخاصة، فإنني لا أضطر لوضع دروس خصوصية لولديّ، والتي قد تكلفني أكثر في حال وضعهما في مدرسة حكومية”، بحسب وائل.
يرى الأهالي الذين قابلتهم عنب بلدي أن أبرز ما يميز المدارس الخاصة هو الكادر التعليمي المتخصص، إذ تعتمد على معلمين أنهوا دراساتهم الجامعية أو يملكون خبرة طويلة في التدريس، في حين تضطر المدارس الحكومية إلى تكليف طلاب جامعات أو خريجين لم يكملوا اختصاصهم بسبب نقص الكوادر، ما ينعكس على مستوى الطلاب.
محمد تكريتي، والد لطالب في المرحلة الابتدائية بدمشق، قال لعنب بلدي، إن ابنه لم يتمكن خلال عامين في المدرسة الحكومية من تعلم القراءة والكتابة بشكل جيد، فالمعلمة التي كانت تشرف على الصف لم تكن قد أنهت دراستها الجامعية بعد.
وأضاف محمد أنه بعد نقل ابنه إلى مدرسة خاصة، تحسن مستواه بشكل ملحوظ خلال أشهر قليلة، بسبب وجود كادر تعليمي متخصص في كل مادة، فضلًا عن المتابعة الفردية لمستوى كل طالب.
رنا الخوري، معلمة لغة عربية وحاصلة على درجة ماجستير، ذكرت لعنب بلدي أنها عملت في مدرسة حكومية لسنوات بأجر لا يتجاوز 300 ألف ليرة شهريًا، لكنها اضطرت للانتقال إلى مدرسة خاصة، لأن الراتب أفضل بثلاثة أضعاف على الأقل، إضافة إلى ظروف عمل أكثر راحة.
وأضافت رنا أن المدارس الخاصة تجذب النخب من المعلمين الذين يبحثون عن مردود مالي أفضل، ما يخلق فجوة حقيقية في مستوى التعليم بين الطرفين.
من أبرز أسباب لجوء الأهالي إلى المدارس الخاصة الرغبة بإتقان أبنائهم اللغات الأجنبية، إذ تتوفر مناهج متطورة، وأحيانًا تُدرّس مواد باللغة الأجنبية بالكامل، مع حصص إضافية للغتين الإنجليزية والفرنسية.
سامر معراوي، والد طالبة في الصف الثالث الابتدائي، تحدث لعنب بلدي، أن مستوى ابنته في الإنجليزية يعادل ما يتعلمه طلاب الصف السادس في المدارس الحكومية.
“نحن كأهل نعتبر أن اللغة الإنجليزية مفتاح المستقبل، سواء لمتابعة الدراسة في الخارج أو للحصول على فرص عمل لاحقًا، والمدارس الحكومية لا توفر هذا المستوى إطلاقًا”، قال سامر.
وتشتكي مها محمد، موظفة في القطاع الحكومي، قلة الاهتمام بالمواد الأجنبية في المدارس الحكومية، خاصة في مادة اللغة الفرنسية التي يتم تدريسها للطلاب بدءًا من الصف السابع، على عكس المدارس الخاصة التي تُدرّسها منذ مرحلة رياض الأطفال.
“عانت ابنتي، وهي طالبة في الصف التاسع، صعوبات كبيرة عند دارستها لمادة اللغة الفرنسية، ما اضطرني لوضع دروس خصوصية لأضمن نجاحها في المادة”، قالت مها.
أوضحت المعلمة رنا الخوري، أن المشكلة ليست فقط في المناهج الحكومية التي تُدرّس بأسلوب تقليدي، بل أيضًا في قلة عدد الحصص خاصة للمواد الأجنبية، وضعف تأهيل الكادر التعليمي، ما يجعل الطالب يخرج من المدرسة غير قادر على إجراء محادثة بسيطة.
قالت لمى الحلبي، ربة منزل من ريف دمشق، إن زوجها موظف في القطاع الخاص براتب لا يتجاوز مليونين ونصف مليون ليرة، ومع ذلك يدفعان نحو عشرة ملايين ليرة سنويًا لتعليم ابنتيهما في مدرسة خاصة.
“نضطر للاستدانة طوال العام، لكننا مقتنعون أن هذا الاستثمار هو السبيل الوحيد لضمان مستقبل أفضل لهما”، وفقًا للمى.
وترى أن التعليم الحكومي لم يعد يقدم أي ضمان للمستقبل، في حين أن المناهج المتطورة والتدريب على اللغات والأنشطة الإضافية في المدارس الخاصة تمنح الأطفال فرصًا أوسع لتطوير مهاراتهم بما فيها مستواهم التعليمي.
ما يشجع الأهالي على تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة أيضًا، الرعاية الفردية لهم، خاصة للأطفال في مرحلتي رياض الأطفال والابتدائية، إذ توفر معظم هذه المدارس حصص متابعة خاصة، وخدمات نفسية وصحية عبر مراكز داخلية، وهو ما يغيب عن المدارس الحكومية.
أوضحت لمى، أن ابنتها البالغة من العمر ست سنوات كانت تعاني من تأخر في النطق، وفي المدرسة الخاصة كانت هناك متابعة فردية من معلمة مختصة واختصاصية نطق، بينما في المدرسة الحكومية لا يوجد أي اهتمام بهذا الجانب.
بدورها، أشارت المعلمة رنا الخوري إلى أن عدد الطلاب في صفوف المدارس الخاصة لا يتجاوز 20 إلى 25 طالبًا، ما يسمح بمتابعة كل طفل على حدة، بينما تضم الصفوف في المدارس الحكومية ما بين 40 و50 طالبًا، الأمر الذي يجعل من المستحيل أن يتلقى جميع الطلاب العناية المطلوبة.
تعكس شهادات الأهالي الفجوة التعليمية بين المدارس الحكومية والخاصة، إذ يعتبرون أن ما يدفعونه من مبالغ طائلة يعوض ضعف المناهج الحكومية وغياب الكادر المتخصص فيها.
وتداول مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي إعلان وزارة التربية السورية عن تحديد سقوف للأقساط في المدارس الخاصة، لكن لم تتمكن عنب بلدي من العثور على أي نسخة رسمية للتعميم عبر المعرفات أو المواقع الرسمية التابعة للوزارة.
وحاولت عنب بلدي لأكثر من مرة التواصل مع وزارة التربية للحصول على نسخة من إعلانها حول تحديد أقساط المدارس الخاصة، وحول خططها لتحسين الواقع التعليمي في المدارس الحكومية، لكنها لم تتلقَ ردًا حتى لحظة تحرير التقرير.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى