دخول شاحنات محملة بالمنتجات التركية إلى سوريا عبر معبر باب الهوى - 28 آب 2025 (معبر باب الهوى)
مستورداتها تجاوزت 1.2 مليار دولار في سبعة أشهر
بضائع تركية تبتلع السوق وتهدد المنتج السوري
عنب بلدي – أمير حقوق
تشهد الأسواق السورية غزارة بالمنتجات التركية في الفترة الأخيرة، ولا سيما منذ سقوط نظام الأسد، واتباع الحكومة الجديدة نهج اقتصاد السوق الحر، الأمر الذي يحدّ من وصول المنتج السوري، ومن قدرته التنافسية بسبب أسعار المنتجات التركية المنخفضة.
وتشمل البضائع التركية في السوق السوري معدات صناعية لا تُنتج محليًا بكميات كافية أو بجودة تنافسية، إضافة إلى منتجات زراعية وصحية ضرورية لضمان الأمن الغذائي والصحي.
ويحذر خبراء من أثر الاعتماد الكامل وفتح السوق أمام مختلف المنتجات التركية دون إجراءات حمائية، ما يهدد المنشآت الصغيرة في ظل غياب دعم حكومي كافٍ، كما ينعكس سلبًا على الميزان التجاري بين البلدين.
في 27 من آب الماضي، ذكر رئيس مجلس المصدّرين الأتراك، مصطفى غولتبه، أن المجلس يتوقع حجم تجارة يتجاوز ثلاثة مليارات دولار بين سوريا وتركيا خلال فترة قصيرة.
بدوره، أكد رئيس لجنة سوريا في مجلس المصدّرين الأتراك، جلال كادوأوغلو، أن صادرات تركيا ارتفعت إلى سوريا بنسبة 49.3%، لتتجاوز 1.2 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي.
وتوقع في بيان نقلته وكالة “الأناضول” التركية، في 14 من آب الماضي، أن يتجاوز حجم الصادرات مليارَي دولار مع نهاية العام الحالي، بالنظر إلى مناخ الطلب القائم.
تحول هيكلي
الأكاديميون والخبراء الاقتصاديون، اعتبروا زيادة الصادرات التركية لسوريا خطوة “مبالغًا فيها”، وتشكل تهديدًا واضحًا للمنتج السوري، كذلك تنعكس سلبًا على الميزان التجاري السوري.
يرى الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم قوشجي، في حديث إلى عنب بلدي، أن ارتفاع قيمة الصادرات التركية لسوريا ليس مجرد تبادل تجاري، بل يعكس تحولًا هيكليًا في طبيعة الاقتصاد السوري.
وقال إن الاقتصاد السوري بات يعتمد بشكل شبه كامل على المستوردات لتأمين مستلزمات الإنتاج، من المواد الأولية إلى المعدات الصناعية، وحتى قطع الغيار والبرمجيات.
وتتمثل طبيعة المستوردات التركية، وأهميتها للاقتصاد السوري، بحسب الدكتور قوشجي، بـ:
- مستلزمات إنتاج حيوية ومعدات صناعية، كالآلات، وقطع الغيار، ومواد البناء، والأسمنت، والزجاج، والسيراميك، والمعادن، والأجهزة الكهربائية، وهذه السلع لا تُنتج محليًا بكميات كافية أو بجودة تنافسية، ما يجعلها ضرورية لاستمرار النشاط الصناعي.
- مدخلات زراعية وصحية، فتركيا تصدر أيضًا الأسمدة، والمعدات الزراعية، والمستلزمات الطبية، وهي عناصر أساسية لضمان الأمن الغذائي والصحي.
ويعتقد أنه يمكن تحقيق تكامل صناعي إذا تم تنظيم هذه المستوردات ضمن إطار شراكة إنتاجية تسهم في إعادة تشغيل المنشآت السورية، وتحسين جودة الإنتاج المحلي.
غياب التبادل الربحي والدعم الحكومي
تتمتع الصادرات التركية بدعم يقارب 15%، بينما المنتجات السورية تفتقد الدعم، وبالتالي الميزان التجاري لا يحقق ثنائية التبادل الربحي، بحسب الخبير الاقتصادي محمد الحلاق.
وتتوفر المنتجات التركية بكثرة في الأسواق السورية بأسعار منخفضة مقارنة بالمنتجات المحلية، وبالتالي تفقد الأخيرة قدرتها على المنافسة.
رئيس مجلس الأعمال التركي- السوري، إبراهيم فؤاد أوزجوريكجي، قال في بداية العام الحالي، إن تركيا تهدف إلى وصول حجم التبادل التجاري إلى عشرة مليارات دولار على المدى المتوسط.
وفرة المنتجات التركية واستمرار تدفقها بشكل ملحوظ في الأسواق السورية، كالأغذية ومن ضمنها المواد التموينية واللحوم والمعلبات، والمنتجات الصناعية بمختلف أنواعها وخاصة الألبسة والأواني الزجاجية، والمعدات والآلات الصناعية، جعلها تشكل “غزوًا” على المنتجات السورية.
أثر هذه المستوردات على المنتج المحلي والمنشآت السورية، يلخصه الدكتور إبراهيم قوشجي بمسألتين:
- اعتماد مزدوج، فالمنتج المحلي لا يواجه فقط منافسة من السلع التركية الجاهزة، بل يعتمد أيضًا على مستوردات تركية لتأمين مدخلاته، ما يجعله عرضة لتقلبات الأسعار، والسياسات التجارية التركية.
- تهديد للمنشآت الصغيرة، وارتفاع تكاليف الإنتاج المحلي، مقابل انخفاض تكلفة المنتج التركي، يضع المنشآت السورية في موقف ضعيف، خاصة في ظل غياب دعم حكومي كافٍ.
ويرجح قوشجي فرصة للنمو المشروط، وذلك إذا تم تحويل هذه المستوردات إلى أدوات إنتاج لا مجرد سلع استهلاكية، يمكن أن تسهم في رفع كفاءة الصناعة السورية.
بينما اعتبر الخبير محمد الحلاق أن سوريا بلد زراعي وصناعي وتجاري، وبالتالي تشكل التجارة المحطة الأهم، لأن المزارع يحتاج إلى منتجات وسلع وبذور وآليات، كذلك الصناعي يحتاج إلى المواد الأولية، وهذا لا يعني أن يتم الاعتماد على استيراد البضائع الجاهزة، لتباع بأسعار أقل من المحلية، وهذا يشير إلى ضرورة دعم المنتجات المحلية لتحقيق قدرتها التنافسية.
عجز الميزان التجاري
انعكاسات الاستيراد على الميزان التجاري وميزان المدفوعات، تتمثل بعجز تجاري متفاقم، وفقًا للدكتور إبراهيم قوشجي، مضيفًا أنه العجز التجاري السوري بلغ أكثر من 17 تريليون ليرة سورية، أي ما يعادل نحو 1.56 مليار دولار، وفق سعر السوق الموازي، مشيرًا إلى أن استمرار الاستيراد دون نمو موازٍ في الصادرات، سيزيد هذا العجز.
ومن الانعكاسات، الضغط على ميزان المدفوعات، لأن ارتفاع فاتورة الاستيراد يستهلك احتياطيات النقد الأجنبي، ويزيد الحاجة إلى تحويلات خارجية أو دعم دولي، بحسب قوشجي، معتبرًا أنه يجب أن تكون المستوردات جزءًا من استراتيجية إنتاجية، لا مجرد استهلاكية، مع تعزيز الصادرات السورية إلى تركيا وغيرها.
مطالب المنتج المحلي السوري
في ظل التحديات الاقتصادية والتجارية في سوريا، وغزو المنتجات التركية، يواجه المنتجون المحليون ضغوطًا كبيرة من المنافسة التركية.
ويتطلب ذلك عدة عوامل وأولويات تحمي المنتج المحلي، وتسهم في تطوره وقدرته التنافسية، يلخصها الدكتور إبراهيم قوشجي في:
● حماية ذكية تفرض رسومًا على المنتجات التركية التي لها بديل محلي، مع الإبقاء على المستوردات الإنتاجية الضرورية.
● دعم مباشر عبر توفير قروض ميسرة، وتخفيض الضرائب، وتسهيل استيراد مستلزمات الإنتاج.
● ترويج خارجي من خلال فتح أسواق جديدة للمنتجات السورية، عبر اتفاقيات تجارية ومعارض دولية.
● إنشاء مناطق صناعية بشراكات محلية ودولية، مع بنية تحتية متكاملة.
● تحفيز الاستثمار المحلي عبر تخفيض الضرائب، وتسهيل الإجراءات، ودعم الابتكار.
● إصلاح بيئة الأعمال ومكافحة الفساد، وتبسيط الإجراءات، وتوفير بيئة قانونية مستقرة.
● سياسات حمائية ذكية تمنع إغراق المنتجات المستوردة، وتشجيع الإنتاج المحلي عبر دعم حكومي موجه.
رفع الحصيلة الضريبية
الخبير محمد الحلاق يرى أن تخفيض أجور الإنتاج وتكلفة التصنيع، يزيد نسبة الدخل نتيجة زيادة التشغيل، والأهم رفع الحصيلة الضريبية التي تعد من أهم الركائز للدولة السورية، من أجل تأمين إيرادات بشكل متوازن وحقيقي، ومن أجل الإنفاق العام، الذي يعد حلقة متكاملة، بين الصناعة الفعالة، والزراعة المتطورة، والتجارة المتوازنة مع دول الجوار.
بالمقابل، يجب أن تكون هناك رسوم جمركية مرتفعة على المنتجات التركية، بشكل يزيد تكلفتها بحوالي 5-10%، مع دراسة النفقات والأعباء، لكي يكون المنتج السوري قادرًا على زيادة الإنتاج وزيادة الصادرات.
في تقرير سابق نشرته عنب بلدي، اعتبر خبراء اقتصاديون أن التوجه إلى اقتصاد السوق الحر لا يتطلب إزالة القيود الحكومية فقط، بل بيئة متكاملة تحمي المنافسة، والإعفاءات الضريبية للإنتاج المحلي قد تساعد على تحريك الأسواق، لكنها في غياب خطة واضحة قد تتحول إلى عبء مالي على الدولة.
ودعوا إلى تطبيق اقتصاد موجه ولو بشكل بسيط من قبل الحكومة، وخصوصًا في ظل انخفاض الدخول الحالية.
المكتب الإحصائي التركي ذكر أن الصادرات التركية إلى سوريا بلغت 2.2 مليار دولار العام الماضي، في حين بلغت الواردات من سوريا 437 مليون دولار، وبلغت فقط في كانون الأول 2024، 233.7 مليون دولار، أي حوالي ربع مليار دولار، كأعلى رقم خلال السنوات العشر الأخيرة على أساس شهري.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :