بغياب الدعم والدمج.. واقع صعب يعيشه المكفوفون في حلب

وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل هند قبوات باجتماع مع منظمات المجتمع المدني في حلب ناقش واقع المكفوفين بالمحافظة - 14 تموز 2025 (عنب بلدي)

camera iconوزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل هند قبوات باجتماع مع منظمات المجتمع المدني في حلب ناقش واقع المكفوفين بالمحافظة - 14 تموز 2025 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حلب

يعيش المكفوفون في مدينة حلب ظروفًا معيشية واجتماعية صعبة، تتداخل فيها مشكلات البطالة مع غياب فرص الدعم والدمج في سوق العمل.

ورغم محاولات بعض الجمعيات الخيرية توفير برامج للتأهيل والتدريب، لا يزال كثير من المكفوفين مضطرين للبحث عن وسائل بديلة لتأمين قوت يومهم وإعالة أسرهم، بطرق غالبًا ما تكون متواضعة أو مرهقة جسديًا.

“الابتهال” مصدر رزق

في منتصف منطقة “أدونيس”، يجلس عمر هنداوي، كفيف في الـ60 من عمره يسكن بحي الصالحين، منشغلًا بإنشاد الابتهالات الدينية وتلاوة القرآن في المناسبات أو التجمعات البسيطة، مقابل أجر يساعده في إعالة أسرته المكونة من خمسة أشخاص.

عمر قال لعنب بلدي، إنه لا يجد خيارًا آخر، إذ حالت إعاقته دون حصوله على عمل مستقر، فاختار الاعتماد على صوته كوسيلة وحيدة لتأمين متطلبات عائلته.

على مقربة من قلعة حلب، يمتهن سمير أعرج مهنة مختلفة، إذ يتجول يوميًا حاملًا لوحًا خشبيًا يتدلى من رقبته، يضع فوقه قطع “الكاتو”، ويجذب المارة بصوته المرتفع مرددًا، “أربعة بعشرة”.

يواصل سمير عمله لساعات طويلة، متحملًا مشقة الحركة وانعدام الرؤية، ليتمكن من بيع ما يكفي لتغطية نفقاته اليومية ونفقات أسرته المكونة من ثلاثة أشخاص.

ضرورة الدمج

رئيس الجمعية البصرية لثقافة المكفوفين، محمد كردي، قال إن على المجتمع التعامل مع المكفوفين باعتبارهم أعضاء فاعلين ومؤسسين، لا مجرد عنصر مكمل.

وأكد ضرورة دمجهم في سوق العمل والحياة العامة، لأن الكفيف ليس عالة على محيطه.

ووصف كردي أوضاع المكفوفين بأنها “سيئة ويرثى لها”، موضحًا أن من أبرز ما يعانونه غياب فرص العمل، فرغم دراستهم وسهرهم ومعاناتهم، يبقى موضوع “العمالة” العقبة الكبرى أمامهم.

هذا النقص يدفع كثيرين للتسول، حتى بين حملة الشهادات، حيث يظهر عدد من المكفوفين من خريجي الثانوية في أسواق مدينة حلب، مثل الجميلية، بلا فرص حقيقية.

وأضاف أن الظروف المعيشية الصعبة تجعل الكفيف، في حال لم يمنح فرصة للإنتاج، عرضة للإهمال والإصابة بأمراض نفسية تؤدي إلى اندفاع عدواني تجاه المجتمع، أو إلى الانعزال عنه.

لذلك يلجأ بعض الشباب المكفوفين، عندما يفشلون في العثور على فرصة عمل أو تأسيس أسرة، إلى التسول كوسيلة وحيدة لتأمين قوت يومهم.

ونوه كردي إلى أن المطلوب هو تأمين فرص عمل متناسبة مع شهادات المكفوفين، معتبرًا أن الشهادة الدراسية بلا وظيفة لا جدوى منها.

أما في سوق العمل الخاص، فإن أغلبية أصحاب المعامل والورشات لا يتقبلون تشغيل المكفوفين، وإن فعلوا فبدافع عاطفي لا على أساس قدراتهم، رغم أن الكفيف قد يكون منتجًا أكثر من غيره.

هذا الواقع، بحسب كردي، يبعث البؤس في نفوسهم، ما يستدعي من الجهات المعنية تقديم مشاريع صغيرة أو دعم مباشر يسهم في تحسين ظروفهم.

كما أشار إلى أن اهتمام الجهات الرسمية غالبًا ما يقتصر على وعود تطلق في المناسبات، مثل زيارات وزراء الشؤون الاجتماعية لحفلات أو أنشطة تخص المكفوفين، إذ كان الحضور يقتصر على الإعلام، وما إن يغادر الوزير حتى تتوقف المتابعات.

الاستثمار في طاقات المكفوفين

يملك المكفوفون طاقات إبداعية يمكن استثمارها، مثل الموشحات والقدود الحلبية والتراث الموسيقي، إلا أن تكاليف التدريب وغياب الدعم المادي يعوقان استمرار هذه المبادرات، بحسب ما ذكره رئيس الجمعية البصرية لثقافة المكفوفين، محمد كردي، لعنب بلدي.

وبيّن أن بعض الأساتذة تبرعوا في السابق لتدريب مكفوفين دون مقابل، لكن لم تتوفر بيئة كافية للاستمرار.

ويستشهد كردي بحالة الموسيقار سيد مكاوي، الذي رغم إعاقته البصرية لمع اسمه في العالم العربي ولحن لكبار الفنانين، معتبرًا أن وجود فئة متخصصة في التراث الحلبي بين المكفوفين ليس أمرًا مستبعدًا.

وأضاف أن تقديم معونة اجتماعية بسيطة لا يكفي، فالمطلوب النظر إلى الكفيف كإنسان قادر على الإبداع والإنتاج، داعيًا وزارة الشؤون الاجتماعية والجهات المعنية إلى تقديم دعم حقيقي ومستمر، بما يتيح للمكفوفين المشاركة في المجتمع بدور كامل.

معهدان فقط

عن الواقع التعليمي للمكفوفين، أوضح كردي أن في سوريا معهدين فقط مخصصين لهم، أحدهما في دمشق والآخر في حلب، متسائلًا إن كان المكفوفون في باقي المدن والأرياف لا يستحقون التعليم، رغم أن عددهم بالآلاف.

قلة هذه المعاهد تجبر الطلاب على الإقامة في المبيت الداخلي، وهو ما يفرض تحديات إضافية، إذ يحتاج الكفيف إلى متابعة دائمة من ذويه، وفي غيابها يتعرض لمشكلات تصل حد الإهمال، بحسب كردي.

ولفت إلى أن نظرة المجتمع للأنثى الكفيفة تمثل “الطامة الكبرى”، إذ غالبًا لا يسمح لها بالخروج إلا بوجود مرافق، ما يجعل الكثير من النساء المكفوفات حبيسات المنازل ينتظرن العطف أو الصدقات، رغم أن عددًا منهن أنهين دراستهن الجامعية.

وطالب بضرورة أن تتحمل الدولة مسؤوليتها في تمكين الكفيفة ومنحها الشعور بقيمتها ونشاطها، عبر توفير مبادرات خاصة تراعي احتياجاتها، إضافة إلى تأمين مصروف يومي ووسائل نقل، مشددًا على ضرورة تعميم هذه الخطوات بشكل رسمي ومنظم.

مطالب وتوصيات

لخص كردي مجموعة من المطالب التي يراها أساسية لتحسين أوضاع المكفوفين وضمان مشاركتهم الفاعلة في المجتمع، وتتضمن:

  • توظيف الخريجين وأصحاب المهارات منهم.
  • تفعيل اتحاد ذوي الإعاقة الرياضي.
  • تخصيص تعويض خاص للعاطلين عن العمل.
  • توفير وسائل نقل تراعي احتياجات المكفوفين وذوي الإعاقة.
  • إشراك الكفيف في الفعاليات والأنشطة المجتمعية بوصفه صاحب خبرة، وعدم تهميشه.
  • دعم التعليم وتأمين مستلزماته.
  • تطوير الجانب الثقافي عبر فتح المجال أمام أنشطة أدبية وفنية وتراثية خاصة بالمكفوفين.
  • تخصيص الجمعيات أعمالًا تتناسب مع اختصاصات المكفوفين لتقديم الدعم الأمثل لهم.
  • أن يكون لهم صوت يمثّلهم داخل مجلس الشعب، بما يعبّر عن قضاياهم وينقل همومهم.
  • سن قانون شامل لذوي الإعاقة، ينظم علاقتهم بالمجتمع ويضمن حقوقهم على نحو واضح ومستدام.

خلال زيارة وزيرة الشؤون الاجتماعية، هند قبوات، إلى مدينة حلب، في 14 من تموز الماضي، طُرحت مطالبات بإنصاف المكفوفين عبر تصريحات لرئيس جمعية رعاية المكفوفين، محمود زمرلي.

وأوضح زمرلي حينها أن آلاف المكفوفين في سوريا، بينهم مئات من أصحاب الشهادات الجامعية، ما زالوا يواجهون صعوبات كبيرة في إيجاد فرص العمل والاندماج، داعيًا إلى عقد نقاش خاص يركز على شؤونهم وإصدار قوانين واضحة وثابتة تضمن حقوقهم.

وفي ردها، أكدت الوزيرة أن الوزارة ستعقد في أيلول المقبل مؤتمرًا مخصصًا لبحث قضايا ذوي الإعاقة، لافتة إلى وجود مساعٍ لتعديل القانون الذي يحدد نسبة توظيف ذوي الإعاقة في القطاع الحكومي بـ2%، بحيث ترفع النسبة إلى 5% في القطاع الحكومي و4% في القطاع الخاص.

ووصفت قبوات هذه الشريحة بأنها “الركيزة الأساسية” لعمل الوزارة.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة