تضارب في الروايات بين دمشق و"قسد"

توتر ريف حلب الشرقي يعيد رسم حدود القوة على الأرض

عناصر من الجيش السوري يرافقون "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) خلال انسحابها من أحياء حلب باتجاه شمال شرقي سوريا - 4 نيسان 2025 (أسوشيتد برس/ غيث السيد)

camera iconعناصر من الجيش السوري يرافقون "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) خلال انسحابها من أحياء حلب باتجاه شمال شرقي سوريا - 4 نيسان 2025 (أسوشيتد برس/ غيث السيد)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – محمد ديب بظت

شهدت محاور ريف حلب الشرقي، في 31 من آب الماضي، اشتباكات جديدة بين قوات الحكومة السورية و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، أعادت إلى الواجهة حالة التوتر المستمرة بين الطرفين، بعد أسابيع من مواجهات مماثلة في ناحية حرمل الإمام شمال دير حافر.

ورغم توقف المعارك سريعًا، فإن تكرارها خلال فترة زمنية قصيرة أثار تساؤلات حول مآلات العلاقة بين دمشق و”قسد”، وما إذا كانت هذه الاشتباكات تمثل مجرد حوادث ميدانية متفرقة، أم أنها رسائل سياسية متعمدة تكشف هشاشة الاتفاقات الموقّعة بين الجانبين.

روايتان للأحداث

أواخر آب الماضي، قالت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، إن وحدة من الجيش العربي السوري “تصدت لمجموعة من عناصر (قسد) حاولت التسلل إلى نقاط عسكرية في قرية تل ماعز شرق حلب، ونفذت كمينًا أوقعت خلاله خسائر في صفوفهم”.

وأضافت أن عناصر آخرين من “قسد” متمركزين في قرية أم تينة ومدينة دير حافر “استهدفوا نقاط الجيش في تل ماعز خلال محاولة لسحب عناصرهم الذين وقعوا في الكمين”، لافتة إلى أن الاشتباك بدأ بالأسلحة الخفيفة قبل أن يتطور إلى استخدام السلاح الثقيل واستقدام تعزيزات عسكرية.

وأثارت الواقعة تضاربًا في الروايات، حيث نفى المركز الإعلامي لـ”قسد”، عبر بيان نقلته وكالة “هاوار”، وقوع أي اشتباكات مع قوات الحكومة السورية في قرية تل ماعز، واعتبر أن ما جرى “مجرد تضليل إعلامي” وأن الاشتباكات المزعومة لم تشمل قواتهم، بل كانت “مشكلات داخلية بين بعض الفصائل التابعة لحكومة دمشق نفسها، جرى تضخيمها وتحويرها إعلامياً”.

ولا تعد واقعة تل ماعز الأولى في ريف دير حافر، إذ شهدت قرية حرمل الإمام اشتباكات مماثلة خلال الأسابيع الماضية.

في قرية حرمل الإمام، أعلنت “قسد”، في 4 من آب الماضي، أنها تصدت لهجوم شنته “فصائل تابعة لقوات الحكومة الانتقالية السورية” على أربعة مواقع لها في القرية، بعد أن بدأ الهجوم في تمام الساعة الثالثة فجرًا، واستمرت الاشتباكات نحو 20 دقيقة متواصلة.

واعتبرت “قسد” أن هذا “الاعتداء المتكرر يمثل تصعيدًا مدبرًا ويهدد الاستقرار في المنطقة”، محملة حكومة دمشق “المسؤولية الكاملة عن هذا التصرف”.

وأكدت أنها “مستعدة اليوم أكثر من أي وقت مضى لاستخدام حقها في الرد المشروع بكل قوة وحزم”.

كما أشارت إلى أن “فصائل غير منضبطة عاملة في صفوف قوات الحكومة السورية، هي من تواصل استفزازاتها واعتداءاتها المتكررة على مناطق التماس في منطقة دير حافر”.

يأتي بيان “قسد” بعد ساعات قليلة من إعلان وزارة الدفاع السورية عن وقوع أربع إصابات في عناصر الجيش وثلاثة مدنيين نتيجة قصف “قسد” على ريف منبج بريف حلب الشرقي، مع تأكيد الوزارة أنها صدت عملية تسلل قامت بها “قسد” على إحدى نقاط انتشار الجيش قرب قرية الكيارية التابعة لناحية حرمل الإمام.

رسائل سياسية

تواجه “قسد” ضغوطًا إضافية على خلفية تحذير صادر عن وزارة الدفاع التركية، في 4 من أيلول الحالي، طالبتها فيه بالاندماج في الجيش السوري والتخلي عن أي سلوك أو خطاب يمس وحدة البلاد.

وحذرت الوزارة من أن عدم الالتزام بتعهدات نزع السلاح والاندماج يشكل “تهديدًا لوحدة سوريا ولأمن تركيا”، مؤكدة أنها ستقدم كل الدعم اللازم لسوريا لضمان استقرارها وأمن حدودها.

الأكاديمي في العلاقات الدولية محمد الجابي، يرى أن التوترات الأخيرة بين قوات الحكومة السورية و”قسد”، وأبرزها ما جرى في تل ماعز شرق حلب، “ليست مجرد مواجهات عابرة، بل رسائل سياسية متعمدة واستفزاز متجدد بين الطرفين”.

وأوضح الجابي، لعنب بلدي، أن الاشتباكات المتقطعة تمثل “آلية ضغط ميداني يستخدمها كل طرف لإظهار قوته وفرض شروطه في إطار تفاوضي أوسع، خصوصًا فيما يتعلق بتطبيق اتفاق آذار”.

ويعتقد الجابي أن أسباب هذه الاشتباكات متعددة، أبرزها الخلافات حول تنفيذ الاتفاق، من دمج المؤسسات وتقاسم الموارد وإدارة المعابر، إلى جانب غياب الثقة المتبادلة، وهو ما يجعل أي تفاهم نظري عرضة للتأويل والتأجيل.

كما أشار إلى البعد الإقليمي والدولي الذي يبقى حاضرًا في خلفية هذه التطورات، حيث تسعى القوى الخارجية لاستثمار أي تعثر سياسي أو أمني لمصلحة أجنداتها.

وبحسب الجابي، فإن الاشتباكات تعيد رسم حدود القوة على الأرض وتذكر كل طرف بمكانته وقدرته على التأثير، مضيفًا أن هذه الأحداث تحمل رسائل سياسية بأن الدولة لا تزال صاحبة الكلمة العليا، بينما تحاول “قسد” إثبات أنها ليست طرفًا ضعيفًا بل تمتلك أوراق قوة تجعلها رقمًا صعبًا في المعادلة.

وفيما يتعلق بمستقبل اتفاق آذار، اعتبر أن الاشتباكات تكشف هشاشة التطبيق العملي لبنوده، متوقعًا استمرار هذا النمط من المواجهات المتقطعة والمتجددة ما لم تُترجم الالتزامات النظرية إلى خطوات ملموسة توازن بين سيادة الدولة ومصالح الأطراف كافة.

ورغم ذلك، استبعد الجابي انزلاق الوضع إلى مواجهة عسكرية واسعة، موضحًا أن كلا الطرفين يدرك أن البديل سيكون انفجارًا أكبر يعيد الأمور إلى نقطة الصفر ويضع البلاد أمام دورة صراع جديدة لا نهاية لها.

نقطة استراتيجية

تقع دير حافر في ريف حلب الشرقي، قرب الخط الحدودي مع ريف منبج، وتعتبر نقطة استراتيجية نظرًا إلى أنها ملتقى طرق مهم يربط بين مناطق سيطرة الحكومة السورية وريف منبج الخاضع لسيطرة “قسد”.

في دير حافر، ينتشر الجيش السوري في المراكز الرئيسة والنقاط العسكرية الواقعة على الطرق الرئيسة، بينما تنتشر “قسد” في مواقع استراتيجية على الأطراف الشمالية والشرقية، بالقرب من مناطق التماس مع قوات الحكومة والفصائل المحلية.

هذا التقسيم المكاني للنفوذ يجعل دير حافر منطقة شبه ساخنة دائمًا، إذ يمكن لأي استفزاز صغير أن يتحول بسرعة إلى اشتباكات قصيرة لكنها متكررة، ويعكس هشاشة أي تهدئة مؤقتة أو الاتفاقات المحلية بين الطرفين.

في 10 من آذار الماضي، وقع الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وقائد “قسد”، مظلوم عبدي، اتفاقًا يهدف إلى دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة.

وشمل ذلك المعابر والمطار وحقول النفط والغاز، مؤكدًا وحدة الأراضي السورية ورفض أي تقسيم، ويعد هذا الاتفاق المرجعية الأساسية لتفاهمات الطرفين.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة