نساء سوريات يرتدين أزياء تراثية احتفالًا بيوم المرأة في القامشلي - 8 آذار 2025 (فرانس برس)
العرب والكرد في الجزيرة السورية.. تعايش يتجاوز حدود السياسة
عنب بلدي – سدرة الحريري
“العلاقة بين الكرد والعرب هنا أعمق من مجرد التعايش، هي جزء من هويتنا المشتركة”، يقول هاكان، صاحب محل للحرف اليدوية في القامشلي، خلال حديث إلى عنب بلدي.
ويضيف، “نتعلم من بعضنا، نتبادل الأغاني والمواويل، ونحتفل بمناسباتنا التقليدية معًا. التراث ليس ملكًا لفئة واحدة، بل أرض للقاء يثري فيه كل طرف الآخر”.
حديث هاكان يعكس كيف تتقاطع الثقافة الكردية مع العربية في الحياة اليومية بالجزيرة، وكيف تتناغم لتضفي نكهة مميزة على تراث المنطقة.
تاريخ الجزيرة
تميزت منطقة الجزيرة السورية بتاريخ طويل من التعايش والتنوع الثقافي والاجتماعي والديني، حيث احتضنت قوميات مختلفة، حيث يوجد العرب والكرد والآشوريون والكلدان والسريان والإيزيديون، إضافة إلى تعدد الديانات والطوائف.
تشير المصادر التاريخية والموروث الشعبي إلى أن العلاقة بين العرب والكرد والمجتمعات الأخرى اتسمت بالتناغم والتواصل المستمر عبر الزمن، وتعتبر هذه الفترة من التعايش الطبيعي قاعدة أساسية في تاريخ المنطقة، أما مظاهر التوتر الحديثة فهي حالات طارئة تلعب فيها السياسة دورًا أساسيًا.
التراث الشفهي والتقدير المتبادل
يظهر التراث الكردي تقديرًا للعرب في الأمثال المحلية مثل: “أيها العربي النافع، أنت أفضل من الأب والأخ”.
كما يعكس التفاخر المشترك بالعادات الثقافية، حيث كان بعض أبناء العشائر الكردية يتباهون بارتداء “الكلابية” والعقال، ويشبّهون الأشخاص ذوي الهيبة بأعيان العرب أو شيوخ قبيلة شمر، التي امتدت علاقاتها التاريخية إلى العراق والأردن والسعودية.
ويشمل التراث الشفهي الأغاني الملحمية والمواويل القديمة، مع إشارات إلى الجمال العربي والتغزل بالفتيات ذوات القامات الممشوقة والعيون الكحيلة. وصف الإمام جلال الدين السيوطي الكرد بأنهم “شعب شديد الغيرة وقوي المراس”، وبأنهم “فرسان الشرق”.
وتؤكد لانا برمجة، كردية الأصل، أن العلاقة بين الكرد والعرب ليست مجرد توازي بين كيانين منفصلين، بل تفاعل مستمر يثري فيه كل طرف الآخر ويعزز النسيج الاجتماعي والثقافي للجزيرة.
احتفالات الكرد والعرب
يحتفل الكرد بعيد النوروز السنوي، الذي يزخر بالألوان الزاهية، ويشمل إشعال النار، وأداء الدبكات، وترديد الأهازيج الكردية، إضافة إلى الموسيقا والأغاني التقليدية.
وترى لانا أن هذه الاحتفالات “تعكس روح التراث الكردي وتتيح للعرب المشاركة والتعرف إلى ثقافتنا عن قرب، ما يعزز التفاهم والتواصل بين المجتمعات”.
أما العرب، فيحيون مناسباتهم التقليدية مثل عيد الفطر وعيد الأضحى والمهرجانات الشعبية، حيث تتزين المدن والأسواق وتقام الاحتفالات الدينية والاجتماعية المليئة بالأهازيج والرقصات الشعبية.
قالت سلمى فياض، عربية من دير الزور، “تجمعنا هذه المناسبات مع الأصدقاء والجيران من كل الأطراف، وأصدقائي من الكرد يأتون لمشاركتنا الاحتفالات، وتتوزع الحلويات بين العربية والكردية، ولا يخلو الأمر من ضيافة القهوة العربية”.
مطبخ متنوع وروابط اجتماعية
يشكل الطعام جزءًا أساسيًا من التراث الكردي في الجزيرة، حيث تعكس الأطباق التقليدية الثقافة اليومية والمناسبات الاحتفالية.
من أبرز هذه الأطعمة: “برغلي دوشلمكي” (البرغل)، “الطرشك” وهو طبق يصنع من الخضراوات الموسمية وله عدة طرق، “هفريشك” وهي عبارة عن وضع السمن على خبز التنور الحار مع رشة من السكر.
قال هاكان، “الأكلات التقليدية ليست مجرد طعام، بل وسيلة للتواصل بين العائلات والجيران، وتسهم في نقل الثقافة من جيل إلى آخر، وتعكس تراثنا العميق وروابطنا الاجتماعية”.
وأضاف، “الطعام العربي أيضًا لذيذ جدًا، وأستمتع بطريقة تقديمه وكرم الضيافة الذي يرافقه”.
أما من جانب العرب فيبرز “الثريد” كطبق تقليدي أساسي في المناسبات والأعياد.
ويُحضّر عادة بخبز عربي رقيق يُقطع إلى قطع صغيرة، ويُسقى بمرق اللحم أو الدجاج المطبوخ مع خضراوات موسمية مثل الجزر والبطاطا والكوسا.
بعد الغلي لفترة طويلة، تُسكب قطع الخبز على المرق لتمتص نكهاته، ويُقدّم الطبق ساخنًا مع قليل من الزيت أو السمن البلدي، ليصبح وجبة متكاملة وغنية بالعناصر الغذائية.
خلال المناسبات مثل عيد الأضحى أو الاحتفالات العائلية الكبيرة، يجتمع أفراد العائلة والجيران حول الطاولة لتناول “الثريد” معًا، كرمز للتواصل والمشاركة والتلاحم الاجتماعي.
قالت سلمى، وهي عربية من دير الزور، “كلما زارني أصدقائي الكرد صنعت لهم الثريد، وهم دائمًا يساعدونني في إعداده. نكون سعداء بتناوله في طبق واحد، لأنه يعكس ثقافتنا في التلاحم وحب الجار والأصدقاء”.
في الجزيرة السورية، يثبت التعايش بين الكرد والعرب أن الثقافة والهوية المشتركة ليست مجرد كلمات، بل واقع ملموس يتجسد في الاحتفالات والموسيقا والدبكات والمائدة المشتركة، فكل أغنية كردية تُغنى، وكل طبق عربي يُقدّم، وكل احتفال يُقام، يعكس قدرة المجتمعات على المزج بين التراث المختلف وخلق نسيج اجتماعي غني ومتماسك، حيث يصبح التنوع مصدر قوة وليس سبب انقسام.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :