العلاقات السورية- اللبنانية
لمى قنوت
بخطوات حذرة، تسير العلاقات السورية- اللبنانية، فبعد سقوط الأسد، بدا الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، حذرًا وغامضًا تجاه العلاقة مع لبنان، وتَجنب شكر البلد الذي استضاف ما يقارب 1.5 مليون لاجئ ولاجئة، في الخطاب الذي ألقاه في 14 من أيار الماضي، حين وجه خلاله الشكر للعديد من الدول، وذلك بعد عودته من الرياض ولقائه ترامب على هامش القمة الخليجية- الأمريكية، ومما لاشك فيه، أن طغيان أثر تدخل “حزب الله” العسكري في الصراع في سوريا، وارتكابه والميليشيات التابعة لإيران جرائم وانتهاكات جسيمة بحق الشعب السوري، كان حائلًا دون شكر لبنان، باعتباره، أي الحزب، جزءًا من الحكومة اللبنانية، بينما فسرته بعض الجهات الإعلامية اللبنانية آنذاك بعدم اعتراف بالكيان اللبناني، “كمؤشر سياسي مدروس يعكس موقفًا سياسيًا راسخًا” لا يتغير بتغير الوجوه في دمشق.
أما في لقاء الشرع مع عدد من الإعلاميين العرب في 24 من آب الماضي، فقد تحدث عن الحاجة إلى “فتح صفحة جديدة بيضاء، يُكتب عليها تاريخ جديد لتحسين العلاقات السورية- اللبنانية”، وأكد أهمية وجود عزيمة لإلغاء الإرث والذاكرة السلبية الماضية، وفجر تصريحًا خلال اللقاء، بأنه، وبعد وصولهم إلى دمشق في عملية “ردع العدوان”، كان رد فعلهم، لو حصل، تجاه “حزب الله” جراء ما فعله في سوريا، متاحًا ومباركًا دوليًا، لكنه، أي الشرع، آثر عدم الانجرار إلى “حقل ألغام”، فأي خطوة خاطئة في لبنان يمكن أن تفجر الوضع فيه.
وأضاف الشرع خلال اللقاء أن حل النزاعات السياسية في لبنان صعب بسبب الاستقطاب والأدلجة ووجود عدد من الأطراف الدولية، وأنه في بعض الأحيان تُفرض على لبنان “حلول” لا يمكنه تحملها، لذلك، اقترح الشرع ذهاب لبنان نحو علاجات اقتصادية لما فيها من آثار إيجابية على الاستقرار الأمني، وأن يستفيد من حالة “النهضة” الحالية في سوريا واستقطاب المستثمرين، ليطور البلدان بنيتهما التحتية ويبنيا علاقات تكامل اقتصادي، وهي سياسة ينفذها الشرع في سوريا، أي هروب من بناء عقد اجتماعي ورأب التصدع المجتمعي والانقسام السياسي إلى مشاريع اقتصادية.
وعلى الرغم من محاولة الشرع تقديم خطاب دبلوماسي وودي يكون فيه لبنان ندًا وشريكًا لسوريا، والعكس بالعكس، فإنه، أي الشرع، أخفق حين قال إنه تنازل عن الجرح الموجود في داخل سوريا بفعل اعتداءات “حزب الله” ودعمه للنظام البائد، لكنه بذلك صادر حق مجتمعات الضحايا في المحاسبة وجبر الضرر ضمن مسار العدالة الانتقالية.
الملفات المطروح معالجتها حاليًا بين البلدين
ملف المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية، ويعتبر واحدًا من الملفات البارزة لدى الجانب السوري، إذ قدرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” عدد المحتجزين بحوالي 2000 شخص، من بينهم نحو 190 معتقلًا على خلفية مشاركتهم في الثورة السورية، وتشير مصادر أخرى إلى أن 800 محتجز من العدد الكلي المذكور متهمون بقضايا أمنية، بينما قدم رئيس الوفد الرسمي السوري، مدير الشؤون العربية في وزارة الخارجية، محمد طه الأحمد، الذي زار بيروت في 1 من أيلول الحالي، ملفًا يشير إلى وجود نحو 400 معتقل في السجون اللبنانية، بتهم تتعلق بالإقامة غير الشرعية ودعم الثورة في سوريا، ويمكن إطلاق سراحهم كمرحلة أولى. بالمقابل، طالب الجانب اللبناني بكشف مصير 200 لبناني مفقود/مختفٍ قسرًا في سوريا منذ عام 1977.
ولا بد من الإشارة إلى أن عددًا من المنظمات الحقوقية كانت تدين ولسنوات الترحيل القسري لمحتجزين سوريين إلى سوريا إبان حكم نظام الأسد، من ناشطين في المعارضة ومنشقين عن الجيش، وحاول بعضهم الانتحار شنقًا مخافة الترحيل القسري، كما حدث في آذار 2024، عندما قام أربعة محتجزين في سجن “رومية” بذلك، وكان قد تم اعتقالهم نتيجة فرارهم من النظام ودخولهم “خلسة” إلى لبنان. وفي ذات السجن أيضًا، وفي 11 من شباط الماضي، أضرب عدد من المحتجزين السوريين عن الطعام احتجاجًا على مرور سنوات على احتجازهم في ظروف قاسية وإهمال صحي، وعدم توفر محاكمات عادلة أو تأخيرها، ومن أجل عدم ترحيلهم قسرًا إلى سوريا، وفي 4 من تموز الماضي، انتحر محمد فواز الأشرف، المعروف باسم محمد مالك، والذي احتجز في سجن “رومية” أيضًا لمدة سنتين ونصف السنة دون أن تعقد له أي جلسة محاكمة خلال تلك الفترة، وكان الأشرف قد اشترى من ماله دواء لمعالجة مرض “الصدفية” الجلدي الذي انتشر في جسده وسبب له آلامًا جسدية ونفسية، لكن إدارة السجن لم تسمح له بإدخال العلاج أو تسهيل وصوله إليه، ما أدى إلى تدهور حالته الصحية. ومن المفيد ذكره، أن تسليم المعتقلين السوريين إلى بلدهم يخضع للاتفاقية القضائية لعام 1951 بين سوريا ولبنان، والتي تتضمن أحكامًا تخص تسليم السجناء.
ومن ضمن الملفات المطروحة أيضًا، متابعة العمل على ضبط الحدود بين البلدين ومعالجة المعابر غير الشرعية، وقد اتفق الطرفان على تشكيل لجنة تقنية تضع خرائط دقيقة للنقاط الحدودية، وخاصة في عكار والبقاع الغربي وبعلبك الهرمل، حيث رُصد أكثر من عشرين معبرًا غير شرعي يُستخدم في أعمال التهريب بين البلدين، وقد اتفقا على إغلاقها من جانبي البلدين.
أما ملف ترسيم الحدود بين البلدين، فلم يتطرق الجانبان خلال لقائهما، في 1 من أيلول الحالي، إلى مزارع شبعا، علمًا أن الحكومة الفرنسية سلمت، في أيار الماضي، وثائق وخرائط تاريخية من أرشيفها للحكومة اللبنانية من أجل دعم لبنان في عملية ترسيم حدوده البرية مع سوريا.
أما ملف عودة اللاجئين واللاجئات إلى سوريا، فهو من أولويات الحكومة اللبنانية، وقد أقرت خطة رسمية في 16 من حزيران الماضي، بعد توقيع اتفاق تبادل رسائل مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتنسيق مع المجتمع الدولي لتأمين التمويل اللازم، وبدأت بتنفيذها في 1 من تموز الماضي، حيث أعطت فيها الأولوية لتفكيك المخيمات العشوائية. وشملت الخطة نوعين من العودة، ذاتية، ومنظمة يتم تنسيقها بين المفوضية ومنظمة الهجرة الدولية والأمن العام اللبناني، وفي كلتا الحالتين يجب أن يكون اللاجئ أو “النازح” كما تطلق عليه الحكومة اللبنانية، مسجلًا لدى المفوضية ليحصل على الحوافز، وتُحوّل بياناته ليستفيد من الخدمات داخل سوريا، وتُنفذ الخطة بالتعاون مع الجانب السوري لتنسيق العودة وضمان استمراريتها.
علاوة على ذلك، فإن الجانبين السوري واللبناني سيعملان على مراجعة جميع الاتفاقيات والمعاهدات المبرمة بين البلدين، وسيقومان بإنشاء لجان مشتركة تعمل على القضايا والملفات التي تهم البلدين، وهي مقدمة لبناء علاقة قائمة على احترام السيادة والقانون والاستقرار.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :