موفق الخوجة | وسيم العدوي | أمير حقوق
اتخذت قضية حي السومرية على أطراف العاصمة السورية دمشق، طابعًا جدليًا، تحول من المطالبة باسترجاع الملكيات والأراضي إلى مواجهة مع أهالي الحي، تغذيها الحالة القائمة في سوريا من استقطابات مذهبية ومناطقية.
الجدل بدأ بعد اتخاذ إجراءات من قوات حكومية، في أثناء إرسال أوامر بالإخلاء ترافقت مع انتهاكات بحق السكان، ما حوّل القضية من استعادة ملكية إلى اتهامات بالتغيير الديموغرافي.
ومنذ ستينيات القرن الماضي، خضعت أراضي أهالي المعضمية التي بنيت فوقها مساكن السومرية لاستملاكات متتالية تحت ذريعة تشييد منشآت رياضية لمحافظة دمشق.
الواقع كشف عن استخدامات عسكرية ومخالفات سكنية، وسط تجاهل تام لحقوق المالكين الأصليين من أهالي معضمية الشام، وتفاقم أزمة مالكي الشقق التي بنيت على أراضيهم.
تبحث عنب بلدي في هذا التحقيق حقيقة العقارات المستملَكة في حي السومرية، وتناقش أساس الجدل قانونيًا مع باحثين وحقوقيين، وأصحاب القضية، من ممثلين عن أهالي المعضمية وحي السومرية.
العقار “3603”..
أراضي المعضمية المغتصبة
في قلب الجدل العقاري الذي يحيط بمنطقة السومرية، يبرز العقار “3603” الذي شُيدت عليه الملكيات محل الخلاف على الملكية، كرمز لصراع طويل بين القانون والسلطة، بين حقوق الأهالي وهيمنة الجهات العسكرية، ونشوء واقع سكني عشوائي مخالف على هذا العقار.
من النوادي الرياضية إلى الهيمنة العسكرية
المهندس المدني مظهر شربجي، المختص بالقضايا العقارية في داريا والمعضمية، كشف أن أول استملاك للعقار رقم “3603” في منطقة السومرية، والذي تبلغ مساحته 993 دونمًا (يبلغ الدونم الواحد 1000 متر مربع) جرى عام 1960 بموجب مرسوم لمصلحة وزارة الشؤون البلدية والقروية في سوريا، بهدف إقامة منشآت رياضية لمحافظة دمشق.
خضع العقار ذاته لاستملاكات لاحقة لمصلحة وزارة الإسكان ومحافظة دمشق أيضًا، لكن العقار استُخدم قبل الاستملاكات اللاحقة لبناء مساكن عسكرية تابعة لـ”سرايا الدفاع” التي أسسها رفعت الأسد، شقيق الرئيس الأسبق، حافظ الأسد، ثم “الفرقة الرابعة”، إضافة إلى مركز الأبحاث الصناعية ومركز الانطلاق (الكراج).
وأوضح المهندس شربجي أن مساكن السومرية العسكرية شُيدت في سبعينيات القرن الماضي بواسطة مؤسسة الإنشاءات العسكرية، وتبعتها مخالفات سكنية بجوارها، رغم أن ملكية العقار بالكامل تعود لأهالي معضمية الشام الواقعة ضمن محافظة ريف دمشق.
إشارات استملاك
حسب السجل العقاري، توجد على هذا العقار عدة إشارات استملاك هي:
– إشارة استملاك لمصلحة وزارة الشؤون البلدية بموجب القرار الاستملاكي رقم 436 لعام 1960.
– إشارة استملاك بموجب العقد 1076 لعام 1980 لمصلحة وزارة الإسكان والمرافق.
– إشارة استملاك جزئي بموجب العقد 1081 لعام 1991 لمصلحة محافظة مدينة دمشق.
– عقد استملاك جزئي العقد 1153 لعام 2014 أرسل به تكليف.
هذه الاستملاكات لم تُنفذ حتى الآن، ولم تدفع الدولة قيمة العقار المستملك لمالكيه بدليل أن العقار لم تنتقل ملكيته للجمهورية العربية السورية، وبقي على اسم المالكين حتى الآن.
المحامي عارف الشعال
بلا تعويض
أشار المهندس مظهر شربجي إلى أن مرسوم الاستملاك نصّ على تنظيم وتقسيم العقارات لتصبح ذات نفع عام، لكن هذا الهدف لم يتحقق بسبب سيطرة “سرايا الدفاع” (التي كان يقودها رفعت الأسد) على المنطقة، وتكليف مؤسسة الإسكان العسكري بإنشاء مساكن لعناصرها، ما جعل العقار خارج إطار القانون وتحت الهيمنة العسكرية.
وقال إن مساكن السومرية كانت مخصصة لصف الضباط، كما تم استملاك أراضٍ أخرى من المعضمية، منها أرض على يمين طريق مطار “المزة العسكري”، حيث أنشئت أبنية لضباط “سرايا الدفاع” وسُميت بـ”الزهريات”، وأراضٍ على طريق بيروت وصولًا إلى فندق “الياسمين” ومبنى “أونروا”.
وأكد أن إخراج القيد للعقار “3603” يظهر أسماء أهالي المعضمية كمالكين، ولم يتلقَ أي منهم تعويضًا ماليًا، رغم إيداع مبالغ زهيدة في مصرف سوريا المركزي عام 2009، إذ جرى تمديد مهلة الاستلام حتى عام 2023، لكن الأهالي رفضوا استلامها، معتبرين الاستملاك “اغتصابًا للعقار”، وهذه الصفة دعوى جزائية تُنظر أمام محكمة صلح الجزاء.
وتسيطر الدولة على 85% من مساحة المعضمية، بينما يتصرف أهالي المعضمية بما يقارب 15% من مساحة أملاكهم وأراضيهم، بحسب المحامي عارف الشعال.
تمتد الحدود الإدارية الحالية لمدينة المعضمية من عقدة قصر الشعب آخر أوتوستراد المزة (بعد بناء الأونروا مباشرة) حتى قصر “الشيخ حمد” المشرف على سهل يعفور، ومن دمر الغربية شمالًا، حتى حدود داريا وجديدة عرطوز جنوبًا.
وثيقة رسمية بحق ملكية الأرض
المهندس حسن أبو زيد، رئيس بلدية معضمية الشام السابق، قدم لعنب بلدي وثيقة رسمية تُعرف بـ”محضر التخوم“، صادرة عن المصالح العقارية، وتُثبت ملكية أهالي المعضمية للعقار رقم “3603”، حيث تم تسجيل أسماء 805 مالكين في السجل العقاري عام 1966 (هم أهالي المعضمية آنذاك)، وبمرور الوقت ارتفع عدد الورثة والمالكين إلى أكثر من 200 ألف شخص.
العقار مسجل رسميًا باسم أهالي معضمية الشام، وفق إخراجات قيد عقارية مثبتة في السجل العقاري (الطابو)، وتُعد بمثابة سندات ملكية قانونية، لها الحجية على غيرها من القوانين والقرارات وحتى قضاء الحكم، أضاف أبو زيد.
واتهم أبو زيد مدير التخطيط والتنظيم العمراني في محافظة دمشق بـ”تجاهل الحقائق”، والتعامل بانحياز لمصلحة أهالي منطقة السومرية، مستندًا إلى قرارات لجان سابقة شكلها النظام السابق، وكانت خاضعة للسلطة الأمنية.
استملاك العقار “3603”
ينص مرسوم استملاك العقار “3603” على أن “العقار يُعد ذا نفع عام، ويجب استملاكه وفق المخطط الاستملاكي رقم “611”، المحفوظ لدى محافظة ريف دمشق، ووزارة الإسكان والتعمير، ورئاسة مجلس الوزراء، وذلك بهدف تقسيمه وتنظيمه وفق القانون رقم “60”.
محاكمة محافظي دمشق السابقين
أكد المهندس أبو زيد أن محافظة دمشق خالفت نص مرسوم الاستملاك والقانون “60” في عدة بنود، كما ارتكبت لجنة حل الخلافات ولجنة التخمين البدائية مخالفات واضحة وصريحة لقانون الاستملاك، بضغوط أمنية، خاصة أن بعض أهالي السومرية كانوا مرتبطين بأجهزة أمنية.
وطالب أبو زيد بمحاكمة ومحاسبة المحافظين السابقين، وعلى رأسهم بشر الصبان، إضافة إلى أعضاء لجنة حل الخلافات.
وأوضح أن أول إجراء كان على اللجنة اتخاذه هو طلب وثائق ملكية العقار رقم “3603”، وهو ما تجاهلته عمدًا بضغط من الأجهزة الأمنية لحرمان أهالي المعضمية من حقوقهم.
لا خصومة.. ولكن الحق ضائع
قال المهندس حسن أبو زيد، إن جميع الأبنية التي تنطبق عليها الحالات التالية تعتبر مخالفة ويجب هدمها، وفقًا للأنظمة والقوانين المعمول بها، بما في ذلك نظام ضابطة البناء وقانون قمع المخالفات:
- كل بناء يُشاد دون ترخيص.
- كل بناء يتعدى على الأملاك العامة أو يتجاوز عليها
- – كل بناء غير حائز على المتانة الكافية.
وأوضح المهندس أبو زيد أن القضية ليست طائفية أو سياسية، بل تتعلق بحقوق ملكية واضحة ومثبتة، حتى إن بعض أهالي المعضمية يملكون منازل في منطقة السومرية، وقد تم إخلاؤها خلال الأيام الماضية، إلى جانب أبناء الساحل الذين تم إخلاء منازلهم أيضًا.
وكشف أن السومرية منطقة يسكنها مواطنون من مختلف الطوائف، وأن أهالي المعضمية لا يحملون أي خصومة تجاه أي طرف في سوريا، بل يسعون فقط لاستعادة حقوقهم القانونية والشرعية.
تعويض جزئي لا يمثل الملكية الكاملة
في الأعوام الماضية أودعت ثمانية ملايين ليرة سورية في حساب مصرف سوريا المركزي باسم ممثل أهالي المعضمية شحادة صوان.
أبو زيد، أشار إلى أن هذا المبلغ كان تعويضًا عن الأرض التي تم إنشاء أوتوستراد دمشق– بيروت عليها، وهي جزء صغير من العقار المجاور لمنطقة السومرية.
وأكد رفض أهالي المعضمية آنذاك، وما زالوا، أن يقوم الممثل صوان بسحب هذا المبلغ أو توزيعه، لأن التعويض لا يشمل كامل العقار ولا يعكس القيمة الحقيقية للأرض.
وأكد أبو زيد أن محافظة دمشق، حسب القانون، لا تملك الحق في بيع هذا العقار أو التصرف به، لأنه مخصص لأغراض عامة ومؤسسات رسمية.
وشدد على أن هذا الوضع القانوني يجعل أي محاولة لبيع أو تخصيص العقار مخالفة صريحة للأنظمة المعمول بها.
استملاك باطل
من جانبه أوضح، المحامي أنور البني، رئيس “المركز السوري للدراسات والأبحاث”، أن قرارات الاستملاك كان يجب تنفيذها من قبل وزارة الشؤون البلدية والقروية ومحافظة دمشق وليس من قبل وزارة الدفاع، كما أن استخدام الأرض لبناء مركز البحوث ومركز الأبحاث الصناعية يخالف غاية الاستملاك، ما يجعل هذه القرارات باطلة قانونًا.
وأكد أن الجهة الوحيدة التي تملك حق إدارة الاستملاك هي الجهة المستملكة وللغرض الذي تم الاستملاك من أجله فقط، في إشارة إلى وزارة الشؤون البلدية والقروية.
وبالنسبة لأحكام المحكمة المتعلقة بملكية البيوت في السومرية بعقود البيع والشراء بين القاطنين فيها، أوضح البني أنها لا تمس ملكية الأرض، بل تعتبر حكمًا ببيع أنقاض البناء فقط، ولا يمنح أي حق قانوني في تملك الأرض.
وقال إن حكم المحكمة هو مجرد وصف للحالة الراهنة، ويمنح حق الانتفاع بالبناء للمشتري، وليس حق تملك الأرض المقام عليها البناء.
وأكد البني أن سكن العائلات في المساكن المخالفة بالسومرية يعتبر “غير شرعي قانونًا”، لكن يجب إيجاد آليات لمعالجة هذه المشكلة وألا تتم بالقوة.
وكذلك تعد كل المنشآت المقامة مثل مركز البحوث وكراج انطلاق بيروت “غير شرعية”، لأن قانون الاستملاك لا يخول أحدًا بالبناء على الأرض، ما يجعل وجودها مخالفًا، بحسب البني.
وأشار إلى أن الحل القانوني يكمن في إلغاء قوانين الاستملاك عبر القضاء المستقل، وإعادة الأرض لأصحابها لتكون لهم حرية التصرف بها.
إثبات ملكية الأبنية.. وليس الأرض
حصلت عنب بلدي على صورة من قرار الحكم “469 أساس 1089″، الصادر عن محكمة الصلح المدني في داريا عام 2011، برئاسة القاضي محمد أحمد حجازي.
موضوع الدعوى كان “حوالة حق”، وهي اتفاق قانوني يُنقل بموجبه حق الدائن الأصلي إلى شخص آخر دون الحاجة لموافقة المدين.
الدعوى تتعلق ببيع شقة سكنية في منطقة المخالفات الواقعة ضمن العقار “3603” في السومرية، حيث تم تثبيت ملكية أحد الأهالي للبناء المخالف بموجب عقد بيع بين البائع والمشتري.
نص قرار المحكمة على أن الجهة المدعى عليها حصلت على قرار مكتسب الدرجة القطعية من لجنة حل الخلافات في المنطقة الاستملاكية بالمعضمية، رقم “226 أساس 165” بتاريخ 19 من نيسان 2005، والذي يقضي بتثبيت ملكية المعترض للبناء المشيد على العقار “3603”.
وأقرت المحكمة، حسب القرار، باستحقاق صاحب البناء لقيمته المقدرة من قبل لجان الاستملاك في محافظة دمشق، وتثبيت حوالة الحق بين طرفي الدعوى، بما يشمل الحقوق والالتزامات، أي أن المشتري أصبح مالكًا للبناء وليس للأرض.
وعلى الوجه الآخر من قرار الحكم، دوّن مدير التنفيذ بمحكمة داريا تعليمات بإرسال نسخة من القرار إلى مديرية السجل العقاري في محافظة دمشق بتاريخ 29 من كانون الأول 2011، لتسجيل إشارة الحكم على صحيفة العقار رقم “3603”.
شرارة الأحداث الأخيرة..
إخلاء قسري؟
بدأت التوترات في حي السومرية بتوجيه إنذارات للأهالي لإخلاء المنازل خلال 72 ساعة، من قبل عناصر مسلحين يرتدون زيًا عسكريًا، في 27 من آب الماضي، مع وجود “انتهاكات” بحق أهالي الحي.
ثلاثة مصادر متقاطعة من أهالي السومرية أكدوا لعنب بلدي أنه في 26 من آب الماضي، أرسلت لمجموعة الحي عبر منصة “واتساب” رسالة من القائد الأمني للحي، بأن لجنة الإسكان العليا ستقوم بفحص ملكية المساكن، لمعرفة من يملك عقاره ومن استولي عليه، دون أي إجراءات حاليًا.
في اليوم التالي، دخل عناصر يرجح أنهم يتبعون لوزارة الدفاع، بدلًا من اللجنة، وانتشروا في الحي، ومنعوا الدخول والخروج منه، وطالبوا جميع الأهالي بالإخلاء حتى من معه عقد ملكية بمنزله، مع توجيه عبارات “توبيخية” للأهالي.
الأوامر جاءت بناء على وثيقة “لجنة الإسكان العامة”، إلا أنها لم تحمل أي توقيع رسمي، وهي فقط منسوبة لرئاسة الجمهورية، بحسب ما وُزع للأهالي، وحصلت عنب بلدي على صورة منها.
ومع توجيه إنذارات الإخلاء ومداهمة البيوت وفحص نوع ملكية العقارات، اعتقل العناصر عشرات الشباب من الحي، مدنيين أو عسكريين حاصلين على تسوية، ومنهم من دون الـ18 عامًا، كما فتشوا أجهزة الأهالي، وصادروا بعضها، وفقًا لإفاداتهم، ليطلق سراح بعضهم لاحقًا بعد تعرضهم للضرب.
طلب العناصر من الأهالي التوجه للساحة للقاء المحافظ، لكن اللقاء اقتصر على العناصر الأمنيين فقط، لتجديد إنذارات الإخلاء، ما أدى إلى نقاشات بين الجانبين تحولت إلى صراخ متبادل، وهجوم على بعض السيدات، ومصادرة هواتف من يصورن.
لا إنذارات سابقة
رئيس لجنة حي السومرية، كرم خزام، أكد لعنب بلدي أن أهالي الحي لم يتلقوا أي إنذار بالإخلاء سابقًا بعكس ما تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى أن الإنذارات توجهت فقط للمحال الموجودة ضمن الشارع العام.
أول إنذار توجه للأهالي كان إنذارًا شفويًا للمقيمين في المساكن العسكرية بالحي فقط، في 3 من حزيران الماضي، وليس لأهالي المنازل المحيطة (البيوت العربية)، من قبل لجنة الإسكان العليا.
الإنذار بلغت مدته شهرًا، وبأقل من شهر أخليت هذه المباني كليًا.
يتكون حي السومرية من مباٍن عسكرية مؤلفة من أربعة طوابق يتجاوز عددها 2000 شقة.
بينما يصل عدد المنازل (البيوت العربية) إلى حوالي 1500 منزل، وتقسم إلى قسمين:
-
- القسم الأول: يحمل ورقة ملكية من المحكمة (حكم محكمة)، ويبلغ 1400 منزل.
- القسم الآخر: الملكية تعود تبعًا لملكية عدادَي الماء والكهرباء، ويبلغ حوالي 100 منزل.
كرم خزام
رئيس لجنة حي السومرية
إشارات “X” و”O”
وضع العسكريون، يوم دخولهم حي السومرية، إشارات على المنازل، تمثلت بـ”X” التي تعني عدم الإخلاء، وإشارة “O” التي تعني الإخلاء، بحسب رئيس لجنة الحي، مشيرًا إلى أن وضع الإشارتين لم يُعرف على أي أساس.
ويرى رئيس لجنة الحي، أن الأمر ناتج عن تنفيذ عناصر غير مدربين ومعنيين هذه الإجراءات، ولا يملكون الخبرة القانونية، فالقضية تتطلب لجنة من المحافظة معنية بذلك وذات خبرة.
رئيس اللجنة، كرم خزام، أكد أن نسبة الإخلاء في حي “السومرية” وصلت تقريبًا إلى 80%، وبعد تطمينات المحافظ وتوجيهه لعودة الأهالي الذين أخلوا منازلهم، لم توافق القوى العسكرية الموجودة بالحي على عودتهم، وطلبت ورقة “أمر خطي” من المحافظة بذلك، وعند العودة للمحافظة بهذا الشأن، وعدت بمعالجة الأمر قريبًا.
المحافظ وعد الأهالي بحل القضية، مؤكدًا عدم وجود “إخلاء قسري” للأهالي، وأن الخلاف يحل بالقضاء لأن سوريا دولة قانون وقضاء، بحسب خزام.
وزارة الداخلية أكدت لعنب بلدي أن الوزارة لا علاقة لها بالإخلاء، ولم تحصل عنب بلدي على استجابة من وزارة الدفاع، ولا من القائد الأمني في الحي المعروف بـ”أبو حذيفة”.
“إخلاءات قسرية”؟
من جانبها قالت، المحامية والباحثة القانونية مع “البرنامج السوري للتطوير القانوني” (SLDP)، آلاء يونس، لعنب بلدي، إن ما جرى خلال الأيام القليلة الماضية هو “إخلاءات قسرية”، نُفذت خارج الأطر القضائية، عبر “جهات محلية مسلحة” ومن دون أوامر تنفيذ أصولية أو إشعارات كافية أو بدائل سكن وتعويض.
واعتبرت أنها طُبقت “انتقائيًا” على حي السومرية، بينما توجد أحياء عشوائية مماثلة لم تُمس، وهو ما يثير شبهة التمييز على أساس “هوياتي”، وخاصة في سياق الانتهاكات التي ارتكبت بحق “الطائفة العلوية” في آذار الماضي. لاحقًا جُمّدت الإجراءات وأُحيل الملف إلى لجان قانونية مشتركة، في اعتراف ضمني بأن المعالجة لا تكون إلا عبر القضاء وسيادة القانون.
الناشطة في مجال حقوق الإنسان، رنا الشيخ علي، قالت لعنب بلدي، إن أي حق ضمن إطار الحياة اليومية العادية، وخارج فترة النزاع والاستبداد، يحدد بفترة للمطالبة به.
مسؤولية وزارة الدفاع هي تسليم الممتلكات التي تم الاستيلاء عليها من قبل وزارة الدفاع سابقًا للمتضررين، أضافت الشيخ علي.
ليس من اختصاص وزارة الدفاع إخلاء المساكن، ولا ينبغي أن تحصل عملية تهجير، والأساس في معالجة هذه القضايا أن تشكّل لجان خاصة تتعلق بحقوق الملكية والعقارات، ويجب تأمين حل بديل، خاصة في حالة حي السومرية.
رنا الشيخ علي
ناشطة في مجال حقوق الإنسان
وترجح الناشطة الحقوقية أن عملية الإخلاء الأخيرة ستولد حالة تهجير، بينما أغلبية الأهالي لا يملكون أراضي في مدنهم وقراهم، بالترافق مع نشوء حالة من التغيير الديموغرافي، وهذا يفرض أن تكون الحلول حساسة، والعدالة الانتقالية هنا تكون بحسب رؤية أصحاب الحق أي أصحاب الأراضي، وليست رؤية الدولة، مع مراعاة حق الضحايا وسماع أصوات من يعتبرون “منتهكين”، وهذا أمر قانوني.
وذكرت الناشطة أن الدولة السورية الجهة الوحيدة المخولة باستخدام القوة، ولكن القوة يجب أن تكون مضبوطة بمعايير لا ترتبط بانتهاكات، وتراعي حساسية القضايا، وطبيعة القضية، وألا تخلق أزمات عدم استقرار، وبالتالي استخدام القوة بحي “السومرية” مرفوض، منوهة إلى أن استرداد الحقوق يجب ألا يترافق مع خلق أزمات جديدة، والنظر إلى القضايا بنظرة واحدة.
وأوضحت أن هناك إشكالية تتمثل بأنه تم الاستيلاء عليها كأراضٍ، وصارت أبنية، وأن الجيل المقيم الآن بالحي، ربما من الجيل الثاني والثالث، وربما ليسوا السكان الأصليين الذين استملكوا الأراضي.
ما مصير أهالي السومرية؟
رئيس لجنة الحي، كرم خزام، أوضح لعنب بلدي أن مطالب الأهالي تتمثل أولًا بالحماية الأمنية، ثم تشكيل لجان قانونية تعنى بمعالجة الأمر، وأي حل يجب أن يكون بالطرق القانونية حصرًا، مهما كانت نتائج المعالجة، مؤكدًا أن الأهالي يوافقون على تلك النتائج.
توصيات
اقترحت الناشطة في حقوق الإنسان، رنا الشيخ علي، أن يتم التعامل مع المقيمين بالمساكن العشوائية، حسب تجارب دولية سابقة، وفق أحد الخيارات التالية:
- منحهم فترة إخلاء معينة، قد تمتد لخمس سنوات.
- تحقيق نفع مشترك من العقار.
- دفع تعويض لأصحاب الأرض الأصليين، أو مداخل أخرى.
أما الحل العادل برأي المحامية والباحثة القانونية مع “البرنامج السوري للتطوير القانوني” (SLDP)، آلاء يونس، فهو أن يوازن بين ثلاثة حقوق، حق الدولة في التنظيم وسيادة القانون، وحقوق المالكين الأصليين الذين تضرروا من استملاكات غير منصفة أو غير مُستثمرة، واستقرار الحائزين الحاليين الذين استقروا لعقود بقبول رسمي ضمنيًا أو صراحة.
وأوصت بـ:
- وقف فوري شامل لأي إخلاءات “قسرية” في حي السومرية وسواه إلى أن يُستكمل إطار قانوني ضامن.
- إنشاء لجنة وطنية مستقلة لحقوق السكن والأرض والملكية بتمثيل قضائي، مساحي، مجتمعي وبمرافقة أممية، لمراجعة الاستملاكات، وفضّ التزاحم بين “حق الأصل” و“حق الحيازة”، واقتراح صكوك تسوية وتسجيل مبسطة.
- تسوية تنظيمية خاصة بالسومرية: مسح عقاري- اجتماعي، تثبيت تدريجي للحيازة القابلة للتنظيم ومنح سندات، ومعالجة الأجزاء غير القابلة عبر بدائل سكن محلية وتعويض مسبق
- تعويض منصف وحديث القيمة للمالكين الأصليين (نقدي/ بدائل/ شراكات تطوير) ممول من صندوق وطني لإصلاح الملف بدعم دولي.
- قوننة الإجراءات: حصر أي إخلاء لاحق بالقضاء، مع إشعار كافٍ ومهل وطعون ورقابة مدنية، وتطبيق معايير موحدة بلا انتقائية هوياتية، ومساءلة من تورط في الانتهاكات.
اقتراح قانوني
اقترح رئيس “المركز السوري للأبحاث والدراسات”، أنور البني، إقامة مشروع سكني على العقار، يمنح فيه أهالي المعضمية 80% من الأسهم باعتبارهم أصحاب الأرض، و20% لشاغلي العقار أو حسب نسبة يتم الاتفاق عليها.
وأشار المحامي البني إلى أن العدالة الانتقالية تدعو إلى حل هذه المسائل المتعلقة بالمخالفات المقامة في السومرية بشكل قانوني.
من جانبه، اقترح المهندس مظهر شربجي أن تعود ملكية العقار للدولة وفق قوانين الاستملاك، مع تعويض أهالي المعضمية بمشاريع استثمارية أو أبنية سكنية، وكذلك تعويض من أقاموا أبنية مخالفة على العقار.
العشوائيات تحيط دمشق..
كيف تشكلت السردية؟
يعد حي السومرية أحد الأحياء العشوائية العديدة التي تنتشر على أطراف العاصمة دمشق، كحال كثير من المدن السورية، ويغلب على سكانها أنهم من الطبقة الفقيرة، ومن الموظفين الحكوميين، خاصة من المؤسسة العسكرية.
وينحدر أغلبية سكان حي السومرية من الساحل السوري، وكثير منهم إما عناصر أو ضباط في الجيش السوري السابق (المنحل حاليًا).
وشكّل حي السومرية، على مر العقود الماضية، حالة جدلية، بسبب وجوده على تخوم دمشق، وقربه من مراكز حساسة مثل مطار “المزة العسكري” الذي يبعد مدرجه أقل من 800 متر عن أول أبنية الحي، مما شكل سردية تتحدث عن تطويق دمشق بأحياء عشوائية، يسكنها موالون للنظام، لتشكيل درع مدني وحماية العاصمة في أوقات الأزمات والصراعات العسكرية.
سومر بن رفعت الأسد
تشير الروايات المتداولة بين أبناء الحي، الذين قابلتهم عنب بلدي، أنه منذ نشوء المساكن العسكرية والمخالفات السكنية على أرض العقار “3603”، اشترى سومر بن رفعت الأسد هذا العقار عبر شيكات وحوالات، ثم وهبه لوزارة الدفاع، التي بدورها كلفت مؤسسة الإسكان العسكري ببناء مساكن سكنية في السومرية.
هذه المساكن سُميت بـ”السومرية” نسبة إلى سومر، وصارت تابعة للمساكن العسكرية، وخصصت لسكن صف الضباط في “الفرقة الرابعة”.
لكن هذه الرواية تفتقر إلى الدقة، إذ لم تنتقل ملكية الأرض إلى الدولة وبقيت باسم أبناء المعضمية، عدا عن قانونية بيع الدولة أملاكًا عامة أساسًا.
ولم تتمكن عنب بلدي من التحقق من وثيقة مستقلة أو أبحاث معتبرة من سبب تسمية الحي.
رفعت، هو شقيق الرئيس السوري الأسبق، حافظ الأسد، ومؤسس “سرايا الدفاع” التي كانت بمثابة قوات رديفة، ثم ألحقت بـ”الفرقة الرابعة” ضمن الجيش السوري السابق، عام 1984.
وكان لـ”سرايا الدفاع” دور بارز فيما يسمى بـ”أحداث الثمانينيات” التي انفجرت عام 1979، وشاركت بمجازر في حماة وسجن “تدمر” خلال حرب النظام السوري ضد جماعة “الإخوان المسلمين”.
كيف تشكلت السردية
قال رئيس “المركز السوري للدراسات والأبحاث”، المحامي أنور البني، لعنب بلدي، إن ما حدث في المعضمية من سلب للأراضي بقوة السلاح ليس حالة فريدة، بل تكرر في مناطق مثل برزة وعش الورور والمزة “86” والباردة جنوبًا.
وأوضح البني أن الرئيس الأسبق حافظ الأسد كانت لديه خطة لتطويق دمشق بالعشوائيات، بدأت من السومرية بهدف حصار العاصمة والسيطرة عليها، وسكن في هذه المناطق المنتفعون من النظام، ما يفسر دفاعهم المستمر عن الأسد وابنه للحفاظ على امتيازاتهم.
من جانبه، قال المحلل السياسي والكاتب بالشأن السوري في جريدة “النهار” اللبنانية، عبد الله العلي، إن العلاقة بين حافظ الأسد والعلويين في دمشق لم تُبنَ على دمجهم في النسيج العمراني المنظم، بل على توفير مساكن هامشية تضمن لهم القرب من العاصمة وتُبقي ولاءهم ضرورة وجودية أكثر من كونه خيارًا.
وأضاف، لعنب بلدي، أن عدم بناء مجمعات سكنية نظامية لاحتواء الطائفة العلوية أو غيرهم من الموالين للنظام السابق، والحرص على استقرارهم في أحياء عشوائية هشة بلا سندات ملكية، تعتمد بالكامل على الغطاء الأمني.
واعتبر أن هذا لم يكن مصادفة، بل يعد جزءًا من آلية الحكم، إذ أبقى حتى الفئات الموالية في وضع قانوني هش، ما يجعلها أكثر تبعية وحرصًا على الولاء.
في الوقت نفسه، منح هذا الترتيب النظام مرونة إضافية، بحسب العلي، إذ إن الأحياء المخالفة يمكن إخلاؤها أو إعادة تشكيلها عند الحاجة، بعكس المجمعات النظامية التي تخلق حقوق ملكية يصعب المساس بها.
وأشار إلى أن هذه السياسة ليست فريدة في سوريا، بل عرفتها أنظمة سلطوية أخرى أبقت قواعدها الاجتماعية في حالة هشاشة لتضمن السيطرة.
نقطة تحول
شكّلت أحداث “الإخوان المسلمين” في الثمانينيات نقطة التحول في ملف العشوائيات، وفق الكاتب، التي أحالها إلى قسمين، الأول وفّر حاضنة للنظام السابق، والآخر احتضن المعارضة.
نشأت عشوائيات مثل السومرية في هذه الحقبة، التي أنشأ رفعت الأسد قسمًا منها كمساكن لضباط “سرايا الدفاع”، بينما نما إلى جانبها حي “الشهداء” المدني الذي أثار نزاعات الإخلاء الأخيرة.
وظهرت لاحقًا عشوائيات أخرى مثل المزة “86” وعش الورور والتضامن، مما أعطى انطباعًا بوجود سياسة ممنهجة لتطويق دمشق، بحسب العلي، معتبرًا أن هذا الاحتمال ظل واردًا، بل أصبح جزءًا من الوعي الجمعي، فالمعارضة اعتبرت ذلك “سياسة مقصودة”، بينما الموالون روّجوا لفكرة أنها “خطة محنكة” لحماية النظام.
ولفت الكاتب العلي إلى أن حلب هي مدينة استراتيجية كبرى وتحتوي على العشوائيات، التي نمت وتوسعت بالتوازي مع دمشق، وكانت تركيبة هذه العشوائيات في معظمها ضد النظام، معتبرًا أن هذا التناقض يضعف فرضية وجود سياسة شاملة لتطويق العاصمة.
أثبتت فشلها
يرى الكاتب العلي، أنه بعد سقوط النظام، يمكن القول إن هذه السياسة، إن كانت اتبعت، أثبتت فشلها، فالعشوائيات لم تتحول إلى خطوط دفاعية، بل ظلت أبنية هشة بلا تحصينات عسكرية، وسكانها لم يُسَلَّحوا بشكل منظم، بل اكتفى النظام بالتطوع الفردي في الدفاع الوطني، وظل الاعتماد الحقيقي على وحدات الجيش والأمن المركزي.
العشوائيات كانت نتاجًا اجتماعيًا واقتصاديًا في الأساس، ثم استُخدمت سياسيًا بشكل انتقائي، وفق العلي، بالمقابل، يرى أن فكرة “الطوق العسكري” حول دمشق تحتاج إلى دراسة وتعمق في البحث عن فوائد مثل هذه السياسات وواقعيتها.
ويرجح أنها سردية إعلامية كُرست تحت غطاء الاستقطاب الحاد الذي شهدته البلاد وتحولت إلى “فكرة أسطورية” يصعب انتزاعها من العقول، رغم أنها لم تصمد أمام الاختبار الحقيقي.
مشكلة وطنية
المحلل والكاتب السياسي عبد الله العلي، اعتبر أن ظاهرة العشوائيات في سوريا مشكلة وطنية شملت كل المحافظات، ولم تقتصر على دمشق وحدها.
وباعتبار أن دمشق هي العاصمة ومركز الصراع السياسي، جرى تسليط الضوء عليها بشكل خاص، وتحوّلت إلى محور للاتهامات المتبادلة والدعاية الإعلامية من طرفي النزاع.
ويرى أن الخروج من هذه الحلقة يقتضي النظر إلى خارطة العشوائيات في عموم سوريا، حيث نرى أن مدنًا كبرى مثل حلب شهدت نموًا أعظم من دمشق.
تعود جذور العشوائيات إلى دوافع اقتصادية واجتماعية، تتمثل بالهجرة من الريف إلى المدينة بعد قرارات التأميم والإصلاح الزراعي، واللجوء الفلسطيني منذ 1948 و1967، ثم الطفرة النفطية في السبعينيات وما صاحبها من زيادة في الطلب على العمالة.
رجال السياسة في العقود السابقة تساهلوا مع هذه الظاهرة، أحيانًا لضعف إمكانات التنظيم العمراني وأحيانًا لحاجتهم السياسية إلى مساكن شعبية تضمن الولاء، بحسب العلي، قائلًا إن حافظ الأسد ورث هذا التساهل، ومعه بدأت العشوائيات تأخذ بعدًا سياسيًا تدريجيًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :