خبراء: مصلحة سياسية لسوريا واستراتيجية لروسيا

علاقة دمشق وموسكو.. من التبعية إلى التوازن

الرئيس السوري أحمد الشرع يلتقي نائب رئيس الوزراء الروسي ألكساندر نوفاك في دمشق - 9 أيلول 2025 (وزارة الخارجية السورية)

camera iconالرئيس السوري أحمد الشرع يلتقي نائب رئيس الوزراء الروسي ألكساندر نوفاك في دمشق - 9 أيلول 2025 (وزارة الخارجية السورية)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – أمير حقوق

تتجه مؤشرات عودة العلاقات السورية- الروسية في الفترة الأخيرة إلى مسار متقدم، بعد التحول السياسي الذي شهدته سوريا في أواخر عام 2024، إثر سقوط نظام الأسد، والتي كانت روسيا أبرز داعميه.

وتطرح التطورات على مسار العلاقات بين دمشق وموسكو تساؤلات حول احتمالات عودة فعلية بعد سقوط نظام الأسد، أم أن العوامل الإقليمية والدولية، والمصالح السياسية والاقتصادية، ستفرض مسارات جديدة وتوازنات مختلفة.

في 9 من أيلول الحالي، التقى وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، وفدًا روسيًا برئاسة نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكساندر نوفاك، بدمشق، واعتبر الشيباني أن علاقة سوريا وروسيا “عميقة ومرت بمحطات صداقة وتعاون، لكن لم يكن التوازن فيها حاضرًا”، مشيرًا إلى أن “الدعم الروسي الصريح” لمسار سوريا الجديد سيكون خطوة في مصلحة سوريا والمنطقة بأسرها.

نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكساندر نوفاك، قال  إن تحديد وتطوير العلاقات مع سوريا يتم تحت الإشراف المباشر للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، معتبرًا أن سوريا دولة واعدة في الشرق الأوسط، وأن المرحلة التاريخية الجديدة ستكون العلاقات فيها بين الشعبين مبنية على الاحترام المتبادل، مشددًا على أهمية التعاون الثنائي.

إعادة صياغة العلاقة

بحسب الأوساط السياسية، يشهد التقارب السوري- الروسي تقدمًا ملحوظًا في العلاقات الدبلوماسية بينهما، فيما كان المتوقع منذ تسلم السلطة الجديدة بعد سقوط النظام السابق، أن يسيطر التجاهل بين الطرفين في ضوء عدم تشجيع الولايات المتحدة العلني واشتراطات الدول الأوروبية الرافضة لعودة النفوذ الروسي في البلاد.

وفي هذا السياق، يرى مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز “الدراسات العربية الأوراسية”، ديميتري بريجع، أن العلاقات السورية- الروسية بعد سقوط النظام السابق تدخل طورًا بالغ الحساسية، فهي ليست مجرد امتداد طبيعي لما كان قائمًا، بل إعادة صياغة لعلاقة تحتاج إلى اختبار متبادل.

وفي حديث إلى عنب بلدي، قال بريجع، إنه من جهة أولى هناك نقد مشروع لهذا التقارب، إذ يخشى الشارع السوري من أن يتحول الحضور الروسي إلى غطاء لعقود طويلة الأمد، قد يقيّد السيادة الوطنية، ويعيد إنتاج منطق التبعية.

ومن جهة أخرى، لا يمكن إنكار أن روسيا تملك أوراقًا عملية لا يملكها غيرها، كالقدرة على إعادة تشغيل قطاع الطاقة، وتوفير القمح والدواء، وترميم البنية التحتية الأساسية، وهو ما يضعها في موقع شريك لا غنى عنه، إذا أرادت سوريا الجديدة أن تبدأ بسرعة في تلبية حاجات الناس.

بدوره، الكاتب السياسي درويش خليفة، قال إن العلاقة الناشئة بين سوريا بحلّتها الجديدة وروسيا، تسير وفق مقتضيات الحاجة الملحّة للطرفين، في مشهد يتّسم بقدر كبير من الوضوح.

واستعاد خليفة المشهد الماضي بين الطرفين، قائلًا إن الروس أنفسهم كانوا، قبل أشهر قليلة، يصفون السلطة الحالية (المتمثلة حينها بـ”هيئة تحرير الشام”) بأنها جماعة “إرهابية”، ومن المفارقات أن من أبرز مبررات عملية “ردع العدوان” التي أطاحت بالنظام السابق، كان استهداف روسيا لمسجد يُعلَّم فيه الأطفال القرآن.

ضغوط ملف السويداء والعلاقة مع إسرائيل

تختلف دوافع ومبررات توجه دمشق لموسكو، فبعض المحللين والخبراء ربطوا الأمر بأن سوريا تطمع بالدعم الروسي السياسي، خاصة بعد تغير اللهجة الأوروبية والأمريكية حيال ما هو مطلوب من السلطة في دمشق، عقب أحداث السويداء جنوبي سوريا.

يعتقد مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز “الدراسات العربية الأوراسية”، ديميتري بريجع، أن الدوافع السورية للتوجه نحو موسكو واضحة، فالغرب لم يقدم سوى العقوبات والضغوط السياسية، ولم يضع على الطاولة أي برنامج واقعي للإنقاذ.

وقال بريجع، إنه في المقابل، الإرث التاريخي للعلاقات مع الاتحاد السوفييتي ما زال حاضرًا في الذاكرة الوطنية، ويمنح موسكو رصيد ثقة لا تملكه واشنطن أو بروكسل.

وأشار إلى أن أحداث السويداء سرّعت من هذا الخيار، إذ أظهرت محدودية التأثير الأوروبي والأمريكي على الأرض، وأكدت أن سوريا تحتاج إلى بدائل عملية تضمن الأمن والاستقرار.

وتحدث عن أن “المصالح السياسية المكتسبة للطرفين متبادلة”، معتبرًا أن سوريا تحصل على دعم استراتيجي، واقتصادي، وعسكري يعزز موقعها الداخلي، ويعيد لها بعض التوازن أمام الاعتداءات الإسرائيلية، بينما روسيا تحصل على نفوذ راسخ في الشرق المتوسط، وعلى شريك عربي يمنحها حضورًا أكبر في المشهد الإقليمي.

ورجّح ظهور القيمة الحقيقية لهذه المصالح فقط إذا ارتبطت بمؤسسات شفافة وجداول زمنية واضحة، وليس تفاهمات غامضة خلف الأبواب المغلقة.

وكانت محافظة السويداء شهدت انتهاكات متبادلة بين الحكومة السورية ومقاتلين من عشائر البدو وفصائل محلية في المحافظة، إذ بدأت الأحداث بعمليات خطف متبادلة بين فصائل محلية وسكان من حي المقوس في السويداء، الذي تسكنه أغلبية من البدو، في 12 من تموز الماضي.

وتطورت التوترات إلى اشتباكات متبادلة استدعت تدخل الحكومة، التي انسحبت بعد أن استهدفت إسرائيل نقاطًا تابعة لها في السويداء ودمشق، تبع ذلك انتهاكات من قبل الفصائل المحلية بحق البدو، ما أثار غضبًا في الأوساط العشائرية التي أرسلت أرتالًا إلى السويداء.

وشهدت السويداء، في 16 من آب الماضي، مظاهرات في ساحة “الكرامة” وسط المدينة، تطالب بـ”تقرير المصير”، وترفع أعلامًا إسرائيلية.

استغلال موقفها بمجلس الأمن

الدوافع التي تقف خلف توجه دمشق نحو موسكو، تعود إلى الرغبة في تنويع الحلفاء، وكسب الشرعية الدولية، إلى جانب السعي لضمان موقف روسي داعم في مجلس الأمن، في حال طُرحت مقترحات لرفع العقوبات الأممية عن الرئيس أحمد الشرع وعدد من وزراء حكومته، فضلًا عن رغبة دمشق في تجنب إعادة فتح ملف الديون الروسية المتراكمة على سوريا، والتي ورثتها البلاد عن النظام السابق، وفق ما يراه الكاتب السياسي درويش خليفة.

ومن المرجح أن يكون هذا التقارب مع إدارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد تم بناء على نصيحة من تركيا، الحليف الأبرز للسلطة الحالية في دمشق، بهدف ردع الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب السوري، أو على الأقل احتواء طموحات نتنياهو في إضعاف سوريا إلى ما دون الصفر، لتبقى دولة هشة وممزقة.

وأضاف خليفة أنه لا يخفى وجود مصلحة مشتركة بين الطرفين في إبقاء قنوات التواصل مفتوحة بين دمشق وموسكو، بما يضمن إعادة بناء العلاقة على أسس جديدة، ويأتي هذا ضمن مسعى سوري لتنويع شراكاتها بين المحورين الشرقي والغربي، رغم أن الغرب لا يخفي رفضه لهذا التقارب، فدونه يفقد بوتين الورقة السورية التي تطل على مياه المتوسط، خاصة بعد سقوط آخر رجالاته (بشار الأسد) في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا.

زيارة الشرع اختبار مزدوج

قالت السفارة السورية بموسكو في تصريح لوكالة “سبوتنيك” الروسية، في 10 من أيلول الحالي، إن الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، سيترأس وفد سوريا في القمة الروسية- العربية المقبلة التي ستعقد في تشرين الأول المقبل.

وسبق أن أعلن عن الزيارة خلال المؤتمر الصحفي لوزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، مع الوفد الروسي بدمشق، برئاسة نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكساندر نوفاك، في 9 من أيلول.

وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قال  خلال زيارة الوزير الشيباني لروسيا، في 31 من تموز، إن روسيا تتطلع لزيارة الرئيس السوري إلى روسيا لحضور القمة العربية- الروسية، المزمع عقدها في 15 من تشرين الأول المقبل.

مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز “الدراسات العربية الأوراسية” والمحلل السياسي، ديميتري بريجع، اعتبر أن الزيارة المرتقبة للرئيس أحمد الشرع إلى موسكو تمثل لحظة فارقة، فهي أول زيارة رسمية للرئيس الجديد إلى دولة كبرى كانت في الماضي حليفًا للنظام السابق، ما يجعلها اختبارًا مزدوجًا.

من المرجح أن يلتقي الرئيس الشرع بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في اجتماع منفرد، حيث ستُطرح قضايا حساسة مثل قواعد الاشتباك الجوي، والحد من الاعتداءات الإسرائيلية، وإعادة هيكلة الجيش والأمن، وآليات تمويل مشاريع الطاقة والغذاء بطرق تتجاوز العقوبات، بحسب بريجع.

ويعتقد أن المعادلة في النهاية تقوم على التوازن بين النقد والدعم، فالنقد مطلوب حتى لا تتحول العلاقة إلى تكرار لتجارب الماضي، والدعم ضروري لأن سوريا تحتاج إلى شريك يمكنه أن يقدّم نتائج ملموسة خلال أشهر لا سنوات.

نجاح هذا المسار سيقاس بقدرة الطرفين على تحويل الشعارات إلى مؤسسات، والوعود إلى كهرباء ودواء وخبز يصل إلى المواطن، والأوراق السياسية إلى آليات تحمي السيادة وتفتح أفقًا لمستقبل أكثر استقرارًا، بحسب ما ختم به بريجع.

علاقة تحفظ الاستقلالية

عقد لقاء خاص بين بوتين والشرع، على هامش القمة الروسية- العربية، هو محاولة لإيصال رسالة مفادها أن روسيا كانت ولا تزال داعمة للدولة والشعب السوري، بغض النظر عن الجهة الحاكمة، وفق الكاتب السياسي درويش خليفة.

ويعتقد أن الطرفين يمتلكان الإرادة لإعادة صياغة العلاقة على أسس وأطر جديدة، علاقة لا تقصي دمشق عن العواصم الغربية، وفي الوقت ذاته تحفظ قدرًا من الاستقلالية لسوريا، بعيدًا عن الضغوط الغربية، التي بدأت تظهر من خلال تقارير حقوقية تتناول أحداث الساحل والسويداء خلال الأشهر الستة الماضية.

وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، دعا، في 17 من أيار الماضي، جميع قادة جامعة الدول العربية إلى القمة الروسية- العربية الأولى.

وقال بوتين في بيان نشره “الكرملين“ حينها، إن روسيا تعتزم مواصلة تطوير الحوار البنّاء مع جامعة الدول العربية، بالإضافة إلى بناء علاقات ودية مع جميع أعضائها، مؤكدًا أن القمة الروسية- العربية ستسهم في زيادة تعزيز التعاون متعدد الأوجه، ذي المنفعة المتبادلة للدول، وستساعد في ضمان السلام والأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة