تل أبيب تريد التوسع ودمشق ترفض التنازل عن الجولان

سوريا وإسرائيل تقتربان من اتفاق أمني دون تطبيع

الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع في باريس - 7 أيار 2025 (فرانس برس)

camera iconالرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع في باريس - 7 أيار 2025 (فرانس برس)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – عمر علاء الدين

أحدث تصريح الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، حول المفاوضات مع إسرائيل وقرب عقد اتفاق معها، موجة من التساؤلات، حول شكل وطبيعة الاتفاق، خصوصًا أن أمريكا تضغط في هذا الاتجاه، لكن الشرع نفى وجود ضغوط.

وفي تصريحات لـ”رويترز”، نقلتها في 18 من أيلول الحالي، قال الشرع، إن المفاوضات الجارية مع إسرائيل للتوصل إلى اتفاق أمني قد تؤدي إلى نتائج “في الأيام المقبلة”، معتبرًا أن الاتفاق “ضرورة”، لكن المحادثات بشأن هذا الاتفاق تعطلت بسبب أحداث السويداء في تموز الماضي.

وتكررت تصريحات الرئيس السوري بهذا الشأن في صحيفة “ملييت” التركية، نقلًا عن مدير الأبحاث في مركز “عمران للدراسات”، عمر أوزكيزيلجيك، في 19 من أيلول، إذ أكد الشرع قرب الوصول لاتفاق مع إسرائيل مشابه لاتفاق 1974، بوساطة أمريكية، مؤكدًا أن “هذا الاتفاق لا يعني قطعًا التطبيع أو ضم سوريا إلى اتفاقيات “أبراهام”.

تناقش عنب بلدي في هذا التقرير واقعية وإمكانية تطبيق الطروحات المتكررة حول صيغة هذا الاتفاق، الذي ذهبت التسريبات إلى أنه مشابه بشكل أو بآخر لاتفاقية “كامب ديفيد” بين مصر وإسرائيل عام 1979، أو أن الصيغة تقتضي التنازل عن الجولان لقاء الانسحاب من الجنوب السوري.

لا حق لأحد بالتنازل عن الجولان

في تسريبات نقلتها “رويترز”، في 16 من أيلول الحالي، قال مسؤول إسرائيلي، إن إسرائيل طرحت اقتراحًا على المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توم براك، مفاده التنازل عن الجولان مقابل انسحاب إسرائيل من جنوبي سوريا.

وبحسب “رويترز”، فإن هذا المقترح “غير قابل للتنفيذ”، لأن أي تنازل عن الجولان يعني نهاية حكم الشرع.

وقال المسؤول الإسرائيلي، إنه بعد جس نبض سوريا عبر الوسيط الأمريكي تبين أن هذا الاقتراح “غير قابل للتنفيذ”.

مصادر “رويترز” ذكرت أن إسرائيل أبدت خلال المحادثات المغلقة “ترددًا في التنازل عن تلك المكاسب” (المناطق المحتلة بعد سقوط النظام).

المفاوضات بين الجانبين، وفق الوكالة، لم تتناول وضع مرتفعات الجولان، التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967، لكن مصدرًا سوريًا قال إن أمر الجولان “سيترك للمستقبل”.

ولن تكون إسرائيل راغبة حتى في “الأمد البعيد” بإعادة الجولان، الذي اعترف ترامب من جانب واحد بأنه أراضٍ إسرائيلية، في ولايته الأولى، وفق الوكالة.

المحلل السياسي السوري حسام طالب، لا يتوقع أن تقترح إسرائيل خطة للتنازل عن الجولان مقابل الانسحاب من جنوبي سوريا، لأنها “لا تريد السلام حتى تقدم اقتراحات”، بحسب تعبيره.

وفي حديث إلى عنب بلدي، اعتبر طالب أن إسرائيل تفرض شروطًا مرفوضة من سوريا، بالقوة، عبر استغلال الواقع في السويداء، وتعمل ليكون ركيزة لها في احتلالها وتمددها، مع إبقاء حالة عدم الاستقرار في الجنوب السوري.

ويعتقد المحلل السياسي أنه من الجانب السوري، لا أحد يملك الحق في التنازل عن الجولان المحتل، وقرار “عدم التنازل عن الجولان” هو قرار السوريين وإدارة الشرع.

وكان الشرع قال في لقاء مع قناة “الإخبارية” الحكومية، في 12 من أيلول الحالي، “إننا لن نتنازل عن ذرة تراب واحدة، وستبقى سوريا واحدة موحدة”.

وعن موقف الشرع من قضية الجولان، يرى المحلل السياسي أنه موقف “وطني وعقلاني”.

ويلاحظ المحلل السياسي القوة الهائلة لدى إسرائيل، وضعف الدول العربية وسوريا أمامها وأمام الدعم الغربي لها، معتبرًا أنه “لا يستطيع أحد الوقوف بوجه إسرائيل اليوم”.

في السياق نفسه، يرى الكاتب السياسي والأكاديمي السوري أحمد الكناني، أن تقرير “رويترز” قدم العديد من المغالطات بشأن قضية الجولان، حيث اعتمد على تسعة مسؤولي استخبارات وسياسيين، بينما اعتمد على مصدر إسرائيلي واحد، وباعتقاده هذا “يضعف من مصداقية التقرير”.

وأشار الكناني، خلال حديث إلى عنب بلدي، أن سوريا لا تستطيع أخذ أي موقف تصعيدي باتجاه الجولان، لأن كل ما يهمها حاليًا التركيز على النقاط التي دخلتها إسرائيل بعد 8 من كانون الأول 2024، على اعتبار الجولان ملفًا “ليس ذا أولوية”.

الرئيس السوري، أحمد الشرع، قال خلال لقائه صحفيين بدمشق، في 17 من أيلول، إن من السابق لأوانه مناقشة مصير الجولان المحتل، لأنها “قضية كبيرة”. “إنها قضية صعبة، لديك مفاوضات بين دمشقي ويهودي”، بحسب تعبيره­­­­.

وكانت إسرائيل احتلت الجولان السوري بشكل كامل في أعقاب حرب الأيام الستة عام 1967، وبعد الحرب، رفضت سوريا أي مفاوضات مع إسرائيل، وفي اتفاقية فك الاشتباك بعد حرب 6 من تشرين الأول 1973، تمت استعادة القنيطرة إلى سوريا، ثم أقر “الكنيست الإسرائيلي” قانونًا بضم الجولان، أدانته الأمم المتحدة في قرارها رقم 497 لعام 1981.

الجنوب دون سلاح و”كامب ديفيد”

قدمت إسرائيل لسوريا قبل عدة أسابيع مقترحًا مفصلًا لاتفاق أمني جديد، بما في ذلك “خريطة للمناطق منزوعة السلاح تبدأ من دمشق حتى الحدود مع إسرائيل”، وفقًا لموقع “أكسيوس” الأمريكي.

يعتمد المقترح الإسرائيلي على اتفاقية السلام التي أبرمتها إسرائيل مع مصر عام 1979 (كامب ديفيد) بحسب مصادر “أكسيوس”.

وقد قسمت تلك الاتفاقية شبه جزيرة سيناء إلى ثلاث مناطق (أ، ب، ج)، وحددت ترتيبات أمنية مختلفة ومستويات مختلفة من نزع السلاح على أساس بعدها عن الحدود الإسرائيلية.

ووصف الموقع المطالب الإسرائيلية بـ”المتطرفة”، حيث يُطلب من سوريا الموافقة على منطقة واسعة منزوعة السلاح ومنطقة حظر جوي على أراضيها، وألا يتغير أي شيء على الجانب الإسرائيلي من الحدود.

وبحسب “أكسيوس”، سيتم تقسيم المنطقة الواقعة جنوب غرب دمشق إلى ثلاث مناطق، مع قدرة السوريين على الاحتفاظ بمستويات مختلفة من القوات وأنواع مختلفة من الأسلحة بحسب المنطقة.

وبحسب الموقع، ينص الاقتراح على:

  • توسيع المنطقة العازلة على الجانب السوري بمقدار كيلومترين.
  • في الشريط المجاور للمنطقة العازلة والأقرب إلى الحدود مع إسرائيل من الجانب السوري، لن يُسمح بوجود القوات العسكرية والأسلحة الثقيلة.
  • سيُسمح لسوريا بالحفاظ على وجود الشرطة وقوات الأمن الداخلي.
  • المنطقة بأكملها من جنوب غرب دمشق إلى الحدود الإسرائيلية سيتم تصنيفها كمنطقة حظر طيران للطائرات السورية.

مسؤول إسرائيلي كبير، قال إن “المبدأ المركزي” للاقتراح الإسرائيلي هو الحفاظ على “ممر جوي” إلى إيران عبر سوريا، وهو ما من شأنه أن يسمح بشن ضربات إسرائيلية مستقبلية محتملة على إيران.

وفي مقابل هذه القيود المفروضة على الجانب السوري، اقترحت إسرائيل انسحابًا تدريجيًا من جميع الأراضي التي احتلتها في سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية، باستثناء “موقع متقدم” على قمة جبل الشيخ الاستراتيجي.

واعتبر الشرع، في تصريحه للصحفيين بدمشق، أن الاتفاق الأمني ​​مع إسرائيل “ضرورة”، وأنه يتعين أن يحترم المجال الجوي لسوريا ووحدة أراضيها، وأن يخضع لرقابة الأمم المتحدة.

ومن الممكن أن تظهر مبادرة شبيهة باتفاقيات “كامب ديفيد”، وفق الباحث في مركز “جسور للدراسات” محمد سليمان، لكن الأمر يعتمد بالدرجة الأولى على التوازنات التي ستتمكن الحكومة السورية الجديدة من تشكيلها.

وفي حديث إلى عنب بلدي، اعتبر سليمان أن إبرام مثل هذه الاتفاقيات مرتبط بعدة عوامل، في مقدمتها أن الحكومة السورية “لا تقبل بالاعتراف بإسرائيل”، وهو موقف يتماشى مع رفض شعبي واسع لمثل هذا الاعتراف.

أما الحديث عن إمكانية إنشاء منطقة حظر جوي في جنوبي سوريا بإشراف أممي خاصة بعد تدمير الدفاعات الجوية السورية هناك فهو “وارد جدًا”، وفق سليمان.

وبالنسبة لاستخدام الأجواء السورية من قبل إسرائيل في عملياتها ضد إيران، يرجح الباحث السوري أن “تتجنب الحكومة السورية الدخول في هذا الصراع”، كما فعلت في المواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل قبل أشهر.

ويعتقد أن الانخراط في مثل هذه المواجهات سيؤدي إلى مزيد من “الفوضى في المنطقة”، معتبرًا أن القبول بمقترحات من هذا النوع قد يفرض التزامات جدية “لا يمكن للدولة السورية في وضعها الحالي أن تتحملها”، بحسب تعبير الباحث السوري محمد سليمان.

مزج المقترحات دون تطبيع

تجد سوريا نفسها أمام عدة مقترحات مطروحة، “العودة إلى اتفاق 1974 كما هو”، أو “تعديله ليتناسب مع المعطيات الجديدة”، أو “الدخول في إطار المقترح الإسرائيلي”، وفق الباحث في “المركز العربي لدراسات سوريا المعاصرة” سمير العبد الله، مشيرًا إلى أن الظروف مرتبطة بشكل مباشر بقدرة المفاوض السوري على إدارة الملف بـ”حرفية”، وامتلاكه أدوات ضغط حقيقية يمكن أن توازن المعادلة مع إسرائيل.

ووفق ما قاله العبد الله لعنب بلدي، فإن إسرائيل أعلنت بوضوح أهدافها من خلال طرحها.

بينما السؤال الجوهري، وفق الباحث، هو كيف سيتعامل المفاوض السوري مع هذه الطروحات، وما موقف الحلفاء الإقليميين والدوليين لسوريا من مقترح بهذا الحجم. هنا تكمن “نقطة القوة أو الضعف”.

ويرجح الباحث “المزج” بين هذه المقترحات للوصول إلى صيغة وسطية تُرضي الطرفين، وتمنح كل طرف ما يعتبره “خطًا أحمر” لا يمكن تجاوزه.

ومن وجهة نظر العبد الله، فإن التوصل إلى “اتفاقية سلام شاملة” أمر غير مطروح الآن، لا داخليًا ولا إقليميًا، لاعتبارات عديدة أبرزها:

  • القيادة السورية تدرك حساسية الرأي العام المحلي تجاه أي خطوة تطبيعية.
  • بعض الدول الإقليمية قد لا توافق على ذلك في هذه المرحلة.

والسيناريو الأقرب، وفق العبد الله، هو “اتفاقية أمنية محدودة”، تُعنى بترسيم المواقع العسكرية للطرفين، وتحديد نوعية التسليح المسموح به قرب خطوط التماس، وفي جنوبي سوريا.

كما قد يشمل الاتفاق ترتيبات دقيقة بخصوص الوجود غير السوري في هذه المناطق، وهو بند ستصر عليه إسرائيل بقوة، وفق حديث العبد الله.

من جانبه، يعتقد الكاتب السياسي أحمد الكناني، أن إسرائيل “غير جادة” بالمفاوضات، قائلًا، “لا أحد لديه التفصيل الحقيقي لطبيعة المفاوضات، الإسرائيلي يراوغ، وحتى دمشق نفسها تعجز عن فهم العديد من التصرفات الإسرائيلية في هذا الملف”.

ويرى الكناني أنه رغم كل المباحثات الأمنية التي جرت، “لم يتم تنفيذ أي خطوة ميدانية على الأرض”، وبالتالي “نحن نتحدث عن مماطلة إسرائيلية ريثما يتم فتح الطريق العسكري من جبل الشيخ إلى قاعدة التنف”، على حد قوله.

ولا يتوقع الكناني حدوث اتفاقات تطبيع أو سلام بين سوريا وإسرائيل، إذ إنها ليست متعلقة بوجود خط جبهة بين الدول على غرار العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، مشيرًا إلى أنه لا وجود لبيئة تقنية أو حاضنة للتطبيع في سوريا.

نشر مركز “دراسات الحرب” الأمريكي، خريطة لما قال إنه المقترح الإسرائيلي بشأن المنطقة منزوعة السلاح في سوريا:

  • المنطقة الأولى (الأزرق): تبقى إسرائيل مسيطرة بشكل كامل على مرتفعات الجولان.
  • المنطقة الثانية (الأزرق الفاتح): منطقة عازلة تمتد من ريف القنيطرة حتى جبل الشيخ بعمق كيلومترين داخل الأراضي السورية، وتكون تحت إشراف الأمم المتحدة. وهذه هي المنطقة التي تسيطر عليها إسرائيل منذ سقوط نظام الأسد في 8 من كانون الأول 2024.
  • المنطقة الثالثة (الأصفر): منطقة منزوعة السلاح تشمل ريف درعا الغربي وصولًا إلى ريف دمشق الغربي (مع إمكانية توسيعها بطلب اسرائيلي). ويُمنع فيها وجود قوات أو أسلحة ثقيلة تابعة للجيش السوري.
  •  المنطقة الرابعة (الأحمر): منطقة حظر جوي تبدأ من شرق درعا وتشمل كامل محافظة درعا مرورًا بريف دمشق الجنوبي، وأجزاء من أحياء دمشق، وصولًا إلى السويداء.

 



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة