بخلفيات متباينة منها ما هو مناطقي ومذهبي

خارطة معارضة سورية تتشكّّل خارج الأحزاب التقليدية

العميد المنشق عن النظام السوري السابق مناف طلاس يلقي محاضرة في فرنسا - 17 أيلول 2025 (Cercle France-Liban/ لقطة شاشة)

camera iconالعميد المنشق عن النظام السوري السابق مناف طلاس يلقي محاضرة في فرنسا - 17 أيلول 2025 (Cercle France-Liban/ لقطة شاشة)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – موفق الخوجة

شهدت الساحة السياسية السورية، خلال الأشهر القليلة الماضية، ظهور تشكيلات وتكتلات سياسية جديدة، تحمل دعوات لأفكار وطروحات مختلفة، ما يشير إلى نشوء أجسام لمعارضة جديدة للحكم في سوريا.

تعمل هذه الكيانات من خارج الأراضي السورية، وبعضها يتخذ طابعًا مناطقيًا أو مذهبيًا، وظهرت بمعظمها عقب هزات تعرضت لها سوريا، أبرزها ما عُرف بأحداث الساحل، في آذار الماضي، وأحداث السويداء، في تموز الماضي.

وتشكلت في الداخل السوري بعض التجمعات السياسية الخجولة، التي لم تتطور إلى أحزاب سياسية، ولم تتخذ لها قاعدة جماهيرية واضحة تستند إليها.

عقب هذه الهزات، قدمت هذه التشكيلات نفسها على أنها “مشاريع منقذة” على خلفية أخطاء ارتكبتها الحكومة، التي يتهمها معارضوها بأنها ذات لون واحد وإقصائية، داعين إلى التشاركية في الحكم، أو تقويض نفوذ وصلاحيات الفئة الحاكمة المنبثقة عن “هيئة تحرير الشام”.

وعلى الرغم من الانفتاح السياسي الذي تشهده سوريا، عقب عقود من غياب الحياة السياسية، خلال حكم الأسدين، حافظ وابنه بشار، ما زالت القوانين الناظمة للأحزاب غائبة، تنتظر تشكّل مجلس الشعب الانتقالي الأول بعد سقوط النظام، والمزمع تشكيله خلال الأيام القليلة المقبلة.

تبحث عنب بلدي، في هذا التقرير، أبرز هذه الحركات، وأسباب ظهورها، بعد سقوط النظام السوري السابق، في 8 من كانون الأول 2024.

“الكتلة” أبرزها

أبرز هذه الحركات السياسية، التي ظهرت مؤخرًا، هي “الكتلة الوطنية السورية” التي أنشأها المعارض والحقوقي السوري هيثم مناع، في 10 من أيلول الحالي.

قدمت “الكتلة” رؤيتها، في بيانها التأسيسي، معتبرة أن ما حدث في سوريا، في 8 من كانون الأول 2024، هو الانتقال نحو “استبداد آخر”.

وتتخذ “الكتلة” مقولة “الدين لله والوطن للجميع” شعارًا لها، داعية إلى دولة المواطنة الكاملة والمتساوية، وتشكيل جيش وطني لحماية البلاد و”تحرير الأرض من الاحتلال”، كما وصفه البيان، في إشارة إلى إسرائيل وتركيا.

وتقول “الكتلة”، إنها تدعم اللامركزية الموسعة المنبثقة عن المجتمع “لا عن قرارات الفصائل التي تُفرَض على الناس”، إضافة إلى قيام حكومة شعبية في سوريا تجمع المجلس التأسيسي لوضع دستور على مبدأ السيادة المطلقة، والشرعة الدولية لحقوق الإنسان.

“وسط وغرب سوريا”

يبدي “المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا” شراسة أكبر في معارضته لنظام الحكم القائم في سوريا، إلا أن معارضته تنبع من أساس مذهبي، تبلور عقب أحداث آذار الماضي في مدن الساحل السوري غربي البلاد، وما نتج عنها من أحداث قتل على أساس طائفي.

تأسس “المجلس” على يد 13 سياسيًا وناشطًا من أبناء الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس المخلوع، بشار الأسد.

“المجلس” أعلن عن تأسيسه، في 27 من آب الماضي، وينادي بـ”الفيدرالية بديلًا عن الحرب”، في مناطق وسط وغرب سوريا، والتي تضم محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص، وأجزاء من حماة، والتي تنتشر فيها الطائفة العلوية.

الفيدرالية التي يدعو إليها “المجلس” يقول إنها “من حيث المبدأ” إقليم مدني علماني متنوع الأعراق والإثنيات والطوائف والقوميات والكفاءات، بالرغم من الطابع العلوي الذي يقوم عليه.

وخلال الأيام القليلة الأخيرة، غادر “المجلس” بعض أعضائه المؤسسين، ثم خرج ببيان له، يبرر بأن خروجهم أتاح دخول شخصيات من مكونات أخرى، سنية ومسيحية وإسماعيلية.

“عسكري انتقالي”.. قديم متجدد

يعتبر “المجلس العسكري الانتقالي” الذي يدعو إليه العميد المنشق عن النظام السابق مناف طلاس، طرحًا قديمًا متجددًا، ظهر في عام 2023، ثم أعاد الدعوة إليه خلال محاضرة له في 13 من أيلول الحالي، في العاصمة الفرنسية باريس.

طلاس، دعا لإنشاء مجلس عسكري في سوريا “يوحد البندقية ويدمج جميع القوى على الأرض تحت مظلة جامعة، من أجل بناء جيش وطني حقيقي، يكون علمانيًا وليس إسلاميًا”.

وقال إنه يجب “التخفيف من سلطة الرئيس لمصلحة المجلس العسكري”، معتبرًا أن المؤسسة العسكرية هي القادرة على ضبط الأمور وحماية المرحلة الانتقالية.

وعلى عكس “الكتلة” و”المجلس”، كان خطاب طلاس أقل حدة تجاه الحكومة السورية الحالية، بل إنه أعرب عن تمنياته في نجاح السلطات السورية الانتقالية برئاسة أحمد الشرع، مشدّدًا في الوقت نفسه على أن طريق النجاح يبدأ باستيعاب جميع السوريين، والمشاركة الحقيقية للسلطة.

قيد التشكيل والتطور

التشكيلات والطروحات السياسية المعارضة، ما زالت في طور التأسيس والتشكل، وتفتقر إلى هيكلية واضحة، كما لم تتبلور قاعدتها الشعبية، إلا أنها تشي بتبلور شكل المعارضة السياسية للحكم الحالي في سوريا.

الباحث السياسي الدكتور نادر الخليل، قال إن ظهور تشكيلات سياسية جديدة مثل “الكتلة الوطنية” و”مجلس وسط وغرب سوريا”، وطرح “المجلس العسكري” من قبل طلاس، لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق السوري الراهن الذي تظهر فيه “سمة الانسداد السياسي”.

وأضاف لعنب بلدي أن هذه المبادرات ليست مجرد محاولات فردية أو رمزية، بل تعكس “دينامية” بحث عن بدائل تمثيلية جديدة، وإن كانت لا تزال في طور التبلور.

وظهور مثل هذه التشكيلات، وفق ما يراه الخليل، يشير إلى رغبة متزايدة في تجاوز الأطر التقليدية للمعارضة التي باتت عاجزة عن إنتاج خطاب جامع أو حتى قيادة عملية انتقالية ذات مصداقية جامعة ممثلة لكل المكونات السورية.

ويستشهد الخليل بـ”الكتلة الوطنية”، التي تستدعي رمزية تاريخية من مرحلة ما قبل الاستبداد، في محاولة لاستعادة شرعية وطنية غير مرتهنة للخارج أو للانقسامات الفئوية.

وحول “مجلس وسط وغرب سوريا”، أشار الباحث إلى أن الكثير من الآراء تقول إن “المجلس” يمثل إدراكًا متزايدًا بأن الحل السياسي لا يمكن أن يكون مركزيًا أو فوقيًا، بل يجب أن ينبع من “ديناميات” محلية تعبّر عن مصالح المجتمعات المحلية المهمشة.

وهذا التوجه يتماشى مع التحولات الواقعية على الأرض، حيث باتت السلطة تظهر موزعة بين كيانات محلية، أمنية ومدنية، وفق الخليل.

ويرى بعض المحللين أن ما طرحه طلاس حول “المجلس العسكري الانتقالي” يعكس محاولة لإعادة إدماج المؤسسة العسكرية في مشروع وطني انتقالي، لكن تحت سقف مدني دستوري، بحسب ما لفت إليه الخليل.

وقال إن هذا الطرح يكتسب أهمية خاصة في ظل فوضى السلاح وتعدد القوى المسلحة، ويعيد النقاش حول أهمية من يملك شرعية القوة ومن يضبطها.

عوامل لظهورها

يرى الباحث الخليل، أن أهم أسباب ظهور هذه التشكيلات يعود إلى فشل المسارات الدولية التفاوضية، مثل “جنيف” و”أستانة”، التي لم تنتج حلًا سياسيًا قابلًا للتطبيق، بل أسهمت في ترسيخ حالة الجمود.

هذا الفشل دفع فاعلين جددًا للبحث عن صيغ بديلة أكثر واقعية وأقل ارتهانًا.

كما يربط الخليل ظهور هذه التشكيلات بانهيار المعارضة التقليدية المتمثلة بـ”الائتلاف الوطني” و”هيئات التفاوض” التي فقدت الكثير من مصداقيتها بسبب الانقسامات والتبعية والعجز عن التواصل مع الداخل السوري، بحسب تعبيره، إذ يرى أن هذا الفراغ فتح المجال أمام مبادرات جديدة تسعى لتقديم خطاب أكثر استقلالية وتماسكًا.

 

هذه التشكيلات ليست مجرد رد فعل على فشل المعارضة، وإنما بدأت تشكل تعبيرًا عن حاجة ملحة لإعادة تعريف المشروع الوطني السوري. وفي ظل غياب بدائل أكثر نضجًا، فإن هذه المبادرات تستحق المتابعة الدقيقة، لا بوصفها حلولًا جاهزة، بل كفرص لإعادة التفكير في مستقبل سوريا السياسي.

د. نادر الخليل

باحث سياسي

 

على الجانب الآخر، قال الباحث والكاتب السياسي بسام السليمان، إن بعض هذه التشكيلات يرى أن السلطة في موقف ضعيف، لذلك يتم استغلالها لتحقيق مكاسب، معتبرًا أنها في حالة “طمع في السلطة غير مبنية على قراءة حقيقية للواقع”.

وأضاف لعنب بلدي، أن هذه التشكيلات تهدف إلى إظهار الحكومة بأنها تواجه أطرافًا عديدة ضدها، وأنه بوجودها لا يمكن لسوريا أن تستقر.

ويمكن أن تكون جزءًا من سردية ممهدة لمحاولة خلق حالة شعبية ضد الحكومة، وفق ما يرى السليمان، معتبرًا في الوقت ذاته أن مصير هذا المحاولات سيفشل، بسبب ما وصفها بـ”حالة الالتفاف الشعبية الكبيرة حول الحكومة”.

تأثير محدود

تفتقر هذه التشكيلات إلى قاعدة شعبية منظمة، وإلى أدوات تنفيذية على الأرض، وفق ما يراه الباحث الخليل، كما أن المشهد السوري لا يزال محكومًا بتوازنات عسكرية وأمنية معقدة، يصعب اختراقها بخطاب سياسي فقط.

السليمان قال إنها كيانات سورية غير فاعلة، ولا تملك أنشطة على الأرض، معتبرًا أن الدولة لا تحتاج إلى أن تتعامل معها “لأنهم لا يملكون وجودًا على الأرض”.

ولفت السليمان إلى أن “بعضهم يحمل دعوات انفصالية. ولو أنهم على الأرض يجب أن يحاسبوا”، إذ يجرم القانون والدستور السوري كل دعوات الانفصال، بحسب قوله.

بالمقابل، يعتقد أن التعامل معهم يكون على الصعيد الشعبي، إذ إن الشعب هو من يوضح ويتحدث على الإعلام، مستشهدًا بما أسماها “حالة التأييد على مواقع التواصل الاجتماعي”.

من جانبه، يرى الخليل أنه إذا تمكنت هذه التكتلات من بناء تحالفات محلية على أرض الواقع، وتقديم رؤية سياسية واقعية، فقد تصبح جزءًا من أي عملية انتقالية مستقبلية.

إلا أن هذه الكتل والتشكيلات، تواجه تحديات بنيوية، بحسب الخليل، تتمثل بغياب آليات تمويل مستقلة ومستدامة، وبالحاجة إلى شرعية داخلية حقيقية، لا مجرد شرعية إعلامية أو دولية، مشددًا على ضرورة بناء مؤسسات تنظيمية قادرة على الاستمرار والتوسع.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة