الإعلام السوري ودور صانعي السياسات
علي عيد
خلال وجودي في سوريا بالأسابيع الماضية، التقيت إعلاميين وصحفيين من مستويات مختلفة، بعضهم محررون أو منتجو نشرات أخبار، ومديرو تحرير، ومديرو مؤسسات، ومسؤولون عن القطاع الرسمي.
لاحظت في حواراتي تباينًا في فهم الدور الذي يقوم به الإعلاميون، أو ما يجب أن يقوموا به، على مختلف مستوياتهم، وفق تسلسل هرمي واضح، أو تراتب وظيفي يؤمّن فصل الأدوار وتكاملها، والفهم المشترك للمهمة.
صحيح أن العمل الإعلامي يحظى بخصوصية تمنح الصحفي هامشًا في صناعة القرار، لكن هذا الهامش يجب أن ينحصر في الدفاع عن قضية الصحفي التي يريد أن يكتب عنها أو يحقق فيها وفق معايير صارمة، لكن الأمر يجب ألا يتعدى ذلك إلى مرحلة التباس الأدوار، وهو ما يظهر خللًا في صناعة السياسات الإعلامية، وآلية انتقالها عبر السلسلة الهرمية الوظيفية داخل القطاع ونحو المؤسسات.
لا أعني هنا التدخل في وظيفة الصحفي وحريته المهنية، بل التزامه بالهدف العام في ظرف بالغ الحساسية، خصوصًا وأن التداخل الملحوظ في الصلاحيات يولّد تضاربًا ينسحب أثره على الأوضاع الاقتصادية والأمنية وحتى السياسية على أعلى المستويات.
صانعو السياسات في الإعلام يختلف توصيفهم حسب نوع الإعلام وملكيته وهدفه، ففي وسائل الإعلام الرسمية (الوطنية)، صانع السياسات هو الشخص أو الجهة التي تضع القوانين واللوائح والتوجيهات العامة التي تنظم عمل وسائل الإعلام في المجتمع، فلو افترضنا أن على الإعلام أن يؤدي دورًا في السلام المجتمعي، لأن هناك ما يهدد أمن البلاد، فهذا يعني أن صناعة السياسات تبدأ من الحكومة أو وزارة الإعلام، وفي دول لا توجد فيها وزارات الإعلام قد تضطلع الهيئات التنظيمية بهذا الدور، مثل هيئات تنظيم البث التلفزيوني والإذاعي، أو هيئات مراقبة الصحافة والإعلام الرقمي، ويكون ذلك بالتعاون مع وزارات أو دوائر أخرى في الدولة.
ويضمن وجود صانعي السياسات في الإعلام الرسمي عدم تقديم رسائل متعارضة تتسبب في ضياع البوصلة، أو عدم مواكبة الكوادر داخل المؤسسات لما يجب أن تكون عليه الرسالة الإعلامية في قضايا بالغة الأهمية، أو من شأنها أن تؤثر في مصير البلاد أو أن تتسبب في خلط ينعكس على الرأي العام في فهم ما تقتضيه المصلحة العامة.
في الإعلام الخاص، الربحي أو غير الربحي، عادة ما تكون هناك دائرة تضم أشخاصًا محددين، مثل مجلس أو هيئة التحرير، تضع خطوطًا عامة تسير وفقها المؤسسة أو الوسيلة الإعلامية بمختلف مستوياتها، بدءًا من رئيس التحرير ومدير التحرير إلى رؤساء الأقسام والمحررين أو منتجي الأخبار والبرامج.
هذه المجالس أو الهيئات عندما تتعلق بكيان المؤسسة ككل وليس بالمحتوى فقط، يستدعي الأمر وجود مجموعة من اختصاصات مختلفة (مالية، إدارية، موارد بشرية، الخ)، وهذا أمر مختلف عن مسألة القرار التحريري، وإن كان الأخير يبني خططه على تلك الاختصاصات، لأن الجميع يتأثر بالجميع في إطار عمل المؤسسة.
يلعب صانع السياسات بالمحتوى دورًا في تحديد الإطار القانوني والأخلاقي للعمل، مع ضمان التوازن بين حرية التعبير وحماية المصلحة العامة، وأهم أهداف صانع سياسات المحتوى الإعلامي هي:
- حماية المصلحة العامة مع الحفاظ على حرية التعبير، خصوصًا عند الأزمات وانتشار خطاب الكراهية أو المعلومات المضللة.
- حماية المعايير الأخلاقية في التعامل مع القضايا الحساسة، مثل العنف، أو الدين، أو السياسة.
- انسيابية العمل والتنسيق بين مختلف الدوائر والأقسام من الأعلى إلى الأدنى وبالعكس.
- فهم الدوائر الأدنى الفرص والمخاطر والتوجهات.
- منع التضارب في المحتوى والرسائل.
- تكييف المحتوى مع خطط الاستدامة أو مواجهة المخاطر داخل المؤسسة.
صانعو سياسات المحتوى الإعلامي على مستوى الدول، هم المسؤولون عن صياغة الاستراتيجيات والتشريعات التي تحدد طبيعة المحتوى الإعلامي المسموح به، بما يتماشى مع القوانين الوطنية والدولية، ويأخذون بعين الاعتبار حماية حقوق الأفراد، وضمان التنوع الثقافي، ومنع انتشار المعلومات الخاطئة أو الضارة.
تبقى المشكلة الكبرى بخصوص صناعة سياسات المحتوى في بلد مثل سوريا، وهي مشكلة تعانيها كثير من الدول وإن بمستويات أقل، بكيفية معالجة ظاهرة إعلام وسائل التواصل الاجتماعي في ظل عدم وجود قانون إعلام أو تشريعات تحدد مرجعية تراقب نشاط “صانعي المحتوى” أو “المؤثرين”، وتحدد التزاماتهم تجاه المجتمع والأفراد، وتجاه المصلحة العامة في الظروف الاستثنائية.
ربما نشهد في الفترة المقبلة خطوات تساعد في تنظيم العمل الإعلامي، ووقف حملات التحريض، ووضع معايير الالتزام المهني والأخلاقي، وكل هذا لا يتعارض مع الحريات الصحفية، بل ربما يساعد في الفسح أكثر طالما كانت بيئة العمل محمية بتشريعات وحوكمة ونقابات ومدونات واضحة.. وللحديث بقية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :