المدرسة “مخيفة” أحيانًا.. ما وراء أعذار الغياب المتكررة
د. أكرم خولاني
كثير من الأطفال يشعرون بعدم الرغبة بالذهاب إلى المدرسة، وخاصة مع بداية العام الدراسي، وذلك بغض النظر عن مستواهم في التحصيل العلمي، وربما يعود ذلك لأنهم يشعرون بالامتعاض نتيجة الالتزام اليومي بالنوم باكرًا والاستيقاظ باكرًا، أو الإرهاق الذي يتعرضون له في الدراسة. وقد يكون ذلك طبيعيًا، ولكن قد يختلق بعض الأطفال حججًا للتهرب من الذهاب إلى المدرسة، وقد يستقبل الأهل ذلك التصرف بالغضب والانزعاج والتوتر، ويضغطون على الطفل لإرغامه على الذهاب إلى المدرسة دون البحث عن الأسباب الخفية وراء تهربه من الذهاب إليها، مما يتسبب في زيادة كرهه لها. وقد تصل الحالة إلى حدوث حالة خوف وقلق شديدين وغير طبيعيين ينتابان الطفل لدى اقتراب موعد الذهاب إلى المدرسة، تتجلى بالبكاء والانفعال والقلق المفرط، وهو ما يسمى بـ”رهاب المدرسة”.
ما أشيع الحجج التي يستخدمها الأطفال للتهرب من الذهاب إلى المدرسة؟
التمارض:
التمارض، أو التظاهر بالمرض، شكل من أشكال التحايل يلجأ إليه بعض الأطفال لتجنب الذهاب إلى المدرسة، فيختلق مشكلة صحية على غرار الصداع أو وجع البطن أو التهاب الحلق أو آلام المفاصل، ولا يمكن إثبات وجود صداع أو ألم البطن أو عدم وجودهما عند الفحص الطبي، وهذا الأمر يدركه الأطفال، ولكن هذه الأعراض تزداد سوءًا صباحات أيام الدراسة وتختفي نهاية اليوم، وهذا يزيد الاشتباه بأنها حجة للتهرب من الذهاب إلى المدرسة، ومع ذلك من المحتمل أن يعاني الطفل من الصداع أو ألم البطن بين الفينة والأخرى، لذلك من الأفضل أخذه إلى عيادة الطبيب لإجراء الفحوصات اللازمة، وفي حال لم يظهر أي سبب صحي لهذه الشكايات فهذا يؤكد أنها حجة من اختلاق الطفل للتهرب من الدوام.
نسيان حل الواجب:
يدرك الأطفال في عمر صغير أهمية نجاحهم في التعليم بالنسبة لذويهم، وعلى إثره يتلقى الطفل الواجبات المدرسية كروتين يومي في المدرسة للتأكيد على ذلك، ولكن بالرغم من أهمية الدراسة يستخدم بعض الأطفال الواجب كوسيلة للتهرب من الدوام المدرسي، آملين أنهم في حال لم يقوموا بحل الواجب، سيضطر ذووهم إلى إبقائهم في المنزل، أو تخطي الصف أو على الأقل إكمال واجبهم لاحقًا، ولكن يجب على الأطفال تحمل مسؤولية أفعالهم من خلال مواجهة المعلم، وتلقينهم درسًا في الالتزام.
تفويت الحافلة:
من المدهش أن بعض الأطفال يلجؤون لتفويت الحافلة المدرسية بهدف التهرب من الدوام المدرسي، ولتجنب هذه الحالة ينصح بمرافقة الأطفال إلى موقف الباص للتأكد من صعودهم إلى الحافلة، أو إيصال الطالب إلى المدرسة في حال تم استخدام تفويت الحافلة كحجة لعدم الذهاب إلى المدرسة.
المدرسة مملة:
في بعض الأحيان يكون هذا الأمر صحيحًا، وبالفعل يشعر الأطفال بالملل في المدرسة، فيصبح الأمر بمثابة حجة لهم لعدم الذهاب إليها، ولكن قد يكون ملل الطفل من المدرسة علامة على تقدمه في العلم، ولربما يحتاج إلى تحدٍّ أكبر يجعله أكثر تحفزًا للذهاب إلى المدرسة.
ليس لدي أصدقاء:
يقنع بعض الأهالي أطفالهم أن السبب وراء وجودهم في المدرسة هو التعلم في الأساس وليس لبناء علاقات وصداقات، ولكن المدرسة هي اللبنة الأساسية لتكوين شخصية الطفل ونضوجه، ويعاني بعض الأطفال من مشكلات في الحصول على أصدقاء وتكوين علاقات مما يؤدي إلى شعورهم بالملل من روتين الدراسة.
لا أريد الذهاب إلى المدرسة:
في بعض الأحيان تكون هذه هي الحجة الوحيدة لدى الطفل، وفعليًا هي الدافع الأكثر استخدامًا وانتشارًا بين الأطفال، لذا يجب القيام بمناقشة المخاوف التي تواجه الطفل، ومن الضروري إدراك الأطفال في هذه المرحلة أن المدرسة مسؤولية يجب عليهم تحملها، قد لا تكون ممتعة على الدوام، ولكنها مفيدة وتستحق العناء بالتأكيد.
ما الأسباب الخفية وراء تهرب الطفل من الذهاب إلى المدرسة؟
من أهم الأسباب التى تجعل الطفل يتهرب من الذهاب للمدرسة أو الحضانة ما يلي:
التجارب السلبية السابقة: قد تكون لدى الطفل تجارب سلبية في المدرسة مثل التنمر أو التعرض للعنف أو تسلط الأقران أو وجود معلم مخيف للطالب، مما يؤدي إلى تكوين رابطة سلبية مع بيئة المدرسة.
القلق الاجتماعي: يمكن أن يكون الطفل قلقًا بشأن المواقف الاجتماعية داخل المدرسة كالتفاعل مع الأقران، أو بسبب عدم وجود أصدقاء له، أو أن الطالب يتم إقصاؤه ونبذه، مما يؤدي إلى قلقه من الذهاب إلى المدرسة.
قلق الانفصال: إن قلق الانفصال عن الوالدين والأم تحديدًا، يمكن أن يكون سببًا رئيسًا عند بعض الأطفال لعدم الذهاب إلى المدرسة. ويتجلى هذا القلق في عدة أساليب، مثل عدم قدرة الطفل على قضاء بعض من الوقت في غرفة لوحده، بالإضافة إلى مواجهة مشكلات في النوم ونوبات الغضب الشديدة عندما يحين موعد الذهاب إلى المدرسة.
التوتر الأكاديمي: يمكن أن يشعر الطفل بالقلق بشأن أدائه الأكاديمي ومواجهة التحديات في الدراسة، مما يؤدي إلى خوفه من الفشل والانتقادات في المدرسة.
الحرمان: حرمان الطفل من أشياء يسعى لفعلها مثل ممارسة الأنشطة أو الهوايات.
مشكلات صحية: قد يعاني الطفل من مشكلات صحية كضعف السمع أو البصر دون أن يحظى بالاهتمام من قبل أسرته، ويصرون على ذهابه إلى المدرسة وعدم مراعاة حالته الصحية.
كيف نتعامل مع المشكلة لحلها؟
هذه المشكلة قابلة للمعالجة بسهولة إذا ما تم التعامل معها باهتمام ومهنية عالية. بداية يُنصح بعدم الخضوع لرغبة الطفل والسماح له بالبقاء في البيت، لكن دون استعمال الشدة والقسوة، لأن ذلك يعوق إمكانية النجاح في التغلب على مشكلة خوف الأطفال من المدرسة، ومن الممكن في حالات الرهاب مرافقة الطفل إلى المدرسة، وحتى البقاء معه لمدة معينة في المدرسة.
ويقع على عاتق كل من الأهل والمدرسة التعاون لمعالجة مشكلة التهرب من المدرسة.
دور الأهل عن طريق:
- التواصل الفعّال: التحدث مع الطفل بشكل مفتوح وداعم والاستماع إلى مخاوفه الفعلية ومخاوفه من الذهاب إلى المدرسة. قد يكون سبب رفض الذهاب إلى المدرسة طالبًا آخر يعرض الطفل للتنمر، أو الخوف من الحافلة، أو مخاوف من عدم القدرة على مواكبة الطلاب الآخرين بسبب صعوبة مادة معينة بالنسبة للطفل.
- تقديم الدعم العاطفي: إظهار التفهم لمخاوف الطفل وتقديم الدعم العاطفي له وتشجيعه على التغلب على مخاوفه، والتأكيد له أننا هنا لمساعدته في التغلب على رهاب المدرسة.
- إنشاء بيئة مريحة: تشجيع الطفل على الذهاب إلى المدرسة بشكل منتظم، وتعزيز الشعور بالأمان والثقة داخل المدرسة، وعدم إطالة فترة وداع الطفل حتى لا يزداد تعلقه، والحضور في الوقت تمامًا لأخذ الطفل من المدرسة عند انتهاء الدوام المدرسي، خصوصًا في بداية خطة العلاج، وذلك لتعزيز رابط الثقة والشعور بالأمان لديه.
- تطبيق تقنيات الاسترخاء: تعليم الطفل تقنيات الاسترخاء والتنفس العميق التي يمكن أن تساعده في التحكم بمشاعر القلق والتوتر.
- التعاون مع المدرسة: التواصل مع المعلمين والموظفين في المدرسة واستشارة المرشد التربوي فيها بشأن حالة الطفل، ووضع خطة مشتركة بين المدرسة والأهل، لتقليل العوامل السلبية في المدرسة والتي من الممكن أن تعزز السلوك السلبي للطفل.
- تشجيع الاندماج الاجتماعي: تشجيع الطفل على المشاركة في الأنشطة الاجتماعية داخل وخارج المدرسة لتعزيز الاندماج الاجتماعي وزيادة الثقة بالنفس.
- المكافأة والتشجيع: تقديم المكافآت والتشجيع عندما يقوم الطفل بالتعامل بشكل فعال مع مخاوفه ويتجاوزها.
أما دور المدرسة فيكون من خلال:
- توفير بيئة مدرسية آمنة تشعر الطفل بالأمان وتشجعه على القدوم إلى المدرسة.
- توفير بيئة صفيّة آمنة ومحببة عن طريق منع وجود أي شكل من أشكال العنف بين الطلاب أو من قبل الكادر التدريسي، سواء كان عنفًا لفظيًا أو جسديًا أو حتى السخرية والاستهزاء.
- وضع قوانين حازمة وواضحة تمنع تعدي الطلاب على بعضهم.
- تحديد سبب خوف الطالب من المدرسة، والعمل على معالجته.
- التعامل مع الطفل بمزيد من المودة والاهتمام في الأيام الأولى من المدرسة، وتفهم المعلمين والكادر المدرسي المشاعر التي يشعر بها الطفل، مثل الخوف والقلق والإثارة وأخذها بعين الاعتبار، فمثلًا إذا كان الطفل لا يرغب في دخول الفصل الدراسي بالأيام الأولى، فيمكنه الجلوس في غرفة المعلم أو في حديقة المدرسة لفترة معينة.
- التحبب إلى الطفل والثناء عليه في حال نجاحه بالبقاء في المدرسة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :