محللون: الأمر يتجاوز الممر إلى السويداء

لماذا تعثر الاتفاق الأمني بين سوريا وإسرائيل

الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهون (تعديل عنب بلدي)

camera iconالرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهون (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – عمر علاء الدين

توجهت أنظار المحللين السياسيين والمراقبين عربًا وأجانب، إلى زيارة الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، إلى نيويورك، وما سينجم عنها من مخرجات بشأن اتفاق أمني منتظر مع إسرائيل، سعت إليه أمريكا ومبعوثها إلى سوريا توم براك، من باكو إلى باريس ولندن.

الشرع، أكد مرارًا أنه يريد الوصول لاتفاق مشابه لاتفاقية فض الاشتباك، وخلال لقائه بقمة “كونكورديا” في نيويورك، في 22 من أيلول الحالي، قال الشرع، “نحن متجهون نحو التهدئة وأن تعطى سوريا فرصة للبناء، وإذا نجحت التهدئة وكان هناك التزام من قبل إسرائيل بما يتم الاتفاق عليه فربما تتطور المفاوضات”.

وفي حال نجحت الاتفاقية الأمنية، وفق الرئيس السوري، ستسير دمشق نحو مناقشة ملفات أبعد، تتعلق ب

المحتل، والعلاقة بين سوريا وإسرائيل على المدى البعيد، إلا أن المفاوضات تعثرت بحسب ما نقلته وكالة “رويترز” عن أربعة مصادر، في 26 من أيلول، بسبب تمسك إسرائيل بالممر الإنساني إلى السويداء.

مصير هذه المفاوضات، والمطلب الإسرائيلي، إضافة إلى ما قاله نتنياهو خلال كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 26 من أيلول، عن إمكانية عقد سلام مع سوريا، تناقشه عنب بلدي مع محللين وباحثين في هذا التقرير.

بسبب “الممر الإنساني”

في 12 من آب الماضي، ظهرت فكرة الممر الإنساني، عبر موقع “أكسيوس” الأمريكي، الذي ذكر أن إدارة ترامب تسعى إلى التوسط للوصول إلى اتفاق يتضمن إنشاء ممر إنساني بين مدينة السويداء والجانب الإسرائيلي، بهدف إيصال مساعدات إنسانية مباشرة إلى المدنيين في الجنوب السوري.

وبعد أشهر من المفاوضات التي توسطت فيها الولايات المتحدة في باكو وباريس ولندن، والتي تسارعت وتيرتها في الفترة التي سبقت انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، تجدد المطلب الإسرائيلي بفتح ممر إنساني إلى السويداء، في اللحظة الأخيرة، ما عاق خطط الإعلان عن اتفاق، وفق ما نقلته وكالة “رويترز” عن أربعة مصادر مطلعة على المحادثات في 26 من أيلول الحالي.

وفي محادثات سابقة في باريس، طلبت إسرائيل فتح ممر بري إلى السويداء للحصول على المساعدات، لكن سوريا رفضت الطلب باعتباره انتهاكًا لسيادتها.

وأعادت إسرائيل تقديم هذا الطلب في مرحلة متأخرة من المحادثات، بحسب مسؤولين إسرائيليين ومصدر سوري ومصدر في واشنطن مطلع على المحادثات.

بنيامين نتنياهو قال في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 26 من أيلول، إن إسرائيل بدأت “مفاوضات جادة” مع الحكومة السورية الجديدة، وأضاف أنه يعتقد بإمكانية التوصل إلى اتفاق “يحترم سيادة سوريا ويحمي الأمن الإسرائيلي وأمن الأقليات في المنطقة، بما في ذلك الأقلية الدرزية”.

وقال نتنياهو، “انظروا إلى سوريا، كان السلام يبدو بين إسرائيل وسوريا غير قابل للتصور لعقود. حسنًا لم يعد الأمر كذلك”.

وأضاف أنه لا يمكن لإسرائيل أن تقف مكتوفة اليدين بينما يتم “ذبح الدروز في سوريا، وأعطيت أوامر لقواتي بالتحرك”.

ومنذ أحداث السويداء في تموز الماضي، أعلنت إسرائيل تدخلها بشكل مباشر، حيث قصفت القوات الحكومية مواقع بمحيط السويداء، ومبنى رئاسة الأركان التابع لوزارة الدفاع السورية في دمشق.

الممر “تهديد”

منذ البداية لم تبنِ الحكومة السورية مواقفها على الرغبات الإسرائيلية، ولم تجعل قراراتها مرهونة بنتائج المفاوضات، وفق ما يرى الباحث في مركز “جسور للدراسات” محمد سليمان.

وفي حديث إلى عنب بلدي، اعتبر سليمان أن الحكومة السورية تعاملت مع أحداث السويداء وفق نهج عدم بناء المواقف السورية على الرغبات الإسرائيلية باعتبارها (أحداث السويداء) أزمة داخلية يمكن معالجتها عبر قنوات الحوار المحلي السوري- السوري، بما يقود إلى تفاهم يضمن استقرار المنطقة.

ويرى أن الكثير من أبناء السويداء المقيمين في داخلها أو في خارجها يفضلون البقاء “تحت مظلة الدولة”، والحكومة بدورها ترى أن السويداء جزء لا يتجزأ من سوريا، وتواصل العمل لإنهاء الأزمة من خلال الحوار المفتوح، بحسب الباحث.

ولدى الحكومة السورية “أوراق ضغط” قادرة على فرض معادلة جديدة، أبرزها “ملف الكبتاجون” الذي ما زال يُصنّع في السويداء بإشراف شخصيات مطلوبة للعدالة كانت مرتبطة بالنظام السابق من ضباط أمن وعسكريين ومدنيين، وهو ملف يسبب حرجًا كبيرًا لبعض الأطراف المحلية الساعية إلى الانفصال، على حد قول الباحث سليمان.

ويرى أن إسرائيل تسعى إلى التمسك بـ”الممر الإنساني” لإبقاء نفوذها مفتوحًا على بعض الجماعات في السويداء، حيث توهمهم بتقديم الدعم، بينما “تستخدمهم أداة لخدمة أطماعها التوسعية عبر عمليات عسكرية”، بحسب تعبيره.

ولا تكتفي إسرائيل باحتلال “مناطق تماس” فقط كما حصل سابقًا في الجولان وحاليًا في بعض النقاط ضمن القنيطرة، وفق الباحث في مركز “جسور”، الذي يرى أن فكرة الممر بحد ذاتها “تشكل تهديدًا مباشرًا” لأبناء السويداء.

وقد تستغل إسرائيل هذا الممر للسيطرة على أراضيهم وربما تهجيرهم وتحويل المنطقة إلى نقاط عسكرية تتحول لاحقًا إلى مستوطنات، ما لم يكن هناك وعي داخلي كافٍ بخطورة الموقف، بحسب سليمان.

وتبقى دمشق متمسكة برفض إنشاء أي “ممر إنساني”، حتى شكليًا، بحسب قراءة الباحث في مركز “جسور للدراسات”، الذي يعتقد أن هذا الممر سيكون في الواقع “بوابة لنشر الفوضى وتقسيم البلاد وإدخال السلاح إلى المنطقة”.

ماذا تريد إسرائيل؟

الكاتب السياسي درويش خليفة، لا يعتقد أن الممر الإنساني هو السبب الحقيقي لفشل المفاوضات بين سوريا وإسرائيل، بل يرى أن استخدام الأجواء السورية في العمليات الإسرائيلية هو ما يعرقل الاتفاق حقًا.

ووفق ما قاله لعنب بلدي، فإن نتنياهو يتعرض لضغوطات من ائتلافه للاستفادة من الأجواء السورية لضرب “الميليشيات العراقية وكذلك استهداف الداخل الايراني”، مشيرًا إلى أن نتنياهو لا يستطيع استخدام أجواء الأردن أو السعودية أو تركيا.

ويرى خليفة أن هذا الأمر غير ممكن بالوقت الحالي، لأن هناك تمسكًا من الجانب السوري بعدم التفريط بالسيادة السورية وعدم استخدام الأجواء السورية.

واعتبر أن توقيع الاتفاقية الأمنية أو العودة لاتفاقية شبيهة باتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، بين سوريا وإسرائيل، تمنع استخدام أجواء الطرفين أو حتى الاعتداء على الطرفين.

بينما يعتقد المحلل السياسي السوري فراس علاوي، أن هناك أسبابًا أخرى لم يتم ذكرها، تتعلق بطبيعة التدخل الإسرائيلي في الأراضي السورية، وأيضا انسحاب إسرائيل من المناطق التي دخلت إليها بعد 8 من كانون الأول 2024.

وفي حديث إلى عنب بلدي، قال علاوي، إن “الممر الإنساني” ما هو إلا ورقة تستخدمها إسرائيل إضافة إلى أوراق أخرى من أجل تحصيل مكاسب أكبر في سوريا، معتبرًا أنه ليس السبب الوحيد للتعنت الإٍسرائيلي، بل يرى أن هناك أسبابًا أخرى تتعلق بعمق التدخل الإسرائيلي وطبيعته في سوريا.

قدمت إسرائيل لسوريا قبل عدة أسابيع مقترحًا مفصلًا لاتفاق أمني جديد، بما في ذلك “خريطة للمناطق منزوعة السلاح تبدأ من دمشق حتى الحدود مع إسرائيل”، وفقًا لموقع “أكسيوس” الأمريكي.

مسؤول إسرائيلي كبير قال للموقع، في 17 من أيلول الحالي، إن “المبدأ المركزي” للاقتراح الإسرائيلي هو الحفاظ على “ممر جوي” إلى إيران عبر سوريا، وهو ما من شأنه أن يسمح بشن ضربات إسرائيلية مستقبلية محتملة على إيران.

يعتمد المقترح الإسرائيلي على اتفاقية السلام التي أبرمتها إسرائيل مع مصر عام 1979 (كامب ديفيد)، بحسب مصادر “أكسيوس”.

ووصف الموقع المطالب الإسرائيلية بـ”المتطرفة”، حيث يُطلب من سوريا الموافقة على منطقة واسعة منزوعة السلاح ومنطقة حظر جوي على أراضيها، وألا يتغير أي شيء على الجانب الإسرائيلي من الحدود.

وبحسب “أكسيوس”، سيتم تقسيم المنطقة الواقعة جنوب غرب دمشق إلى ثلاث مناطق، مع قدرة السوريين على الاحتفاظ بمستويات مختلفة من القوات وأنواع مختلفة من الأسلحة بحسب المنطقة.

الدور الأمريكي

لعبت الولايات المتحدة الأمريكية، عن طريق مبعوثها توم براك، دور الوسيط بين سوريا وإسرائيل خلال الأشهر الماضية، سواء في جولات باريس، أو في اللقاء الأخير بين وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، ووزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، في لندن.

ولا شك بأن الولايات المتحدة الأمريكية عازمة على إتمام الاتفاق وبالذات من قبل الرئيس ترامب، وفق ما يرى الكاتب السياسي درويش خليفة، الذي اعتبر أن ترامب يريد أن يراكم انتصاراته الرمزية، وهو تحدث بأنه أوقف سبع حروب في العالم، لذلك يريد إتمام الاتفاقية بين سوريا وإسرائيل للحصول على جائزة “نوبل” للسلام، على حد تعبير الكاتب.

على الجانب الآخر، قال الباحث في مركز “جسور للدراسات” محمد سليمان، إن واشنطن “لم تقم حتى الآن بدور الضامن للحد من السلوكيات الإسرائيلية”، التي تصدر عن “حكومة حرب يقودها نتنياهو المعروف بتطرفه والذي تجاهل الضغوط العربية والدولية في عدوانه على غزة”.

لذلك، وفقًا لرأي الباحث السوري، لا يمكن التعويل على الموقف الأمريكي في الضغط على إسرائيل لتنفيذ أي اتفاق محتمل.

ويذهب المحلل السياسي السوري فراس علاوي إلى أن أمريكا يهمها بالدرجة الأولى “ما تريده إسرائيل، وما تريده منها”، لذلك تضغط واشنطن على الجانب السوري لاستئناف المفاوضات، لكن بذات الوقت لا تضغط بإيقاف الشروط الإسرائيلية، معتبرًا أن الاتفاق “ضرورة أمريكية مؤكدة”.

ويرجح علاوي الوصول إلى تسوية معينة مع الحكومة السورية والإسرائيلية من أجل الاتفاق، مشيرًا إلى أن مستقبل المحادثات مرهون بمدى التقدم أو مدى الجدية الأمريكية بدعم المفاوضات بين كلا الطرفين.

في 23 من أيلول الحالي، قال المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم براك، إن الوصول إلى اتفاق بين سوريا وإسرائيل، سيمثل انتصارًا لإدارة الرئيس ترامب.

وسبق لبراك أن قال، في 28 من آب الماضي، إن الرئيس السوري، أحمد الشرع، لا يثق بالإسرائيليين، معتبرًا أنه “لم تعد العديد من البلدان العربية تثق بها بعد ما حصل في غزة”، لكنه أوضح أن الشرع “مستعد للتفاوض من أجل مصلحة بلاده”.

مستقبل المفاوضات

يعتقد الكاتب والباحث السياسي درويش خليفة، أن المحادثات ستستمر ما بين سوريا وإسرائيل، وأن هناك رغبة من الجانب السوري لإتمام هذا الاتفاق، لإعادة التهدئة إلى المنطقة الجنوبية ككل.

وأضاف، في حديثه إلى عنب بلدي، أن إسرائيل لن تلتزم بالاتفاق، معتبرًا أنه في الوقت الذي تجد إسرائيل فيه فسحة من التدخل في سوريا لن تتوقف عن ذلك إطلاقًا.

ويمكن أن تفضي هذه المحادثات إلى “توقيع اتفاق”، لكن موازين القوى في المنطقة مختلفة اليوم، وهي لمصلحة إسرائيل، التي لا يمكن مجاراتها على المستوى العسكري ولا السياسي، و”سوريا محكومة باتفاقيات ضرورة”، معتبرًا أنه لا يوجد ما يبشر بأن اسرائيل ستتوقف عن انتهاكها للسيادة السورية.

المحلل السياسي السوري فراس علاوي، يعتقد أن الحكومة السورية أمامها خيار وحيد هو الذهاب بالمفاوضات لأبعد مدى، والاعتماد على الضامنين بالمفاوضات، وهم الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، وربما هناك أطراف إقليمية أخرى فاعلة في الملف السوري.

في سياق آخر، يرى الباحث في مركز “جسور للدراسات” محمد سليمان، أنه بغياب أي مؤشرات على حسن النيات من إسرائيل واستمرارها في انتهاكاتها جنوبي سوريا ودعمها لفواعل ما دون الدولة داخل السويداء، ستظل المحادثات بين الجانبين متوترة ومن غير المرجح أن تصل في المدى القريب إلى تفاهمات أمنية.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة