
مدير الإدارة القنصلية في وزارة الخارجية السورية محمد يعقوب العمر يلتقي نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني طارق متري - 1 أيلول 2025 (محمد العمر/إكس)
مدير الإدارة القنصلية في وزارة الخارجية السورية محمد يعقوب العمر يلتقي نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني طارق متري - 1 أيلول 2025 (محمد العمر/إكس)
عنب بلدي – أمير حقوق
تشهد قضية المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية حراكًا جديدًا بعد سنوات من الجمود، مع عودة التنسيق بين الحكومتين السورية واللبنانية، عقب سقوط نظام الأسد، وفتح قنوات تواصل مباشرة لمناقشة هذا الملف الإنساني- السياسي.
وقال وزير العدل اللبناني، عادل نصار، إنه يمكن الاتفاق مع سوريا حول المعتقلين، ومن حق اللبنانيين معرفة مصير أبنائهم المعتقلين بسوريا، وكذلك تطالب سوريا بالموقوفين السوريين في لبنان.
واعتبر في حواره مع قناة “الحدث” السعودية، في 20 من أيلول، أن التعاون يجب أن يكون متبادلًا وكاملًا، وأن يتم النقاش وفق الأطر القانونية لكل دولة.
بدوره، رد وزير العدل السوري، مظهر الويس، أن ملف المعتقلين السوريين في لبنان من القضايا الجوهرية التي تحظى باهتمام خاص من الحكومة السورية، مؤكدًا على متابعته وفق خطة شاملة.
وأشار إلى أنه خلال الفترة الماضية جرت عدة مشاورات ولقاءات مع الجانب اللبناني، مبديًا رغبة في التعاون، بحسب ما نشره في صفحته عبر منصة “إكس”، في 22 من أيلول.
تصريحات الوزيرين أعطت أولوية لقضية المعتقلين السوريين، رغم تصدّرها النقاش السوري- اللبناني منذ سقوط النظام السابق، في إشارة إلى أن التحرك الرسمي للدولتين بدأ يأخذ مساره الصحيح.
مدير مركز “سيدار للدراسات القانونية” في لبنان، المحامي محمد صبلوح، قال لعنب بلدي، إن قضية المعتقلين السوريين في لبنان بدأت منذ سنوات كحملات إعلامية ومطالبات، لكنها اليوم دخلت حيز البحث، بعد تبادل الزيارات الرسمية بين بيروت ودمشق، ما كسر حالة الجمود التي سادت طويلًا، وفتح الباب أمام إمكانية حل هذا الملف الإنساني.
وأوضح أن الإشكالية الكبرى تكمن في التناقض داخل الموقف اللبناني نفسه، حيث تُستخدم قضية المعتقلين السوريين لتغطية ملفات أخرى، أبرزها اتهامات “قتل الجيش”، التي يرى أنها مبالغ فيها ومفبركة من قبل الأجهزة الأمنية.
واعتبر أن هذه الأجهزة منذ عام 2011 حتى 2025، مارست انتهاكات واسعة، من بينها تلفيق ملفات للسوريين المعارضين لنظام الأسد ووصمهم بالإرهاب، وصولًا إلى إجبارهم على التوقيع على اعترافات تحت التعذيب والتهديد بعائلاتهم، بما في ذلك استخدام أساليب مهينة وغير إنسانية.
من جانبه، يعتقد المحلل السياسي حسام طالب، أن قضية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية منذ أكثر من أربعة عقود تختلف عن ملف المعتقلين السوريين في لبنان.
فُتحت السجون بعد سقوط النظام ولم يُعثر على أي أثر للمعتقلين اللبنانيين، ما يرجح أنهم لم يعودوا موجودين، وإلا لكانوا خرجوا مع سائر المعتقلين السوريين والأردنيين الذين أُفرج عنهم، كما ظهر عند فتح سجن “صيدنايا” حيث أُطلق سراح معتقلين منذ 30 و40 عامًا، بحسب طالب.
أما المعتقلون السوريون في لبنان، فملفهم حديث وإنساني، إذ لم يرتكبوا جرائم أو مخالفات للقانون اللبناني، بل كانت “تُهمتهم الوحيدة” معارضتهم لنظام بشار الأسد، واعتقالهم جاء بطلب من “حزب الله”، خلال فترة نفوذه في لبنان.
واعتبر طالب أن المعتقلين السوريين يعانون أوضاعًا صعبة نفسيًا وصحيًا داخل السجون اللبنانية، ويطالب الجانب السوري بالإفراج عنهم فورًا باعتبارهم معتقلين سياسيين، مؤكدًا أن دمشق لم تطلب يومًا تسليم سوريين متورطين بجرائم جنائية كسرقة أو تهريب، بل حصرت مطالبها بالمعتقلين السياسيين.
تصريحات الوزير اللبناني أثارت جدلًا لدى الأوساط الحقوقية، لأنها شملت جميع المعتقلين اللبنانيين في سوريا والسوريين في لبنان، واعتبر ناشطون ومحللون سياسيون أنه لا يمكن النظر إلى معتقلي الطرفين بمعالجة واحدة.
المحامي محمد صبلوح، انتقد وزير العدل اللبناني، مشيرًا إلى أنه سلّمه شخصيًا وثائق وأدلة على الانتهاكات، لكنه لم يحرك ساكنًا، في الوقت الذي يخرج فيه بتصريحات إعلامية متناقضة، تطالب بطي صفحة الماضي وإطلاق سراح معتقلين في سوريا متورطين بقتل آلاف المدنيين، بينما يتجاهل المعتقلين السوريين الأبرياء في لبنان.
واعتبر أن هذا التناقض يضعف مصداقية الدولة اللبنانية، مؤكدًا أن الحل الوحيد يكمن في العدالة الانتقالية التي تعترف بالانتهاكات وتعمل على جبر الضرر.
وأضاف أن أهالي المعتقلين السوريين يشعرون بظلم مضاعف، إذ يرون أن رفاق أبنائهم الذين أصبحوا اليوم في مواقع قيادية داخل الدولة السورية الجديدة يعيشون أحرارًا، بينما أبناؤهم لا يزالون يقبعون في السجون اللبنانية بتهم مفبركة.
ووصف موقف وزير العدل السوري بأنه منطقي، لأن هؤلاء المعتقلين لم يُدانوا بجرائم حقيقية، بل دفعوا ثمن معارضتهم لنظام الأسد.
وشدد صبلوح على أنه “لا يمكن المساواة بين الجلاد والضحية”، موضحًا أن المعتقلين السوريين في لبنان ضحايا منظومة أمنية وقضائية مرتبطة بالنظام السوري، بينما المعتقلون اللبنانيون في سوريا متورطون في جرائم قتل وتهريب ومجازر بحق المدنيين.
أما المحلل السياسي حسام طالب، فيشرح أن التباين بين تصريحات وزيري العدل في لبنان وسوريا يعكس اختلاف ظروف المعتقلين السوريين عن اللبنانيين، فبينما يُعتبر حديث الوزير اللبناني مضيعة للوقت، فإن موقف نظيره السوري منطقي وعادل، لأنه يضع المسألة في إطارها الإنساني.
ويرى أن استمرار احتجاز المعتقلين السياسيين يضر بالعلاقات بين الشعبين والدولتين، ويهدد بزيادة التوترات الشعبية.
تطرق مدير مركز “سيدار للدراسات القانونية” في لبنان، المحامي محمد صبلوح، إلى أن معالجة قضية السوريين وحدهم لن تكون عادلة، بل يجب أن تكون جزءًا من إصلاح شامل عبر قانون جديد يحقق العدالة الانتقالية لجميع السجناء، لبنانيين وسوريين، و”يضع حدًا للفبركات والانتهاكات”.
واتهم صبلوح “حزب الله” بمحاولة استغلال الملف سياسيًا، عبر “تضخيم أعداد الموقوفين السوريين أو فبركة ملفات مرتبطة بالإرهاب”، من أجل تعزيز أوراقه التفاوضية مع الدولة السورية والمجتمع الدولي.
وختم بالتأكيد أن العدالة “لا تتجزأ”، وأن أي حل جزئي سيؤدي إلى انفجار داخل السجون اللبنانية، داعيًا إلى الاعتراف بالانتهاكات السابقة والعمل على تصحيحها عبر مسار عدالة انتقالية شامل، يرفع الظلم عن الضحايا ويضع أسسًا لمرحلة جديدة من العلاقات بين لبنان وسوريا.
بحسب مصادر مطلعة، فإن لجانًا مشتركة من الجانبين السوري واللبناني تملك قوائم واضحة بأسماء المعتقلين وأسباب احتجازهم، ما يستدعي الإسراع في الحل بعيدًا عن البيروقراطية والمماطلة، التزامًا بالقانون الدولي واتفاقيات جنيف، وفق ما قاله المحلل السياسي حسام طالب.
وأكمل أنه في المقابل، تؤكد دمشق أن ملف بعض العناصر الموقوفين بتهم تهريب المخدرات أو السلاح قضية مختلفة تمامًا، لأنها جنائية لا علاقة لها بالملف السياسي أو بـ”حزب الله”.
الخلاصة برأيه، أن حل قضية المعتقلين السياسيين في لبنان بات ضرورة إنسانية عاجلة، وهو شرط أساسي لأي تقدم في العلاقات الثنائية بين بيروت ودمشق.
يرى الباحث السياسي فراس علاوي، أن كلا الطرفين لديه شروط لحل مسألة المعتقلين في كلا البلدين، وهناك بعض المشكلات السياسية أو التقنية التي عاقت الوصول لاتفاق بين الوزيرين، موضحًا أن القضية تحتاج إلى نقاشات أعمق وأطول بين الطرفين لحل الخلافات.
يجب الفصل بين المعتقلين السوريين السياسيين وبين المتهمين بقضايا أخرى، وأيضًا يجب الفصل بين المعتقلين اللبنانيين في سوريا خلال فترة حكم الأسد، وبالتالي كل ملف في قضية المعتقلين مختلف عن الآخر، وفق ما قاله علاوي لعنب بلدي.
ويرجح أن الحكومة السورية لا تملك جميع الأوراق والوثائق المتعلقة بالمعتقلين اللبنانيين في الأراضي السورية، خلال فترة النظام السابق، ويجب أن تكون معالجة قضية المعتقلين لدى الجانبين منفصلة عن الشقين السياسي والاقتصادي، كونها قضية إنسانية بحتة.
وتعتبر قضايا المعتقلين السوريين في لبنان، والمفقودين اللبنانيين في سوريا، على رأس المباحثات التي يجريها الجانبان السوري واللبناني، وكانت أولى جولاتها بزيارة وفد من الخارجية السورية إلى بيروت في 1 من أيلول، ثم قدوم وفد حكومي لبناني إلى سوريا لمتابعة التفاصيل.
وزير العدل اللبناني، عادل نصار، قال إن اللجان التي تشكلت عقب زيارة الوفد الرسمي السوري، إلى بيروت، عقدت اجتماعًا بدمشق، في 8 من أيلول.
وفي 1 من أيلول، زار وفد سوري العاصمة اللبنانية، بيروت، لبحث عدد من القضايا العالقة بين دمشق وبيروت، أبرزها ملف المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية، وترسيم الحدود، حيث التقى الوفد نائب رئيس الوزراء اللبناني، طارق متري.
واتفق الجانبان على تشكيل لجنتين لتحديد مصير نحو ألفي سجين سوري محتجزين في السجون اللبنانية، وتحديد أماكن المواطنين اللبنانيين المفقودين في سوريا منذ سنوات، وتسوية الحدود المشتركة، بحسب وكالة “أسوشيتد برس”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى