حائرون بين المخيمات والمنازل المدمرة

ظروف صعبة تعوق عودة نازحي اللطامنة

آثار الدمار في الحي الغربي لبلدة اللطامنة - 24 آب 2025 (محمد أبو صوان/ فيسبوك)

camera iconآثار الدمار في الحي الغربي لبلدة اللطامنة - 24 آب 2025 (محمد أبو صوان/ فيسبوك)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – محمد كاخي

تعرضت مدينة اللطامنة بريف حماة الشمالي، كغيرها من البلدات والمدن السورية، لقصف متواصل بالبراميل والقذائف والغارات طوال سنوات بين 2011 و2018.

وبحسب إحصائيات مجلس البلدة، فإن 90% من مرافق ومنازل البلدة مدمرة بالكامل.

وإثر العمليات العسكرية وحصار البلدة، نزح أهالي اللطامنة إلى مناطق متفرقة خلال سنوات الثورة السورية، منها محافظة إدلب ومخيمات أطمة ودير حسان، وآخرون لجؤوا إلى تركيا.

واصطدم أهالي البلدة بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، في كانون الأول 2024، بواقع البلدة المدمرة، وحالت ظروفهم الصعبة دون العودة إلى بيوتهم، بالرغم من زوال سبب النزوح، ويواجه من استطاع العودة منهم ظروفًا معيشية معقدة بسبب تردي الخدمات في البلدة.

دمار كبير وموارد محدودة

يمثل الدمار الكبير الذي لحق بمنازل الأهالي ومرافق البلدة أحد أكبر التحديات التي تواجه المجتمع المحلي، إذ يفوق حجم الدمار الموجود في البلدة إمكانيات أغلب سكانها، ولا يمكن لمن عاد إلى منزله أن يبدأ عملية إعادة ترميم المنزل قبل ترحيل الأنقاض، وهي عملية تحتاج بالحد الأدنى إلى 500 دولار أمريكي لكل بيت، بحسب الأهالي.

رئيس مجلس بلدية اللطامنة، عبد الناصر الصالح، قال لعنب بلدي، إن عدد العائدين بعد سقوط النظام إلى المدينة بلغ حوالي 2300 عائلة، وكان يقيم على أطراف البلدة وفي المزارع قرابة 300 عائلة، ليصبح عدد المقيمين حاليًا في البلدة حوالي 2500 عائلة.

الصالح أوضح لعنب بلدي أن نسبة الدمار في البلدة كبيرة، إذ بلغت نسبة دمار المنازل والمرافق العامة 90% تقريبًا.

الناشط المدني في بلدة اللطامنة محمد أبو صوان، قال لعنب بلدي، إن مبادرة “الأيادي البيضاء” أعادت 2000 عائلة من المخيمات ومناطق أخرى، عبر تنظيم قوافل لنقلهم وحاجياتهم من أماكن وجودهم.

وقال أبو صوان، إن بعض الأهالي ممن لديهم القدرة قاموا بترميم منازلهم، وبعضهم ممن لا يملكون القدرة على الترميم الكلي، رمموا غرفة ومطبخًا بما يخدمهم مؤقتًا، بانتظار أن تتم مساعدتهم مستقبلًا، ولكن هناك منازل تحتاج إلى الإزالة بشكل كامل، ولا يملك أصحابها القدرة على ترميمها أو إصلاح جزء منها.

أحد الأهالي العائدين حديثًا أحمد السطوف، قال لعنب بلدي، إن عملية الترميم هي أصعب المشكلات التي تواجه من يريد العودة، وإذا تجولت في البلدة، من الصعب أن تجد منزلًا جيدًا يمكن السكن به، وبعض الأهالي قاموا بنصب خيام فوق بيوتهم المدمرة للسكن فيها.

الخدمات تؤخر العودة

تواجه البلدة واقع خدميًا مترديًا يؤخر عودة الأهالي، بحسب شهادات أهالٍ وناشطين في المنطقة، فالدمار الذي لحق بالمستوصف والمدارس والأفران وشبكة الكهرباء والماء يجعل من الحصول على هذه الخدمات أمرًا صعبًا، ومستحيلًا أحيانًا، بحسب الأهالي.

رئيس مجلس بلدية اللطامنة، عبد الناصر الصالح، قال لعنب بلدي، إن الأهالي المقيمين في المخيمات حاليًا جميعهم يرغبون في العودة إلى المدينة، إلا أن الصعوبات الخدمية تمنعهم من ذلك، ومن هذه الصعوبات عدم توفر المدارس الكافية، وشبكة المياه لا تزال بحاجة إلى كثير من الإصلاح ودعم الضخ، وكذلك الكهرباء لا تزال غير متوفرة بشكل كافٍ لكل المدينة، والصرف الصحي بحاجة أيضًا إلى عمليات تأهيل وتنظيف بسبب دمار الشبكة.

العائد أحمد السطوف، قال لعنب بلدي، إنه يسكن منذ أشهر في البلدة دون كهرباء، وتقدم بطلب لاستقدام عمودَي كهرباء لحارته ولكن دون استجابة للمطالب حتى الآن.

تواصلت عنب بلدي مع مديرية كهرباء حماة للحصول على توضيح، إلا أنها لم تتلقَ استجابة حتى لحظة تحرير التقرير.

رئيس بلدية اللطامنة أوضح لعنب بلدي أن المبادرات الحكومية وعمل المنظمات الإغاثية لا يزال أقل من المطلوب، ولا يغطي حاجة البلدة.

وباستثناء مبادرة تركية لترميم إحدى مدارس البلدة، ومبادرة إماراتية لتأهيل مجمع مدارس آخر، وحملة “حماة تنبض من جديد” التي ساعدت في إزالة بعض الأنقاض، لا توجد أي مبادرات أخرى أسهمت في إعادة الحياة إلى البلدة، بحسب الصالح.

وأضاف أنهم تقدموا بكثير من المطالب إلى الحكومة التي من شأنها تسهيل عودة النازحين، وحصلوا في المقابل على وعود من المحافظة بالمساعدة.

وأوضح الناشط المدني في البلدة محمد أبو صوان، أن الجهات الحكومية عملت على إصلاح شبكات المياه، وتوسيع شبكة الكهرباء بشكل بسيط، إلا أن هذه العمليات كان تمويلها من تبرعات الأهالي، واكتفت المؤسسات الحكومية بالإشراف فقط.

العائد أحمد السطوف، قال إن الخدمات في البلدة سيئة، فمياه الشرب تصل يومًا وتغيب ثلاثة، وبعض الحارات لم تصل إليها المياه منذ أشهر بسبب ضعف الضخ، وأسعار السلع والمواد المعيشية أكثر غلاء مقارنة بمدينة إدلب أو المخيمات.

وبالنسبة للمدارس فإن الوضع “مأساوي”، بحسب أحمد، إذ يبلغ عدد طلاب البلدة قرابة ثلاثة آلاف طالب، بينما توجد في البلدة مدرستان فقط، وقد يضطر بعض الطلاب من أماكن بعيدة في البلدة إلى المشي قرابة سبعة كيلومترات للوصول إلى مدرستهم، وقد يتجاوز أعداد الطلاب في الصف الواحد 60 طالبًا.

الناشط المدني أبو صوان، قال في حديثه إلى عنب بلدي، إنه تم ترميم مدرستين ثانويتين، وكتلة واحدة فقط من مدرسة إعدادية، وهذه إحدى أكبر المشكلات التي تواجه العائدين إلى البلدة أو الذين ينوون العودة.

وأوضح أحمد أن البلدة بكاملها لا يوجد فيها طبيب ضمن النقطة الطبية، وهي نقطة قائمة على متطوعين من القرية من الممرضين فقط، كما تغيب الكثير من الأدوية المطلوبة عنها، ومن غير المعروف إلى الآن متى سيتم إرسال أطباء إلى النقطة.

بين نارين

بحسب أهالٍ وقاطنين بمخيمات الشمال السوري، نقلت الكثير من المنظمات الإغاثية نشاطات عملها من المخيمات إلى داخل المدن الكبرى بعد سقوط النظام، وتوقف الدعم عن بعض المنظمات أيضًا بعد قرار إيقاف خدمات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، المسؤولة عن تقديم المساعدات الإنسانية في الخارج، مطلع العام الحالي.

أحد سكان المخيم، وهو من بلدة اللطامنة، محمد الفياض، قال لعنب بلدي، إن “الأوضاع الخدمية في المخيم ساءت للغاية بعد سقوط النظام”، فتفاقمت أزمة النفايات، وباتت تملأ أرض المخيم وتنشر الأمراض بين الأهالي والأطفال، وانسحبت بعض النقاط الطبية من المخيم، كما يضطر الأهالي إلى شراء مياه الشرب بسبب عدم توفرها.

وأضاف محمد أنه بالرغم من الخدمات شبه المنعدمة في المخيم، فإن سكان اللطامنة في المخيم يفضلون البقاء، ومن بقي أكثر بكثير ممن عاد، إلا أنهم وقعوا بين نارين، العودة إلى منازل مدمرة وبلدة دون خدمات، أو البقاء في مخيم تنتشر فيه القمامة وتندر الخدمات.

وأشار إلى أن المدارس في المخيم جيدة، على عكس حالها في اللطامنة، وهو أحد أهم الأسباب الذي يجعل الأهالي يفضلون البقاء في المخيم، إذ يعتبرون تعليم أطفالهم “خطًا أحمر” لا يمكن تجاوزه.

الواقع الأمني للمخيم، ونقص المياه والمساعدات، هما ما يؤرق الناس الآن، ويطالب الأهالي في المخيمات، بحسب محمد، الجهات الحكومية بالتوجه إلى هذه المخيمات للاطلاع على مشكلات سكانها، وتوضيح مصيرهم وما ينتظرهم، وطالب محمد المعنيين بـ”خطة طوارئ” يتم فيها تحسين أوضاع المخيم وخدماته، إلى أن يستطيع الأهالي تأمين احتياجاتهم وسبل عودتهم.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة