يختلط فيها الفـن الإسلامي بروح التراث

البيوت الدمشقية.. تحف معمارية تواجه الإهمال

بيت فخري البارودي أحد أشهر البيوت الدمشقية - 22 شباط 2025 (عنب بلدي/كريستينا الشماس)
tag icon ع ع ع

عنب بلدي – كريستينا الشماس

تواجه مدينة دمشق القديمة تحديات متزايدة تهدد معالمها التراثية، وعلى رأسها البيوت الدمشقية التي لطالما شكّلت هوية عمرانية واجتماعية فريدة للمدينة.

لم تكن البيوت الدمشقية مجرّد مساكن، بل فضاءات معمارية حملت قيمًا اجتماعية وثقافية ودينية، وارتبطت بالذاكرة المجتمعية للسوريين.

ورغم الجهود الفردية لبعض الأهالي للحفاظ عليها، تعرّض كثير منها خلال العقود الماضية للتشويه أو الاستخدام التجاري الذي أفقدها خصوصيتها.

الباحث في التراث الشعبي محيي الدين قرنفلة، تحدث لعنب بلدي عن البيت الدمشقي الذي يعد مثالًا للعمارة التقليدية في الوطن العربي.

وأوضح قرنفلة أن عمارة البيت الدمشقي يختلط فيها الفـن الإسلامي بروح التراث السوري العريق، وتعد نموذجًا متفردًا في تصميم البيوت العربية القديمة.

بين الترميم و”التشويه”

واجهت البيوت الدمشقية، التي يصل عددها إلى ما يقارب 6000 بيت، الإهمال خلال السنوات الماضية، فمنع النظام السابق أهالي البيوت من أي أعمال ترميمية دون موافقته.

الباحث في التراث الشعبي محيي الدين قرنفلة، قال إن مدينة دمشق تعرضت على مدار 60 سنة لكثير مـن الإهمـال المتعمد، فتحولت الكثير من بيـوت دمشـق القديمـة داخـل السـور إلـى مطاعم وفنادق ومقاهٍ، معتبرًا أن هذه الاستثمارات أدت إلى تشويه معالم بعض البيوت الدمشقية بعد أن استُغلت تجاريًا بحجة الترميم والتجديـد، مـا تسـبب بفقـد هـذه البيوت هويتها اﻷساسية.

“في السنوات اﻷخيرة، أصبح من الصعب جدًا قيـام سكان البيوت بأعمال ترميمية ولو لعتبة باب البيت، بسبب قيود النظام السابق داخل أحياء دمشق القديمة، حتى أصبحت حالة بعضها مزرية جدًا”، بحسب قرنفلة.

 

البيت الدمشقي ليس فقط مكانًا للعـيش، بـل هـو تحفـة فنية معمارية تجسد أصالة دمشق، المدينة التي سكنت في قلب التاريخ والحضارة.

محيي الدين قرنفلة

باحث في التراث الشعبي

 

جولة في البيت الدمشقي

تحدث الباحث في التراث الشعبي محيي الدين قرنفلة، عن خصوصية البيت الدمشقي الذي تميز بعدة أقسام حـرص الدمشـقي أن يحافظ عليهـا وهي:

  • باب الزقاق: كان الباب عليه “سـقاطة” علـى شـكل قبضـة اليـد مـن النحـاس اﻷصفر، مكونة من اثنتين واحدة صغيرة وأخرى أكبر منها.

وأوضح قرنفلة أنه عندما كانت تطرق “السقاطة” الكبيرة، يُعرف أن الطـارق رجل، وعند طرق الصـغيرة يكـون الطـارق امرأة.

  • الدهليز: أي مدخل البيت الدمشقي، وهو ممـر طويـل بـين أربعة وستة أمتـار، وبعرض بين مترين وثلاثة أمتار، ويفضي بـآخره يمينـًا أو يسـارًا إلـى فسـحة سـماوية تسمى “أرض الديار”، تتوسـطها بحـرة ميـاه ولهـا نـافورة ترتفـع قليلًا، لتعطـي جماليـة للمكان، والتي اكتسبت خصوصية عند الدمشقيين.
  • الليوان: يشبه غرفة كبيرة ولكن بلا أبواب، بحيث يكون ملجأ للعائلة أيـام الحر الشديد، حيث ﻻ تصله الشمس.
  • غرف الضيوف: وكانت تسمى “الحرملك” للنساء، و”السلاملك” للرجال.
  • غرف النوم: غالبًا تقع في القسم “الفوقاني”، أي فوق غرف الطابق اﻷرضي.
  • المشرقة: وهي فسحة سماوية في القسم “الفوقاني”، تتميز بأنها تشرق الشمس عليها أولًا.
  • الطيارة: وهي السطح اﻷخير في البيت الدمشقي، وله “طبلـة”، أي سـور مـن نواحيه اﻷربع، ﻹبعاد أعين الفضوليين وخاصة “الحميماتية”، ومن عادة أهـل دمشـق قديمًا السهر في الطيارة والنوم فيها أيام الصيف الحار.
  • بيت “المونة”: ويعتبر أساسيًا في البيت الدمشقي، وفـيه يـتم وضـع “مونـة” البيـت التي يتم تحضيرها في فصل الصيف، وتشمل المواد الغذائية كافة من الخضـار المجففـة واﻷجبان والسمن والزيت والبرغل والأرز والقمح والبقوليات بجميع أنواعها.
  • المطبخ: أهم مكان في البيت، وتقضي فيه سيدة البيت معظم وقتها.

اهتمام حكومي غائب

استولى النظام السوري السابق على عدد من البيوت الدمشقية، مثل بيت “نظام” وبيت “السباعي”، وسخرها لتصوير أعمال الدراما الدمشقية التي شوهت التراث الدمشقي، فهناك أعمال أساءت لسكان دمشق وعاداتهم وتقاليدهم، بحسب الباحث في التراث الشعبي محيي الدين قرنفلة.

واعتبر الباحث أن هذه البيوت تمثل رمـزًا لمدينـة دمشـق القديمة، فالسـائح يأتي ليشـاهد دمشـق ذات السـور ﻻ ليقطن في الفنادق المعاصرة.

ويرى قرنفلة أنه لا بد من الحفاظ على المدينة القديمة بحاراتها وبيوتها ومرافقها العامة، فرغم نشاط الجمعيات التطوعية لحماية إرث هذه البيوت، فإنها لم تتلقَ سابقًا أي دعم حكومي.

ويأمل قرنفلة، في ختام حديثه لعنب بلدي، باهتمام الجهات المعنية بهذه البيوت الدمشقية، لإعادة إحيائها من جديد وتصديرها للعالم بصورة تليق بالعاصمة دمشق.

 

“البيوت الدمشقية تبحث عمن ينقذها لتبقى تاريخًا شاهدًا على مر العصـور في عاصمة صدرت العراقة والحضارة للعالم”.

محي الدين قرنفلة

باحث في التراث الشعبي

 



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة