
باص لنقل الركاب بالقرب من كراج البولمان بمدينة دير الزور - 26 أيلول 2025 (عنب بلدي/عبادة الشيخ)
باص لنقل الركاب بالقرب من كراج البولمان بمدينة دير الزور - 26 أيلول 2025 (عنب بلدي/عبادة الشيخ)
عنب بلدي – عبادة الشيخ | لمى دياب
تزايدت هجرة أهالي محافظة دير الزور نحو العاصمة دمشق بعد سقوط بشار الأسد، وتحولت من نزوح فردي إلى جماعي متسارع، ويرجع ذلك إلى الظروف الأمنية والمعيشية الصعبة، وغياب شروط الحياة الكريمة والآمنة.
الهجرة إلى العاصمة بالرغم من التحديات المعيشية ليست خيارًا، وفق ما ذكره بعض الأشخاص الذين وصلوا إلى دمشق، بل ملاذ أخير أمام انهيار شروط العيش الأساسية في محافظة دير الزور.
وتعد الهجرة بمفهومها العام هي الانتقال من موطن إلى آخر، سعيًا لظروف أفضل أو هربًا من واقع لم يعد يُحتمل، وهي ليست حكرًا على السوريين لكنها تأخذ أبعادًا مأساوية في حالتهم، ويكون هذا الحل هو الأقل مرارة.
“لم يكن خيار الهجرة إلى دمشق سهلًا”، بهذه العبارة بدأ أيمن العلاو، أحد أبناء عشيرة “الشعيطات”، حديثه لعنب بلدي، وقال إنه بعد سقوط النظام وما تبعه من توترات أمنية في المنطقة الشرقية، كانت هناك موجة هجرة كبيرة لشباب باتجاه دمشق، حيث قُدّرت أعدادهم بما يتراوح بين ثمانية آلاف و15 ألف شاب، جميعهم كانوا يبحثون عن الأمان وفرصة لمستقبل أفضل.
وفي دمشق، تنوعت مساراتهم، فمنهم من التحق بمؤسسات الدولة المدنية أو العسكرية، وآخرون انخرطوا في سوق العمل الحر كالتجارة والمهن المختلفة، بينما رغب بعضهم باستكمال تعليمهم، فلم يكن الطريق سهلًا عليهم، وفق أيمن.
وتابع أن معظم الشباب واجهوا تحديات كبيرة في الاندماج بمجتمع العاصمة، بالإضافة إلى المنافسة الشديدة في سوق العمل وارتفاع تكاليف المعيشة، وتعد هذه الهجرة قصة لجيل يسعى لبناء حياة مستقرة رغم كل الظروف القاسية التي دفعته لترك أرضه.
ماهر البجاري من قرية الدحلة بريف دير الزور الشرقي، قال لعنب بلدي، إن كل يوم يخرج من خمسة إلى عشرة شباب من القرية متجهين نحو دمشق أو لبنان بحثًا عن فرص عمل، لانعدامها في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) باستثناء الانخراط في المجال العسكري، الذي يرفضه الكثير من أبناء المنطقة.
وذكر فاروق سرحان، موظف في القطاع العام، لعنب بلدي، أنه انتقل منذ ما يقارب الشهر من ريف دير الزور إلى دمشق، ويرجع ذلك لثلاثة أسباب، أولها ارتفاع إيجارات المنازل، وثانيها انخفاض مستوى التعليم بسبب النقص الكبير في المعلمين المختصين، والثالث هو البحث عن فرص عمل لتوفير حياة معيشية كريمة لعائلته.
من أبرز التحديات التي تواجه أهالي دير الزور المهاجرين إلى دمشق هي اللهجة، بحسب ما قالته سعاد النايف، لعنب بلدي، فهي تعاني كحال كثيرين من التنمر على لهجتها خصوصًا في المعاملات التجارية.
سعاد قالت إن “صانعي المحتوى” وناشطين في المجال الإعلامي باتوا “ينمّطون” أبناء دير الزور في محتواهم للوصول إلى “تريند” عبر أشخاص بسطاء يصورون للجمهور أن “ثقافة دير الزور تقتصر على أنغام أغنية لبّت لبّت”.
وتابعت أن هناك تحديات أخرى، مثل تأمين السكن، والتعليم للأطفال، خصوصًا أن القطاع التعليمي دمر في السنوات السابقة بسبب الفصائل التي تعاقبت في السيطرة على المنطقة.
تعد هجرة أبناء الريف إلى المدينة ظاهرة عالمية ذات تداعيات معقدة، تلقي بظلالها على كل من المناطق الحضرية والريفية.
الباحثة الاجتماعية في إحدى منظمات المجتمع المدني بدير الزور، رؤى العلي، أوضحت لعنب بلدي أن الهجرة إلى المدينة تمثل في كثير من الأحيان فرصة لتحسين مستوى المعيشة للأفراد والعائلات الريفية.
ففي المدينة، تتوفر فرص عمل أكثر تنوعًا وأعلى أجرًا في العديد من القطاعات مثل الصناعة والخدمات، مما يسهم في زيادة دخل الفرد وتحقيق الاستقرار المالي، كما يمكن للمهاجرين الاستفادة من خدمات أفضل، مثل التعليم والرعاية الصحية المتطورة، والتي غالبًا ما تكون محدودة أو غير متاحة في الريف، وفق العلي.
وتابعت أن تدفق سكان جدد للمدن يعد محركًا للنمو الاقتصادي، حيث تُوفر الأيدي العاملة الجديدة قوة دفع للصناعات المختلفة وتسهم في زيادة الاستهلاك، بالإضافة إلى أن هذا النمو يمكن أن يُترجم إلى تطوير البنية التحتية، مثل تحسين شبكات النقل والمرافق العامة، لمواكبة التوسع السكاني.
وحول التحديات الإيجابية والسلبية، بيّنت العلي أن “التحضر السريع” لا يخلو من مشكلات، ففي المدن، تسبب الزيادة المفاجئة في عدد السكان ضغطًا هائلًا على الموارد، مما يؤدي إلى نقص في المساكن وارتفاع أسعار العقارات، كما يرافق ذلك ازدحام على المرافق العامة مثل المواصلات والمستشفيات، ما يتسبب بتدهور في جودة الخدمات.
أما بيئيًا، فيؤدي التوسع الحضري إلى تزايد التلوث، سواء كان ذلك من المصانع أو المركبات، مما يؤثر سلبًا على صحة السكان، وفق العلي.
وبالانتقال إلى تداعيات الهجرة على الريف، أشارت إلى أن هجرة الشباب والأيدي العاملة تتسبب بهجرة الأراضي الزراعية، مما يهدد الأمن الغذائي للبلاد، ويؤدي هذا النزوح إلى ضعف الروابط الاجتماعية وتفكك النسيج الأسري الذي يميز المجتمعات الريفية، ويُفقد القرى طابعها الخاص وهويتها الثقافية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى