جانب من التدريبات العسكرية في معسكر تدريبي لمقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا- تشرين الثاني 2018 (يونايتد نيوز انترناشيونال)
الإرهاب في الشرق الأوسط.. أدوات وظيفية في استراتيجية “الفوضى الخلاقة”
خالد المطلق
شهد الشرق الأوسط على مدار العقدين الماضيين تحولًا جذريًا في طبيعة الصراعات، حيث لم تعد الحروب تدور بين جيوش نظامية فحسب، بل أصبحت تُخاض في المقام الأول عبر التنظيمات الراديكالية المتطرفة. هذه الظاهرة التي بدت في بدايتها كـ”تمردات عقائدية” محدودة سرعان ما تضخمت لتصبح قوة عابرة للحدود، قادرة على السيطرة على مساحات شاسعة وتغيير الخرائط الجيوسياسية.
إن التعرف على منشأ هذه التنظيمات التي صُنفت كتنظيمات إرهابية يمر من خلال فهمنا لمصطلح الإرهاب وتعريفه الذي لم تتفق عليه المنظمات الدولية بكافة مؤسساتها والدول الراعية لهذه المنظمات، ولعل ترك الباب مفتوح وراء عدم اعتماد تعريف محدد للإرهاب له أسبابه وخفاياه، وإذا أردنا أن نعّرف الإرهاب يجب أن نعود بالأصل إلى ما توصلت إليه المؤسسات الدولية، وعلى رأسها هيئة الأمم المتحدة بما في ذلك منظمات حقوق الإنسان، ونرى كيف عّرفت هذه المنظمات الإرهاب، وللأسف وعلى الرغم من تنامي هذه الظاهرة الخطيرة إلى حد بعيد جدًا لم نجد في وثائق هذه المرجعيات الدولية الرسمية أي تعريف محدد للإرهاب، بل وجدنا أنه تم إدراج أكثر من 100 تعريف له منذ نشأت هذه المنظمات، وذلك لأن من يتحكم في هذه المنظمات والهيئات يريد أن يُبقى تعريف ومفهوم الإرهاب مطاطًا يُلائم مصالحه الخاصة لسبب مهم جدًا وهو أن هذه الجهات تريد أن تمارس الإرهاب بحق من يخالفها ويقف في وجهها من جهة، ومن جهة أخرى تلصق تهمة الإرهاب به لتبرر استخدامها لكل أساليب القتل والتدمير ضده خاصة الشعوب التي يمكن أن تثور ضد الحكام الذين يقبعون تحت سيطرة هذه الجهات ولدينا مثال صارخ في سوريا والعراق ولبنان واليمن وفلسطين.
ولهذا عرّفنا الإرهاب من خلال خِبرتنا الطويلة في هذه التنظيمات، ومن خلال الكثير من الدراسات التي قمنا بها بأنه: “عمل عنفي يستهدف إرضاخ الجماعة لآرائه وفرض معادلة مغايرة بمنطق القوة، من خلال تجذير الخوف وزرع القلق في محيطهِ، ويكون الإرهاب وسيلة يستخدمها الأفراد والجماعات ضد الحكومات، ويمكن أن تستخدمها وترعاها حكومات ضد مجموعات معينة داخل البلاد أو تستخدمه دول عظمى ضد حكومات أو أنظمة تسميها مارقة”.
إن التفسيرات التقليدية التي تركز فقط على الفكر المتشدد أو التهميش الاجتماعي تقف عاجزة أمام فهم المرونة الهائلة والقدرة اللوجستية لهذه التنظيمات، والتي سمحت لها بالبقاء والتوسع، رغم تضافر الجهود الدولية للقضاء عليها. يكمن السر وراء هذا البقاء في أن هذه الجماعات ليست مجرد نتاج بيئات متصدعة، بل هي أدوات وظيفية تخدم مصالح أكبر وأكثر تعقيدًا.
إن التبسيط في تحليل نشأة وعمل هذه التنظيمات هو أكبر خدمة تُقدم لها، وللجهات التي تقف وراءها، ففي الوقت الذي يُشغل فيه المحللون بمناقشة جذور الفتاوى والأفكار، تغفل الأغلبية عن الآلية الحقيقية للتمويل والتوجيه التي تمنح هذه الجماعات قوتها، وتحدد مسار عملياتها. لقد أثبتت التجربة أن مناطق نشاطها وتوقيت تصعيد هجماتها تتناسب طرديًا مع نقاط الضغط الجيوسياسي التي تحتاج إليها القوى الإقليمية والدولية لإعادة تشكيل موازين القوى. هذا التناغم بين أفعال التنظيم وأهداف الدول الفاعلة لا يمكن أن يكون مجرد صدفة أو توافق في المصالح، بل هو دليل على تداخل عميق في الهيكل التنظيمي والعملياتي.
ومن هنا يُمكن النظر إلى التنظيمات الراديكالية مثل “داعش وأخواتها” على أنها “شركات مساهمة متعددة المهام والأهداف”، ومخترقة إلى حد بعيد من قبل أجهزة المخابرات في الدول الفاعلة. هذا الاختراق ليس سطحيًا، بل يتمثل في اشتراك مندوبين من تلك الدول في صناعة القرار الداخلي لهذه التنظيمات. هذا التداخل يفسر سبب ازدياد نشاط هذه التنظيمات في أحداث ومناطق محددة تحديدًا، حيث تُوَظَّف لتحقيق هدف تكتيكي يخدم في نهاية الأمر الهدف الاستراتيجي لمشغليها.
لقد أسهم تنظيم “داعش” إلى حد بعيد في تفاقم الصراعات الطائفية والسياسية في الشرق الأوسط، فقد استغل التنظيم الانقسامات القائمة بين السنة والشيعة؛ مما زاد حدة التوترات، وأشعل صراعات داخلية واسعة. وفي العراق وسوريا أدت سيطرة داعش على الأراضي إلى: تهجير ملايين الأشخاص وتدمير البنية التحتية بشكل واسع وتفاقم الأزمات الإنسانية إلى مستويات غير مسبوقة. هذه التداعيات لا تزال تثقل كاهل المنطقة، وتتطلب جهودًا ضخمة لإعادة الإعمار وتأهيل المجتمعات المتضررة.
إنّ كل ما حدث من توظيف للتنظيمات الراديكالية يندرج في إطار ما عُرف بـ “الفوضى الخلاقة”، وهي استراتيجية بَشّرت بها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس. الهدف الأساسي من هذه الاستراتيجية هو تفتيت المنطقة وإعادة صياغة الخارطة الجيوسياسية وفق أسس جديدة. وتعتمد هذه الأسس على تأجيج الصراع بين مكونات شعوب المنطقة المختلفة: العرقية، الطائفية، المذهبية، والقومية. وبذلك تكون التنظيمات الراديكالية قد أدت الدور المطلوب منها بنجاح، وهو دور له ثمن باهظ سيدفع ثمنه الخاسرون في حين يحصل على الجائزة الكبرى من يحقق أهداف الدول التي وظفت هذه الفوضى.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :