استهداف مبنى الأركان وسط العاصمة دمشق- 16 تموز 2025 (صحيفة اللوموند)
الغارات كرسائل ضغط
صراع نفوذ إسرائيلي- تركي في سوريا
عنب بلدي – محمد ديب بظت
تشير التطورات الأخيرة في سوريا إلى صراع غير معلَن بين إسرائيل وتركيا، هدفه تعزيز النفوذ العسكري والسياسي بعد سقوط حكم بشار الأسد.
إسرائيل تستخدم الضربات الجوية ليس فقط كأداة عسكرية، بل كوسيلة لإرسال رسائل لأنقرة، تفيد بأنها لن تسمح بترسيخ أي وجود عسكري تركي قد يغير موازين القوة في الداخل السوري.
وفي سياق الضربات الإسرائيلية الأخيرة على ريف حمص واللاذقية، تداولت بعض المصادر الإسرائيلية أن الغارات استهدفت مستودعات تحتوي على صواريخ ومنظومات دفاع جوي يُعتقد أنها تركية الصنع.
لكن وزارة الدفاع التركية نفت هذه التقارير بشكل قاطع، مؤكدة أنه “لا توجد أي حالة سلبية تتعلق بالقوات أو المعدات التركية في سوريا”، وأن الأخبار التي زعمت استهداف أصول الجيش التركي “غير صحيحة ولا تعكس الواقع”.
التوتر يتجاوز الغارات، ويشمل تحركات تركية واسعة في الداخل السوري، مثل زيارات وفودها لمطارات “T4″ و”تدمر” و”حماة”، في محاولة لترسيخ وجود طويل الأمد وحماية حدودها الجنوبية.
الضربات الإسرائيلية
في الأشهر الأخيرة، كثفت إسرائيل ضرباتها الجوية على الأراضي السورية، مستهدفة مواقع عسكرية وأمنية حساسة، في إطار تصعيد متواصل منذ سقوط نظام بشار الأسد مع نهاية عام 2024.
مع بداية نيسان الماضي، شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية سلسلة من الغارات على عدة مواقع في دمشق وحماة، بما في ذلك مركز البحوث العلمية في منطقة برزة، ومطار “T4” في حمص، بالإضافة إلى منشآت عسكرية أخرى.
وفي منتصف تموز الماضي، استهدفت غارات جوية إسرائيلية مبنى هيئة الأركان وسط العاصمة دمشق.
تظهر هذه الضربات تصعيدًا في استراتيجية إسرائيل التي تهدف إلى منع أي وجود عسكري معادٍ بالقرب من حدودها، خاصة في المناطق الجنوبية من سوريا.
الغارات الإسرائيلية في سوريا لم تعد مجرد ضربات عسكرية محدودة، بل تحولت إلى أدوات لإرسال رسائل استراتيجية ضمنية، خاصة لتركيا، لتحديد سقف النفوذ في الداخل السوري.
المعادلة الجديدة تجعل الأراضي السورية منصة للاحتكاك الإقليمي، حيث تحاول كل قوة تثبيت موضعها مع إبقاء الطرف الآخر تحت مراقبة مستمرة.
وأعرب الجانب التركي عن تحفظه على الغارات الإسرائيلية، حيث قال الرئيس التركي، في 26 من أيلول الماضي، خلال عودته من نيويورك بعد مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن الهجمات الإسرائيلية في سوريا تهدف إلى تقويض جهود السلام والاستقرار، مؤكدًا موقف بلاده تجاه أي تصعيد عسكري قد يؤثر على الاستقرار الإقليمي.
ومع تكرار الاستهدافات الجوية الإسرائيلية، تتحول سوريا، بحسب محللين سياسيين، إلى ساحة صراع ضمني بين مشروعين إقليميين متعارضين، مشروع تركي يسعى لتثبيت وجوده طويل الأمد، ومشروع إسرائيلي يسعى للحفاظ على تفوقه الجوي ومنع أي قوة أخرى من تغيير قواعد اللعبة في العمق السوري.
رسائل موجهة
الأكاديمي في العلاقات الدولية محمد الجابي، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن تل أبيب باتت تربط بوضوح بين مسار التفاوض مع دمشق وحدود الدور التركي في سوريا، معتبرة أن أي ترسيخ لأنقرة داخل المجال السوري يشكل تهديدًا وجوديًا لتفوق إسرائيل الجوي.
وأوضح أن الضربات الإسرائيلية الأخيرة على مواقع في سوريا لم تعد تتحرك في إطار الصراع التقليدي، بل باتت مرتبطة بشكل مباشر بوجود تركي متزايد داخل الأراضي السورية.
وبحسب الجابي، فإن تركيا من خلال زيارات وفودها العسكرية إلى مطارات مثل “T4″ و”تدمر” و”حماة”، أرادت أن توصل رسالة مفادها أنها ترى في سوريا فضاء استراتيجيًا لا يمكن تركه فارغًا، وأن وجودها هناك جزء من أمنها القومي.
لكن إسرائيل، وفق الجابي، التقطت هذا التحول سريعًا واعتبرته تهديدًا لمعادلة تفوقها الجوي، فبادرت إلى تنفيذ ضربات استباقية على بعض القواعد التي استطلعتها أنقرة، موجهة رسالة واضحة بأن أي تمركز تركي سيعامل كخط أحمر.
وأضاف أن الضربات الأخيرة أو الإنزال الجوي، مثل تلك التي شهدتها منطقة الكسوة مع نهاية آب الماضي، حملت بعدًا استعراضيًا ورسالة مزدوجة، تقول إسرائيل من خلالها إنها قادرة على الوصول إلى أي موقع داخل سوريا، وفي الوقت ذاته توجه إنذارًا إلى تركيا بأن محاولات التوسع أو التمركز ستواجه برد عسكري مباشر.
ويرى أن هذا التنافس يعكس انتقال سوريا من كونها ساحة نفوذ إيراني- روسي إلى ميدان تتقاطع فيه مشاريع إقليمية متعارضة، أحدها تركي يسعى لتثبيت النفوذ طويل الأمد، وآخر إسرائيلي يريد منع أي قوة أخرى من تغيير معادلة الردع.
ووفقًا للجابي، فإن التداعيات تتجاوز الجانب العسكري، فالسوريون يبقون في قلب “لعبة أكبر منهم”، تحول أراضيهم إلى مساحات ترسل منها رسائل بين أنقرة وتل أبيب.
وعلى المستوى الإقليمي، يزيد هذا التنافس من هشاشة الوضع، ويعقّد أي محاولة لإعادة الإعمار أو تحقيق استقرار سياسي مستدام.
لاعب مركزي
اعتبر الكاتب السياسي جعفر خضور أن الضربات الإسرائيلية على الأراضي السورية تحمل رسائل موجهة إلى تركيا.
وقال خضور في حديث إلى عنب بلدي، إن إسرائيل أرادت من خلال الضربات الأخيرة، التي دمرت قدرات عسكرية سورية، أن تقول لأنقرة إن التعامل معها في المستقبل السوري يجب أن يكون على أساس “شراكة رسمية ووازنة”، لا مجرد طرف ثانوي في المعادلة.
ويرى الكاتب السياسي أن الرسائل الموجهة إلى تركيا تعني بالضرورة أن إسرائيل لن تسمح لأنقرة بأن تكون صاحبة اليد الطولى في سوريا.
وبرأي خضور، فإن إسرائيل تقدّر خطورة التحالفات التي تضم تركيا وقطر والسعودية والأردن، والتي تعتقد أنها قد تؤثر على مستقبل النفوذ الاقتصادي في سوريا.
وهنا يبرز التنافس الإقليمي، بحسب خضور، على رسم خرائط النفوذ، حيث ترى تل أبيب أنها لاعب مركزي في هذا السباق، خصوصًا بعدما نجحت في تثبيت وجودها عبر عدة جبهات، الأمر الذي دفعها لتطوير رؤيتها الأمنية التقليدية القائمة على “الضرب في كل مكان وزمان تراه مناسبًا”.
ونوه إلى أن تل أبيب تسعى لتثبيت موقعها في المعادلة الإقليمية، لكن هذا الوجود مرتبط بشكل مباشر بتحديد طبيعة الدور الأمريكي المقبل في المنطقة، ما يجعل من المبكر التأكيد على تثبيت إسرائيل لمعادلة إقليمية ثابتة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :