قلعة حلب.. “شاهدة الصمود” تفتح أبوابها من جديد

الباب الرئيس لقلعة حلب خلال حفل إعادة افتتاحها - 27 أيلول 2025 (عنب بلدي/محمد ديب بظت)

camera iconالباب الرئيس لقلعة حلب خلال حفل إعادة افتتاحها - 27 أيلول 2025 (عنب بلدي/محمد ديب بظت)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – موفق الخوجة

اعتاد السياح والسوريون، وخاصة من أهالي مدينة حلب، زيارة القلعة الأثرية الشهيرة المتربعة وسط المدينة، فور دخولهم إليها.

وتعتبر قلعة حلب أيقونة المدينة السورية الأبرز، وأهم معالمها على الإطلاق، نظرًا إلى ما تحلمه من رمزية تاريخية، ضمن إحدى أقدم المدن في العالم، التي ما زالت مأهولة بالسكان حتى الآن، ويمتد عمرها لأكثر من خمسة آلاف سنة على أقل تقدير.

وحُرم العديد من أهالي حلب، خلال سنوات الثورة السورية، من رؤية القلعة، بسبب وقوعها ضمن مناطق الاشتباك، فضلًا عن هجرتهم من المدينة، بسبب الأوضاع السياسية، وسيطرة النظام السابق على المدينة.

وبعد سقوط النظام، وعودة بعض الأهالي إلى مدينتهم، واظب الحلبيون على زيارة ساحة القلعة والتقاط الصور التذكارية، إعلانًا عن عودتهم إلى المدنية بعد سنوات من الاغتراب والتهجير.

تعزز الانتماء

ترتبط القلعة بوجدان الحلبيين، إذ تحمل بعدًا شاعريًا وسياسيًا، يتعلق بصمودها في ظل الحملات العسكرية التي شهدتها مدينة حلب خلال آلاف السنين، وتعاقب الدول والحضارات والممالك، إذ بقيت على حالها المعهود، ولم تتغير معالمها.

عمر صباغ، شاب ثلاثيني، غادر سوريا إلى تركيا قبل 11 سنة، ليعود إلى مدينته حلب، عقب أيام من سقوط النظام، ليكون أول ما يفعله، التجول في شوارع المدينة وأحيائها، انطلاقًا من معالمها، وعلى رأسها القلعة.

وقال إنه وجد الانتماء الذي كان يفتقده خلال السنوات الماضية، بالرغم من زيارته لكثير من المناطق الجميلة، خلال إقامته في مدينة اسطنبول التركية.

“أشعر أن هذا المكان ملكي وأنا مسؤول عنه”، قال عمر، مضيفًا، “أنا شخص لديه الآن وجود وحضور وتاريخ وجذور، ولدي مدينة جميلة أنتمي لها، وهذا ما كنت أفتقده في بلاد الاغتراب”.

إعادة الافتتاح

أعيد افتتاح قلعة حلب أمام الزوار، في 27 من أيلول الماضي، بحفل وحضور رسمي وشعبي، وفعالية استمرت يومين، بعد سنوات من إغلاقها، بسب العمليات العسكرية، والزلزال الذي ضرب المنطقة في 6 من شباط 2023.

عمر صباغ، دخل إلى القلعة خلال حفل إعادة افتتاحها، بعد آخر زيارة له كانت في عام 2009.

لم يرَ الشاب فروقًا عن آخر زيارة له إلى القلعة، من حيث العمران أو عمليات الترميم أو الآثار التي أحدثتها الحرب منذ أكثر من 15 عامًا حتى الآن.

ووصف حضوره الافتتاح بأنه “شعور عظيم ولحظات لا تُنسى”، إذ يرى أن أي حدث في حلب بعد غربة لمدة 11 عامًا، يعتبر بمثابة “لحظات تسطّر”، وأنه يحضر “كتابة التاريخ”.

يوافقه الفنان التشكيلي غسان عساف، الذي دخل قلعة حلب خلال فعالية إعادة افتتاحها في أثناء زيارته إلى سوريا، وقال إنه يدخل القلعة لأول مرة منذ عام 2009.

عبّر عساف عن فرحته الكبيرة بحضوره فعالية افتتاح القلعة، مضيفًا أنه رأى “السرور الواضح” على حضور الفعالية، متمنيًا إقامة فعاليات أخرى، لرسم الابتسامة على وجوه الناس، وفق تعبيره.

المنشد الحلبي، ومدير فرقة “نهاوند” للموشحات والتراث، عبد الناصر حلاق، أعرب، خلال حديث إلى عنب بلدي، عن شعوره بالفخر والعز خلال وجوده بالقلعة التي وصفها بـ”قلعة الشموخ والصمود”، التي دحرت هولاكو وتيمورلنك والرئيس السوري المخلوع، بشار الأسد.

واعتبر المنشد الذي أحيا اليوم الثاني من فعاليات الافتتاح، في 28 من أيلول الماضي، أن القلعة تستحق أن يقدّر فيها تراث “الأصيل” من موشحات وأدوار وقدود، التي تشتهر فيها مدينة حلب.

وكان اليوم الثاني شهد عروضًا فنية فلكلورية متنوعة، تمثل القوميات التي تسكن المدينة، من العرب والشركس والكرد، إضافة إلى عروض للإنشاد والقدود، قدمها المنشد حلاق.

أُغلقت أبواب قلعة حلب منذ النصف الثاني لعام 2012، بسبب بدء العمليات العسكرية، وسيطرة فصائل المعارضة على القسم الشرقي للمدينة.

وكانت القلعة حينها على خط المواجهة، إذ اتخذها النظام ثكنة عسكرية ومنصة للقناصات، باتجاه مناطق سيطرة المعارضة.

وبعد خروج المعارضة من الأحياء الشرقية، أواخر عام 2016، أعاد النظام افتتاح القلعة أمام الزوار، إلا أن زلزال شباط 2023 أوقف الزيارات بسبب تضرر البناء، والبدء بعمليات الترميم.

حفل بحضور الآلاف

توافد الآلاف للساحة أمام قلعة حلب خلال حفل افتتاحها، إذ اقتصر الحضور في الداخل على دعوات خاصة وجهتها الحكومة لعدد محدود من الشخصيات، إلا أن المحافظة وفرت شاشة للبث المباشر.

وشهدت الساحة تفاعلًا حيًا للحاضرين أمام الشاشة الكبيرة التي نصبت أمام باب القلعة، وتفاعل الجمهور مع الأغاني والقدود الحلبية التي أداها الفنان الحلبي عبد الكريم حمدان، خلال الحفل.

الحضور كان استثنائيًا، إلا أن الساحة يتوافد إليها مئات الزوار يوميًا للجلوس تحت أسوارها، إذ باتت إحدى أبرز الساحات التي يقصدها الحلبيون، خاصة مساء الخميس.

وفق ما يرى عمر صباغ، يمثل النظر إلى القلعة لكثير من الحلبيين شعورًا بالراحة والقوة، وأنهم ينتمون لأرض عظيمة، ما يصل إلى مرحلة “الغرور بالانتماء”.

وقال إن النظر إلى قلعة حلب يختصر شرح “عظمة” هذا البلد وتاريخه.

وتعتبر القلعة شاهدة على القوة العربية منذ القرن الـ13 حتى الـ14، بينما تشير أدلة إلى وجود احتلال سابق من قبل حضارات يعود تاريخها إلى القرن العاشر قبل الميلاد، وفق منظمة “يونسكو” التابعة للأمم المتحدة.

تكرار الزيارة

لا يكتفي أهالي حلب بالجلوس في الساحة، بل يواظب كثير منهم على زيارة القلعة والتجول داخلها باستمرار.

الدافع لتكرار زيارة قلعة حلب هو “الشوق”، إذ “لا يكتفي المحب للنظر مرة أو اثنتين إلى محبوبته”، وفق تعبير عمر.

وأشار إلى أنه يعتزم اصطحاب أولاد أخيه، الذين ولدوا خارج سوريا، لزيارة القلعة وإلى الأماكن التاريخية الأخرى.

وبحسب ما رصدته عنب بلدي، تبلغ تكلفة الدخول إلى قلعة حلب خمسة آلاف ليرة سورية للمواطن السوري أو من في حكمه، أي أقل من نصف دولار، بينما تبلغ تكلفة دخول الأجنبي 50 ألف ليرة، أي ما يعادل 4.5 دولار.

تاريخ يعود لثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد

يعود استخدام تل القلعة إلى منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد على الأقل، حين كان هناك معبد للإله القديم هدد، بحسب موقع “castles.nl“.

ويُقال إن سكان حلب لجؤوا إلى القلعة خلال القرن السابع الميلادي، لأن أسوار المدينة كانت في حالة “يرثى لها” وفق الموقع ذاته.

وفي عام 636 ميلاديًا، دخل جيش المسلمين إلى حلب، وأُجريت إصلاحات لاحقة للقلعة بعد زلزال كبير تعرضت له المدينة في تلك الفترة.

وتعاقبت الدول والحضارات منذ ذلك الحين، إلى بداية نشوء الدول الحديثة، بدءًا بالحمدانيين والزنكيين والأيوبيين، مرورًا بالمغول، ووصولًا إلى العثمانيين.

وخلال العهد العثماني، تضاءل الدور العسكري للقلعة كحصن دفاعي تدريجيًا، إذ استخدمت ثكنة للجنود العثمانيين، حتى بداية فترة الانتداب الفرنسي، في النصف الأول من القرن الـ20.

تحتوي القلعة على بقايا مساجد وقصور وحمامات، وتحمل المدينة المسوّرة التي نشأت حول القلعة أدلة على تخطيط الشوارع اليوناني الروماني المبكر، كما تحتوي على بقايا مبانٍ مسيحية من القرن السادس الميلادي.

وتضم أسوارًا وبوابات من العصور الوسطى، ومساجد ومدارس من العصور الأيوبية والمملوكية، ومساجد وقصورًا لاحقة من العصر العثماني، بحسب “يونسكو”.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة