
عائلات لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في مخيم الهول شمال شرقي سوريا - 28 آب 2025 (هاوار)
عائلات لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في مخيم الهول شمال شرقي سوريا - 28 آب 2025 (هاوار)
عنب بلدي – أمير حقوق
أعلن قائد القيادة المركزية الأمريكية، الأدميرال براد كوبر، عن تشكيل “خلية مشتركة لإعادة المحتجزين/الأشخاص” (Joint Repatriation Cell) في شمال شرقي سوريا إلى أوطانهم، داعيًا الدول إلى إعادة الأشخاص من مخيم “الهول” والمخيمات وأماكن الاحتجاز المحيطة به.
وحث كوبر على تسريع عودة المعتقلين والنازحين إلى بلدانهم الأصلية، وأعلن عن خطط لإنشاء آلية تنسيق مشتركة جديدة، وذلك خلال مؤتمر رفيع المستوى للأمم المتحدة، عُقد بمقر المنظمة في نيويورك، وخُصص لمناقشة أوضاع مخيم “الهول” والمراكز المحيطة.
وتدور تكهنات حول دور “الخلية”، وقدرتها على إنهاء مشكلة احتجاز الآلاف داخل المخيمات، ومنع عودتهم إلى أوطانهم من قبل حكومات البلاد التي ينحدرون منها، كذلك إمكانية أن تكون “الخلية” بداية حقيقية لسحب ورقة استخدمتها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ولوّحت بها لسنوات لاستدرار الدعم السياسي والعسكري.
إنشاء “خلية مشتركة” يعكس إدراكًا أمريكيًا لخطورة استمرار بقاء آلاف المحتجزين والنازحين داخل مخيم “الهول” ومراكز الاحتجاز الأخرى، حيث تحولت هذه المواقع إلى بؤر توتر أمني وإنساني، كما يحمل الإعلان بعدًا سياسيًا، إذ يوحي بأن واشنطن تحاول دفع المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته تجاه هذا الملف، وعدم ترك العبء على عاتق “قسد” أو القوات الأمريكية فقط.
وهنا، يوضح الصحفي والباحث السياسي سامر الأحمد، أن إعلان القيادة المركزية الأمريكية تشكيل “خلية” خاصة بمخيم “الهول” والمخيمات المحيطة، ليس مجرد خطوة تقنية، بل هو مؤشر على أن الملف بات يُعامل كقضية أمن قومي دولي، وهناك سعي جدّي لحله.
وقال الأحمد، في حديث إلى عنب بلدي، إن واشنطن ترى أن ترك المخيم من دون معالجة نهائية يشكل خطرًا مستمرًا، سواء من ناحية تجدد نشاط تنظيم “الدولة الإسلامية”، أو من ناحية تفاقم الأزمة الإنسانية، لذلك، تحاول بناء إطار منظم يجمع الدول المعنية على طاولة واحدة بدل الاستمرار بالمعالجات الجزئية.
إعلان القيادة المركزية الأمريكية تشكيل خلية خاصة بمخيم “الهول” والمخيمات المحيطة، مؤشر على أن الملف بات يُعامل كقضية أمن قومي دولي، وواشنطن ترى أن ترك المخيم من دون معالجة نهائية يشكل خطرًا مستمرًا.
سامر الأحمد
صحفي وباحث سياسي
بعد إعلان التحالف الدولي بقيادة واشنطن الانتصار على تنظيم “الدولة” في آذار 2019، باتت معظم المخاوف تنحصر في مخيم “الهول”، باعتباره يحوي الآلاف من عائلات وذوي التنظيم، وفق المحلل السياسي حسن النيفي.
وقال النيفي، في حديث إلى عنب بلدي، إنه بحسب أطراف عديدة، فإن الخشية تكمن في أن يصبح المخيم ملاذًا لتنامي أفكار التنظيم، و”تفريخ” المزيد من أنصار التنظيم ومؤيديه، وهذا ما دفع لتشكيل “الخلية المشتركة”.
واعتبر النيفي أن دعوة قائد القيادة المركزية الأمريكية لإنشاء “الخلية” المشار إليها تأتي في سياق الجهود الأمريكية للانتهاء من ملف تنظيم “الدولة”، ولهذا يرى كوبر أن المخيم من شأنه تشكيل خطر على المجتمع الدولي لأنه “موئل لتناسل الأفكار الإرهابية”، وإذا ما تمت الاستجابة لدعوته، فإنه بلا شك سوف يكون هناك تنسيق مع الحكومة السورية أولًا، وربما مع تركيا أيضًا، إلا أن “نجاح هذه المبادرة يبقى معلّقًا على استجابة الدول للدعوة الأمريكية الجديدة”.
أهمية “الخلية المشتركة” تكمن في أنها قد تتحول إلى منصة لتنسيق الجهود بين عدة أطراف دولية ومحلية، وما ينتج عنها من تحركات دولية لحل قضية المحتجزين والنازحين، خاصة أنها تضمن آلية تنسيق دولي.
وفي هذا السياق، يعتقد الصحفي والباحث السياسي سامر الأحمد، أن الأهمية تكمن في أنها المرة الأولى التي يتم فيها طرح آلية دولية متخصصة لمعالجة هذا الملف، بدل تركه بيد “قسد” وحدها أو للدول بشكل منفرد.
وقد تتضمن آلية التنسيق تبادل قواعد البيانات عن المحتجزين، وترتيب قنوات اتصال دبلوماسية لتسريع الاستجابة، وتنظيم آليات قانونية لتسليم واستلام الموقوفين، وحتى التفاهم على ترتيبات أمنية خلال عمليات النقل، وبهذه الطريقة، يتم تقليص التسييس والبطء، اللذين عطّلا معالجة الملف لسنوات، وفق ما قاله الأحمد.
قال الباحث سامر الأحمد، إنه لكي تكون “الخلية” فعالة، يجب أن تضع خطة زمنية واضحة لإعادة دفعات محددة كل فترة، مع رقابة قانونية وأمنية دولية حتى لا تتحول العملية إلى ترحيل عشوائي.
ومن المهم أيضًا أن تتضمن الآلية مسؤولية مباشرة للدول في استقبال رعاياها، وإطلاق برامج لإعادة التأهيل، لا الاكتفاء بالتمنّع أو إصدار بيانات، منوهًا إلى أن الشفافية مطلوبة هنا، سواء مع الإعلام أو مع السكان المحليين، لأن كل تأخير ينعكس توترًا أمنيًا على المنطقة.
أما المحلل السياسي حسن النيفي، فيعتقد أن الحل الذي يتطلع إليه الجميع هو قيام الدول التي ينتمي إليها سكان مخيم “الهول” باستعادة مواطنيها، كل إلى بلده، ولكن هذا التطلع لم تستجب له الدول المعنية التي لا ترغب باستعادة أشخاص يحملون أفكارًا إرهابية ربما يتم الترويج لها في بلدانهم، ومن هنا ظهرت أزمة ما يسمى مخيم “الهول”.
يرى خبراء سياسيون أن حكومة دمشق يمكن أن تستثمر الملف لإعادة تأكيد أنها صاحبة السيادة على الأرض، وتظهر بمظهر الشريك الدولي في مكافحة الإرهاب.
الباحث سامر الأحمد، يعتقد أن الحكومة السورية ستسعى بطبيعة الحال إلى أن تكون جزءًا أساسيًا من هذه “الخلية”، باعتبارها الحكومة الشرعية المعترف بها، وخاصة بعد زيارة الرئيس السوري، أحمد الشرع، إلى نيويورك، وزيارة الأدميرال كوبر إلى دمشق.
وأشار إلى أبرز مفاصل الاتفاق بين دمشق وواشنطن، وهي تسلم السجون وحل قضية مخيم “الهول”، ما يمنح دمشق دورًا مباشرًا في الملف، وستُستخدم مشاركة الحكومة لتحسين صورتها دوليًا وإبراز نفسها كشريك مسؤول في محاربة الإرهاب.
حول إمكانية أن تكون “الخلية” سبيلًا للحوار بين حكومة دمشق و”قسد”، يرجح الباحث سامر الأحمد، أنها قد تفتح مساحة لتنسيق غير مباشر بين دمشق و”قسد” برعاية أمريكية ودولية، خاصة أن وجودها يربط الطرفين بملف مشترك لا يمكن لأي منهما تجاهله.
وقال الأحمد، إن هذا قد يضع “الإدارة الذاتية” أمام أمر واقع، ويدفعها للانخراط في تسريع تطبيق اتفاقية 10 من آذار مع الحكومة السورية ولو بحدها الأدنى، بحكم أن أي حل لمخيم “الهول” أو للمعتقلين لا يمكن أن يتم بمعزل عن الطرفين، بحسب الباحث سامر الأحمد.
“الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا، طالبت بأن تصاحب عملية الاستعادة بمحاكمات “عادلة وشفافة” لمقاتلي التنظيم في أراضيها، مع وجود تحليلات ترجح أن معالجة ملف مخيم “الهول” وغيره، قد يضعف “قسد”، لأن المخيم كان يعد ورقتها الرابحة.
وهنا، قال الباحث سامر الأحمد، إنه من وجهة نظر “الإدارة الذاتية” المطالبة مشروعة، لأنها تريد أن تظهر بمظهر الجهة المسؤولة التي تحاسب من تورط بجرائم على أراضيها، لكنها على أرض الواقع مطالبة معقدة وغير منطقية لأنها لا شرعية لها في الوقت الراهن، أما قضية المحاكمات، فقد تكون هناك حلول عبر إنشاء محكمة خاصة بالتعاون بين التحالف الدولي والحكومة السورية، مع إيجاد حل نهائي لقضية “الهول” ومعتقلي التنظيم.
أما بالنسبة لورقة “الهول”، فـ”الخلية” بالفعل قد تُضعف قدرة “الإدارة الذاتية” على استخدام المخيم أداة ضغط سياسي أو تفاوضي، لأنها ستصبح تحت إشراف دولي مباشر، بحسب سامر الأحمد.
بدوره، المحلل حسن النيفي قال إن مطالبة “قسد” بمحاسبة المحتجزين على أراضيها قبل مغادرتهم هي ورقة مطروحة للاستثمار فحسب، إذ إن السؤال الذي يمكن طرحه: لماذا لم تحاسبهم “قسد” سابقًا أو تبدأ بمحاسبتهم الآن، أليست هي من تسيطر على مخيم “الهول”.
ويمثل مخيم “الهول” الذي يضم عائلات مقاتلي تنظيم “الدولة” ملفًا سياسيًا أساسيًا بين حكومة دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، إذ تعتبره الأخيرة ورقة رابحة في يدها، فيما تشير التفاهمات والتطورات بين دمشق وقوى إقليمية ودولية إلى إمكانية سحب الورقة من يد “قسد”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى